السؤال حول من يدون التاريخ كان ولا يزال سؤالا مشروعا بل في غاية الأهمية، البعض يقول بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، والبعض الآخر يرى بأن التاريخ غالبا ما ينتهكه المنهزمون، ويتلاعب بتفاصيله المتحايلون والمفسدون، وأيا كان الأمر، فإن الحقيقة تبقى في أن للتاريخ حظوة بين سائر العلوم لكونه الأداة التي يستقي منها البشر العبر والدروس، فالتاريخ يميز الإنسان عن سائر المخلوقات، فعلم الإحياء يعرف الإنسان بكونه المخلوق الوحيد الذي يمتلك ذاكرة قادرة على التخزين وبالتالي الاسترجاع والاستفادة من المخزون· في ذاكرة الكثير من رجالات الكويت مخزون هائل من التاريخ، وقد حان الوقت والكويت تعبر بمفصل سياسي حرج، أن يطلق بعض رموز الكويت من الأحياء مخزون ذاكرتهم الثري بشتى التفاصيل· في الندوة التي نظمها تجمع القوى الطلابية، والتي كان مسرحها جامعة الخليج، أطلق حكيم الكويت الدكتور "أحمد الخطيب" بعضا من ذلك المخزون الذي أثلج قلب الحضور لكون الكويت حاضنة لمثل تلك الإسهامات السياسية الرائعة من تاريخها· استرسل الدكتور "الخطيب" في استرجاع محطات تاريخية من مسيرة الديمقراطية الكويتية وسمى بعض رموز النضال في درب تلك المسيرة من عبدالحميد الصانع الذي طاله ما طاله من التعذيب، الى محمد البراك الذي طالب بحقوق الناس الضعفاء، وشهداء الديمقراطية، محمد المنيس، ومحمد القطامي، اللذين سقطا في أحداث1939والمناضلين يوسف المرزوق، وعبداللطيف ثنيان الغانم، كما ذكر الحكيم الدكتور مساهمات جاسم القطامي وكوكبة من الضباط الكويتيين الشرفاء الذين فقدوا وظائفهم بسبب مواقفهم وصمودهم· ما ذكره الدكتور "الخطيب" في حديثه كان جزءا مهما جدا من مسيرة الكويت النضالية في سبيل تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة، وهو حديث من الواجب أن يتم توثيقه بصورة تؤمن للجميع حق الاطلاع عليه، والكويت اليوم تزخر بالمؤرخين والموثقين الذين يمكننا أن نثق بنزاهتهم وموضوعيتهم، لكي لا تشوه بعض الأقلام والأيادي تاريخ الكويت، كما حدث ويحدث في كتب ومناهج التعليم· أتذكر أن سجالا حدث منذ عامين، حول تفاصيل مؤتمر جدة الذي اجتمع الكويتيون تحت سقفه بعد أن شتتهم عنف العدو، وأتذكر أيضا كيف أفردت إحدى المجلات التابعة لأحد التنظيمات الإسلامية تفاصيل زائفة حول بطولات رموزها ومواقفهم في مؤتمر جدة، وكيف أن المؤتمر ما كان ليكتب له النجاح لولا تدخلها وحكمتها، وهو بالطبع ما يتناقض مع أحداث المؤتمر الحقيقية· فإذا كان هنالك من يجرؤ على تزوير التاريخ الحديث والقريب، فما بالنا إذاً في القديم منه· حديث الحكيم وثيقة تاريخية كويتية وهي ليست ملكا للدكتور "الخطيب" وإنما هي ملك للشعب الكويتي بأكمله، وانطلاقا منه، نقول بأن "يه الوقت" لكي يدون التاريخ الكويتي بصورة نزيهة وموضوعية على أن يتم ذلك بأيادي وأقلام وعقول أمينة على الحق الكويتي، وإرثه الدفين، وأن يطلع الجميع على مخزون الحكيم من الذكريات الناصعة البياض·