رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 ربيع الآخر 1425هـ - 26 مايو 2004
العدد 1629

السفير الأمريكي السابق في الكويت أمام ندوة المنطقة والمستقبل
بعد عودته من رحلة عمل الى العراق لستة أشهر: لن نتخلى عن العراق ومؤسـسات ستخلف سلطة التحالف

                                                          

 

·         "مكتب المشاريع والعقود" التابع للسفير نيغروبونتي سيشرف على كل مشاريع إعادة إعمار العراق

·         عراق ما بعد الأول من يوليو سيكون ورشة عمل وعمادا للأمة والاستقرار في منطقة الخليج

·         أشعر بالتفاؤل تجاه مستقبل العراق بالرغم من الأوضاع المتردية حاليا

·         الدستور العراقي الجديد·· الأكثر ليبرالية وتمثيلا للشعب من كل دساتير المنطقة

·         لم نقدم كل هذه التضحيات من دماء ودموع أبنائنا كي ننسحب من العراق

 

إنه لمن دواعي سروري أن أعود بين الأصدقاء والزملاء بعد غياب طويل عن عملي كسفير سابق في الكويت، وكما يعلم الكثيرون منكم، فقد كنت أقضي الأيام والليالي - الأيام والليالي الطويلة - على مدى الأشهر الستة الماضية في بغداد وبقية أنحاء العراق، أعمل لمساعدة ذلك البلد في العودة الى المسرح الدولي كديمقراطية جديدة وينعم بالسلام مع نفسه ومع جيرانه، وكما تعلمون أيضا، فقد كان ذلك تحديا عظيما وسوف يظل كذلك على مدى الأشهر المقبلة·

إنه تحد لي شخصيا وللولايات المتحدة وللتحالف، وعلى أي حال، فهو أيضا تحد علينا، نحن في هذه الغرفة، مواجهته معا، فالكويت ودول المنطقة الأخرى إضافة الى بقية دول العالم، لهم مصلحة جماعية في نجاح العراق في تجربته الراهنة، وأنه لمن واجبنا أن نعزز فرص النجاح في العراق من أجل تخليص الشعب العراقي من 35 عاما من الحكم الدكتاتوري، وبالتالي، فإنني أخاطبكم اليوم بصفتي نائبا لرئيس سلطة التحالف الموقتة التي سيتم حلها خلال 45 يوما، للحديث عن الوضع الراهن في العراق وعن مستقبله·

والمجتمع الدولي منخرط بفاعلية، من أجل ضمان عودة العراق الناجحة الى صفوفه، ففي هذا الأسبوع، كان للأمم المتحدة تواجدها في العراق ونشاطها على جبهات عدة، فالمبعوث الخاص للمنظمة الدولية الأخضر الإبراهيمي موجود هناك ويعمل بتنسيق وثيق مع العراقيين ومع سلطة التحالف الموقتة من أجل صوغ وتشكيل الحكومة العراقية الانتقالية التي ستنتقل إليها السلطات الحكومية المتبقية في الثلاثين من يونيو المقبل، ويجري السفير الإبراهيمي مشاورات واسعة مع العراقيين من مختلف أنحاء البلاد حول أفضل الهياكل الديمقراطية وأفضل الشخصيات التي تمثل البلاد خلال الفترة الحساسة التي تقود الى الانتخابات العامة التي ستجري في العراق مع حلول شهر يناير 2005، وحين تصل هذه العملية إلى ذروتها، سيتم حل مجلس الحكم وتحل محله حكومة انتقالية تتألف من زعماء دينيين وسياسيين يتولون ستة وعشرين حقيبة وزارية ورئيسا للوزراء ورئيسا للدولة· وستكون المسؤوليات الأساسية للحكومة الانتقالية هي تشغيل الوزارات وتوفير قيادة تستجيب لمتطلبات الشعب ودعم العملية الانتخابية التي ستقود الى انتخابات وطنية، وبالإضافة الى هذا الهيكل، فإن لدى السفير الإبراهيمي تصورا بانعقاد مؤتمر وطني واسع بعد الثلاثين من يونيو وتشارك فيه جميع شرائح المجتمع العراقي ومناطقه، ويقوم هذا المؤتمر باختيار مجلس استشاري صغير من بين صفوفه ويتولى تقديم النصح والإشراف، بطريقة أو بأخرى، للحكومة الانتقالية·

 

مصلحة واحدة

 

وبالإضافة الى مهمة الإبراهيمي، أرسل السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان، الخبيرة في شؤون الانتخابات كارينا بيريلي الى العراق إضافة الى فريق الأمم المتحدة الخاص بالمساعدة في الانتخابات من أجل إجراء مشاورات موسعة والبحث عن عراقيين يتمتعون بالاحترام والاستقامة لضمهم الى لجنة الانتخابات المستقلة التي ستصوغ قانون الانتخابات وتشرف على سير الانتخابات، وقد أغلق الباب يوم أمس (15 مايو 2004) أمام تلقي طلبات العمل في هذه اللجنة، وتشير التقديرات الأولية الى تلقي الأمم المتحدة بين 400-500 طلب لشغل سبعة مقاعد فقط·

وسوف يحدد فريق الأمم المتحدة بالتعاون مع المؤسسة العالمية للأنظمة الانتخابية، الوظائف الفنية واللوجستية الضرورية لضمان عملية انتخابية نزيهة وديمقراطية·

وحين تجرى الانتخابات، ستنطلق الحملات السياسية الى طول البلاد وعرضها بما يشمل المدن والقرى، مما سيعطي العراقيين الفرصة كي يروا بأنفسهم، المرشحين الذين يأملون أن يمثلوهم، وهذه ستكون أول انتخابات يشهدها العراق منذ 35 عاما وحيث لا تكون النتائج محددة سلفا، ويكون فيها أكثر من مرشح واحد يتنافسون على منصب الرئيس وكل المناصب الأخرى·

وستكون أول انتخابات خلال 35 عاما، وسيكون العراقيون فيها قادرين على رفع أصواتهم ويشاركون في جدل سياسي حقيقي، ومن خلال اختيار القيادة التي يريدونها، للمرة الأولى منذ 35 عاما، سيكون للعراقيين سيطرة حقيقية على مصائرهم وسيبدؤون في جني ثمار مواردهم الطبيعية التي حرموا منها طويلا، إن العمل من أجل عملية انتخابية ناجحة، هو المهمة الرئيسية للبلاد خلال الأشهر السبعة المقبلة·

إنني أقف هنا اليوم لكي أبلغكم أنه على الرغم من الوقع المضطرد للأنباء السيئة التي نتلقاها جميعا كل يوم حول الوضع في العراق، إلا أنني شديد التفاؤل بشأن الآفاق المستقبلية طويلة المدى لهذا البلد، لماذا؟ لأن أهداف التحالف هي ذاتها أهداف العراقيين، ولنا المصالح ذاتها، فلا نحن ولا العراقيون، نريد الاحتلال، ونتوق لتسليم السيادة الى العراقيين بالدرجة ذاتها التي يتوقون لهم لتسلمها، ونحن ملتزمون - مع العراقيين - بإحلال السلام والاستقرار، وإلحاق الهزيمة بأولئك الذين يتمنون ردعنا عن إكمال مهمتنا·

إن موعد تسليم السلطة في الثلاثين من يونيو ربما يكون الحقيقة الأكثر رسوخا في عراق اليوم، وكما أن العراقيين يستعدون لتبوء مكانتهم في التاريخ، يعد التحالف نفسه للعمل من أجل تقديم الدعم الكامل بجهودهم وفقا لقرارات الأمم المتحدة والتزامه بتقديم مساعدات التنمية والتطوير، فالتحالف لن يتخلى عن العراق·

 

آثار أولية

 

وعلى الرغم من أنه سيتم حل سلطة التحالف الموقتة، فسوف تنشأ مكانها الكثير من المؤسسات الجديدة والمهمة، أولا، سيتم رفع العلم الأمريكي فوق السفارة الجديدة في الأول من يوليو، وسوف تعود العلاقات الدبلوماسية بين العراق والولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عام 1991، وسوف يتولى السفير جون نيغروبونتي الشؤون القنصلية والدبلوماسية العامة والشؤون السياسية والاقتصادية الأخرى كما هي الحال في كل السفارات الأمريكية حول العالم، وبالإضافة الى ذلك، سيتم إنشاء مكتب المشاريع والعقود داخل السفارة والذي يخضع له بصفته رئيسا للبعثة الدبلوماسية في بغداد، وسوف يشرف هذا المكتب على تنفيذ المشاريع بقيمة 18 مليار دولار التي يستثمرها شعب الولايات المتحدة في مشاريع إعادة الإعمار من أجل مساعدة الشعب العراقي، ومع حلول الأول من يوليو، سيتم تخصيص مبلغ 5 مليارات دولار لإنفاقها على قطاعات مهمة في العراق كالنفط والكهرباء والأمن والأشغال العامة، وسيتم تخصيص 5 مليارات دولار أخرى لبرامج غير إنشائية منها 458 مليونا لبناء الأنشطة الديمقراطية، ومنذ الآن، تم تفعيل مشروعات في العراق لتحسين الطرق والجسور والمدارس وشبكات الصرف الصحي في مدن كالفلوجة والرمادي وتكريت والموصل وبعقوبة وبغداد، مما جلب الاستثمارات وفرص العمل الى العراقيين الذين هم بحاجة إليها الآن، وكانت الآثار الأولية لمثل هذه المشاريع في الفلوجة، على سبيل المثال، تظهر على شكل تعزيز السلام والاستقرار فيها·

وسوف تضم السفارة أيضا "مكتب إدارة وإعمار العراق" الذي سيتولى الدعم المباشر للوزارات العراقية، وسوف يعمل خبراء سياسيون وفنيون بارزون من شتى أنحاء العالم تحت سلطة الوزارات العراقية من أجل تنسيق الدعم المالي والفني للحكومة الجديدة· وقد تم بناء علاقات مهنية، على مدى العام المنصرم وبعيدا عن أعين الإعلام، بين مستشاري التحالف والوزراء والبيروقراطيين العراقيين، وسوف تكون للعراقيين السيطرة الكاملة على وزاراتهم، وفي الواقع، فإن نصف الوزارات تقريبا تقع تحت السيطرة الكاملة للعراقيين، ولكن العشرات من مستشاري التحالف سيواصلون الاضطلاع بدورهم الإسنادي، وسوف يبنى "مكتب إدارة وإعمار العراق" أيضا، على العلاقات التي تم بناؤها للمساعدة في تنسيق نشاطات مانحي المساعدات وتوفير آلية للتنسيق متعددة الأطراف من أجل دعم التطوير في العراق·

ونحن جميعا نعلم أن أيا من ذلك سيكون فاعلا في غياب بيئة آمنة، ومن أجل هذه الغاية، أنشأ التحالف "مكتب التعاون الأمني" الذي سوف يشرف على تدريب شرطة وجيش التحالف للمؤسسات الأمنية العراقية، وسوف يخضع هذا المكتب لسلطة قوة متعددة الجنسيات ويعمل جنبا إلى جنب ودعما للقيادات الأخرى التابعة لتلك القوات في مختلف أنحاء البلاد، وتدعو الترتيبات الراهنة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1511، قوات التحالف لاستخدام الوسائل الضرورية للحفاظ على الأمن في العراق، وسوف تواصل القوة متعددة الجنسيات التزامها بالعمل وفق هذه الترتيبات، وربما بموجب قرار مجلس الأمن الجديد المزمع إصداره، وقد ظلت المشاورات مع العراقيين مستمرة حول هذا الموضوع بشكل منتظم، وفي الوقت الذي نواصل الجهود لبناء القدرة العسكرية للقوات العراقية، فإننا ننظر الى الأمن باعتباره مسؤولية مشتركة بيننا وبين مختلف الأطراف في المجتمع الدولي، فإننا ندرك إسهامنا المختلف على هذا الصعيد، وقد تكون الأطراف المشاركة في القوة متعددة الجنسيات، متفوقة في التدريب والتسليح، ولكن لا أحد يفهم العراق بحق، سوى العراقيين، ففي الأول من يوليو، سينضم العراق ذو السيادة الى القوة متعددة الجنسيات كثاني أكبر دولة مساهمة في هذه القوة·

 

خطوة في الاتجاه الصحيح

 

وسيكون العراق، بالطبع، شريكا مهما في المنطقة اقتصاديا وسياسيا، وستكون العقود من الباطن لعمليات إعادة الإعمار في العراق أداة لا تقدر بثمن للاستثمار وإعادة بناء العلاقات التجارية مع العراق، إن عراقا آمنا ومستقرا ويسهم في ذلك كل جيرانه، سيكون عماد الأمن في المنطقة، وسوف يرحب العراقيون بدعم جيرانهم في هذا المسعى وبدأوا بالفعل جهودهم المضنية، لإعادة بناء علاقات خارجية جديدة مع الجميع·

ويمكن للمرء أن يتفهم وجود قدر كبير من القلق الذي يحيط بعملية نقل السلطة، ويتساءل الكثيرون حول شكل العراق في الأول من يوليو، فدعوني أوضح أن العراق سيكون بلدا شديد الانشغالات، وبالعودة الى موضوع إدارة العراقيين لأمورهم بأنفسهم، فسيكون عليهم أيضا العمل على إصلاح البنية التحتية المهملة منذ فترة طويلة وتوزيع الخدمات الأساسية على نحو أكثر عدلا، وسوف يتطلع العراقيون الى إقامة روابط تجارية مع الدول المجاورة والبعيدة، وسوف تعمل المؤسسات الأمنية العراقية من أجل تخليص البلاد من العناصر الأجنبية الشريرة التي تعمل من أجل إخراج العراقيين عن مسار النجاح·

وبعد الأول من يوليو يتطلع العراقيون الى "قانون الإدارة الانتقالي" الذي يعتبر الوثيقة الدستورية الأكثر ليبرالية وتمثيلا للشعب في المنطقة، من أجل حماية حقوقهم ومنحهم سلطة أكبر على إدارة شؤون حياتهم، في الوقت الذي يضمن الاحترام لحياة الآخرين، وسوف تعزز الفيدرالية كما أقرت في القانون الجديد لا مركزية سلطة الحكومة، الأمر الذي سيتيح الفرصة للزعماء المحليين اتخاذ القرار بشأن أفضل السبل في استخدام الموارد المحلية بناء على الظروف والأولويات المحلية·

لقد طال العراق قسطا وافرا من الفوضى على مدى العام المنصرم، ولكن دعوني أن أطمئنكم بأن الولايات المتحدة وشركاءها لم يضحوا بكل هذه الدماء والعرق والدموع لمئات الآلاف من الجنود والمدنيين من أجل خذلان الشعب العراقي والعودة الى بلادنا·

لقد عمل العسكريون والمدنيون التابعون للتحالف طوال أكثر من عام، مع شركائهم العراقيين في ظل ظروف شديدة الخطورة والتعقيد، لقد ضحى كلا الطرفين بالأرواح من أجل قضية مشتركة هي الحرية والديمقراطية في العراق، لقد عرفنا بعضنا من خلال العمل معا·

وسوف تدوم الشراكة في الثقة على مستوى الوزارات والمستويات الأخرى، بيننا، لسنوات قادمة·

لقد كان العراق على مدى عامين من عملي كسفير للولايات المتحدة في الكويت سابقا بلدا شاسعا وغير معروف يقع الى الشمال "من الكويت" وكنا نعرف نحن القليل عنه وارتبط في أذهان الكثير من الناس بدكتاتور قاسي القلب اسمه صدام حسين، ولكني أصبحت منذ ستة أشهر أعرف العراق وشعبه·

فهو عبارة عن أرض خصبة وغنية بالموارد الطبيعية، فنحن جميعا نعرف عن نفطه ومياهه، ولكن كلما طالت إقامتي في العراق أكثر كلما أدركت أن موارد العراق الأثمن تتمثل في شعبه، فالعراقيون شعب متعلم ويعمل بجد وتفان ويجازفون بأرواحهم ليل نهار مع شركائهم من التحالف من أجل بناء دولتهم الجديدة، وكما قلت آنفا، فإنني متفائل بشأن الانتقال العتيد للسلطة، إنها - ببساطة - خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح في الطريق الى عراق المستقبل وفقا لرؤية يشترك فيها كل من التحالف والعراقيين أنفسهم·

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

طباعة  

الجنود الإسرائيليون الذين يقتلون في غزة بعد اليوم هم ضحايا مؤسسة الاستيطان
بقاء دولة إسرائيل رهن بإزالة المستوطنات