الأحزان بكامل زينتها
نشمي مهنا
(1) الفكرة
غير صحيح أنها مرمية على قارعة الطريق، لأنها تولد في القدح المفاجئ، ومن بنات الشرارات· والأفكار البهية حبلى بنفسها، وهي القابلة أيضا، التي تعرف مواعيدها جيدا، فما أن تكتمل أو تتشكل بعض ملامحها حتى تنفجر في وجه الورق الأبيض المنتظر، أو الحديث·
الأصح، أن الكلمات هي المتصعلكة على قارعة الكلام، أما الأفكار فأكثر حشمة وامتناعا واعتزازا بالحضور·
(2) المرأة
الحكاية من آخرها: إنه متعب، يرى جسده يتساقط، وأحلامه تالفة، وأفكاره مشوشة لا تجتمع على يقين، جميعها ذاهبة به الى الهاوية·
لذا، حينما جاءته الأحزان بكامل زينتها، وغمرت حياته بالمياه الثقيلة، خلق من بقايا أشواقه أشرعة، ومن بعض حنينه مراكب، واعتصم بالمرأة العاشقة·· كميناء·
الى الآن·· لا يدري
هل كان يصنع وهما، وخشبا لا يطفو بالروح المنهكة على هذا البحر الأسود؟ أم الحاجة أقنعته بخدعة أخرى من مراكب وخشب وأنثى قد تكون هي الحوت الذي سيلتهم بقاياه؟!
أحلامه ما زالت كرصاصة طائشة، قد تستقر في السقف، أو في خزانة الملابس، أو في سريره، أو في مرآته·· أو في قلبه·
لكنه يراهن أن عينيها باقيتان ولن يصلهما الرصاص·
هارب الى الفكرة والمرأة والجسد والقصيدة وبقايا الحلم· كثيرا ما يتعثر ويقارب الانكسار، ويظل يعاود تجارب الخسارات بغباء المكابر، أو بحكمة المفلس الذي لا يملك حلا آخر· يقول في سره دوما على سبيل التعزية "تمام استقامة القوس في اعوجاجه"··· ويتابع هذا الهارب المعوج طريقه·
(3) الصديق
حكاية ميناء آخر يضيء بالأمان·· وقد لا يكونه·
أقرب الأصدقاء من تشعر بحضوره أنك وحدك، خفيف ونقي، وتحاور أسرارك وهمومك وتنفض حقيبة أوراقك العارية أمامه دون حرج· ويبادلك الأوراق·
ذاك الذي لا ترتب له قولا، ولا تشذّب له حلما، كي ترضيه· يعرف صدقك حتى في الصمت، ويكشف كذبك الصامت·
حينما يتبادل الأصدقاء المرايا ولا يتقاذفون بشطاياها الحادة·· يكتمل الميناء، ويعلو الفنار الحارس للأرواح·
ما الرابط بين الفكرة والمرأة والأصدقاء والقصيدة·· والأحلام المكابرة التي لا ترتضي الموت؟
nashmi@taleea.com