حينما أصدر المجلس الوزاري للخدمات قراره بإنشاء جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب، وكلف وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بالإشراف الكامل عليها، عمت الفرحة والسرور والغبطة أبناء الوطن· لقد أبدى المواطنون خليطاً من مشاعر الفرح والقلق، مدركين أهمية هذا القرار من جهة وصعوبة المهمة القادمة من جهة أخرى· حيث إن تلك المبادرة الطيبة وذات البعد الحضاري، أكدت من جديد اهتمامات الدولة بالإنسان المبدع، الذي ظل لسنوات يبحث عن تحد يؤكد من خلاله قدرته على الإنجاز والابتكار في مجالات عدة·
إن الاستثمار في خلق كوادر وطنية ذات قدرات عالية في مجال العلوم والتكنولوجيا والآداب، هي حصيلة لتلك السياسات التي اتبعت منذ قيام الدولة الاتحادية، ولا يمكن أن ننسى الدور الذي قام به الرعيل الأول في الإمارات المختلفة قبل قيام الدولة·
إن تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على مدى نصف قرن من الزمن، قد أدى إلى خلق أجيال تهتم بالعلم والمعرفة، وتعمل في كافة المجالات الإبداعية، ومنها البحث العلمي والبحوث التي تتعلق بالمفهوم الإنساني الشامل الذي يركز على ان المعرفة والعلم خير سلاح للإنسان·
ولولا ذلك لما قام العديد من أبناء هذا الوطن سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً بشد الرحال نحو منابع العلم والمعرفة في كافة أنحاء المعمورة، وتحمل الكثير من مشاق الحياة في الخارج، وتحمل آلام الغربة، والابتعاد عن الأرض التي يعشقونها، إلا أن حب العلم والمعرفة كانت تخفف من حدة تلك المعاناة·
من المؤكد أن أولئك العائدين من الخارج ممن تسلحوا بشتى العلوم، هم الذين ساهموا في بناء وإرساء قواعد الدولة الاتحادية· فقد كانت بدايات ذلك، التحالف بين السلطة السياسية الداعمة للوحدة وبين جيل المتعلمين الذين عملوا ليل نهار من أجل تحقيق دولة الرفاهية والوحدة، أولئك الذي دقوا أول مسمار في نعش التخلف والفقر والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والذين آمنوا بأهمية هذه الوحدة، وبأهمية بناء دولة عصرية حديثة، تتفاعل مع بقية دول العالم في جميع مجالات الحياة التي تخدم مصالح أبنائها وتساعد على بناء مستقبل آمن وواعد·
وفي هذا المجال لا بد وأن نذكر بتقدير دور أولئك الجنود المجهولين الذين وفدوا إلى أرض الإمارات من مختلف بقاع العالم وخاصة من الأقطار العربية والذين أسهموا يدا بيد مع أبناء هذا الوطن في تحقيق هذا الإنجاز العظيم وخلق دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة العصرية التي تطل على ضفاف الخليج العربي مسالمة تحمل رسالة السلام والمحبة والحوار الإيجابي مع الآخرين· فإن دورهم في المجال الثقافي والإبداعي لا ينكر وإذا أردنا أن نعد المبدعين العرب الذين عملوا في دولة الإمارات في هذا الموقع أو ذاك وفي هذه الصحيفة أو تلك لضاق بنا المجال وزاد علينا العتب، ولكن يكفي أن نقول إن من بين الحاصلين على جائزة العويس الثقافية مبدعين عملوا وأسهموا في إرساء قواعد النهضة الثقافيةالعربية الحديثة·
لقد أصبح الإنسان في دولة الإمارات بعد هذه الفترة الزمنية من عمر الدولة الاتحادية، على وعي كامل بأهمية إسهامه في العلوم الطبيعية وفي المجالات ذا ت العلاقة بالإبداع الإنساني والاجتماعي·
وقد حفلت هذه الفترة بعملية بناء فكري حصل في ضوئه العشرات من أبناء الإمارات على شهادة الدكتوراه في شتى المجالات العلمية والهندسية والطبية والأدبية والتربوية والاجتماعية والإعلامية· كما ساعدت البيئة الصحية التي انبثقت مع تأسيس الدولة الحديثة على ظهور جيل من الكتاب والشعراء الذين أسهموا في بناء وترسيخ ثقافة هذا البلد من خلال دورهم في الشعر وفي القصة القصيرة وفي المسرح وبقية فنون الأدب المختلفة··
وإضافة إلى ذلك أدى التفاعل الحضاري وثقافة تقبل الآخر دوراً هاماً في ظهور اتجاهات فكرية مختلفة لدى الجيل الجديد، وقد خلق ذلك أجواء وفضاءات ساعدت على استضافة المؤتمرات والندوات العربية والعالمية المختلفة وعلى مستويات متقدمة جداً من حيث كفاءة التنظيم والإدارة· ولا يمكننا أن ننسى الدور الذي تؤديه التظاهرات الحضارية التي تصنعها بين الحين والحين مناسبات مثل منح جائزة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم للتفوق العلمي وجائزة العويس وجائزة غانم غباش والجوائز المتخصصة في مجالات الطب والتربية والتعليم والتي اهتم بها سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وغيرها من الجوائز والتي كانت ولا تزال تقدر جهود أولئك الذين يعملون من أجل الحصول على العلم والمعرفة، حتى بات ذلك الاهتمام واضحاً بشكل جلي للجميع، بل أصبح سمة من سمات مجتمع الإمارات الناهض حيث يؤدي رأس المال الوطني دوراً متميزاً في خدمة الثقافة والمعرفة·
إن الإنسان الإماراتي الراهن، يشارك في كافة المنظمات الإقليمية والدولية، وفي كافة المجالات العلمية والمعرفية· فلدينا أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة وإداريون وغيرهم ممن يساهمون في إثراء المنتديات التي يشاركون بها، وأثبت الكثير منهم قدرة على العطاء في المجالات المختلفة·
إن جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب، هي نقلة نوعية في مجال تعزيز الحركة الثقافية ودعمها وهي تتطلب في هذه المرحلة الاستفادة من كل التجارب سواء المحلية أو العربية أو العالمية، حتى تظهر بالشكل الذي يواكب التطور الذي تمر به الدولة في ظل قيادات شابة سواء على المستوى السياسي وخاصة الحكومة الاتحادية، أو على المستوى الإداري المتقدم لجيل جديد يؤمن أن سنة الحياة هي التطور والتقدم· وهذه الجائزة هي رؤية جديدة للإنسان المبدع في الإمارات·
إن على الوزير الشاب عبدالرحمن العويس مسؤوليات كبيرة في تحقيق حلم المبدع الإماراتي، وإن العمل لتنفيذ ذلك القرار يحتاج إلى الاستفادة من خبرات أبناء هذا الوطن· وهي في الواقع التحدي الجديد لأبناء الوطن لإثبات أن المواطنة هي في الأساس انتماء وعطاء وعمل دؤوب من أجل وطن يبنى على أكتاف أبنائه ليحتل المكانة التي يستحقها، وهي بالتأكيد ستكون في الطليعة، لأن ابن الإمارات آلى على نفسه أن يكون رائداً لا أن يكون مواكباً· أليست هذه فكرة مشرقة من رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؟
رئيس وحدة الدراسات –البيان
malmutawa@albayan.ae |