رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962
العدد 1680

ألفـــاظ و معـــان
عار على العرب
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله

من بين 22 رئيس دولة عربية شارك في لقاء القمة العربي - الأمريكي الجنوبي في برازيليا ثلاثة فقط لكل منهم أسباب خاصة· عبدالعزيز بوتفيلقة (رئىس الدورة الحالية للقمة العربية) وأبو مازن (الذي يريد رفع صوت شعب فلسطين البطل في كل محفل دولي يدعى إليه) وأمير قطر (الذي يسعده أن تكون دولته مختلفة مع أغلبية أعضاء جامعة الدول العربية)، وهكذا يبدو موقف الحكام العرب حريصا على تدني مستوى تمثيلهم في هذا الحدث الأول من نوعه، وبما أنه لا يمكن التهوين من شأن دول أمريكا الجنوبية المشاركة وفي طليعتها وعلى رأسها البرازيل الدولة الداعية والمستضيفة، فلابد من البحث عن سبب آخر لعزوف حكامنا عن مصافحة اليد الممدودة لهم عبر المحيط الأطلسي·

لقد كان قادة باندونج ومؤسسو حركة عدم الانحياز يتطلعون بشدة لتعاون متزايد بين القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي تشكل ما يسمى "العالم الثالث" وهو مجموع الدول التي عانت من الاستعمار الأوروبي وما قتل من سكانها وما نهب من أرضها وما فرض على شعوبها من استغلال بشع طال أجله في بعض الحالات لأكثر من ثلاثة قرون، وحين أجج شعار تصفية الاستعمار الذي أطلقه مؤتمر باندونج نار ثورة التحرر الوطني وحصلت معظم المستعمرات على استقلالها، جاءت الخطوة التالية في بريوني "يوغسلافيا" بقيام حركة عدم الانحياز التي التزمت برفض الأحلاف العسكرية أو الارتباطات الاستراتيجية بأي من قطبي النزاع العالمي وبما يقتضيه ذلك من جهد وقتال للتحرر من كل أشكال الهيمنة والاعتماد على النفس في معارك التنمية الشاملة والتعاون المتزايد بين أعضاء عدم الانحياز، ولكن القادة الحكماء لم يهملوا مصير دول العالم الثالث التي لم ترتبط بهذه الحركة، فقد أطلق المؤتمر الأول لعدم الانحياز "بلغراد 1962" الدعوة إلى الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب إلى مستوى التجارة بدل الاعتماد على المساعدات، وانعقد في القاهرة في يوليو 1963 لقاء ضم كل أعضاء الأمم المتحدة من دول العالم الثالث وانتهى "بإعلان القاهرة" الذي حدد هذا المسعى ومتطلباته وفي مقدمتها مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة "للتجارة والتنمية" لوضع أسس التطور المنشود وقد انعقد هذا المؤتمر بالفعل في صيف 1964 في جنيف وانتخب وزيرالمالية والاقتصاد المصري (عبدالمنعم القيسوني) رئىسا له إقرارا بدور مصر النشيط والفاعل في هذا المشروع ولم يتوصل المؤتمرون إلى تراخٍ عام حول ما يجب أن يحدث، فالتقى ممثلو دول العالم الثالث المشاركة وأصدروا بيانا بمطالب بلدانهم عرف باسم إعلان "مجموعة السبع والسبعين"، وكان ذلك مجموع هذه الدول وظل هذا الاسم مستخدما حتى الآن رغم تضاعف عدد دول المجموعة·

وفي الستينات من القرن الماضي نشطت قيادات عدم الانحياز في السعي لجذب دول أمريكا الجنوبية فيما سعى "مشروع القارات الثلاث" ولا شك كان لانتصار الثورة الكوبية دور في هذا التوجه· وقد انعقد مؤتمر خاص بهذا الموضوع في هافانا، وكان من أنشط المناضلين لتحقيق هذا التطور الثالث من كفاح العالم الثالث بطل عربي كبير هو الزعيم المغربي المهدي بن بركة الذي اغتاله في باريس قتلة من خدم ملك المغرب بتستر من المخابرات الفرنسية·

وكانت العقبة الكؤود في تحقيق تلك الأمنية هي النخبة الحاكمة في دول أمريكا الجنوبية المكونة من نسل مهاجرين من أوروبا الغربية يعتبرون أنفسهم من "العنصر الأبيض الممتاز" وخير البشر دينا ودنيا ويأنفون الاختلاط بالسود والسمر والصفر من أهل إفريقيا وآسيا، وفي السنوات الأخيرة تغيرت الأوضاع بعد عقود من الفشل الليبرالي وأخرى من الدكتاتوريات العسكرية وبعد أن جربوا كل ما تحاول بعض الدول العربية أن تصنعه جاهلة أو متجاهلة نتاج التجارب على الشاطىء الآخر من الأطسي، وما حدث كان وصول السلطة السياسية إلى أيدي الطبقات الوسطى بل الشعبية التي تجري في عروقها دماء من إفريقيا وآسيا والتي كانت ومازالت تعاني من درجات متفاوتة وأشكال متنوعة من الفقر· ورئيس البرازيل الذي دعا لقمة برازيليا عامل نقابي اشتهر بقيادته للحركات العالمية ولم يكن زعيما لحزب سياسي ولا داعية لأية أيديولوجية·

لماذ إذن غاب الحكام العرب؟ معروف أن الولايات المتحدة تضيق ذرعا بحكومة البرازيل ومعارضة رئيسها لكثير مما تصنعه واشنطن "حرب العراق مثلا" وتبني قضية الشعب الفلسطين·· وأخيرا مده اليد للشعوب العربية في هذا الوقت التي تركز العاصمة الأمريكية على ضربها فما يسمى "الشرق الأوسط الكبير"· كما أن كل أجهزة مخابراتها وما أنفقته من مليارات لم تضعف شافيز (رئيس فنزويلا) بل دعمته فحين طالبت المعارضة بإجراء استفتاء حول إقالته قبل الرجل وجرى الاستفتاء بحضور مراقبين دوليين وكانت النتيجة %62 من الناخبين متمسكون به·

والآن يبقى السؤال هل ضغطت أمريكا على حكامنا؟ أم أنهم خشوا احتمال الضغط؟

�����
   
�������   ������ �����