الفساد حق مكتسب للحكومة!
صدمت الأوساط السياسية من النتيجة التي آلت إليها جلسة يوم الاثنين الماضي التي خصصت لمناقشة تقرير ديوان المحاسبة بشأن التجاوزات في بلدية الكويت والهيئة العامة لشؤون الزراعة المحالة من مجلس الأمة بعد استجواب النائبين أحمد المليفي وعلي الراشد لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة محمد ضيف الله شرار·
فالاستجواب الذي قدمه النائبان المليفي والراشد وانتهى بفكرة إحالة التجاوزات الى ديوان المحاسبة بدلا من تقديم طلب طرح الثقة بالوزير شرار لقي ترحيبا حارا من جانب الشيخ صباح الى درجة وصفه بـ"الاستجواب الراقي" الأمر الذي فهمه الجميع بأن الشيخ صباح كان على يقين بأن ردود شرار على النائبين المستجوبين كانت صحيحة وأن شرار في وضع سليم وعليه فهو واثق (الشيخ صباح) من الإحالة لديوان المحاسبة، ولكن حينما يأتي التقرير ليؤكد 23 مخالفة من بينها تجاوزات في التزوير والتعدي على الأموال العامة وعلى أراضي الدولة، ومع ذلك فإن رئيس الحكومة يعلن ثقته التامة بالوزير شرار فإن هذا يعد أمرا يستعصي على الفهم·
كما أن جلسة استجواب وزير الصحة الدكتور محمد الجار الله كشفت مدى انحدار العمل البرلماني الى الدرجة التي تستخدم فيها الاستجوابات وطلب طرح الثقة كوسيلة للمساومة والابتزاز من جانب مجموعات قبلية وطائفية استجابت لتحركات مشبوهة من بعض النافذين في السلطة من وزراء وغير وزراء يشجعون القبلية والطائفية جهارا نهارا ولا يعنيهم في شيء إن تفتتت البلاد (دون أن نغمط حق بعض المخلصين وذوي النوايا الطيبة ممن وقعوا طلب طرح الثقة بالوزير)·
بعد هذا، ألا يحق لنا أن نتساءل: الى أين نحن ماضون؟ وهل تجاوزنا مرحلة ممارسة الفساد حتى أصبح أمرا هينا اعتدنا عليه حتى وصلنا الى مرحلة الدفاع عن الفساد وتقنينه؟! أو "بالعربي الفصيح" هل أصبح الفساد بالنهاية حقا مكتسبا للحكومة؟!
* * *
إن تجاهلت الحكومة
أحكام القضاء فمن يطبقها؟
يسود شعور طاغ بخيبة الأمل تجاه تعمد وزارات الدولة تجاهل أحكام القضاء، وكأن الحكومة توحي للناس بعدم أهمية احترامها، وهي ليست القدوة المفترضة فحسب، بل هي الجهة المناط بها تنفيذ هذه الأحكام بكل صرامة ومن دون تأخير·
ويتساءل الناس عن مصير الملفات التي تحيلها وزارات الدولة إلى النيابة ومنها بعض ملفات استجواب وزير الدولة محمد شرار التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة، فوزارات الدولة التي تتعمد عدم تطبيق أحكام القضاء وهي المناط بها تنفيذها على الناس هل ياترى ستطبق الأحكام ضد مسؤوليها في هذه الملفات؟
تأتي خيبة الأمل هذه على خلفية عدد كبير من الأحكام القضائية النهائية التي كشف مؤخرا أنها لم تطبق والمعروف منها حتى الآن حكم التمييز بانقضاء شركة دار الجزيرة التي تصدر عنها الزميلة "الرأي العام"، وحكم التمييز لصالح الدكتور محمد القطان ضد وزارة الصحة، وأحكام المواطن مديرس المديرس ضد البلدية، وحكم التمييز ببراءة الفلبينية ماري جين التي اتهمت بقتل زوجها الكندي· المؤسف في كل هذه الأحكام أنها نهائية وواضحة وأن المؤسسات الحكومية المعنية بتطبيقها تعمدت تجاهلها·
ولنأخذ كل قضية على حدة وباختصار شديد، فقد صدر حكم تمييز نهائي لصالح ورثة عبدالعزيز المساعيد ينص على انقضاء شركة دار الجزيرة للطباعة والنشر·· وتصفيتها وهو حكم واضح يعني أن الشركة التي تم تمديدها من سنتين إلى 25 سنة بالباطل، قد انقضت وكأنها لم تكن بتاريخ 18 ديسمبر 2004 ومازالت الجريدة تصدر حتى تاريخه وتعد هي الجريدة الوحيدة التي تطبع وتصدر من دون ترخيص!!! ويبقى حكم التمييز مهملا·
القضية الأخرى، راح ضحيتها ولو بشكل غير مباشر وزيرالصحة لعدم تطبيق الحكم وتنفيذه وحرمان صاحب الحق من ممارسة حقه لأكثر من عشر سنوات.
أما القضية الثالثة فهي بلا شك تمثل رأس جليد مغمور في البلدية حيث صدر حكم التمييز لصالح المواطن مديرس المديرس ضد مسؤول في البلدية يقضي بحبسه شهراً ولم ينفذ ولا يزال الوزير المسؤول عن البلدية يتهرب من مسؤولياته السياسية وصولا إلى تخليه عن وزارة البلدية لصالح غيره·
القضية الرابعة تتمثل في حكم استئناف صدر لصالح الفلبينية ماري جين بتاريخ 27 أكتوبر 2002 يقضي ببراءتها وبدلا من الإفراج عنها بانتظار حكم التمييز أبقيت في الحبس حتى صدور حكم التمييز لصالحها أيضا بتاريخ 22 إبريل 2003 بمعنى أنها بقيت ستة أشهر محبوسة رغم براءتها بانتظار حكم التمييز!! وبدلا من الاعتذار لها عن حبسها كل هذه المدة بتهمة قتل زوجها الذي قتل وهو بجانبها ولا يزال القاتل الحقيقي طليقاً بسبب توقف البحث عنه بعد إلصاق التهمة بزوجة القتيل، نقول بدلاً من ذلك ورغم صدور الحكم النهائي لصالحها قامت "الداخلية" بتسفيرها بحجة أن إقامتها انتهت ولم تجددها بمعنى أن المحبوسة كان عليها تجديد إقامتها وهي في الحبس!!!
الأدهى من ذلك أن كمبيوترات وزارة الداخلية لا تزال ماري جين مسجلة فيها كقاتلة ولم يتغير في ذلك شيء بعد صدور الحكم النهائي لصالحها·
أما زوجها الحالي وهو كندي الجنسية لم يترك بابا إلا طرقه سواء في وزارة الداخلية أو جهاز خدمة المواطن سعيا وراء تطبيق الحكم وإزالة توابعه من ملفات وكمبيوترات وزارة الداخلية كي يسمح له باستقدام زوجته لتعيش معه حيث يقيم بشكل مشروع، ولم يجد هذا الزوج سوى دوامة إدارات الداخلية التي تصر على معاقبة الإنسانة البريئة وزوجيها السابق والحالي، كل ذلك بسبب عجز الوزارة عن التوصل إلى الجاني الفعلي وكذلك عدم رغبتها في الرجوع عن قناعتها حتى بعد صدور حكم القضاء·