رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 سبتمبر 2006
العدد 1742

تجزؤ العراق
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

إعلان السيد مسعود البرزاني، حاكم إقليم كردستان منع رفع العلم العراقي على ذاك الإقليم هو تقرير لواقع مر يعيشه العراق منذ الغزو الأمريكي له في العام 2003،  أما العلم المقصود فهو ذاك العلم الذي وضع بعد أن أطيح بنظام عبد الكريم قاسم في العام 1963، وقد أضاف صدام حسين لذلك العلم الجديد عبارة الله أكبر إبان غزوه للكويت لتكون إيذاناً بانتهاء الخطاب العلماني لنظامه!! ولا أخال أن السيد مسعود البرزاني صادق في ما يطرحه من سبب المنع، وهو كون العلم العراقي يرمز إلى النظام البعثي الذي ارتكب بحق الأكراد مجازر بشعة كان آخرها على يد صدام حسين في عمليات الأنفال وحلبجة، فهذا العلم هو ذات العلم الذي رفعه الجيش العراقي في العام1996 حينما دخل مدينة أربيل لينقذ البرزاني من بطش قوات منافسه جلال الطالباني!! وعليه، فإن القرار إنما يعبر عن تأكيد النزعة الانفصالية التي أخذت تترسخ منذ تسعينات القرن الماضي وتعززت بعد انهيار النظام المركزي في العام 2003·

والواقع أن العراق منذ العام 2003 أصبح مجزءاً بين إقليم في الشمال يسكنه الأكراد، وهؤلاء يطالبون بالانفصال منذ أكثر من نصف قرن، وبين منطقة واسعة تمتد من جنوب بغداد إلى مدينة البصرة تقطنها غالبية من العرب الشيعة، ومنطقة ثالثة هي أساساً في غرب العراق والسواد الأعظم فيها من العرب السنة· وتتخلل هذه التركيبة مناطق مختلطة كمدينة بغداد والمنطقة الشمالية الشرقية، حيث تتداخل المكونات الثلاث للشعب العراقي· ولم تستطع الدولة العراقية التي جاءت على أشلاء الدولة العثمانية في العام 1921 أن تدمج هذه المكونات وأن تخلق شعوراً وطنياً عارماً يؤدي إلى خلق هوية مشتركة يعصمها من الانزلاق إلى هوياتها القومية أو الطائفية الأصلية·

فالأكراد منذ نشأة الدولة العراقية كانوا قد تشبعوا بآراء الرئيس الأمريكي ولسن الداعية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي الحرب العالمية الثانية وتحديداً في العام1943  اندلعت ثورة للأكراد بقيادة الملا مصطفى البرزاني، وفي العام1946  أعلنت جمهورية كردية في مدينة مهاباد في المنطقة الكردية التابعة لإيران، ولم تدم هذه الجمهورية طويلاً إذ قمعت بشدة لتسقط في العام نفسه، وشن أكراد العراق تمرداً طويلاً منذ الخمسينيات بقيادة الملا مصطفى البرزاني، ولم تستطع إخماد تلك الثورة - ولو مؤقتاً - إلا اتفاقية الجزائر في العام 1975، التي وقعت بين شاه إيران ونائب جمهورية العراق آنئذ صدام حسين والذي بمقتضاها تنازل العراق عن نصف شط العرب في مقابل امتناع الشاه عن دعم الملا مصطفى البرزاني·

أما المكون العربي الذي ينقسم إلى الشيعة والسنة فإن العلاقة بينهما لم تكن علاقة سوية في ظل الدولة العراقية الحديثة، ذلك أن تلك الدولة قد ورثها الضباط العرب السنة الذين كانوا يعملون في جيش السلطنة العثمانية، وأصبحت المراكز الرئيسية في جهاز الدولة بيد هؤلاء، ولم يفلح النظام الجمهوري الذي ساد العراق منذ ثورة العام 1958  أن يغير هذا الواقع، بل ازداد سوءاً مع قفز البعثيين إلى السلطة في العام 1963، وانحسار السلطة في يد مجموعة عشائرية ضئيلة بعد انقلاب صدام حسين في العام 1979، وهذا الأخير كرس الطائفية بشكل بغيض، وفي فترة حكمه الأخيرة استخدم الخطاب الديني الطائفي بعد أن طلق خطابه العلماني العقلاني طلاقاً بائناً·

بيد أننا نظلم الدولة العراقية الحديثة لو نسبنا إليها الانقسام الطائفي الحاصل بين ناظرينا، إذ لا بد من أن نتذكر أن العراق هو موئل جميع المذاهب والفرق التي ظهرت  في صدر الإسلام، فقد ظهر على أرضه الشيعة والخوارج والمرجئة والمعتزلة والأشعرية وغيرها· إذن، الانقسام عميق في هذا المجتمع، يقول عالم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي في كتابه الفذ "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" الجزء الأول ص12 ، إنه "طالما شهدت بغداد في العهد العباسي معارك بين المحلات السنية والشيعية يسقط فيها الكثير من القتلى، وتحرق البيوت والأسواق، وتنتهك حرمة المراقد المقدسة"·

بيد أن هذا الصراع أخذ شكلاً آخر في القرن السادس عشر حينما حول الشاه إسماعيل الصفوي إيران من المذهب الشافعي إلى المذهب الجعفري، فأصبحت إيران المدافعة عن الشيعة، وأصبحت الدولة العثمانية المدافعة عن السنة، ونزاع الدولتين الذي طال ثلاثة قرون أدى إلى استفحال الصراع الطائفي في العراق إلى درجة لا تطاق، حيث صار أهل العراق - كما يكتب الوردي - لا يفهمون من شؤون حياتهم العامة سوى أخبار هذه الدولة أو تلك، وكل فريق منهم يدعو الله أن ينصر إحداهما ويخذل الأخرى· ويضيف: "وهم في هذا لم يكونوا يعتبرون الإيرانيين أو الأتراك أجانب هدفهم احتلال البلاد والانتفاع بخيراتها، إنما كان كل فريق منهم ينظر إلى الدولة التي تنتمي إلى مذهبه كأنها حامية الدين ومنقذة الرعية"· ص 13

ويذهب الوردي إلى التأكيد بأن المثل العراقي المشهور الذي يقول: "بين العجم والروم بلوى ابتلينا" إنما يعكس ذلك الصراع الإقليمي بين الدولتين والذي وجد تجلياته في المجتمع العراقي بالخلافات المذهبية العميقة بين السنة والشيعة، ويستنتج الوردي أن تلك "البلوى" لم يقتصر أثرها على تخريب الحضارة فقط بل ساهمت أيضاً في تخريب العقول، إن الجدال اللانهائي الذي اعتاد العراقيون عليه من جراء ذلك جعل بينهم وبين واقع الحياة حجاباً، ومن المؤسف - يواصل الوردي في رصد الحالة الطائفية في مجتمعه - أن هذا النمط من الجدال لا يزال منتشراً في أوساط الكثيرين منهم حتى هذه الساعة ( أواخر الستينات حينما أصدر الكتاب) لا فرق بين أولي الثقافة الحديثة منهم وأولي الثقافة القديمة، وربما كان هذا - وهنا يستخلص الوردي عبرة من التاريخ قد تفيد في تحليل الواقع الراهن -  من جملة العوامل التي أدت إلى استفحال العنف في الجدل السياسي لدى أهل العراق·" ص 148

ولعل المفارقة التي نختتم بها هذه المقالة هي أن العوامل الإقليمية لها فعلان متناقضان بالنسبة لتكوينات الشعب العراقي الأساسية، فهي بالنسبة لانفصال الأكراد عامل كابح، في حين أنها بالنسبة لانفصال الجنوب عامل مشجع·

alyusefi@hotmail.com

�����
   

إن المساجد لله..!:
عبدالخالق ملا جمعة
Shut up and pray!:
فهد راشد المطيري
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة:
د. نسرين مراد
"زيارة ناجحة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تجزؤ العراق:
د. محمد حسين اليوسفي
أين ذهب الشارع الإماراتي؟:
ياسر سعيد حارب
رسالة من السجون الإسرائيلية:
عبدالله عيسى الموسوي
عطلة السبت تقليد عربي قديم:
د. فاطمة البريكي
أشياء صغيرة:
د. لطيفة النجار
الموت المجاني:
د. حصة لوتاه
حقيقة الانتصار:
يوسف الكندري
المنتصر والشروط:
فيصل عبدالله عبدالنبي