رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 سبتمبر 2006
العدد 1742

الموت المجاني
د. حصة لوتاه

توجد في الكثير من بلدان العالم، وخاصة تلك التي تصنف نفسها على أنها دول متقدمة، حركات تسعى عبر وسائل عديدة إلى حماية الحيوانات من التصرفات الجائرة للإنسان تجاهها· وتتركز هذه الحركات في الغالب بالمطالبة بعدم قتل أو تعذيب الحيوانات بدافع اللذة أو الاستمتاع، كأن يقتل الحيوان بدافع لذة صيده فقط، أو أن يقتل لمجرد أن سيدات ثريات يرغبن في تدفئة أجسادهن بفرائه، ولهذه الحركات كما تعرفون شخصيات شهيرة في بلدانها، وحتى في بلدان العالم بشكل عام، مرتبطة بها أو متبنية لها· وكثيرون ينظرون لمثل هذه الحركات على أنها تعبر عن حالة إنسانية عالية يعيشها البشر المنخرطون فيها،  إذ هم يسعون إلى أن يحافظوا على حياة الكائنات ويقللوا أو ينبهوا للعنف الوحشي الذي يمارسه بعض البشر تجاهها، سواء من منطلق اللذة بالتعذيب أو التعبير عن بعض نزعات النفس التي لا تبالي بالكائنات الأخرى بقدر ما تبالي بمتعتها أو التعبير عن مكانتها الاجتماعية أو المادية·  وما يهمني هنا ليس التحيز لتلك الحركات أو رفضها،  فعالمنا الذي نعيش فيه مليء بأفكار وحركات عديدة بعضها لوجوده ما يبرره وبعضها لا يعبر إلا عن خلل أو ترف بشري، إنما يهمني هنا السؤال حول ما إذا كانت لدى البشر بشكل عام درجة عالية من التحسس تجاه الجور البشري، أو الإساءة لحياة الكائنات ومن ثم التحرك للتقليل من تلك المعاناة على سطح الأرض، بغض النظر عن نوع تلك الكائنات أو المكان الجغرافي الذي تعيش فيه، وما الذي يحرك تلك الدوافع؟ وحتى لا يأخذنا هذا الجدل بعيدا أريد تركيزه في نقطة واحدة، ليست بذات صلة بجور البشر أو تجاوزاتهم غير المبررة أحيانا تجاه الكائنات الأخرى التي تشاركهم الحياة على سطح الأرض، إنما تتعلق هذه النقطة بالتجاوزات التي نراها يوميا ولا يكون ضحيتها الحيوانات وإنما ضحيتها بشر، كائنات تنتمي لنفس الفصيلة الإنسانية التي ينتمي إليها أولئك الذين يدافعون عن حياة الحيوان· وهؤلاء البشر الذين يمارس ضدهم القتل اليومي لم يرتكبوا أية ذنوب غير كونهم وجدوا في مناطق مرتبطة بالصراعات التي يشهدها العالم اليوم، ولا يعبر موتهم في الغالب إلا عن مدى غياب حساسية البشر الآخرين، بشكل عام، تجاه حياة هؤلاء·

إن كمية الدماء التي تسال يوميا، الدماء البشرية تحديدا، على أرصفة الشوارع في بغداد، أو مدن ومناطق العراق الأخرى، لا تحمل في حقيقتها إلا دليلا صارخا على عدم تجاوز الإنسان مرحلته الحيوانية وعلى مدى وحشيته ولا إنسانيته· فمن يعطيني مبررا كافيا للقتل المجاني الذي يحدث هناك وليست له أسباب حقيقية، فالذين يقتلون أناس عاديون، شخص ذهب إلى السوق لشراء حاجياته، طلبة يذهبون لمدراسهم، أمهات يحاولن الحفاظ على تدفق الحياة في أجساد أطفالهن الذين سرقت الحرب أحلامهم وصحتهم وكتبهم المدرسية والأغاني التي كانوا يرددونها دوما في أحيائهم التي كانت قبل الحرب أحياء جميلة وطيبة وثرية بكل ما في تنوع الحياة من ثراء؟! من يعطيني مبررا كافيا لعمليات الاغتصاب الوحشية التي يمارسها جنود مهووسون تجاه فتيات العراق الصغيرات واللواتي تتفتح أنوثتهن في عالم لا يشي إلا بمستوى الحضيض الذي انحدرت إليه أشباه الحضارات المصطنعة والتي تسرق من أولئك الفتيات عزتهن وكرامتهن وأمنهن، وحتى شعور الحياء لديهن؟! من يعطيني مبررا كافيا لوجود أعداد هائلة من الأولاد العراقيين الصغار المشردين في الشوارع، والذين تنتهك طفولتهم وأجسادهم بكل وحشية كل يوم ولا يجدون أحيانا حتى لقمة العيش النظيفة، وهم الذين ينتمون إلى بلد ثري كان يباهي العالم في يوم من الأيام على المستوى الذي وصله من التطور، لكن جاء اللصوص المنتمون للشركات النفطية وغير النفطية الكبرى وسرقوا خيراته واعتدوا حتى على فنونه وذاكرته وتركوه منتهكا ومنهوبا؟!

من يعطيني مبررا كافيا لكمية الدمار والقتل الوحشي الذي مارسته دولة العدوان الإسرائيلية تجاه المدنيين اللبنانيين، أو الشعب اللبناني بشكل عام، مارسته بكل الوحشية واللإنسانية، ورغم ذلك تظهر في العالم "المتقدم" عناصر تؤيدها وترفدها بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، حتى تلك المصنفة بـ "المحرمة دوليا"؟!

من يعطيني مبررا كافيا لكمية القتل والوحشية التي تمارسها دولة العدوان الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بشكل يومي بحيث أصبح هذا الشعب لا يجد إلا القتل والتشريد حين يطالب بأبسط حقوقه في الحياة؟!

قد يقول قائل إن بعض العرب مسؤولون عن مستوى الخراب والموت الذي وصلت إليه أمتهم وشعوبهم، وفي هذا القول الشيء الكثير من الصحة لأن الأمم بشكل عام مسؤولة عن الوضع الذي تكون فيه· لكن الصحيح أن شراسة العدوان الذي تمارسه الدول المغتصبة تجاه العرب عدوان غير مسبوق لا في كميته ولا في نوعه· وهذا العدوان، كما ذكرت سابقا، يعطينا مؤشراً كبيراً على مستوى التدهور الحضاري الذي وصلت إليه قطاعات كبيرة من البشرية· لذا فإني أرجو أن تظهر الجمعيات التي تطالب بحق البشر في الحياة وفي الحفاظ على بيئتهم وكياناتهم سليمة من الانتهاكات والاعتداءات الوحشية، وإلا فإن العالم، بجميع أطرافه، لن يعيش في حالة من السلام التي يدعي السعي إليها، فالسلام الحقيقي هو سلام يحترم فيه الإنسان وتصان فيه كرامته وعزته وحقه في الحياة وفي التعلم وفي ممارسة كل معتقداته وحقوقه، ودون أن يعاقبه أحد على كونه إنساناً مختلفاً أو لا ينتمي لنفس العرق أو الدين أو المذهب· بغير ذلك، لا تكون الحياة إلا غابة يحكمها الوحشيون ويمارسون فيها تسلطهم على البشرية الأضعف  وانتهاكهم لحقوقها·

�����
   

إن المساجد لله..!:
عبدالخالق ملا جمعة
Shut up and pray!:
فهد راشد المطيري
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة:
د. نسرين مراد
"زيارة ناجحة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تجزؤ العراق:
د. محمد حسين اليوسفي
أين ذهب الشارع الإماراتي؟:
ياسر سعيد حارب
رسالة من السجون الإسرائيلية:
عبدالله عيسى الموسوي
عطلة السبت تقليد عربي قديم:
د. فاطمة البريكي
أشياء صغيرة:
د. لطيفة النجار
الموت المجاني:
د. حصة لوتاه
حقيقة الانتصار:
يوسف الكندري
المنتصر والشروط:
فيصل عبدالله عبدالنبي