رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 ربيع الآخر 1425هـ - 26 مايو 2004
العدد 1629

الجنود الإسرائيليون الذين يقتلون في غزة بعد اليوم هم ضحايا مؤسسة الاستيطان
بقاء دولة إسرائيل رهن بإزالة المستوطنات

 

 

·         ألف إسرائيلي قتلوا خلال سنوات الانتفاضة مقابل 5 قتلوا خلال ثلاث سنوات من عُمر اتفاقات أوسلو

·         رافضو خطة الانسحاب من غزة لا يتجاوزون 1,2 في المئة من إجمالي الرأي العام الإسرائيلي

 

بقلم إم· جي روزنبيرغ*

مع وصول عدد الضحايا في صفوف الإسرائيليين الى ألف شخص خلال العامين ونصف العام الماضيين منذ بدء انتفاضة الأقصى، بدأ الكثير من الكتاب الإسرائيليين يقارنون هذا العد الكبير من الإسرائيليين الذين سقطوا خلال هذه الفترة والخمسة إسرائيليين فقط الذين قتلوا على مدى السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت انهيار اتفاقات أوسلو·

فقد أثبتت هذه المقارنة المقولة القديمة بأن سلاما رديئا أفضل من حرب جيدة، على الرغم من أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لم يحمل شيئا جيدا على مدى السنوات القليلة الماضية·

ولكن الأسبوع الماضي كان رهيبا على نحو خاص بالنسبة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فقد سقط ثلاثة عشر جنديا إسرائيليا وقتل أكثر من أربعين مواطنا فلسطينيا منهم عدد من النساء والأطفال، وفي الواقع، فإن نظرة من قرب للضحايا من الجانبين تظهر أن معظمهم من الأطفال حتى وإن كانوا في زي عسكري ويحملون السلاح، وما كان ينبغي لهؤلاء الأطفال (والأطفال الفلسطينيين كذلك) أن يموتوا في غزة·

ففي النهاية أعلنت حكومة شارون عن نيتها الانسحاب من غزة، صحيح أن الاستفتاء داخل حزب الليكود أسفر عن رفض الخطة، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المشاركين في الاستفتاء لا تتجاوز نسبتهم 2,2 في المئة من مجموع جمهور الناخبين، نخلص الى أن 1,2 فقط من الناخبين هم الذين رفضوا الخطة، ولكن كل استطلاعات الرأي تشير الى أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين تدعمها، ولا أحد يشك في أن إسرائيل ستنسحب من غزة في نهاية المطاف سواء رغب حزب الليكود في ذلك أم لم يرغب·

خطأ إسرائيل

إذن لماذا يموت الجنود الإسرائيليون هناك؟ ولأي هدف؟ هذا السؤال يذكرنا بـ (المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الآن) جون كيري حين طرح مثل هذا السؤال على الكونغرس عام 1971 في أثناء جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية حول حرب فيتنام، تساءل كيري آنذاك "كيف تطلبون من رجل أن يكون آخر من يموت في فيتنام؟" و"كيف تطلبون من رجل أن يكون آخر من يموت من أجل خطأ ارتكبه غيره؟"·

وما هو خطأ إسرائيل؟ يقول الكاتب في صحيفة "هآرتس" آري شافيت إن "الشباب الذين قضوا في تفجير دبابتهم في غزة يختلفون عن كل رفاقهم الذين قتلوا هناك منذ شهر سبتمبر 2000، إنهم شيء مختلف لأنهم ليسوا ضحايا المتشددين الإسلاميين، بل ضحايا المؤسسة الاستيطانية"·

وما يريد شافيت قوله بسيط جدا، "إن حركة الاستيطان، وليس الرأي العام الإسرائيلي، هي التي هزمت خطة شارون للانسحاب من غزة"، فكل استطلاعات الرأي أظهرت تأييدا كاسحا للانسحاب، وكل استطلاع لأعضاء حزب الليكود أظهر الشيء ذاته، فالإسرائيليون من كل ألوان الطيف السياسي يريدون الانسحاب·

وهذا لا يعني أنهم لا يريدون للجيش أن يدافع عن الإسرائيليين من الهجمات التي تشن عليهم من غزة، فلا أحد لديه مثل هذا التفكير وليس شارون بالطبع، فالإسرائيليون بكل بساطة يريدون إنهاء وضع يخاطر فيه الجنود بأرواحهم دفاعا عن مستوطنات ما كان يجب أن تكون هناك في الأصل، ولن تبقى طويلا بعد اليوم·

ولكن الجناح اليميني من حركة الاستيطان - وأنصاره - عقد العزم على إحباط إرادة الأغلبية، ولذلك صوتوا ضد الخطة، لقد كان واضحا منذ البداية أن ترك المجال لأعضاء حزب الليكود لاتخاذ القرارات التي تؤثر على مجمل المواطنين، أمر لا معنى له· فتصوروا لو تركنا المجال للجنة القومية للحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة لتقدير السياسة الخارجية، إنه أمر لا يحدث أبدا ولا ينبغي له أن يحدث·

ولكن هذا ما حدث في إسرائيل، حيث اتخذت أقلية بسيطة من أعضاء الليكود القرار في حين يتعين على باقي المواطنين ولاسيما أبنائنا دفع الثمن·

وربما كان من دواعي التفاؤل أن رئيس الوزراء أرييل شارون لن يسمح لحفنة من المتعصبين بفرض إرادتهم والوقوف في وجه سياسة يعتقد أنها ضرورية، فمنذ زمن طويل، هناك مجموعة صغيرة من المتشددين تفضل بضعة "كارافنات" تقيمها بالقرب من مدينة نابلس على مدينة تل أبيب، بل إنها تعرض أمن تل أبيب للخطر من أجل حماية هذه "الكارافانات"، وقد لعبت هذه المجموعة دورا يفوق حجمها كثيرا، في تحديد مصير إسرائيل·

حرب المستوطنين

لقد حان الوقت لكي يطلق الإسرائيليون صرختهم في وجه هؤلاء أن: (كفى)، فقد كتب شافيت يقول إنه "كان هناك مبرر منذ فترة طويلة لإظهار التفهم تجاه المستوطنين، وكان هناك مبرر للحديث معهم والتحاور معهم، ولكن هذا الأمر قد ولى، فمحاولة حركة الاستيطان المنظمة فرض حرب على مواطني إسرائيل ليست حربهم، يجب عدم التسامح معها، وعلينا الرد بحزم على محاولات المستوطنين تحويل الجمهور الإسرائيلي الى وقود لمدافعهم، وذلك لأن شيئا واحدا أصبح واضحا بعد استفتاء الليكود هو "إما الإسرائيليين أو المستوطنين"·

كما أن هؤلاء لا يشكلون كل المستوطنين، فمعظم المستوطنين ليسوا أيديولوجيين، وسكنوا في المستوطنات لأنها كانت أماكن رخيصة للعيش فيها، واختارت الغالبية العظمى منهم العيش في مستوطنات قريبة من تل أبيب والقدس، وهذه هي المستوطنات التي يحتمل أن يتم ضمها في أي اتفاق إسرائيلي - فلسطيني، وحتى في المستوطنات البعيدة، يبدي الكثير من المستوطنين، إن لم يكن معظمهم، استعدادهم للانتقال الى إسرائيل إذا تم تعويضهم·

ولم يكن هؤلاء المستوطنون هم الذين صوتوا لصالح مجازفة الجنود الإسرائيليين بأرواحهم "أو فقدانها" في غزة، بل هم قلة من الأيديولوجيين من المتدينين وغيرهم ممن يعتقدون أن وجود نقاط استيطانية في وسط معاد من السكان العرب هو أكثر أهمية من وجودها في أماكن مثل حيفا وتل أبيب وإيلات، وهم يعتقدون أن الانسحاب من غزة سيكون الخطوة الأولى نحو الانسحاب من كل النقاط الاستيطانية المعزولة، وهم محقون في هذا، فهي ستكون كذلك، ويجب أن تكون من أجل بقاء دولة إسرائيل·

ويجب على الرئيس بوش أن يفعل كل ما في وسعه من أجل تطبيق خطة الانسحاب من غزة، وقراره بدء التعامل مع رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع وغيره من القادة الفلسطينيين يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، أي تحويل هذه الخطة الأحادية الى تمهيد لتنفيذ خطة "خارطة الطريق"، فهذا هو السبب الأمثل لضمان أن عددا أقل من الإسرائيليين والفلسطينيين يموتون من أجل غلطة، اسمها الاستيطان·

 

* مدير التحليل السياسي في منتدى إسرائيل السياسي ورئيس التحرير السابق لـ "تقرير الشرق الأدنى" الصادر عن اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك)·

 

" المصدر: IPF FRIDAY "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

السفير الأمريكي السابق في الكويت أمام ندوة المنطقة والمستقبل
بعد عودته من رحلة عمل الى العراق لستة أشهر: لن نتخلى عن العراق ومؤسـسات ستخلف سلطة التحالف