رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 سبتمبر 2006
العدد 1742

أشياء صغيرة
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

يختلف هذا الأسبوع عن بقية الأسابيع التي مضت في كونه أول أسبوع دراسي تستقبل فيه مدارس الدولة أبناءنا وبناتنا طلبة العلم صغارا وكبارا· ولا شك أنّ حياة الأسر ستختلف الآن اختلافا كبيرا إذ ستبدأ كل أسرة - الأمهات على وجه الخصوص- تتابع أبناءها في تحصيلهم الدراسي بشيء من الأمل وكثير من القلق، وسيبدأ التلاميذ برنامجا يوميا مختلفا عما كانوا قد تعودوه في الإجازة الصيفية، فالراحة واللعب والتمتع بأوقات الفراغ ستتراجع كثيرا ويضيق حيزها الزمني ليتقدم عليها الانضباط في الوقت، وبذل الجهد في التحصيل والدراسة، والاستغراق في عمل الواجبات والتكليفات المدرسية التي قد تتجاوز طاقة التلميذ ووقته أحيانا·

ومع هذه البداية الجديدة التي تزامنت مع تصريحات كثيرة من المسؤولين عن بدء عهد جديد في فلسفة التعليم واستراتيجياته في الدولة استبشر بها الكثيرون من أهل الميدان وأولياء الأمور تبقى بعض المسائل الصغيرة التي قد لا تشغل أذهان أصحاب القرار ممن يناط بهم التفكير في الخطط بعيدة المدى والقضايا الكبرى الملحّة التي يفترض بهم أن يعالجوها ويطوروها· لكن هذه الأشياء الصغيرة تظل مهمة لها تأثيرها القوي العميق في المتعلمين والمعلمين وأولياء الأمور· إنها الأشياء اليومية المتكررة التي لا مفرّ منها ولا خيار أمامنا إلا أن نواجهها ونمارسها، ونحن حين نفعل ذلك قد نقع في أخطاء لا ندرك أثرها في أبنائنا وفي تكوينهم النفسي والعقلي والخلقي، وقد نستهين بها أحيانا، ونراها أشياء صغيرة لن يكون لها دور كبير في بناء شخصياتهم وتشكيل رؤاهم وتكوين تصوراتهم عن الحياة وقيم العمل ومبادئ العيش مع الآخرين في مجتمع كبير تتفاوت فيه الحظوظ وتختلف فيه القدرات والميول إلى الحد الذي يصل أحيانا إلى التناقض والتعارض·

وليسمح لي القراء أن أسوق أمثلة على مثل هذه الأشياء الصغيرة في ذاتها الكبيرة في أثرها والتي هي في معظمها من واقع ما رأيته وسمعته وقرأته، وإنني أتمنى أن ننتبه إليها وأن نوليها اهتمامنا:

التعليم والتعلم لا حدود زمنية له

كثير من الأسر في مجتمعنا ترى في الإجازة الصيفية مساحة زمنية لتحرير أبنائها من قيود التعلم، فتطلق لهم العنان في فعل ما يشاؤون من دون أن يكون التعليم جزءا من برنامجهم الصيفي، وهذا أمر لا يربي الأبناء على مبدأ "التعليم مدى الحياة" الذي ينادي به الكثيرون اليوم من صناع القرار، ومن التربويين أصحاب الخبرة والمعرفة· وقد حدث مرة أن سألتني إحدى الموجهات سؤالا فيه الكثير من الاستنكار قائلة: كيف تطلبين من تلميذ صغير (أنهى السنة الدراسية الأولى) قضى أربعة أشهر في الإجازة الصيفية لم يقرأ فيها شيئا أن يتذكر حروف الهجاء في بداية العام الدراسي؟ وكان عدد كبير من الزملاء في الميدان يؤيدونها ويرون أنّ المنهج يجب ألا يفترض في تلميذ الصف الثاني أنه يعرف حروف الهجاء كاملة!! والسؤال الحقيقي هو لماذا نترك أبناءنا أربعة أشهر أو أكثر من غير أن نفتح أمامهم باب الاستمتاع بالقراءة البسيطة التي تتعهد ألا ينسى الصغير ما تعلمه، وتفتح له أبواب اكتشاف أشياء جديدة في مناخ حر طليق بعيد عن القراءة المنهجية التي سيمارسها في المدرسة؟

التعليم والتثقيف

والفرق بينهما: نمط آخر من الأسر تحرص على أن يستفيد أبناؤها من الإجازة الصيفية في تعلم شيء مفيد، ولكن هذا الحرص محصور في تصور أولياء الأمور بالكتاب المدرسي، فقد سألتني إحدى الصديقات إن كان عندي كتاب اللغة العربية الجديد للصف الرابع، فسألتها هل تريدينه لمعلمة لتطلع عليه؟: فقالت: لا، أريده لإحدى الأمهات لأنها تريد أن تدرس ابنتها في الإجازة الصيفية· فتساءلت متعجبة: ولماذا تدرسها المنهج في الإجازة الصيفية؟ فقالت: حتى تستفيد، ما أحوجنا أن نتحرر من هذا التصور التقليدي القديم الذي يرى المعرفة محصورة في الكتاب المدرسي الذي ما على التلميذ إلا أن يحفظه ليحقق بذلك التفوق وأعلى الدرجات· إنّنا نحتاج إلى أن نثقف أبناءنا وأن نفتح أمامهم أبواب المعرفة الواسعة التي تتجاوز الكتاب المدرسي بكثير· هناك آفاق لا حدود لها يستطيع أبناؤنا أن يحلقوا فيها ويتعلموا الكثير، وهذا أمر له انعكاسه الخطير على تكوين الأبناء، فهم يصلون إلى الجامعة وهم متعلقون بمفهوم الكتاب المقرر، الذي إن أصر الأستاذ على رفضه شعروا بالضياع والضيق والتشتت، لأنهم قد تعودوا- أو أننا نحن الذين عودناهم بالأحرى- على أنّ المعرفة لها مصدر وحيد هو الكتاب المقرر· وهنا أذكر أنني قرأت مرة عن كتاب يتحدث عن تثقيف الأطفال، أورد فيه صاحبه حادثة تؤكد ما نذهب إليه، إذ يقول إنه زار إحدى الأسر الغربية التي تسكن في البناية نفسها (في الولايات المتحدة) فدعاه ابنها وعمره تسع سنوات إلى غرفته، وهناك سأله: من أين أنت؟ فقال: من مصر· فتوجه الصغير إلى رف رصت عليه الكتب وأخرج موسوعة صغيرة وبدأ يقرأ فيها ما ذكر من معلومات حول مصر ويسأل الرجل عشرات الأسئلة، وفي المساء زار الرجل إحدى الأسر العربية التي تقطن البناية نفسها فسأل ابنها الجامعي: هل تستخدمون في دراستكم الموسوعات والمعاجم لأغراض البحث؟ يقول الرجل: فنظر إليّ الشاب نظرة الجاهل الذي لم يسمع عن مثل هذه الأمور من قبل!!

العمل مع الأبناء؟

وليس نيابة عنهم: وهذا أمر يكاد يشبه الظاهرة في مجتمعنا، وإن كان الكثيرون لا يصرحون به ولا يعترفون· فكثير من الواجبات والتكليفات تتكفل الأسرة (الأم أو الأخت الكبرى) بتنفيذها عن التلميذ، ثم يذهب التلميذ الصغير إلى  المدرسة مقدما عمله إلى المعلم، الذي قد يثني عليه أعطر الثناء، والمشكلة تزداد تعقيدا حين يكون المعلم عالما بذلك، ولكنه يؤثر الصمت على الدخول في مشكلات مع الأسرة· إننا حين نفعل ذلك نربي أبناءنا من حيث لا ندري على الغش والخداع وعدم تحمل المسؤولية، والأطفال الصغار يتشكلون وفق ما ننميه في نفوسهم من قيم ومبادئ، وأفعالنا هي التي ترسخ في أفئدتهم، أما أقوالنا ومواعظنا، فإنها إن لم تجد ما يعضدها في سلوكنا فإنها ستذهب أدراج الرياح، وقد تغدو فيما بعد مادة للتندر عند المراهقين اليافعين من أبنائنا وبناتنا·

وبعد، فالأشياء الصغيرة كثيرة، ولكني آثرت أن أشير إلى بعضها تمثيلا لا حصرا· إنها دعوة صادقة للتأمل والتفكر في بعض ممارساتنا التي تحتاج إلى وقفة مخلصة، تنظر إلى مستقبل أبنائنا ووطنا الحبيب نظرة المحب الحريص·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

إن المساجد لله..!:
عبدالخالق ملا جمعة
Shut up and pray!:
فهد راشد المطيري
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة:
د. نسرين مراد
"زيارة ناجحة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تجزؤ العراق:
د. محمد حسين اليوسفي
أين ذهب الشارع الإماراتي؟:
ياسر سعيد حارب
رسالة من السجون الإسرائيلية:
عبدالله عيسى الموسوي
عطلة السبت تقليد عربي قديم:
د. فاطمة البريكي
أشياء صغيرة:
د. لطيفة النجار
الموت المجاني:
د. حصة لوتاه
حقيقة الانتصار:
يوسف الكندري
المنتصر والشروط:
فيصل عبدالله عبدالنبي