رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 8-14 شوال 1423هـ الموافق14-20 ديسمبر 2002
العدد 1556

وتد

”الأدب الإسلامي” مفهوم غير مفهوم!

 

نشمي مهنا

منذ سقوط “الرجل المريض”، في عشرينيات القرن الماضي، عملت الحركات الإسلامية - كوارثة لأمراضه - على التوغل في جسد المجتمعات العربية، فمدت أذرع أخطبوطها الى الساحة السياسية عن طريق الأحزاب ودخول البرلمانات (كوسيلة تبررها غاية ما!)، وفي الاقتصاد بإنشاء المؤسسات المالية والبنوك، وفي الشارع العربي برفع الشعارات ودغدغة الأخيلة والمشاعر، والسيطرة على منابر دور العبادة، وفي الإعلام عن طريق إصدار الصحف والمجلات ومؤلفات كتابها، وبإطلاق فضائيات تروج للفكر الديني·· فماذا بقي؟!

بقي العامل الثقافي فقط، الذي لم تستطع تلك الحركات السيطرة عليه، أو تسجيله ضمن ممتلكاتها الخاصة، ذاك الذي ظل وحيدا، وعصيا، وشاهدا على ظلامية فكر الحركات الإسلامية، بسبب طبيعته القائمة على الحرية، تلك التي تتطلبها الكتابة الإبداعية وتشترطها، لذلك ظل في الضفة الأخرى، بعيدا عن متناول أذرع أخطبوطها·

فما العمل·· الذي بإمكان تلك الحركات أن تخترعه لحل تلك الإشكالية؟

تنادى بعض أكاديميي الحركات الإسلامية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي الى زرع مفهوم “الأدب الإسلامي”، وترويجه في الساحة الثقافية، وقبل ذلك كانت كتابات سيد قطب (النثر الفني في القرآن) وغيرها مسوغات ممهدة لفرش هذا المفهوم أو فرضه··

وعاد “الاستحواذ” مرة أخرى وإن بشكل ثقافي، وعاد معه “السطو” على صفحات من سفر التاريخ، ليضيف أصحاب مفهوم “الأدب الإسلامي” الى اختراعهم الجديد نتاجات أدبية من “الأدب العربي” مثل كتابات أبي حيان التوحيدي والحلاج وابن الفارض وابن عربي والسهروردي وإخوان الصفا·· وغاب عن منظري “الأدب الإسلامي” - في حمأة تجميعهم لشتات من التاريخ - أن أصحاب تلك الكتابات في الزهد والتصوف قد لاقوا على أيدي علماء الدين أشد صنوف التصفية الفكرية والجسدية، فكيف بهؤلاء الذين سجنوا وعذبوا وقتلوا على يد خلفاء الدولة الإسلامية وبتحريض من رجال الدين وفتاواهم أن يصبحوا مؤسسين لـ “الأدب الإسلامي”·· رغم كل هذا التناقض؟!

ومن أدبنا المعاصر، لجأ البعض الى “مختارات” من شعر البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم كي تعد نموذجا آخر، يضاف - قسرا - الى ما اصطلح عليه “الأدب الإسلامي”!

وظلت الثقوب - رغم الترقيع - تملأ ثوب هذا المفهوم، خصوصا بغياب الفنون الأدبية من رواية وقصة وشعر ونقد (وبالطبع تلك الفنون “المحرمة” مثل المعمار والنحت والموسيقى والفن التشكيلي والتصوير)، فلا وجود لقصة إسلامية، ولا لشعر إسلامي·· إلا إن أراد المجادل اعتساف أرقاب الحقائق!

ولن تقنع بعض القصائد المنظومة في الوعظ والنصائح، التي تحفل بها الصحف والمجلات الدينية، أي قارئ في اعتبار ما يقرؤه نتاجا من مدرسة أدبية “جديدة”، اتضحت معالمها، أو أنه لون لكتابات تندرج تحت ادعاء “الأدب الإسلامي”، فالكتابة الإبداعية الحقة لا يمكن لها أن تخضع لقيود الفكر الديني، أو تأتمر بخطوطه الحمراء، وشروطه ومحظوراته، ففي طبيعتها ما يتنافى مع “القولبة” الدينية المتزمتة·· هكذا هي وستبقى·

يعيد بعض المنظرين لمفهوم “الأدب الإسلامي” أصل التسمية الى الدراسات الاستشراقية التي صنفت الأدب وفق جغرافيته، فأعادته الى أهله من الشعوب الإسلامية، وبذلك تسقط ملامح الرؤية التي ألصقت به، فهو - وفق هذا الأصل في التسمية - مثل الأدب الآسيوي، أو غيره، لا يحمل في لون محابره سوى صبغته الجغرافية!

مقولة أخرى تعيد أصل التسمية الى طرحه رؤية مغايرة في الفكر والحياة، تعتمد الدين الإسلامي منهاجا للكتابات·· مما يقربه الى الوعظ والتوجيه وإن خلا من القيم الفنية·· ومما يبطل تلك المقولة - أيضا - أن “الأدب العربي” يضم بين دفتيه كل تلك الاتجاهات وغيرها، كما أن العرب هم نواة الأمة الإسلامية·· فلماذا اللجوء لاختراع مفهوم، غير قائم على أساس “أدبي”؟!

حجج ضعيفة، وبراهين واهنة تريد التأصيل لمفهوم غير مفهوم!! لتستكمل حلقاتها على رقبة الفكر الحر، بعد أن تسيدت الموقف سياسيا، واقتصاديا، وإعلاميا، ومجتمعيا··  ولم يتبق لها سوى خنق العامل الثقافي·

فهل يعي أصحاب التوجهات الليبرالية، أن الثقافة هي آخر القلاع الصامدة، والساحة الأخيرة التي يجب الالتفات إليها والالتفاف حول أهلها ورموزها، في مواجهات حافلة بالتزوير، بعد أن فشل الدينيون في حسمها بسلاح الإبداع؟!

nashmi@taleea.com

طباعة  

هل كان يستحضر أرواحا شعرية·· أم يمارس “لعبته” مع الموتى؟!
حسن خضر·· دائما يتحدث شعرا مع الغائبين

 
الوحدة التي لا نختارها تحديداً
 
تجليات الوعي الشعري·· في “البيان”
 
“العربي”: محفوظ و”الأبابيل” ودعوة “الساير” للانتفاض على الذات
 
المرصد الثقافي