Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962
العدد 1787

القيادات أنهكتها الضغوط وتسارع الزمن والمجتمع أنهكته الصراعات
الوطن بحاجة إلى دماء جديدة تتفاعل مع الألفية الثالثة

كتب محرر الشؤون السياسية:

الحركة في رمضان بدأت تتثاقل، ورغم أن هذا الشهر الفضيل هو من أخف شهور رمضان من حيث الجوع والعطش إضافة الى ما متعنا الله به من اعتدال الجو، إلا أن المبالغة بالسهر يبدأ تأثيرها ويظهر الإجهاد والخمول ويبدأ الناس بحساب الأيام التي تفصل العيد·

وفيما عدا أصحاب البرامج المكثفة للزيارات مثل برامج النواب، فإن حركة الدواوين تهدأ و"يركد الرمي" ويعود الناس للاستقرار في أماكنهم الأصلية مع فارق واحد، أن الناس تكون قد مرت بما يشبه "الكورس" بالعلاقات والتفاعل الاجتماعي واستمعت الى آراء أكثر تنوعا مما اعتادت عليه وعبرت عن رأيها على نطاق أوسع·

أهل الكويت يستقبلون اليوم أول ليالي العشر الأواخر حيث يجد الحريصون على إتمام سنن دينهم الحنيف الفرصة لقيام الليل في العبادة التهجد والصفاء مع الخالق، ويدعون الله في هذا الزمن الذي تضيع فيه الرؤى أن يرشدهم سواء السبيل·

وفي دواوين الكويت تنفسح الفرص لأحاديث معمقة وهادئة ولو أنها قلقة على أوضاع بلدنا ونحن نودع الألفية الثانية ونضع أولى خطواتنا في الألفية الثالثة كمن يلج باب المجهول· لا شيء واضحاً، لا سراج ولا طريق ولا من يرشد· تقطعت بنا السبل وهدّنا التعب بدون مبرر، وأضحينا مثلما يقول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول··

لقد ارتفع تذمر الناس ووصل الى مرحلة الغضب فليس مبررا لأحد أن تغلب عليه حساباته الخاصة على حساب الوطنية وأمن الوطن واستقرار وازدهار الوطن· ليس هناك مبرر مفهوم لدى الناس من عدم اللجوء الى إمكانات البلد البشرية المخزونة والمهدورة ووضعها في المكان الأساسي لصنع القرار لمعالجة أوضاع البلاد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتركها تتخبط في مهاوي التردي·

الناس تقول ماذا يراد من الكويتيين أكثر من أنهم وهم يستشهدون ويؤسرون ويقاومون ويصمدون ويشردون في المنافي، يتمسكون بقيادتهم الشرعية كجزء عضوي من كيانهم، ماذا يراد منهم؟! ماذا يراد أكثر لكي يصبحوا في صلب عملية صنع القرار وأن يتولوا المسؤولية الرئيسية إذا دعت حاجة الوطن الى ذلك·

والناس تقول إن ما يحدث في البلاد وللبلاد لا يمكن تبريره وليس من حق أحد مهما كان أن يتهاون في ذلك، فكما قال الأمير "كلنا زائلون والكويت هي الباقية"، ومن أجل ذلك يجب أن تسخر الطاقات وتتنحى المكابرة·

ويقولون في الدواوين إن الصراع قد أنهك البلد، وهي لا تتحمل، إن أريد لها البقاء، المزيد·

أنهكنا ولعقود الصراع في منازعة الكويتيين في حقهم في الدستور وهذا أنهاه الاحتلال· وأنهكنا الصراع على تقاسم السلطة وهذا حسمه التفاهم والزمن، ويفت في عضد البلاد الآن الصراع على المواقع في المستقبل·

ولقد ضاعت البلد في كل ذلك ومن أجل ذلك وأصبحت لتغذية كل تلك الصراعات وإسنادها مرتعا لأحزاب التأسلم السياسي ومرتعا للتعصب القبلى وقبل ذلك مرتعا للتعصب الطائفي· وأدخل مجلس الأمة في هذه الدائرة مما سبب له الشلل وبدأ تذمر الناس فيه· ولعدم وضوح الأولويات الوطنية لصناع القرار ولتذبذب كفاءة شاغلي المناصب الوزارية والتغيير والتدوير، حدث الانهيار الشامل الذي تشهده البلاد في الأمن والاقتصاد والتعليم والإدارة، وأصبح الشغل الشاغل لكثير من النافذين السيطرة على أكبر عدد من البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية والقطاع الخاص بينما يهتم آخرون بترتيب صفقات السلاح والنفط والمشاريع الضخمة وتغوص البلاد برمتها في مستنقع من الأجهزة الفاسدة·

الناس في دواوين الكويت لم يعد لديها شيء محظور لا تتحدث فيه أو حوله وتطالب بالإصلاح السريع، ولقد عبّر أحد المخضرمين السياسيين عن أوضاع البلاد ومشاعر الكويتيين تجاه ما يحدث قائلا: نرجو من الله ألاّ يحقق أمنية نائب رئيس وزراء طاغية العراق طارق عزيز عندما سئل عما سيفعل العراق تجاه الكويت في المستقبل حيث أجاب: "إننا لن نفعل شيئا، فهي ستسقط لوحدها بعد أن تتآكل من الداخل"·

هل ما يجري مبرر!! هل هو معقول؟! الإجابة واضحة ولكن الناس تترقب الآن عودة الشيخ سعد من الخارج وتتمنى من قلبها له الصحة والعافية· فأبو فهد إن اتفقت مع منهجه أو اختلفت، فليس هناك في الكويت من يختلف على أساسيات: أولها أن الرجل هو عاشق للوطن متيم  بترابه لا يستطيع أن يبتعد عنه كثيرا حتى لو استدعى ذلك تضحيات بصحته ومتطلبات علاجه· والثاني أن أحدا لا يستطيع أن ينسى صمود أبي فهد وشموخه في مواجهة الغزو والاحتلال وتفانيه وجلده الرجولي في مصارعة الخطوب والأيام الصعبة الى دخوله المظفر للكويت المحررة في طلائع العائدين والبلاد يلفها دخان الحرائق وجلوسه في ديوانية الشايع لبدء ممارسة القرار في إعادة الأمن وإعمار البلاد·

ولا ينسى الناس أيضا ذلك المشهد المؤثر في مجلس الأمة حين تعثر الرجل الجلود وهو يدخل قاعة المجلس للاشتراك بالتصويت على قانون حقوق المرأة المقدم من أعضاء المجلس حرصا على مساندة المبادرة الأميرية السامية، ووفاء للتعهدات التي قطعها على نفسه في مؤتمر جدة ومساندة لنساء الكويت وحقوقهن المشروعة·

ولا ينسى الناس أيضا وخصوصا ممن حضروا المجلس ذلك الوقوف التلقائي للجماهير وهي تصفق تصفيقا حادا ولوقت طويل في إكبار للرجل وكل المعاني النبيلة التي مثلها حضوره·

فهل يعقل أحد أن يطلب من ابي فهد  أن يعود لممارسة نشاطه السابق، بل هل يمكن ذلك؟!

هناك إحساس أخذ في الانتشار المتسارع في دواوين الكويت ومنتدياتها السياسية وحتى في المنازل، بأن هناك فراغا في السلطة فالمسؤولون بشر، وهم معرضون لما يتعرض له البشر من مرض وعافية ولذلك يمرض الكثير من مسؤولينا الآن تحت وطأة الظروف الصعبة والضغوطات التي يتعرضون لها وبحكم الزمن والسن·· وسنة الحياة، لكننا لا نتخذ ما يوازن ويدعم ويصحح الخلل· ولذلك تسير بلدنا وكأنها تعيش على مسكنات تخدر الأحاسيس ولا تعالج المرض بل إن كثيرا من المسكنات تصرف النظر عن العلاج حتى تصبح العلل مستشرية لا أمل لها بالشفاء· والمشكل المحزن أن الجميع يرى ما يحدث ولا أحد يفعل من أجل إنقاذ الوطن شيئا· هناك في دواوين الكويت وأروقتها السياسية ما يشبه الإجماع على أن البلاد بحاجة الى دماء جديدة في قيادة صنع القرار، قيادة لها نظرة مستقبلية تفهم القفزات التي يحققها العالم وتحاول أن تسير باتجاهها، قيادة تنسجم مع تطلعات البلاد نحو مزيد من الديمقراطية وإصلاح الخراب التعصبي سواء المستغل للدين أو الوضع القبلي والسير لخلق مجتمع مدني مستنير وموحد، قيادة ليست ملوثة بنهب المال العام تؤمن بسيادة القوانين وتطبيقها على الجميع، قيادة يكون في أولويات برنامجها ما طرحه صاحب السمو حين خاطب أساتذة الجامعة الكويتيين من أولويات وهي الأمن والتعليم والاقتصاد، بهذه الرؤية والترتيب والمواكبة أيضا·

هذا ما هو مطلوب، والدماء الجديدة المتحفزة موجودة سواء كانت من داخل الأسرة الحاكمة أو من خارجها معيارها الوحيد الذي يجب أن يكون، الكفاءة والنزاهة·

هذا ما يريده الكويتيون ويلخصونه بأن البلاد في عطش شديد الى دماء جديدة تستطيع التعامل مع الألفية الثالثة لتنتشل البلاد وتؤمن موقعا كريما لأجياله المقبلة في المستقبل·

طباعة