رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 ذو الحجة 1425هـ - 19 يناير 2005
العدد 1662

رأي الطليعة
مأزق مواجهة الإرهاب

الأحداث التي روعت الكويت ابتداء من حادث ضباط الجيش الى حادث حولي ثم المواجهة في أم الهيمان وما اكتشف فيها من متفجرات ثم الكميات الهائلة الأخرى في الصباحية، تعني شيئا واحدا أن الكويت قد دخلت نادي الدول التي تعاني من شرور الإرهاب حسب تعبير الدكتور أحمد الخطيب·

وإذا كنا قد عرفنا ما واجهناه في بداية نفق الإرهاب فنحن لا نعلم ما سوف نواجهه في القادم من الأيام! والى متى سيدوم؟ ومتى سنصل الى نهاية النفق؟ وما التكاليف التي سيتحملها المجتمع جراء ذلك؟

الإرهاب وعمليات العنف التي اجتاحت بلدان عربية وإسلامية، مصر والجزائر والسعودية وإندونيسيا ليست نباتات عشوائية وإنما هي ثمرة لغرس فكري وسياسات حكومات ودول·

عن منابع فكر الغلو والتشدد يقول منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية في كتابه الذي يروي سيرته الذاتية معهم بأن فكر التكفير خرج من عباءة الإخوان المسلمين وأن هذه الأفكار المتشددة جاءت من سيد قطب والمنبع الآخر لفكر الغلو والتشدد هو الفكر السلفي السائد في المملكة العربية السعودية والذي تم تصديره الى دول عربية وآسيوية ومنها الكويت·

وأما السياسات التي روجت لهذا الفكر فهي سياسة السادات في مصر عندما فتح الجامعات للقوى الدينية لمواجهة الناصريين والقوميين واليساريين· والسياسة التي اتبعتها السعودية في تشجيع ومساندة هذه القوى للقتال في أفغانستان ثم ارتدت هذه السياسات على صانعيها·

وفي الكويت خطر الإرهاب الذي نواجهه اليوم هو ثمرة تحالف الحكم مع هذه القوى في مواجهة ما كان يعتبره معارضة من التيار الوطني الديمقراطي، ففتحت الميدان أمام قوى التيار الديني فتوسعت وتشعبت جمعيات وفروع ومخيمات ومصالح اقتصادية وهيمنت على المؤسسات التعليمية والدينية وتسعى لفرض هذه الهيمنة على كل أوجه الحياة الاجتماعية، وصبغها بمنظورها وفق تفسيرها المتزمت للإسلام والتضييق على الحريات التي كفلها الدستور لتحويل الكويت من دولة يحكمها دستور 1962 الى دولة دينية، والبعض يريدها دولة طالبان·

قوى التيار الديني التي تدعي الاعتدال وترفع شعار إدانة الأحداث لا يمكن إعفاؤها من المسؤولية، فكما خرج تيار الغلو والتشدد في مصر من عباءة الإخوان فكذلك هي الحال في الكويت، فهذه القوى هي التي هيأت التربة التي أنبتت وأثمرت ما نعانيه اليوم من عمليات الإرهاب نتاج فكر الغلو والتشدد·

قوى التيار الديني في الكويت ساندت وغذت عمليات القتال في أفغانستان بالمال وبالمتطوعين كما ساندت القتال في الشيشان ودافعت عن الأعمال الإرهابية في العراق تحت ذرائع التعاطف مع الفلوجة ومقاومة الاحتلال الأمريكي·

ما اكتشف من أسلحة ومتفجرات وعتاد وصواعق ليس معدا لإرساله الى الشيشان كما كان الادعاء سابقا، الأسلحة المخبأة هذه المرة هي للاستخدام داخل الكويت· نحن اليوم في مأزق والحكم في مأزق إذ إننا لا نعرف حجم العدو الذي يتربص بأمن البلد·

فما اكتشف من أسلحة وأدوات التخريب كاف لتدمير بلدنا الصغير وشل حياته الاقتصادية إذا ما أفلح الإرهابيون في تنفيذ مآربهم·

بطبيعة الحال المعالجة الأمنية ضرورية وحشد كل الطاقات للقضاء على أوكار الإرهاب أمر ملح، لكن تجربة الدول الأخرى تعلمنا بأن المواجهة الأمنية مع هذه القوى قد تطول كما هي الحال في السعودية، والمعالجة الأمنية وحدها مهما كانت ناجعة وفعالة قد تقضي على ما هو ظاهر فوق الأرض، ولكنها لا تجتث جذور فكر الغلو وثقافة التكفير والتشدد·

ولا يبدو أن الحكم قد استوعب حجم الخطر الذي نواجهه والتعويل على المعالجة الفكرية التي تراهن عليها من خلال الوعاظ يظهر عجز الحكومة عن فهم خطورة ظاهرة الإرهاب وتشعبها وامتداد جذورها·

عناصر الضعف في مواجهة خطر الإرهاب تكمن في أمرين رخاوة الحكم والحكومة وعجزها وعدم إمكانية قوى التيار الديني على تغيير نهجها وفكرها، وإذا كانت قوى التيار الديني أبدت تراجعا اليوم أمام الغضب الشعبي وتحني رأسها أمام العاصفة، فلن تلبث أن تستعيد سيرتها كما حدث بعد تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر 2001·

لن نتمكن من دحر قوى الإرهاب إلا بإنزال هزيمة بفكر الغلو والتشدد وثقافة التكفير وإلغاء الآخر والاستهانة بحياة الآخرين وهذا يحتاج الى جهد مضن على كل الأصعدة الرسمية - إذا حسمت أمرها - والشعبية كذلك·

نحن أمام خطر مرعب ومأزق لا يمكن التقليل من خطورته وصعوبة تجاوزه، هذا القول ليس من باب التخويف ونشر الرعب والرغبة في إدانة الآخرين، ولكنه من باب المصارحة في رؤية الأمور على حقيقتها·

أملنا فقط في صمود شعبنا وتماسك قواه الى أن تزول المحنة·

�����