رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 ربيع الآخر 1425هـ - 2 يونيو 2004
العدد 1630

في كتابه "حديث الألوان" وفي مسيرته الفنية
بدر القطامي يحفظ البيئة الكويتية في ألبوم التشكيل

                                                                             

 

كتب المحرر الثقافي:

منذ بداياته وخلال مسيرة فنية طويلة (منذ أواخر الخمسينات) لم يبتعد الفنان التشكيلي بدر القطامي كثيرا عن رسم ملامح البيئة المحلية، تلك التي سكنته فأسكنها - بالريشة واللون - في ذاكرة اللوحة·

لذا، فمن الطبيعي أن يأتي إصداره الفني الضخم "حديث الألوان" الصادر أخيرا بإخراج أنيق وتنفيذ وطباعة مناسبين لكتاب تشكيلي، ضاما مشاهد كثيرة من البيئة الكويتية في بحرها وصحرائها وأدواتهما المنسية، وصورا أخرى لإنسانها البسيط، وعاداته ومناسباته، وكأنما أراد القطامي بالتزامه هذا الاتجاه الفني - الذي لم يحد عنه إلا قليلا - التقاط جميع تلك الذكريات وحفظها في ألبوم صور أو متحف لا يحيطه سوى الإطار·

يعرض كتاب "حديث الألوان" مراحل القطامي الفنية، ويبين في الوقت نفسه ثباته على هذا الاختيار الفني، أو هو يفضح حنينه الدائم للكويت القديمة ولطفولته الغائبة، فعلى مساحة 350 صفحة من القطع الكبير المصقول يرينا القطامي عودة مراكب الصيد، والأسفار، ودخول "النقعة"، و"الفرضة"، و"صناعة الوشار"، والأسماك، وشباك الصيد، و"الحداق" وفي لوحات أخرى ينتقل الى الفنون الشعبية وجلسات الطرب والغناء، و"بورتريهات" لبعض الفنانين الكويتيين الشعبيين المعروفين، كما في ركنه الفني الثالث يطلق ريشته وراء فضاءات الصحراء والبادية في: "جمال الربيع" و"راعي الغنم"، والإبل "شموخ" و"وضح" و"زينة البعارين" و"نهاية الرحلة" وغيرها من لقطات صورت حياة الصحراء·

 

لقطة ساكنة

 

المتأمل في لوحات القطامي يلحظ اقتناصه الموفق للمشهد العابر في بيئاته الثلاث، سواء لسفينة في بحر، أو إبل في صحراء أو أي مساحة "بيئية" أخرى والذي ينم عن فطرة فنية دفعته إلى مثل هذا الالتفات، لكنه يتساءل عن السر في توقف القطامي عند اللقطة/ الفلاش فقط، وعدم إكماله للحركة كتعبير انفعالي لا بد من إضافته كي تعطي روحا للوحة، وتفتح المخيلة على معنى أوسع وأبعد من حدود المشهد، ولكي يتاح للمشاهد أيضا أن يتعامل معها برؤية أخرى، تدعوه للمشاركة والإضافة، أو رسم أبعاد مكملة كالصوت·

 

نباهة الداكن

 

وللقطامي عبث إبداعي بالألوان مميز ونادر، من خلال إيحاءات اللون، بتخفيفه حتى يصل الى البياض في حالات، ودكنته في حالات أخرى، كلوحة "سرقوني بالغزو" التي تصور رجلا عجوزا بملامح حزينة، وبجسد مسترخ عن يأس، لكن قتامة اللون المحيط بهذا الرجل، والأشبه بالليل، كانت هي الأبلغ والأكثر تعبيراً من الملامح·

 من الخطوط الفنية الغالبة على لوحة القطامي وخصوصا في "البورتريهات" التي يكثر منها يختار القطامي زاويته المفضلة، وهي المقابلة للوجه كالصور "الفوتوغرافية"، وقد يكون هنا قد اختار عن عمد الزاوية الأصدق والأكثر مساحة، أو كشفا للمشاعر، وإن كانت الزوايا الأخرى الغامضة غير المكتملة توحي أحيانا بأكثر مما يعرضه لنا الكشف والوضوح، أو قد يعود سبب اختياراته (في هذه الزاوية) الى شهرة أصحاب "البورتريه" ورغبته في إبرازهم وإعلان شخصياتهم الى المشاهد دون لبس أو إضافة أو لعب لوني·

 

التقاط البيئة

 

عن أسلوب القطامي الفني في تعامله مع البيئة، يقول الناقد د· سليمان الشطي في مقدمته للكتاب "الانفعال بالبيئة لا يعني متابعة الجزئيات والمشاهد القديمة من زاوية المنظور التاريخي، ولكنه يحمل معه ذلك المزج الحي بين الرؤية الانفعالية والإحاطة والفهم الدقيق الذي يمكن الفنان من التحكم من مادته والسيطرة عليها بحيث يصل الى مرحلة التمثل الكامل لها، لذلك تعاضدت هذه المجموعة من اللوحات التي تابعت البيئة وحرصت على استحضار الماضي ووضعه في إطاره واستخلاص سماته العامة من خلال رؤية فنية جاءت في المقام الأول عنده···

لذلك من الممكن للناظر لهذه الملامح أن يستخلص إطارا عاما لحياة بسيطة ومتكاملة سكنت في نفس الفنان منذ صغره وظلت ترافقه سنوات عمره حية مؤثرة"·

هكذا ارتبط القطامي بالبيئة وأجاد توظيفها وأدواتها فنيا، كما أن خروجه في أحيان عن إطار البيئة يبرز لنا جرأة القطامي وتمرده سواء في اختيار الموضوع الفني للوحة أو حداثة اللون أو شطوح الريشة والفكرة، وبرأينا أنها كانت أجمل الشطوحات لأنها كشفت روحا متمردة تسكن جسد القطامي·

ولـ "حديث الألوان" الذي ضم ألوان الفنان وأحاديثه كتب د· سليمان الشطي المقدمة بعين ناقدة وراصدة للموضوعات بمراحلها وللألوان بذائقة فنية عالية، كما كتب أصدقاء الفنان كلمات تعريفية وتكريمية مثل د· محمد صالح المهيني ود· خالد عبداللطيف رمضان وعبدالله خلف وعبدالعزيز السريع والشاعر الراحل خالد سعود الزيد ود· خليفة الوقيان ومحمود الرضوان وفاطمة الأشمر وبدر المديرس وعبدالله يوسف الغنيم·

 

   

طباعة  

وتــد
 
قراءة
 
المرصد الثقافي
 
شعر
 
إصدارات