

· بوش استعان بالمخابرات السورية في انتخابات 1992 فصوت الأمريكيون للأسد!
بقلم: روبرت فيسك
الانتخابات تعتبر من أطرف الأشياء ضمن محاولات إنتاج الديمقراطية على النمط الغربي في الشرق الأوسط، حيث يزعم الدكتاتوريون أن أنظمتهم تقيم مثل هذه الديمقراطية بالفعل! ففي عام 1993، مثلا، فاز الرئيس المصري حسني مبارك (صديقنا الطيب) بنسبة 94,9 في المئة للولاية الثالثة في منصبه· وفي الانتخابات لولايته الرابعة عام 1999 حصل على 93,7 في المئة، وكان سلفه أنور السادات زعم الحصول على نسبة 99,95 في المئة من الأصوات في استفتاء عام 1974·
أما صدام حسين فزعم الحصول على 99,96 في المئة من الأصوات في انتخابات عام 1993، ولكنه حصل على 100 في المئة من الأصوات في الانتخابات التي نظمها عام 2002·
وفي عام 99 حقق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ما وصفته وكالة الأنباء الرسمية بـ "النصر الساحق" بحصوله على 98,9 في المئة من الأصوات، حيث لم يصوت ضد الرئيس الأسد آنذاك سوى 219 مواطنا شجاعا· وبعد ذلك، حصل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة على 73,8 في المئة من الأصوات عام 99· وأخيرا حصل محمود عباس على 62,3 في المئة من الأصوات في انتخابات الرئاسة الفلسطينية التي نظمت في مطلع العام الجاري· وقد كانت النتيجتان الأخيرتان متواضعتين لدرجة يمكن تصديقهما·
لعبة الديمقراطية
لقد انتشرت نكتة شعبية في دمشق عام 1992 مفادها أن جورج بوش (الاب) الذي كان يواجه الهزيمة في انتخابات الرئاسة طلب من أجهزة الأمن السورية ترتيب انتصار على الطريقة السورية للجمهوريين في تلك الانتخابات· وقد فعلت· حيث طار عناصر المخابرات السورية الى الولايات المتحدة، ولكن النتيجة كانت أن الأمريكيين أعطوا 99 في المئة من أصواتهم·· لحافظ الأسد·
وهذا ليس غريبا في سورية التي يقال إن وزير داخليتها عام 1948 أعلن حصول الرئيس شكري القوتلي على 110 في المئة من الأصوات، فما كان من القوتلي إلا أن أقال ذلك الوزير، حسبما تقول الرواية·
هل اتضحت الفكرة؟ إن أسوأ دكتاتوريات العالم والتي عادة ما تحظى بدعم الغرب "الديمقراطي"، تريد أن تمارس اللعبة· لقد ظل التأييد الشعبي دائما شيئا ضروريا للسفاحين وقطاع الطرق، ولذلك، كنا ندرك حين نقرأ أن دولة ما هي "جمهورية ديمقراطية شعبية" أنها دولة بوليسية سواء تعلق الأمر بجمهورية ألمانيا الديمقراطية (سابقا) أو بجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية (لاحقا)· وكلما كان النظام أكثر وحشية أصبح أكثر "ديمقراطية" وأكثر "شعبية"·
ولكن المشكلة بالطبع، أننا - في الغرب - قبلنا بهذا المنطق· فقد التزمنا الصمت حيال جرائم ألمانيا الشرقية وكمبوديا الشعبية في ظل نظام الخمير الحمر وتعاملنا مع مثل هذه الدول، حتى في الأمم المتحدة، طالما أنها كانت تقف الى جانبنا، الأمر الذي كان يعني مناوءة الاتحاد السوفييتي السابق أو الصين·
وهكذا وجدت الدول البائسة التي خلقناها في الشرق الأوسط سبيلا لقبول العالم بها· لقد قوبلت مصر عبدالناصر وليبيا القذافي ثم عراق صدام بالترحيب من قبل بريطانيا والولايات المتحدة بعد إطاحة الأنظمة الملكية لفاروق والسنوسي وفيصل على التوالي، صحيح أن وزير خارجية بريطانيا وصف القذافي بأنه "رجل دولة" بعد أن تعهد الأخير بتفكيك أسلحة دمار شامل لا يمتلكها· ولكن ذلك جاء بعد أسابيع من الكشف عن مؤامرة يقف وراءها القذافي لاغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي الذي يعتبر من أوثق أصدقاء الرئيس بوش·
إذاً كيف نتصرف نحن الديمقراطيين "الحقيقيين"؟ لقد كشف النقاب مؤخرا عن أن المخابرات الأمريكية تقوم بالتنصت على مقر الأمم المتحدة في نيويورك·
أكاذيب
لقد كان حديث وزير الخارجية الأمريكي (السابق) كولين باول أمام مجلس الأمن في المرافعة الأخيرة لإقناع الدول الأعضاء بضرورة شن الحرب على العراق، مناسبة يجب عدم إضاعتها· وكما حدث في خطاب الرئيس بوش أمام الجمعية العمومية قبل ذلك، لم يكن بالإمكان رؤية ما أغفلته كاميرات التلفزة إلا لمن حضر تلك المناسبة· وما أعنيه ذلك المشهد الذي ظهر عليه وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي أطلق ابتسامة مليئة بالغطرسة والغرور والشعور بالعظمة وهو يجلس على مقربة من الوزير باول وخلف الرئيس بوش·
وقد خيّل الي وأنا أرى - يومذاك - كبار القادة والوزراء من مختلف أنحاء العالم الديمقراطي يتبادلون التحيات والابتسامات والعناقات خيّل الي أنها لزعماء يحتفلون بصنع السلام، لا شن الحرب· ولكن - للأسف - لم يكن الأمر كذلك· لقد كان هؤلاء القادة الأنيقون يضعون الإطار الذي يسمح لهم بقتل الكثير من البشر الذين من بينهم - دون شك - بعض وحوش صدام الصغار، ولكن منهم عدد كبير من الأبرياء·
وحين صعد كولين باول الى المنبر لإلقاء خطابه الشهير الحافل بالأكاذيب، كان جاك سترو أشبه بتلميذ المدرسة المطيع لمعلمه وأيد كل كلمة وردت في خطاب باول·
عاشت الديمقراطية· ودعونا نأمل أن يقتدي العرب بتقاليدنا الديمقراطية العريقة·
"عن الإندبندنت "
----------------------------------------------------
الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء كتابها
إشراف: صالح أحمد النفيسي
saleh@taleea.com