شهدت أسعار النفط الخام في الآونة الأخيرة ارتفاعات قياسية غير مسبوقة دون ظهور ضابط حقيقي لها يكبح جماح الزيادة غير الطبيعية·
فلو راجعنا 35 عاما الأخيرة من تذبذب الأسعار لوجدنا 3 طفرات في الأسعار كانت الأولى بعد حرب يوم الغفران 1973 والثانية مع ثورة الخميني 1979 والثالثة مع الغزو العراقي لدولتنا الكويت 1990·
أما إذا ما أردنا احتساب معدل السعر الحقيقي لبرميل النفط الخام على افتراض ثبات تراكم معدل التضخم السنوي العالمي بنحو 3% بدءا من عام 1979 والى عام 2004 لوجدنا أن معدل السعر العادل والحقيقي له هو نحو 87 دولارا أمريكيا مقارنة بالكثير من السلع الأخرى التي تضاعف ثمنها خلال 25 عاما الأخيرة ناهيك عن هبوط سعر الدولار الأمريكي وتراجعه أمام العملات العالمية الأخرى فيكون معدل السعر الحقيقي والعادل له هو 100-110 دولارات أمريكية·
إلا أننا علينا أن نتساءل:
- ما معدل السعر المناسب ولكل من المنتجين والمستهلكين والذي يجنب الاقتصاد العالمي أزمة ركود إن لم يكن معدل نمو سالب بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة في زمن العولمة واقتصاد السوق الحرة؟
- ما الفرق بين السعر الحقيقي العادل والواقعي؟
- ما الضوابط الممكن عملها لضبط الأسعار؟
والآن باجتهادي المتواضع أحاول الإجابة عن هذه التساؤلات فكما عبر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الدكتور هنري كيسنجر "ينبغي على المرء أن يفرق بين ما ينبغي إنجازه وما يمكن إنجازه"، أرى أن معدل السعر المناسب لكل من المنتجين والمستهلكين بحدود 30-35 دولارا أمريكيا للبرميل بما يضمن ديمومة نمو الاقتصاد العالمي وهو سعر واقعي تستطيع الدول ذات الاقتصاد النامي تحمله خصوصا في منطقتي جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى وفي مقدمتهما العملاقان الصاعدان الصين والهند، والجدير ذكره أن أغلب مبيعات النفط الخام ومشتقاته المصدرة من منطقة الخليج ولهاتين المنطقتين واقتصادات دولها هشة ولا تستطيع تحمل معدل سعر مرتفع للنفط الخام مدة طويلة مقارنة مع اقتصادات أخرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تستطيع تحمل معدل سعر حتى 100-110 دولارات أمريكية·
أسباب الارتفاع
- بداية النضوب للمكامن الهيدروكربونية لحقول بحر الشمال وهي تنتج نفوطا عالية الجودة ونسبة الكبريت فيها قليلة مقارنة مع نفوط إقليم الخليج، ومن المتوقع نضوبها في عام 2012·
- الإجراءات والقيود الصارمة لبناء وإنشاء مصاف جديدة نتيجة القوانين والتشريعات البيئية الصارمة خصوصا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان·
- بلوغ الطاقة التكريرية العالمية سعتها القصوى وعدم قدرتها استيعاب كميات إضافية من النفط الخام لتكريرها·
- التوسع في صناعة البتروكيماويات عالميا بما يعني تنامي الطلب على النفط الخام·
- توجه بعض الدول الكبرى أسوة بالولايات المتحدة في إنشاء مخزونات استراتيجية لها مما عزز الطلب أكثر على النفط الخام·
- بلوغ بعض الدول طاقتها الإنتاجية القصوى وعدم قدرتها على زيادات إضافية·
- ارتفاع تكاليف استكشاف مناطق جديدة وعمل مشاريع مسوحات زلزالية ثلاثية ورباعية الأبعاد نتيجة كلفتها الباهظة·
- قدم مشاريع المسوحات الزلزالية في بعض الدول المنتجة للنفط على سبيل المثال لا الحصر العراق منذ أكثر من أربعين عاما لم يجر فيه مشاريع مسوحات زلزالية·
- تنامي الطلب بشكل متصاعد على النفط الخام ومشتقاته في كل من الصين والهند بشكل خاص ومنطقتي جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى بشكل عام·
- ارتفاع التكاليف التشغيلية لصيانة الآبار وإدارة المكامن الهيدروكربونية خصوصا أن بعضها قد دخل في طور العمر النهائي من استنزافه أو ما يعرف بـ Enhanced Oil Recovery على مستوى الدول الرئيسية المنتجة للنفط في العالم·
- حدوث بعض الحوادث الكبرى من انفجارات وحرائق في المنشآت النفطية على مستوى العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر انفجار ثالث أكبر مصفاة نفط في الولايات المتحدة تمتلكها شركة BP في ولاية تكساس وسعتها التكريرية نحو نصف مليون برميل يوميا في مارس الماضي مما تسبب في أزمة وقود للسيارات بنقص نحو 5-3% على مستوى الولايات المتحدة وكان الأمل أن يتم تغطية النقص في وقود السيارات من الأسواق الأوروبية واليابانية والكندية بالدرجة الأولى إلا أن إعصار كاترينا لم يسعف الشركات الأمريكية في ذلك·
- حدوث الكوارث الطبيعية فعلى سبيل المثال لا الحصر إعصار كاترينا الذي أوقف العمل في معظم منصات إنتاج النفط البحرية مما أوقف إنتاج ما بين 600-800 ألف برميل يوميا وما بين 9-12 مصفاة في ولاية لويزيانا من أصل 17 مصفاة فيها صغيرة ومتوسطة الحجم وسيستغرق استئناف إنتاجها كما كانت عليه قبل إعصار كاترينا نحو العام وقد تسبب في أزمة وقود للسيارات على سبيل المثال لا الحصر نحو %10 على مستوى الولايات المتحدة إذا ما أضفنا لها حادث مصفاة BP في ولاية تكساس آنف الذكر·
الحلول المطبقة
- قيام شركات المصافي على مستوى العالم خصوصا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا بتحديث مصافيها بحيث تستطيع تكرار أي نوع من أنواع النفط·
- التعجيل في حل مشاكل أنابيب النقل في الدول المقفلة قاريا وهي دول آسيا الوسطى وجنوب القفقاس المنتجة للنفط الخام والغاز الطبيعي مثل تركمنستان وأذربيجان وكازاخستان ويقدر الخبراء النفطيين أن الاحتياطيات الهيدروكربونية في آسيا الوسطى وبحر قزوين تعادل الاحتياطيات الهيدروكربونية لإقليم الخليج·
- استخدام مصادر الطاقات البديلة النظيفة بيئيا كالغاز الطبيعي وخلايا الهيدروجين والجدير ذكره أن الكثير من الدول قد بدأت باستخدام هذه المصادر آنفة الذكر في الكثير من وسائل النقل العام لها كالدنمارك وألمانيا الفيدرالية وماليزيا أو في طور استخدامها كالصين التي ستبدأ باستخدامها بدءا من عام 2008 فعلينا أن لا نكون متفائلين لهذه الأسعار المرتفعة وعلينا أن نرى الصورة كلها لا جزءا منها·
توصيات مقترحة
كلي ألم وحسرة عندما أرى أننا كدول مجلس التعاون الخليجي نفتقد الى شركة واحدة ضخمة أو رابطة شركات حقيقية فيما يخص الصناعات النفطية للشركات الوطنية النفطية تقود أسواق النفط العالمية أنه حلم وأمنية أسأل الله تحقيقه، فـ"رغم إمكاناتنا النفطية فنحن في الأسواق مجرد تابع" كما عبر عنه الخبير النفطي عبدالصمد العوضي لصحيفة "القبس" - العدد 11159 بتاريخ 4 يوليو 2004 لشركات النفط العالمية التي تتحكم وتحدد سعر برميل النفط الخام، لأسفي الشديد فلو جمعنا إنتاج أربع دول خليجية هي السعودية والكويت والإمارات وقطر لوجدنا مجموع معدل الإنتاج اليومي: 17-20 مليون برميل يوميا لأمكننا التحكم بالسعر، كما أننا لا نزال نحتاج الى مهنية وشفافية أكبر في الإعلان عن صفقات النفط في بورصات النفط العالمية بعقودها الآجلة وطويلة الأمد وذلك بتحديد نوع النفط والسعر الذي تمت فيه الصفقة ونوع العقد وأي شركة مصفاة أو مصنع بتروكيماويات قد تمت الصفقة بما يضمن التحكم بأسعار النفط وبالتالي تحديد السعر المناسب لكل من المنتج والمستهلك، وهذا ينطبق الى حد ما على المشتقات النفطية فنحن إن صح التعبير بحاجة الى "أسعار حكيمة" تضمن ديمومة تنامي وازدهار الاقتصاد العالمي ويعني "الكل يربح"·
* مهندس نفط |