رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 ربيع الأول 1425هـ - 12 مايو 2004
العدد 1627

بسبب الفجوة في مواقفهما من الشرق الأوسط والعراق
هل حانت لحظة الفراق بين أوروبا والولايات المتحدة؟

                     

 

·   هجمات 11 سبتمبر  أنهـت 300 عام ظلت فيها أوروبا تمثل مركز الثقل في العالم

 

بقلم: مارتين جاكيü

أصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا تجدان نفسيهما معزولتين في العالم، وربما كان خروج إسبانيا من دائرة مناصري الحرب أمرا مثيرا، ولكنه كان متوقعا، فقرار حكومة خوسيه ماريا أزنار تأييد الحرب، لم يكن تحديا لنصف السكان الإسبان فحسب - كما هي الحال في بريطانيا - بل تحديا للغالبية الساحقة من الشعب الإسباني، ومن الواضح أنه كان ثمة ثمن ستدفعه الحكومة الإسبانية نتيجة لذلك، وهذا ما حدث بالفعل·

ولكن حدث في أعقاب أحداث إرهابية ومأساوية، وكان من المحتم أن تطرح التطورات في إسبانيا السؤال حول ما إذا كانت الحكومات الأخرى التي تحدت إرادة شعوبها بطريقة سافرة ستدفع ثمنا مماثلا، فلم يحدث في أي دولة ديمقراطية في العالم تؤيد فيها غالبية الشعب غزو دولة أجنبية باستثناء الولايات المتحدة، وليس بالأمر الجديد أن تتجاهل الحكومات الرأي العام، فالحكومات الديمقراطية تتجاهل إرادة شعوبها في قضايا رئيسية دائما، وهذا هو الفارق بين تأتي بالانتخاب وأخرى بالاستفتاء، ولكن إذا كانت القضية المطروحة كبيرة وطويلة وغير عادية، فسوف يتعين على الحكومة - يوما ما - أن تمسك بزمام المبادرة، والعراق هو قضية من هذا النوع، إنها من اللحظات التاريخية النادرة التي تغير العالم وتجعل كل ما بعدها يختلف عما كان عليه قبلها·

 

نصر للتاتشرية

 

وخذ بريطانيا على سبيل المثال، فلم يكن من الصعب على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن يدعم أقرب الحلفاء في شن الحرب على طاغية كصدام حسين من أجل إجباره على الانصياع لقرارات الأمم المتحدة، ومع ذلك، أوقع نفسه في حسابات خاطئة خطيرة، إذ يحاول توني بلير - يائسا - تركيز انتباه الشعب البريطاني على القضايا الداخلية، ولكن العراق لا يبتعد عن أذهانه، وسيظل العراق يؤرق بلير حتى نهاية ولايته في 10 دواننغ ستريت وربما الى نهاية حياته·

إن رفض البريطانيين - أو نصفهم على الأقل - للمشاركة في الحرب يظل يمثل الظاهرة السياسية غير العادية الأبرز خلال الثلاثين عاما الماضية، فهو يشير الي تغير عميق في المواقف فيما يتعلق ببريطانيا ومكانها في العالم، هو التطور الذي لا يفهمه أحد في الواقع، حتى الآن·

لقد خسر اليسار عمليا كل الصراعات السياسية التي خاضها على مدى العقود الثلاثة الماضية، وقد أعيد رسم السياسة على طريق الليبرالية الجديدة، وبات آخر معقل للاشتراكية المثالية والمتمثل بوزارة الصحة، في موقف دفاعي، إن لم يكن تحت الحصار، وقد مثل حزب العمال الجديد النصر النهائي للتاتشرية، أي إذعان حزب العمال لليبرالية الجديدة وتغلب التشاؤم العميق حتى وإن تدثر برداء الغلو، في حزب العمال الجديد·

والغريب أن حزب العمال وجد نفسه في صفوف الأغلبية، لأن اليمين هيمن - على مدى نصف القرن الماضي - على أسس السياسة الخارجية والقوة العسكرية المرتبطة بشكل حميم بتاريخنا الإمبريالي، فمن كان يظن أن اليسار، المهزوم على كل الجبهات تقريبا، سيجد نفسه يمتلك الأغلبية في قضية دولية هي الأكبر من نوعها منذ عقود، وبما يسمح بمشاركة قوات بريطانية وبرئيس وزراء يتقدم الصفوف من أجل الحرب ولكن حقيقة الانقسام في الرأي العام البريطاني بهذه الصورة حيال الحرب تعني أن هناك تغيرات تحت السطح·

فلم يعد من المأمون الافتراض بأن الرأي العام سيؤيد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أو أنه سيؤيد بشكل أوتوماتيكي، قرار حكومته إشراك قوات بريطانية في مغامرة عسكرية خارجية·

ويعود التحول في الرأي العام البريطاني، في جزء منه الى ردة الفعل المتأخرة على نهاية الحرب الباردة، فالألفة بين الولايات المتحدة وأوروبا كانت وبالدرجة الأولى - نتاجا للحرب الباردة، وما أن قررت واشنطن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر انتهاج سياسة أحادية دعما لمصالحها باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، حتى وجدت أوروبا نفسها في العراء، فنحن الآن في بداية هذه المرحلة، ليس إلا، ولا تزال بانتظارنا الكثير من المفاجآت، وإسبانيا ربما تكون إحداها، لقد شهد الرأي العام البريطاني تحولا بالتأكيد، فقد ابتعد عن الموقف الأمريكي ولكنه لم يقترب من الموقف الأوروبي·

 

تأثيرات عكسية

 

وهناك تحول آخر يتعلق بإسبانيا، فلولا الاستياء الناجم عن انفجارات مدريد، ربما كان اليمين سيفوز في الانتخابات، ولكن المشاعر الشعبية الطاغية ضد الحرب والتي اقترنت مع التفجيرات الإرهابية كانت بمثابة الضربة المميتة للحكومة، وربما كانت هذه هي المرة الوحيدة التي تحرك فيها الشعب بالاتجاه الذي أراده الإرهابيون، ولو كنا لا نزال نعيش في حقبة الحرب الباردة، لكان تأثير الهجمات الإرهابية عكسيا تماما، والآن، وعلى الرغم من أننا نعيش في ميدان مغناطيسي مختلف، إلا أننا لسنا متأكدين من القوى التي تشكل هذا الميدان·

فهل نشهد قبل الانتخابات الإيطالية، حيث أيدت الحكومة الحرب على الرغم من معارضة الغالبية الساحقة من الإيطاليين، وقوع تفجيرات في إيطاليا على يد أصوليين شجعهم الاعتقاد بأن سقوط الحكومة الإسبانية جاء بسبب تفجيرات مدريد؟ وماذا عن الانتخابات البريطانية العام المقبل؟ صحيح أن الحسابات بشأن الرأي العام البريطاني قد تكون مختلفة، ولكن إغراء تنفيذ هجمات إرهابية في بريطانيا ربما يكون أقوى بالنظر الى الدعم القوي للحرب من قبل رئيس الوزراء توني بلير، فوفقا لاستطلاع أجرته شبكة ستار نيوز أخيرا، تبين أن 20 في المئة ممن صوتوا لحزب العمال في عام 2001 قالوا إنهم لن يصوتوا له في حال وقع هجوم إرهابي في بريطانيا، وأشار معظم هؤلاء الى أنهم سيتحولون لدعم الحزب الديمقراطي الليبرالي·

 

تغيرات صاخبة

 

إننا نشهد بداية تحول كبير في السياسات الأوروبية التي عهدناها منذ زمن طويل، فالرأي العام الأوروبي الغربي مناوئ للولايات المتحدة الآن، وهو يمقت السلوك الإسرائيلي، وبالتالي يناقض الموقف الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، ولكن عداءه لإسرائيل محكوم بقيود ذكرياته عن الهولوكوست، ولكن الهوة بين الرأي العام في أوروبا ونظيره في الولايات المتحدة حول العراق قد تتسع لتشمل الشرق الأوسط كله أيضا·

لقد فقدت أوروبا مراسي الأمان القديمة، واستقلالية الرأي التي اكتشفها الأوروبيون أخيرا، لا تنبع من شعور بالثقة في النفس ولا من إحساس بالأمان تجاه المستقبل، بل من الاغتراب المتنامي عن الولايات المتحدة المقترن بالشعور المتزايد بعدم الأمان تجاه العالم الذي نعيش فيه وموقع أوروبا منه، وللسؤال مظاهر عدة بعضها له جوانب مظللة فمثلا، من الواضح أن الرأي العام الأوروبي يشعر بعدم الأمان تجاه الهوية متعددة الأعراق لسكان القارة·

لقد ظلت أوروبا تحتل مركز الثقل في العالم على مدى أكثر من ثلاثة قرون ربما أطالتها الحرب الباردة نحو 50 عاما، ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وضعت حدا لذلك، أخيرا، فكيف تسنى لقارة صغيرة نسبيا، ولعبت دورا أكبر من حجمها على المسرح الدولي طوال هذه الفترة الطويلة، أن تتأقلم مع المتغيرات الصاخبة والمثيرة للمتاعب والتي تطلبت منها أن تحتل موقعا مختلفا تماما في العالم؟ هذه هي القصة الأوروبية الآن، والتي ستكون كذلك لفترة طويلة مقبلة·

 

" عن صحيفة الغارديان "

ü أستاذ زائر في مركز بحوث الاقتصادات الآسيوية في لندن·

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

طباعة  

فظائع "أبو غريب" تحدث في الدول العربية وإيران وإسرائيل
 
مباركة بناء الجدار الفاصل ·· التحول الأخطر في السياسة الأمريكية منذ عقود
 
الدبلوماسيون الأمريكيون في رسالتهم الى الرئيس بوش:
تأييدك لشارون أفقدنا مصداقيتنا وهيبتنا وأصدقاءنا