رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 30 ربيع الأول 1425هـ - 19 مايو 2004
العدد 1628

وتــد

أيام وليالٍ

 

نشمي مهنا

لديك ملهاة، فاكتب شعرا نثرا هلوسة، ارسم، اعزف، غنِّ، سافر، كي تهرب من حقيقة الجسد، واصفرار الروح·

حاذر أن تتوقف أو تصمت· أن تفكر أو تعي· أن تطل بوجهك في الهوة التي بين قدميك، سيملؤك حينها الرعب والإحساس بدنو السقوط، الذي هو أشد فتكا بالروح من السقوط نفسه!

أما الأيام فعشها بلا رزنامات تتساقط في صباحاتك كأوراق الخريف، والساعات بلا عقارب تميت زمن الفرح· الأيام بنات الزمن اللواتي منحناهن الأسماء السبعة المتكررة، لأننا لا نملك وقتا لخلق تسميات متوالدة للهاث الزمن· بالكاد يكفينا لنعيشه·

"اليوم" هو "الغد" الذي كان يقلقك بالأمس يا صاحبي، ألا ترى أنه جاء مسالما، وديعا، خاليا من أشباح رسمها خيالك المرتعد، بل جاء خاليا حتى من روحه، فاملؤه بما تريد وشكل بأصابعك ملامح ساعاته· وتذكّر أن بساطة "الأمس" تفضح جهامة "الغد" المصطنعة·

***

 

خطؤك الأسبوعي المتكرر (أو فضيلتك الوحيدة) أنك ترى مساء الأربعاء مساءات طويلة، لن تنقضي مسراته، ولن تشرق عليه شمس· مساء كأنما يأتي بروح المتمهل على نعمه، فيستخسر أن يلتهمها دفعة واحدة، لكنك تتفاجأ - وفي كل مرة وأسبوع - أنه لم يكن سوى ومضة خاطفة·

أما "السبت" ثقيل الدم، فيحشو مسامات روحك بالترقب والقتامة، كأنما تنتظر ضيفا لا تعرفه، أو نبأ تعجز عن توقعه، لذا تحضّر له مايليق به من ضيق منذ غروب شمس أمسه، فـ "الجمعة" تمرين على الكآبة·

هذه عادتك الأسبوعية،  تحاول أن تتخلص منها فما استطعت، فأقنعت نفسك - مجبرا - أنها عادة محمودة، ففي مساء "الجمعة" لا تطيق حتى أنفاسك·

"الأحد" يوم رمادي، أو جسر خشبي على ضفتين لا تأمن الى سماكته، لكنه يوصل خطواتك الى·· "الاثنين" ذاك الذي يتشبّه بوجه حبيبة لا تفارقها الابتسامة، تشعرك بحضورها المنقذ، وبوقوفك في منتصف الطريق الدائري لحدائق الأيام·

"الثلاثاء" كأنك لم تحدد موقفك منه، الى أن تصل الى·· "الخميس" هذا المتثائب في غابة آمنة·

سمّها ما شئت، وقضها بما تريد، أو حاول تبديل مواقعها إن استطعت، فهي بالأصل أيام فارغة، وبريئة مما ألصقت بها من أحاسيس ووجوه دميمة أو جميلة، هي أنت وما ألَّفت لها من عناوين أسبوعية، وما شخبطت على جدرانها من حكايا·

أخذتك بغفلة الى الأربعين!

هل يملؤك الرعب الآن؟ وتلفّتَ كالمسروق وقد رمتك في نهر له مجرى عنيف، وفي اتجاه واحد، ومصب قصي· هل بدأت تتحسس خزينتك من الشتاءات القادمة وشموس الصيف المتبقية· هل تذكرتَ عبارة صديقك "آه من الجسد، كلما كبر، ضاقت مساحة الروح"، أم تذكرت دعوة العم نيشة للهو بعيدا عن الأيام "لدينا الفن كي لا نموت من الحقيقة"؟!

 

nashmi@taleea.com

طباعة  

قراءة