تنطوي زيارة اللورد إيريك إيفبري الناشط البريطاني في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي للبحرين التي انتهت أخيراً، تنطوي هذه الزيارة ببرنامجها الحافل على مغزى ودلالات مهمة لجهة تعزيز سمعة البحرين رسمياً وشعبياً في كيفية تعاطيها مع قضايا حقوق الإنسان المعاصرة وبخاصة النظر إلى ما تضمنه البرنامج من لقاءات مكثفة مع مختلف الجهات الرسمية والشعبية من وزراء ومؤسسات حقوق إنسان ومنظمات سياسية أهلية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني·
وإذا كانت هذه الزيارة المفيدة تعد مكسباً حضارياً وإنسانياً للجهات الأهلية المنظمة للزيارة في البحرين، وعلى الأخص المعنية منها بحقوق الإنسان، كما تعد مكسبا للجهات الرسمية التي تعاملت مع برنامج الزيارة بروح إيجابية دون تبرم، فإن أهم ما يمكن استفادته من دروس الزيارة من قبل مختلف الجهات الأهلية المعنية بحقوق الإنسان وكذلك الجمعيات السياسية البحرينية هو شخصية هذا اللورد النموذجية الجديرة بالتأمل والاقتداء باعتباره نتاجاً وثمرة أمينة للبيئة الليبرالية العلمانية التي ترعرع ونشأ فيها والتي لولاها لما وصل إلى هذا المستوى من التجرد والمصداقية في إخلاصه وتفرغه التام لقضايا حقوق الإنسان متسامياً فوق كل الاعتبارات الطبقية والقُطرية والدينية والطائفية والحزبية، وفي كل هذه الولاءات التي تسامى فوقها له منها نصيب كما نعلم، ولنتأمل جيداً في دلالات ومعنى هذه الخصال والمسلكيات التي يتحلى بها والمتصلة بالزيارة نفسها بما تنطوي عليه من نكران وإخلاص كبير لرسالته:
أولاً: زار الرجل البحرين في ظرف شخصي غير اعتيادي، فقد زارها وهو للتو يدخل طور النقاهة إثر حادث السير الذي تعرض له·· وجاء بالضبط في ليلة رأس السنة الجديدة، فمن هذا الإنسان الغربي الذي يترك بلاده الأوروبية الجميلة ليلة رأس السنة المعروفة بتمسك أبنائها الشديد بالاحتفال بها كمناسبة وطنية مهمة؟!
ثانياً: يعيش الرجل حياة تقشفية رغم أنه ينحدر من طبقة ملاك ميسورة كأحد اللوردات، فليس له مكتب خاص، بل يستخدم الطابق العلوي من سكنه المتواضع مكتبا، وليس له سيارة خاصة بل يستخدم المواصلات العامة في تنقلاته بالإضافة إلى الدراجة الهوائية التي أصيب بها في الحادث·
كما أن من جوانب حياته الزاهدة التي يحرص عليها لتأكيد نزاهته رفضه أن يحل ضيفاً على الحكومات في البلدان التي يسافر إليها مكتفياً بفنادق متواضعة وغالباً ما يسافر على الدرجة السياحية (انظر في هذا الصدد: عبدالنبي العكري، زيارة اللورد إيفبري إلى البحرين، “الوسط” عدد 2002/12/31)·
ثالثاً: بدأ الرجل حياته في مجال حقوق الإنسان ضمن مجموعة برلمانية من أجل الحقوق المدنية تعنى بالدفاع عن أتباع المذهب الكاثوليكي بشمالي إيرلندا ثم تدرج في المهام والمراكز في هذا النوع ليصبح ناشطاً في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي·
ومع أنه عضو في مجلس اللوردات المعين إلا أنه من المؤيدين لإلغاء عضوية مجلس اللوردات الوراثية بالتعيين وصولا إلى مجلس خليط من المنتخبين والمعينين من جميع الأحزاب والفعاليات إلى جانب مجلس العموم المنتخب بأكمله·
رابعاً: لا يتردد في سبيل إعلاء كلمة الحق وتأكيد مصداقيته عن نقد مختلف الحكومات والشخصيات والأحزاب بما فيها حزبه (الأحرار) الذي يرفض أن يتولى فيه أي منصب قيادي·
وبعد كم من العبر والدروس التي نحن العرب بحاجة إليها في سيرة هذا الرجل وخصاله الشخصية سواء لمؤسساتنا السياسية ومؤسسات مجتمعنا المدني بوجه عام أم لمؤسساتنا وشخصياتنا المعنية بحقوق الإنسان بوجه خاص·
ولو أن هذه المؤسسات الأخيرة كرس كل رجالها جل وقتهم وتخصصهم لقضايا حقوق الإنسان وليس سواها بعيداً عن الانتماءات والولاءات السياسية والنقابية المزدوجة وما تثيره من شبهة في التجرد والإخلاص لرسالتهم الإنسانية مقتدين في ذلك بقليل من سيرة هذا الرجل لحققوا من مكاسب لشعبهم أعظم بهذا التفرغ التام·
· كاتب بحريني |