رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 مايو 2007
العدد 1773

وتد

يستعصي عليهم!

 

نشمي مهنا

منذ أن استدرج "حسن البنا" الناشئة، في عشرينيات القرن الماضي، إلى معسكرات ترفيهية - تعليمية في ظاهرها، وتنظيمة - حزبية في حقيقتها، أقامها في نواحي مصر، بأريافها وصعيدها·

 سرى منذ تلك الفترة في شرايين المجتمع العربي، "الميكروب" الملَّوث بتعاليم التطرف والتكفير، وأخرج من قمقم كامن في النفس العربية ماردا لم تستطع كبح جماحه، حتى بعد أن قضم هذا الوحش أمير التنظيم نفسه في نهاية الأربعينيات، إثر اغتيال (الإخوان) لرئيس وزراء مصر الوفدي (النقراشي) آنذاك·

ومنذ ذلك التاريخ لم يتمكن هذا التنظيم من لملمة "الأفهام" الخاصة، والمتطرفة، تحت عباءة "فهمه" الموحّد، بعد أن ظهرت أصوات تنادي بتكفير المجتمع بأكمله (كتابات سيد قطب)·

توالت حلقات هذا المسلسل (المشابه للأفلام السينمائية الغربية التي تظهر "المسلم" متعطشاً للدماء، مستمتعاً بنحر البشر وهو ينهش لحم بعير من وسطه!)، إلى أن وصلت حلقاته (السبعينية) بالعرض الدرامي لاغتيال رأس الحكم في مصر·· ومازال المسلسل مستمراً، وإن أخذ "مونتاجاً" مغايراً·

وبما أن بلد المعز، مرآة لما يمور في الجانب الآخر للشارع العربي، وكل ما يحدث في ساحاته تنعكس صوره - ولو بعد حين - على العواصم العربية· نشأ في الكويت أول تنظيم (لجماعة الأخوان المسلمين) عام 1947 على يد عبدالعزيز العلي المطوع، وأشهر رسمياً عام 1952 تحت مسمى "جمعية الإرشاد الإسلامي"، وذلك بعد توافد "الأخوان" المصريين والعرب، واستغلالهم بما سمح به قانون جمعيات النفع العام - آنذاك - من قبول تسجيل عضوية "الأخوان" العرب·

وأخذت الحركات الدينية - منذ تلك اللحظة - شكلاً رسمياً وتنظيمياً "للتطرف"، بعد أن كانت أصوات التعصب "العاداتي"·· لا الديني (كتعليم البنات في المدارس مثلاً)، والتي يُطلقها بعض المشايخ "وملالوة" التحريم في المجتمع الكويتي تتلاشى بفضاءات الاستنارة التي قادها بعض الروّاد مثل عبدالعزيز الرشيد، وفهد العسكر، وصقر الشبيب وغيرهم··

فرّخ بيض هذه الجماعات، وفي عش مجتمعنا الدافيء، عن تنظيمات اخطبوطية (تكفيرية) رافضة لكل مؤسسات المجتمع المدني، وثقافته، ودستوره (كجماعة الشورى، وحزب التحرير)، وإن ركبت بعض التنظيمات الأخرى الموجة، وامتطت الديمقراطية للوصول إلى المؤسسات التشريعية والشعبية (وبغير قناعة منها، كما يرد في أدبياتها)·

استطاعات هذه الجماعات - بأفراخها وبيضاتها - من إغواء مشاعر رجل الشارع البسيط، ومن اغرائه بطُعمٍ ديني، هو من صلب عقائده وموروثاته وانتمائه المتجذّر، لا يمكنه بذلك رفض أو مساءلة صواب فكرة، أو استيضاح حجة، وإلاّ طُعن بموضوع حجته وهو (الدين) لذا فالاختيار الأوحد له المهادنة·· بل والقبول حتى وإن ارتاب في الجزء الأسفل لهذا الجبل الثلجي!

اكتسح هذا المد الأصولي، ساحات الشارع العربي (وبالطبع الكويتي)، وازدادت ضراوته في السبعينيات، ورجحت كفّتْي الشارع لصالحه، بغض النظر عن مسببات غياب وانزواء التيارات القومية، والديمقراطية والليبرالية الأخرى·

فما تبقىّ لهم بعد ذلك؟

بقى حصن وحيد، بعيداً عن غوغائيتهم، لم يتمكنوا من ولوجه، رغم فورة مدّهم خلال العقدين الماضيين - على الأقل - وهو "الحصن الثقافي"·

ونعتقد بوجود "مناعة ما" بمداد مثقفين وكتّاب وروائيين وشعراء عرب، حالت دون تفشي وباء "الإسلامجية" في هذا الشريان (والتعبير للكاتب صلاح عيسى حيث يشبّه ممتهني الدين لأغراض ما، بأصحاب المهن الحرفية، الذين يُنسبون إلى حرفهم وصنعتهم في العصر العثماني)·

والأهم أن هؤلاء "الإسلامجية" لم يطرحوا بديلاً عن الثقافة العصرية، من شعر حديث، أو قصة ورواية، أو من أشكال الفنون الأخرى، كما لم يُوجِدوا تياراً أدبياً له سماته وملامحه، بل أن كثيرا ًمن أبواب الثقافة لم يقتربوا منها، ولم يطرقوها كالرواية والفنون التشكيلية (المحرّمة!)، ومدارس الشعر الحديث·

لذا من الطبيعي أن يتتالى التهييج بين فترة وأخرى، ضد حصن منيع، استعصى عليهم كثيراً، فتُنْصب مقاصل لكتَابٍ يطرح رأياً مغايراً، ولديوان شعرٍ لم يتمكنوا من فك - لا تذوّق - رموزه الفنية، ولروايةٍ أخذتهم لآفاق بعيدة، لم يستطيعوا معها المواصلة، فحاكموا نوايا كاتبها·

طباعة  

أشار إلى دلائل كونية وأمثلة من واقع الحياة
فيصل عبدالله: التعددية وحركة الأضداد أساس بناء الكون

 
إصدارات
 
مكافآت مالية للمراتب الثلاث الأولى
الإعلان عن جائزة أحمد الحمد للإبداع الشبابي

 
في الحادي والحربين