رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 ربيع الآخر 1425هـ - 2 يونيو 2004
العدد 1630

في دراسة حول الدستور البحريني(2)
طريقة وضعه وآلية تعديله وطبيعة التعديلات التي أجريت عليه

                                                                                      

 

·         تضمنت التعديلات على الدستور حق المرأة في المشاركة العامة ومساواتها بالرجل

·      أي تعديل كي يكون مشروعا يجب أن يكون الهدف منه توسيع نطاق المشاركة في الشؤون العامة وليس تقليصها

·       الكويت والبحرين هما الدولتان الوحيدتان في الخليج اللتان تعتمدان على دستور وضع بطريقة ديمقراطية

·         الدستور المعدل يشكل تقدما في الحركة الديمقراطية البحرينية·· ولكن··!!

·         يعتبر التصويت على الميثاق تصويتا على نصوص الدستور الأصلي

·       المادة 104 من الدستور حصلت على 98,4 في المئة من أصوات الشعب في الاستفتاء

 

تتعرض هذه الدراسة الى التعريف بالدستور بشكل عام ومجموعة القوانين التي تنظم العلاقات بين السلطات المختلفة في الدولة، وحقوق الأفراد وواجباتهم في ظل نظام ديمقراطي حر، فقد أصبحت دول العالم تتوافر لديها مثل هذه الدساتير المنظمة لشكل الدولة ونظام الحكم وإن كانت تتفاوت فيما بينها في مدى الأخذ بالنظام النيابي أو مدى فصل السلطات والتضييق على الحريات أو إفساح المجال للتعبير عنها·

وتتناول الدراسة أساليب وضع وإصدار الدساتير وأنواعها وكيفية إدخال التعديلات عليها وموقف الفقه الدستوري من كل منها ويتخذ المحامي البحريني عيسى إبراهيم من هذه الدراسة هدفا لتوضيح ما ينبغي أن يكون عليه الدستور البحريني، والذي صدر عام 1973، موضحا كيفية صدوره وما إذا كان الدستور منحة أم عقدا اجتماعيا مستشهدا في ذلك بكتب الفقه الدستوري، وينتهي الى القول بأن الدستور البحريني الذي وضع عام 1973 دستور عقدي جاء نتيجة لنضالات الشعب البحريني إبان السيطرة البريطانية من أجل التحرر·

كما تتعرض الى ميثاق العمل الوطني الذي أكد على مبدأ المشاركة الشعبية وأسس الديمقراطية وتفعيل مبادئ الدستور المعطلة وقد جرت عليه بعض التعديلات الدستورية والتي أصدرها ملك البحرين ولم تقر من الشعب البحريني باعتباره صاحب السيادة والمجلس الوطني مفسرا في ذلك مبررات التعديل وطبيعة تلك التعديلات· وفيما يلي تفاصيل الدراسة:

 

مبررات التعديلات

 

لقد استندت تلك التعديلات في مرجعيتها على تبريرات متعددة وتفسير لعبارات ميثاق العمل الوطني باعتباره فوق الدستور وأن بعض عباراته تحمل في طياتها ما يدل على تفويض الملك بإجراء التعديل ، وقبل إبداء أي ملاحظات على هذا التعديل يمكن قراءة ما جاء بالمذكرة التفسيرية التي جاء بها الآتي:

"ميثاق العمل الوطني له قوة ملزمة لواضعي الدستور وأن الاتجاه الغالب قد ذهب إلى أن للمواثيق أو الإعلانات قوة ملزمة لواضعي الدستور وتأخذ مرتبة أعلى منه" فإذا كان للميثاق قوة ملزمة لواضعي الدستور فهي ملزمة لواضعي الدستور الجديد ولا يتصور أنها ملزمة لمن وضعوا دستور 73، وفضلاً عن ذلك فإن هذا الرأي ليس الاتجاه الغالب في الفقه وإنما هو رأي أقلية ، فالرأي الموضوعي والغالب هو أن قواعد إعلانات الحقوق أو المواثيق لا يمكن أن تكون قواعد خالدة أسمى من الدساتير لأن في ذلك حجرا على سيادة الشعب أو تقييد له من واضعي المواثيق أو الإعلانات ، فإذا كان هذا حالها فهل يجوز تعديلها ومن صاحب الحق في اقتراح تعديلها أو إلغائها وهي التي لا تتضمن آلية لإلغائها أو تعديلها ، فإذا رغب الشعب في تعديل الميثاق، هل سيتم طرح التعديل على الاستفتاء؟ وهل الملك هو صاحب الحق فقط في طرح الإضافة أو التعديل على الاستفتاء ؟ أم أن للشعب الحق في اقتراح التعديل على الميثاق ؟؟ كل تلك أسئلة تكثر الاجتهادات في الإجابة عليها وليس ثمة وسيلة محددة لاختيار الاجتهاد الأفضل أو ما إذا كان حق اختيار الاجتهاد الأفضل هو لرأس الدولة أم للشعب ذاته أم لنوابه ؟

ولكن هذا الجدل الفقهي والذي يستشهد به البعض ليس متعلقا بالميثاق في البحرين وإنما حول القيمة القانونية لإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير مع ملاحظة أن هذه الإعلانات مقرة من الجمعيات التأسيسية التي وضعت الدساتير بآلية ديمقراطية وليس هناك من رأي يقول أن الميثاق إذا أعدته لجنة معينة ثم طرح للاستفتاء في ظل سريان دستور عقدي بأن الميثاق يأخذ مرتبة أعلى منه أو يلغيه، أما أغلب الفقه الدسـتوري العربي فـيرى أن إعـلانات الحقوق ومقدمات الدساتير (المقرة بشكل دستوري وليس ميثاق العمل الوطني في البحرين) لها قوة قانونية ملزمة تعادل قوة النصوص الدستورية، فالنصوص التي تتضمنها هذه الإعلانات ليست نصوصاً أعلى من الدستور، ولا مجرد مبادئ فقهية مجردة من القوة الإلزامية، فهي نصوص دستورية لا فرق بينها وبين النصوص الأخرى الواردة في صلب الدستور، وهذه النصوص واجبة الاحترام من جانب المشرع العادي والقاضي والأفراد طالما أنها نافذة في الدولة· (ص 198 من مؤلف / د· إبراهيم شيحا المذكور سابقاً) 

كما أن القول بأن المواثيق هي مجرد توجهات عامة لا يعد قولاً صحيحاً بالمطلق، بل إن هذه المواثيق لها قوة معنوية توجيهية وتتضمن فلسفة توجه البلاد في المرحلة القادمة على الأصعدة المختلفة، وربما تكون لها قوة التشريعات العاديـة إلا أنها ليست لها قوة الدساتير إلا إذا تم وضعها بطريقة دستورية، لكنها دون شك ليست "دستور الدساتير" كما جاء في المذكرة التفسيرية، ولا يرد على ذلك بأن الميثاق تم استفتاء الشعب عليه وهو صاحب السيادة إذ إن السيادة إنما تمارس في أي دولة يحكمها دستور طبقاً لنصوص الدستور ذاته، فهل إذا استفتت جريدة أو محطة فضائية شعب البحرين في أمر ما وجاءت النتيجة بنعم سيصبح الأمر المستفتى فيه أعلى من الدستور لأن الشعب هو صاحب السيادة؟، وهل يستطيع أحد تقديم دعوى أمام المحكمة الدستورية بعدم ميثاقية قانون قياساً على عدم دستورية القوانين؟

إن مجرد طرح موضوع ما على استفتاء لا يعني أن الأمر المستفتى عليه أصبح فوق الدستور، حيث توجد قوانين لها صفة الدستورية لكنها غير مضمنة في الدستور كوثيقة، وتوجد أيضاً مواضيع غير دستورية يتم تضمينها في الدستور (تراجع ص99 من مؤلف النظم السياسية والقانون الدستوري / د· سليمان الطماوي)·

أما معنى بعض العبارات التي وردت في الميثاق وتفسيرها على أنها تعني صفة الإلزامية للشعب والحكم فأن الملاحظ أنه تفسير قسري لتلك العبارات وتحميل لبعض الكلمات أكثر مما تحتمل، فليس معنى (فأنه يلزم لذلك…)  أو (يتعين أو يجب) أن الإلزام هذا أو الوجوب مقتضاه الإلزام في سلوك الوسيلة التي تمت بها التعديلات أو إفقاد دستور 1973 من الحد الأدنى من سماته الديمقراطية وتعطيل دور المجلس المنتخب في التشريع ، بل على العكس من ذلك يعتبر التصويت على الميثاق تصويتا على نصوص الدستور الأصلي الذي جرى التصويتا على الميثاق في ظله وتحت مرجعيته وخاصة تلك النصوص التي لم يتضمن الميثاق أمر تعديلها أو حتى مجرد الإشارة إليها سلباً أو إيجاباً كالمادة (104) التي أرى أنها قد تم التصويت عليها ضمنياً في الاستفتاء وحصلت على %98,4 من أصوات الشعب·

 

هل تضمن الميثاق

تفويضا بالتعديل؟

 

جاء في المذكرة التفسيرية التي صدرت ملحقة بالدستور المعدل أن "العبارات التي وردت في الميثاق تحمل في طياتها ما يدل على أن الشعب قد عهد بوضع التعديلات الدستورية لصاحب السمو أمير البلاد المفدى"، ومثل هذا التفسير أقل ما يقال عنه أنه تفسير باطني ومتعسف لعبارات الميثاق لم يكن الشعب عند الاستفتاء قد فكر فيه خاصة بالإجراءات السريعة التي تم إعداد الميثاق بها والظروف التي أحاطت به، حيث وضع المواطن في اعتقاده صدق النوايا والخروج من المأزق بالعودة إلى تفعيل نصوص الدستور ومبادئ الميثاق الجميلة التي لم تأتي بجديد فيما يخص أساس الوضع الدستوري للبلاد أو آلية التعديل أو أن الميثاق فوق الدستور، وإن كانت تلك المبادئ قد أوضحت وأعادت بعض الأمور إلى نصابها، وإذا كانت هناك مسؤولية أو تقصير فأنه يقع على عاتق الحكومة التي قررت عند إجراء انتخابات 1973 حرمان المرأة من الحقوق السياسية بالرغم من أن نصوص الدستور تحتمل ذلك، ولم تنشئ المحكمة الدستورية و لم تصدر قانون ينظم النيابة العامة خلال خمسة وعشرين عاماً وما إلى ذلك من الأمور التي تركها المشرع الدستوري للمجلس الوطني الذي حلته الحكومة عام 1975م ، فهل تشكل عبارة (تحمل في طياتها تفويضاً)؟·

وفي معرض تبرير المذكرة التفسيرية للتعديل قررت أن رسالة سعادة وزير العدل والشؤون الإسلامية رئيس لجـنة إعداد الميثاق المعين من عظمة الملك التي تضمنت وضع الميثاق (بين يديه لاتخاذ ما يراه مناسباً) تضمنت تفويضاً، فمن أين استقى رئيس لجنة تعديل الدستور المعين من الملك حقه في تفويض الملك نيابة عن الشعب؟ وهل فوض الشعب الوزير ليقوم هو بدوره نيابة عن الشعب بتفويض عظمة الملك بإجراء التعديل؟ وهل تم إقرار التعديل في صيغته الدستورية من قبل الشعب أو نوابه المنتخبين ليكون مشروع تعديل الدستور مقراً ليتسنى للملك بعد ذلك إصداره؟ ففي الدساتير العقدية يملك الشعب أو نوابه المنتخبون سلطة إقرار النصوص الدستورية والتشريعات العادية في حين يملك رأس الدولة سلطة الإصدار، وما دمنا أمام دستور عقدي لم يتم الالتزام بالآلية المنصوص عليها فيه وصدر دستور جديد دون إقرار من نواب الشعب أو من الشعب مباشرة فإن أحكام الدستور الأصلي تبقى هي النافذة والواجب العمل بها·

 

استحالة الالتزام بالآلية الدستورية

 

لقد قـررت المذكـرة التفسـيرية استحالة تطبيق المادة (104) من الدستور التي تتضمن آلية إدخال تعديـلات على الدسـتور وأن تطبيق المـادة المشار إليها يشكل (مخالفة للمبادئ التي وردت بالميثاق) وهذا التقرير غير صائب، فلا تناقض ولا مخالفة لعرض التعديل على نواب الشعب الذين سينتخبهم من أجل إعداد الصياغة المناسبة التي تحفظ حقوقهم في المشاركة في اتخاذ القرار والتشريع والرقابة على عمل الحكومة باعتبار أن سلطة التشريع لا يجوز أن تتولاها السلطة التنفيذية إلا استثناء ولفترة محددة وكذلك التشريع الدستوري ومن ضمنه إدخال تعديل على الدستور، فالحكومة ممثلة بأربعة عشر وزيراً في المجلس الوطني (البرلمان) طبقاً لنص الدستور الأصلي وهي تشارك في التشريع ويتولى الأمير من خلال وزرائه وصلاحياته إصدار القوانين المشاركة في التشريع أيضاً سواء كان تشريعاً عادياً أم تشريعاً دستورياً·

وهل يجوز للحكومة التي حلت المجلس الوطني عام 1975 ثم خالفت الدستور بعدم إجراء انتخابات جديدة واغتصبت حق السلطة التشريعية أن تبرر قولها باستحالة تطبيق النص الدستوري بالقول أن من المستحيل إجراء انتخابات لمجلس وطني؟

 

طبيعة التعديلات التي أجريت على الدستور

 

أولاً:  بعض التعديلات العامة:

 

تضمنت التعديلات النص على أنه "للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة ·· إلخ" وهو تأكيد على حقوق المرأة المساوية للرجل في الحقوق والالتزامات العامة رغم أن النص في الدستور السابق كان يستوعب حق المرأة في المشاركة·

في المادة الثالثة والعشرين من الباب الثالث "الحقوق والواجبات العامة" أضيفت في الفقرة كفالة حرية الرأي والبحث العلمي عبارة "مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية" ولا بأس من هذه الإضافة·

تحت سلطات الملك في الفصل الأول من الباب الرابع من المادة 3/أ أعطت الملك حق اقتراح تعديل الدستور إلى جانب حق اقتراح القوانين وهذا لم يكن منصوصا عليه ولا ضير في ذلك لو كانت الصلاحية في التشريع كاملة للمجلس المنتخب·

في الفقرة (ب) من المادة (35) المذكورة أعلاه عدلت فقرة التصديق الضمني لتكون ستة أشهر بدلاً من ثلاثين يوماً فنصت على أن "يعتبر القانون مصدقاً عليه ويصدره الملك إذا مضت ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه من مجلسي الشورى والنواب دون أن يرده إلى المجلسين … إلخ" وهو نص سلبي إذ إن إطالة فترة الموافقة الضمنية غير مستحسن ويعطل مهمات المجلس التشريعي·

تتطلب المادة (35) فقرة (د) أغلبية الثلثين من أعضاء المجلس الوطني أو أي من مجلسي النواب أو الشورى لإقرار مشروع قانون بعد أن يرد إليهما الملك بأغلبية ثلثي أعضائه لتصديق الملك عليه بينما كانت النسبة المطلوبة هي الأغلبية العادية· وهو كذلك تعديل سلبي انتقص من صلاحيات السلطة التشريعية·

أضافت المادة 36/ب حالة: إعلان السلامة الوطنية إلى جانب "حالة الأحكام العرفية" وتطلبت إصدار أيهما بمرسوم، كما حذفت العبارة المتعلقة بوجوب تسبيب قانون إعلان الأحكام العرفية ولم يتطلب النص الجديد التسبيب، كذلك كان النص القديم يتطلب عرض الأمر على المجلس الوطني خلال أسبوعين للبت في أمر مد الأحكام العرفية عن الثلاثة أشهر تطلبت موافقة الأغلبية المطلقة أي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس بينما اكتفى النص الجديد بأغلبية الحاضرين - وتلك تعديلات سلبية·

بالنسبة للتدابير التي لا تتحمل التأخير والتي تستدعي إصدار مراسيم في حال غياب المجلس أي ما بين فترات انعقاده أو في فترة حله فإن النص القديم يتطلب أمرين هما:

1-  عدم مخالفة المراسيم للدستور·

2- التقديرات المالية الواردة في الميزانية وقد حذف النص الجديد المتطلب الثاني واكتفى بالأول وهو أمر سالب لعلاقته بالميزانية·

أعطي الملك طبقاً لنص المادة (43) من التعديل حق استفتاء الشعب مباشرة في القوانين والقضايا العامة التي تتصل بمصالح البلاد وهذا أمر لم يكن موجوداً في الدستور وإضافة غير متفق عليها في الميثاق إطلاقاً وتشكل تجاوزاً للسلطة التشريعية·

 

ثانياً: التعديلات

المتعلقة بالسلطة التشريعية :

 

نص التعديل على نظام المجلسين في المادة (51) وما بعدها في الفصل الثالث من الباب الرابع وأهم ما تضمنه هذا التعديل الآتي:-

يقسم المجلس الوطني إلى مجلسين ، مجلس الشورى ومجلس النواب، الأول يعين أعضاؤه بأمر ملكي والثاني يتم انتخاب أعضائه بالانتخاب العام السري المباشر·

ساوى النص الجديد بين أعضاء مجلس النواب ومجلس الشورى وجعل عدد كل منهما أربعين عضواً·

نصت المادة (70) من الفرع الثالث من الفصل الثالث من الباب الرابع على أن "لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال وصدق عليه الملك"، كما ألزمت المادة (81) عرض مشروعات القوانين على كل من المجلسين النواب والشورى ونصت أن لمجلس الشورى "حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه"·

تتضمن المواد من المادة (82) وما بعدها إجراءات تفصيلية لحل الخلاف بين المجلسين نوجز أحكامها في أنه إذا لم يتفق المجلسان حول المشروع مرتين بعد التبادل يعني أن يجتمعا كمجلس واحد "المجلس الوطني" ويكون هذا الاجتماع برئاسة رئيس المجلس المعين ويتم التصويت بأغلبية الأعضاء الحاضرين·

رئيس مجلس الشورى يعين بأمر ملكي وهو الذي يرأس اجتماعات المجلس الوطني بمجلسيه وله صوت مرجح عند تساوي الأصوات·

 

مخالفة التعديل المتعلق بالسلطة التشريعية للميثاق

 

يستخلص من التشكيل المبين أعلاه للسلطة التشريعية أمور أهمها ما يلي:-

إن هذا التنظيم قد جعل لمجلس الشورى بأعضائه المعينين حقا مساوياً - بل غالباً - على حق مجلس النواب المنتخب في التشريع وهو مناقض لنصوص ميثاق العمل الوطني التي جاء بها الآتي :

 

السلطة التشريعية:

 

تعدل أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور الخاص بالسلطة التشريعية لتلائم التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم وذلك باستحداث نظام المجلسين، بحيث يكون الأول مجلساً منتخباً انتخاباً حراً مباشراً يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية، إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة، وتصدر القوانين على النحو الذي يفصله الدستور وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة)·

إن هذا النص وتفسيره المتكرر من قبل السلطات العليا وعامة الشعب بأنه ليس لمجلس الشورى سلطة أو مهام تشريعية بل أن تسميته تغني عن تفصيل طبيعة سلطاته، وإلا فقد كان من الأفضل أن ينص في الميثاق على مجلس واحد نصفه معين ونصفه منتخب توفيراً للجهد والمال ومن أجل سرعة إنجاز إعداد وإقرار التشريعات·

 عملياً أصبح المجلس الوطني مكوناً من ثمانين عضواً يعين %50 وينتخب منهم %50 وهو مساس بحقوق الناخبين الثابتة بموجب الدستور الأصلي والذي كانت نسبة المعينين في المجلس الوطني محددة بأربعة عشر وزيراً فقط أي لا تزيد عن %26 ونسبة المنتخبين منهم تعادل %74 طبقاً لنصوص الدستور الصادر عام 1973م·

ولا شك في أن خفض عدد الأعضاء المنتخبين عن النسبة المقررة بموجب الدستور الأصلي يشكل مساساً بالحقوق المكتسبة للمواطنين في المشاركة في اتخاذ القرار وفي العملية التشريعية ويتناقض مع ما يجمع عليه الفقه الدستوري وخاصة في الدول الديمقراطية من أنه بغض النظر عن آلية التعديل وطريقته، فإن أي تعديل للدستور لا يجوز بأي حال أن ينتقص من تلك الحقوق وأن أي تعديل ليكون مشروعاً يجب أن يكون المقصود منه توسيع نطاق المشاركة في الشؤون العامة وليس تقليصها أو الانتقاص منها·

وعلى أي حال ومهما كانت وجهة النظر في تفسير نصوص الميثاق بهذا الشأن فإن أي تفسير لها إنما يجب أن يتم طبقاً للمبادئ الدستورية الأساسية الثابتة والأعراف الدستورية المعمول بها في دول الديمقراطيات العريقة كما جاء في الميثاق وهو المتفق عليه شعبياً وحكومياً، تلك الأعراف التي تعتبر بمثابة القانون الملزم، فضلاً عن المفهوم المشترك بين الشعب والحكم الواضح بشأن اختصاصات المجلسين التي خالفها التعديل شر مخالفة·

أعطت المادة (85) من الفرع الثاني في الفصل الثالث من الباب الرابع للملك حق تمديد الفصل التشريعي لمجلس النواب عند الضرورة بأمر ملكي "لمدة لا تزيد عن سنتين" بينما المادة (45) من الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور الأصلي قد نصت على أنه "لا يجوز مد الفصل التشريعي للمجلس الوطني إلا بموافقة أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم ··" وسلب هذا الاختصاص من المجلس المنتخب هي مسألة سلبية وغير متفق عليها في الميثاق·

أناطت المادة (62) من الفرع الثاني من الباب الرابع من النص الجديد بمحكمة التمييز الفصل في طعون الانتخابات النيابية بينما تجمع الدساتير تقريباً على أن مثل هذه الطعون هي من اختصاص المحكمة الدستورية·

وعلى أي حال فقد حصل ما حصل ولكن هل تستطيع "السلطة التشريعية" بصيغتها الجديدة تعديل ما تم تعديله في الدستور وفقاً للإجراءات التي نص عليها الدستور بعد تعديله؟

الإجابة هي نعم لكنها إجابة نظرية، إذ إن الأمر شبه مستحيل من الناحية العملية نظراً لكون عدد أعضاء المجلس المعين يساوي عدد الأعضاء المنتخبين ذاته، وأن تعديل الدستور يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلسين، فهل ممكن الحصول على موافقة 27 نائباً من نواب الحكومة بالإضافة إلى أعضاء المجلس المنتخب الأربعين جميعهم؟

أما بالنسبة للتشريعات العادية فإن الحكومة لا تحتاج أبداً إلى موافقة المجلس المنتخب وتستطيع إقرار أي قانون تريد بعد رفض المجلس المنتخب له بموافقة أعضاء المجلس المعين ورجاحة صوت رئيسه الذي يرأس الاجتماع المشترك للمجلسين في هيئة المجلس الوطني·

وإجمالاً يمكن تقرير أن التعديلات قد أعطت للسلطة التنفيذية هيمنة مطلقة على السلطة التشريعية وفي ذلك تناقض مع مبدأ فصل السلطات المقرر في الدستور والذي أكد عليه ميثاق العمل الوطني ذاته، كما أن التعديلات عموماً ضيقت من سقف الديمقراطية النيابية وحددتها في الإطار الذي ترغبه السلطة التنفيذية فقط وأصبح تأثير النواب المنتخبين أو الشعب معنوياً فقط وليس لهم أثر عملي وتشريعي فاعل، مما أبعد نظام الحكم في البحرين عن الملكية الدستورية المنشودة مسافة أطول·

 

البحرين بالمقارنة

مع دول مجلس التعاون

 

جدير بالملاحظة قبل المقارنة التأكيد على أن دولتين فقط من دول مجلس التعاون تعتمدان على دستورين وضعا بطريقة ديمقراطية هما دولة الكويت التي صدر الدستور فيها عام 1962م وتمت فيها تجربة نيابية اكتسبت سمعتها وأغنتها الممارسة العملية، وكذلك دولة البحرين التي صدر الدستور فيها عام 1973م، إلا أنه لم تنم وتمارس فيها الحياة النيابية إلا لمدة عامين فقط وتعطلت الحياة النيابية فيها منذ عام 1975م إلا أن أحكام الدستور فيها ما زالت قائمة·

أما بقية دول المجلس فإنها توجد بها أنظمة حكم أساسية صادر من رأس كل دولة أو دستور لم يصدر بطريقة ديمقراطية كما هي حال الدستور الموقت بدولة الإمارات العربية المتحدة ونظام الحكم الأساسي في سلطنة عمان، وتتفاوت في كل تلك الدول مساحات الحرية في التعبير أو التنظيم وحقوق المواطنين إلى درجة أن بعضها يمنع قيام جمعيات مهنية أو قطاعية ما عدا جمعيات للتجار أو جمعيات خيرية، وبالتالي فإن التصريح بجمعيات سياسية يبدو وكأنه ضرب من المستحيل·

إذن نستطيع القول بأن إصدار الدستور الجديد في البحرين يشكل تراجعاً عن دستور 1973 وكذلك تراجعاً عن دستور الكويت المشابهة له، كما أن صلاحيات مجلس الأمة (البرلمان ) بالكويت هي أكبر سعة وتمكن الشعب من ممارسة السيادة ويمكن القول إن الشعب في الكويت هو مصـدر السلـطات جميعاً، أما في البحرين فإن السلطة التشريعية (المجلس الوطني المشكل من مجلسين أحدهما منتخب والآخر معين من الملك بعدد متساو) قد أصبحت صلاحياتها منتقصـة مقارنة بوضع المجلس الوطني (البرلمان) المقرر بموجب أحكام دستور 1973 ولم يعد الشعب هو مصدر السلطات جميعاً كما ينص على ذلك الدستور بل غدا الملك هو صاحب السلطات والصلاحيات التي تقرر مستقبل الوطن مع بقاء بعض الشكليات لممارسة الشعب لبعض السلطات المنتقصة·

ولكن بالمقارنة مع أوضاع بقية دول المجلس غير الكويت فإن الدستور المعدل ما زال يشكل تقدماً عليها ويعتبر لو طبق في تلك البلدان نقلة عظيمة فيها، حيث سيرسخ مفاهيم جديدة في مجتمعاتها، كالأخذ بمبدأ أن الشعب مصدر السلطات ولو جزئياً وترسيخ أهمية صدور القوانين من الهيئة المنتخبة ولو بشكل جزئي من الشعب وتقريب هذه البلدان إلى ثقافة صندوق الاقتراع وفق تعبير المحامي محمد أحمد وكذلك الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ومبدأ استقلال القضاء وخصوصاً عن السلطة التنفيذية وعموماً ترسيخ بناء دولة المؤسسات والقانون الصادر عن أو بموافقة نواب الشعب المنتخبين·

 

(انتهى)

ü عضو مجلس الإدارة ورئيس اللجنة القانونية في جمعية العمل الوطني الديمقراطي·

طباعة