رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 ربيع الأول 1425هـ - 12 مايو 2004
العدد 1627

فظائع "أبو غريب" تحدث في الدول العربية وإيران وإسرائيل

 

 

·         سجن غوانتانامو كان بداية تدهور المعايير الأمريكية لحقوق الإنسان

 

بقلم: ديفيد أرونوفيتش

لقد كان أمرا مريعا أن يظهر بعض الجنود الأمريكيين وهم يبتسمون في أثناء عمليات التعذيب والإهانة للمعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، ذلك المكان الذي شهد إعدام الكثير من العراقيين على يد أجهزة الأمن التابعة لنظام صدام، وإنها لصور تثير السخط، تلك التي ظهر فيها معتقلون عراقيون وقد جردوا من ملابسهم وأجبروا على التسلق فوق بعضهم بينما كانت مجندة أمريكية تشير الى الأعضاء التناسلية لهؤلاء المعتقلين وسط ضحكات بقية الجنود وكأنهم يلتقطون صورا تذكارية·

ولكن الصور التي نشرتها صحيفة "الميرور" للجنود البريطانيين الذين يقومون بتعذيب المعتقلين العراقيين خلت من الابتسامات، ولكن إذا كانت الروايات المصاحبة للصور المنشورة صحيحة، فنحن بصدد قصص تعذيب تفوق في بشاعتها ما حدث في سجن أبو غريب، فإذا كان الرجل لصا اعتقد البريطانيون أن السلطات العراقية لن تعاقبه ولذلك أعطوا لأنفسهم الحق بالتبول عليه وضربه وركله مما أدى الى إصابته بجروح بليغة، فإنه يمكن القول إن كامل حقوق هذا الرجل الإنسانية قد انتهكت·

وبالطبع، أوضحت السلطات الأمريكية والبريطانية أنها تمقت هذه الجرائم، وإن ما حدث لا يعكس سلوك كل العسكريين في العراق، ولكن هذا إن كان صحيحا، فإنه لا يكفي، وعلينا أن نطرح الأسئلة التي تتجاوز وجود "عناصر خارجة على القانون" في هذه القوات، مثل هل كان وقوع مثل هذه الانتهاكات حتميا وبالتالي، يصب في الجدلية المعارضة للتدخل العسكري من الأساس؟

 

خطأ جوهري

 

ربما لم تكن لدى وزير الخارجية الأسبق دوغلاس هيرد صور الانتهاكات الرهيبة لحقوق الإنسان في السجون العراقية حين اعتبر أن غزو واحتلال العراق يمثل "خطأ جوهريا"، ولكنه، سيضيفها بالتأكيد، الى قائمة المخاطر التي لا مفر منها في مثل هذه الحالات، فأنت تأخذ جنودا مدربين على القتل ثم ترسلهم الى بلاد أجنبية لا يعرفون عنها شيئا، ويرون فيها زملاءهم يقتلون ويجرحون، ومن ثم تتوقع أن يلتزموا بضبط النفس وطهارة اليد، فهل هذا أمر واقعي؟

حسنا، ربما يكون واقعيا، ولكن ذلك يعتمد على النظام الموجود على الأرض، لقد لمست انضباطا لدى زيارتي لبغداد قبل أسابيع قليلة، من الجنود الأمريكيين على نقاط التفتيش وفي مطار بغداد الدولي ووجدت أنهم يتعاملون مع المدنيين العراقيين بطريقة ودودة أكثر مما يفعل الجنود البريطانيون في آيرلندا الشمالية، ناهيك عن الجنود الإسرائيليين في فلسطين المحتلة (وقد كانت تلك ملاحظة فحسب، لكنها لم تمنع قيام القوات الأمريكية بقصف المدنيين في الفلوجة)·

ولكن يبدو أنه كانت هناك سيكولوجية مختلفة في سجن أبو غريب، لقد أشارت تقارير الى أن حراس السجن كانوا يحشرون السجناء عرايا طيلة ثلاثة أيام متتالية دون السماح لهم بالذهاب الى الحمام، والأسوأ من ذلك أن يطلع علينا من يزعم أن هؤلاء الحراس لم يتلقوا تدريبا كافيا، فأي تدريب يحتاجه المرء ليعرف أنه لأمر سيئ أن تجبر سجناء عراة بتمثيل ممارسة الجنس مع بعضهم؟

ومع ذلك، فإذا كنت تُعنى بحقوق الإنسان حقا، فعليك أن تدرب حراس السجن بالشكل المناسب، وعليك أن تعلمهم كيف يتجنبون اللجوء الى سوء معاملة المعتقلين، وعليك أن تتخذ الإجراءات الضرورية فور علمك بوجود انتهاكات، وهذا لم يحدث في العراق·

 

أمور ثانوية

 

لقد اشتكت منظمة "هيومان رايتس ووتش" العام الماضي، من أن قوات التحالف تعاملت مع قضايا حقوق الإنسان كأمور ثانوية، وكان موقفها متذبذبا إزاء المخاوف بشأن القضايا الإنسانية، ولم تحاول هذه القوات الاستفادة من دروس التدخل العسكري في الماضي والتي سلطت الضوء على أهمية مراقبة وحماية حقوق الإنسان، صحيح أن نظام العقوبات الأمريكي وحشي بما يكفي ولكن إذا أضفت إليه تجربة سجن غوانتانامو فسوف تجد كابوسا في مجال حقوق الإنسان·

وقد أشار البريغادير جنرال مارك كيميت نائب قائد العمليات في العراق أخيرا الى "أننا إذا لم نستطع أن نضرب المثل في معاملة الناس باحترام وكرامة، فلا يمكننا أن نطلب من الآخرين معاملة جنودنا بهذه الطريقة"·

بمعنى آخر، فإن تصرفات ليندي انغلاند ستقود الى موت رفاق لها، وكأنها هي التي أطلقت النار عليهم، وكان رئيس تحرير "قناة الجزيرة" أحمد الشيخ محقا حين توقع أن تؤدي هذه الصور الى متاعب كبيرة للأمريكيين، حيث أشار في مقابلة مع Newsnight الى أن هذه الصور "لم تكن مهينة للعراقيين فقط، بل لكل عربي في العالم"، ومع ذلك، لم يكن ما حدث في سجن أبو غريب نتيجة ضرورية للحرب كما أشار تقرير "هيومان رايتس ووتش"·

 

خطأ أساسي

 

ومع ذلك لا تزال هناك بعض الحقائق القاسية التي علينا التأمل فيها، وربما كان أوضحها أن صورا أسوأ من التعذيب حدثت ولا تزال تحدث الى يومنا هذا في بعض الدول التي تحتفظ الولايات المتحدة وبريطانيا بعلاقات طيبة معها، والتي لم تجد انتهاكات حقوق الإنسان فيها طريقها الى صدر صفحات الصحف، ويقر رئيس تحرير "الجزيرة" بأن كثيرا مما حدث في سجن أبو غريب يحدث في دول عربية وفي إسرائيل·

ولم أجد تغطية في موقع "الجزيرة" باللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، عن النبأ الذي نشرته صحيفة "الغادريان" البريطانية الأسبوع الماضي بأن رئيس النظام القضائي الإيراني أصدر لتوه أمرا يحظر فيه استخدام التعذيب في السجون الإيرانية، وقد نشرت منظمة العفو الدولية أخيرا قصة ارزانغ داودي الذي تعرض للسجن والتعذيب في إيران وحرم من العلاج بسبب حديث أدلى به الى إحدى محطات التلفزة الغربية التي كانت تعد برنامجا عن مقتل الصحافية الكندية، الإيرانية الأصل زهرة كاظمي تحت التعذيب في أحد السجون الإيرانية·

واللجوء الى التعذيب ضد المعارضين هو أمر روتيني في تونس التي تمنع قناة الجزيرة من فتح مكتب لها، وقد أوردت منظمة هيومان رايتس ووتش قبل أقل من شهرين أن "الحكومة المصرية تواصل عمليات الاعتقال والتعذيب بصورة روتينية للأشخاص المشتبه في كونهم شاذين جنسيا"، ويتضمن التقرير شهادات لضحايا التعذيب كالتقييد في أوضاع مؤلمة وإطفاء السجائر في أجسادهم وغسلهم بالماء البارد شتاء وتعريضهم للصدمات الكهربائية·

وتحدث حالات تعذيب في معظم الدول العربية الأخرى، وأنه لمن غير المقنع القول إن شيئا رهيبا يرتكبه غير العرب ضد العرب، وتجاهل ما يفعله العرب بالعرب·

وهناك عرب يتذمرون من قمع حكوماتهم ولكنهم ضعفوا أمامهم بفضل أخطائنا وإخفاقاتنا في الالتزام تجاههم، فقد أبلغ أحد أنصار الديمقراطية العرب مسؤولا في إدارة بوش أخيرا أن "كل ديكتاتور في المنطقة العربية يشير الى معسكر غوانتامو كمبرر للانقضاض على معارضيه"·

وعلى الرغم من كل ما حدث، وبصرف النظر عن إيجابيات وسلبيات الغزو، هناك شيء واحد مؤكد هو أن هذا الخطأ الأساسي الذي وقع في سجن أبو غريب، كان سيحدث للعراقيين كل يوم لولا الغزو في سجن أبو غريب وغيره من السجون العراقية، ودون أن تجد من يصورها وينشرها على الرأي العام·

 

" عن الأوبزرفر "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

بسبب الفجوة في مواقفهما من الشرق الأوسط والعراق
هل حانت لحظة الفراق بين أوروبا والولايات المتحدة؟

 
مباركة بناء الجدار الفاصل ·· التحول الأخطر في السياسة الأمريكية منذ عقود
 
الدبلوماسيون الأمريكيون في رسالتهم الى الرئيس بوش:
تأييدك لشارون أفقدنا مصداقيتنا وهيبتنا وأصدقاءنا