في المقال السابق تطرقنا الى الظروف القائمة في المنطقة في ظل تصاعد دوي واحتمالات الحرب على العراق· واستعرضنا على عجالة بعضا من الثغرات لاستعداداتنا في الكويت لما يتعلق بمرحلة ما بعد صدام حسين، واليوم نعود محذرين لنؤكد بأن الكويت حكومة وشعبا لا تملك برنامجا وخطة تسير وفقها لنتعامل مع الوضع العراقي الخارج من أتون وويلات ثلاثة عقود من الحروب والبطش والدمار وذلك عند زوال نظام صدام حسين!!

في العام 1990 كتب الدكتور “حازم الببلاوي” كتابا بعنوان “بعد أن يهدأ الغبار: برنامج عمل” تناول فيه الأزمة وإرهاصاتها وتحدث عن متطلبات ما بعد الأزمة!!

الكتاب صدر قبل حرب تحرير الكويت، وقد قسمه الدكتور “الببلاوي” الى قسمين: قسم يتناول أزمة الغزو العراقي للكويت باعتبارها وضعا غير قابل للاستمرار، والقسم الآخر من الكتاب جاء تحت عنوان “الإعداد” لمرحلة ما بعد زوال الكارثة!!

يركز الدكتور “الببلاوي” على أن أمن الخليج لا يتوقف على وجود مصادر للتهديد من قوى معادية بقدر ما يؤدي إليه وجود “جائزة” كبرى أو “ثمرة” يمكن اقتطافها!! وأن الأمر يحتاج الى مواجهة أسباب الخطر، وهو فكرة “الجائزة” نفسها وأسباب المغامرة واليأس في المنطقة، وأن الأمر يدعو الى ضرورة الانتباه الى الأوضاع الإقليمية المحيطة بدول الخليج بحيث يكون للجميع مصلحة في إبقاء أوضاع الخليج على ما هي عليه دون أن ترد على أذهان البعض فكرة اقتناص الجائزة!!

لم يسهب الدكتور “الببلاوي” في حديثه حول الغزو وتفاصيله لأنه كان يرى فيه أمرا خارجا عن نطاق الواقعية والقبول وأنه أمر غير قابل للاستمرار!! لكنه استرسل في حديثه عن مرحلة الإعداد أو الخطة لما بعد الغزو!! وهو جل ما نفتقده نحن الآن في الكويت ونحن نراقب الاستعدادات من حولنا لإنهاء مرحلة صدام حسين البائسة!!

من المؤسف جدا أن الكويت قد أغلقت خطوطا كثيرة للعودة كما لو أن حالة العداء مع العراق التي أفرزها الغزو هي حالة دائمة وغير قابلة للتحول!! فأسرفت في حشو المناهج التعليمية بتفاصيل الغزو والحرب والعدو العراقي، تلك المناهج التي أفرزت جيلا عاش تلك الكارثة قبل أن يولد!! وركزت احتفالات رياض الأطفال وبرامج الأطفال التلفزيونية على ترسيخ كارثة الغزو في أذهان أطفالنا بصورة كانت مبالغة الى درجة الإسراف في أحيان كثيرة!! والغريب في الأمر أن جهدا واحدا لم يسجل بعد أن يتناول مرحلة الإعداد لما بعد صدام حسين!! الى أن أصبحنا الآن، وبعد مرور اثني عشر عاما على الغزو، نزداد انغلاقا وانعزالا، وتنتابنا المخاوف من المقبل في ظل استعداداتنا العشوائية والمرتبكة”!!

كم كان بودنا لو أدرك المسؤولون في الكويت لغة التاريخ وحكمته، واستقوا شيئا من عبر في كيفية احتواء (العدو) قبل محاربته!! ولعل أبرز تلك العبر التاريخية ما قدمه “جورج مارشال” الجندي الأمريكي الذي حارب في الحربين الأولى والثانية قبل أن يعود الى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الثانية ليصبح وزيرا في حكومة “ترومان” حيث أقنع الكونغرس ببدء مشروعه المشهور باسمه لإعادة بناء “أوروبا” وبالتحديد ألمانيا “العدوة” آنذاك وليرسل ما قيمته 13 مليار دولار من المساعدات الى ألمانيا وغيرها!!

ويقول التاريخ وهو حتما صادق “إن مشروع مارشال هذا قد ساهم الى حد كبير في الحد من امتداد النفوذ الشيوعي في أوروبا، والذي كان هدفا أساسيا للولايات المتحدة آنذاك”·

قد لا نسرف في الحلم ونطالب بمشروع كمشروع مارشال!! وإن كنا نطمح جدا أن يكون هنالك تصور ناضج لدى المسؤولين في الكويت، أو خطة ترمي الى أبعد من الغزو وصدام حسين فيما يتعلق بالعلاقة بين الكويت والعراق!!