رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 ربيع الآخر 1425هـ - 2 يونيو 2004
العدد 1630

قراءة

إنتاج الصرخة: تصنيع القائد

(1-2)

 

مقداد مسعود

اتصالية الخائف والمخيف

عن الروائي: زهير الجزائري

(1)

هذه الرواية، سحريتها من كابوسية الواقع العراقي، الذي مسخهُ الطاغية، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، و"فنتازيتها" من واقعية استبداد السلطة وأهوالها، ومهاراتها الفنية، من قوة مناعتها، التي حصنتها من الالتزام المطلق بالتسجيل الوثائقي لكل ما جرى في أرض السواد المزدوج· السرد الروائي في رواية "زهير الجزائري" الخائف والمخيف" "طالاولى / المدى/ 2003) يستفيد من الوثائقي / والتاريخي، لكنه يمرره عبر منظومة فنية، توزعه على الوحدات الروائىة حسب الضرورة، وهي رواية تؤرخ للسلطة منذ بداية انقلابها "الأبيض" عام "1968" وتحديدا منذ أن استعمل الطاغية صدام، السفاح "أبوطبر" لذبح العائلات في بغداد، إلى استمراره في الحروب ضد دول الجوار، لكن "الخائف والمخيف" ليس بالرواية التاريخية وفي ترميزاتها للواقع العراقي "لادليل جنائيا يؤكد على أن الرواية ضد الطاغية / صدام، وتلك تقنية فنية ضرورية" فالرواية صالحة للنشر في "25 كانون الثاني 2002 لندن" كما هو مدون في الصفحة الأخيرة من الرواية·

وهي كما سنرى رواية عراقية، سحريتها غير مستوردة من أمريكا اللاتينية بل منبثقة من ترميزاتها المجاورة لترميزات الروائي العراقي الفقيد "غائب طعمة فرمان رحمه الله" وخصوصا ترميزات رواية "القربان" وهي تتناول حقبة تاريخية (بعد اغتيال الزعيم الشهيد "عبدالكريم قاسم"، وإذا كانت ثمة أعمال روائىة أو قصصية أشبه ما تكون قراءة مكتوبة) أعني أنها نتاج تجربة في القراءة لا تجارب في الحياة، فإنني أرى ومن خلال قراءاتي لثلاث من روايات "زهير الجزائري" وهي لا تزال ساخنة أعني إبان صدورها "المغارة والسهل" منتصف السبعينات "مدن فاضلة" أواخر القرن الماضي، و"الخائف والمخيف 2002"، أرى أن المنتوج الروائي للجزائري هو نتاج خبرة اندماجية بالحدث الروائي، لامحض تأمل، أو انحياز فكري، لذا تجيء رواياته بكل غواياتها التشويقية، التي تجعل القارىء لا يغادرها إلا بعد اتمامها·

(2)

"ستكون الصرخة هي المحك / صـ 77 / الخائف والمخيف"

تبدأ الرواية، بصرخة "صرخة امرأة، طويلة وحادة كسرت زجاج الليل البارد ومعها انطفأت أضواء المدينة لدقائق·· ثم عاد الضوء والصمت فبدت وجوه الجميع شاحبة ممصوصة وقد تأكدوا من أن المحذور قد وقع / ص 7" وتنتهي الرواية "نموت ويحيا القائد/ 359" والهتاف هو حنظل ختام الرواية، و"الهتاف" إحدى منتجات الصرخة في معامل تصنيع القائد إعلاميا، صور القائد / اغتيال القائد / روايات وأشعار تتناول سيرة القائد، فالإعلام العراقي إبانها لا عمل له سوى "إعادة تصنيع القائد في ذاكرة الناس / 251" لا غائب في هذه الرواية سوى الغياب، كل الخائفين فيها الذين أرّقوا المخيف وهم يتحولون إلى دبابيس في فراشه، وسيقفون قدامه كأدلة إثبات لجرائمه اللانهائية ضد الشعب العراقي ولا نقول شعبه، فالمخيف لا يمتلك أي صفة من صفات العراقيين، وإذا رأينا الهتاف ذاته في مرآة الواقع العراقي فستكون القراءة الصحيحة هي "نحيا ويموت القائد" الخائفون هم "المساجين الذين لم يروا النور منذ دهر بلحاهم الطويلة وجراحهم وقملهم، أمهات القتلى بوجوهن الملطخة بالطين، جياع المخيمات بهياكلهم النحيلة وأشكالهم وأطفالهم الذين ماتوا قبل أن تصل عصيدة الإغاثة، المعوقون الذين فقدوا في الحروب سيقانهم وأذرعهم وعيونهم، سيأتونك على كراسيهم المتحركة مالئين شوارع المدينة·· سأجلب لك كل هؤلاء من أقبية التعذيب، من المقابر، من ردهات المستشفيات، ما من أحد أجدر منهم برسم النهاية 359"·

وفي الرواية سنجد المخيف ومشتقاته الطفيلية العاطلة عن التفكير المجترة نهب ثروات العراق "مهربو الحبوب والأغنام إلى الخارج والتلفزيونات الدائرية إلى الداخل، سارقو مساعدات الإغاثة والمتاجرون بالمعلبات الفاسدة، والسجائر الأجنبية الذين يغرقون رمال الشاطىء بالجرافات ويبيعونها لأصحاب الحدائق، والذين يبيعون لأبناء الأغنياء دفاتر الاعفاءات من الخدمة العسكرية، الذين يغلقون أنابيب الماء ليبيعونها في قناني ممهورة بماركات أجنبية كاذبة، والذين يتعهدون صرافي السوق السوداء، مقابل نسب في الأرباح، ومن يساعدون التجار في تهريب أموالهم إلى الخارج مقابل عشرة بالمائة تودع في حسابهم الخاص في بنوك أجنبية / 350"

(3)

بين الخائف والمخيف: اتصالية / تضاد تتمثل بـ "الصرخة"، والصراخ حين نشخصه عياديا، نرى أنه لا يكون على المستوى البشري، إلا حين يعجز الوسيط اللغوي بين طرفين، والصراخ هو الصوت والأصح هو نبرة الصوت المتشنج "صرخ: صاح صياحا شديدا / صـ 415 المعجم الوسيط / الجزء الثاني" وهذه النبرة منطلقة بكل ما لديها من مدى وبكل ما في المصوت من احتدام، فالصراخ صوت في حالة تشنج يحاول المأزوم / إلباث إيصاله إلى المتلقى المتمكن أحيانا، وأحيانا أخرى يكون الصراخ نتاج الصمم العلائقي لا الفسلجي بين طرفين، والوظيفة السيميائية للصراخ لا تحدث انزياحا للمعنى المعجمي بل تعمل على توسيع مدياته، في الفرشة الروائية كلها·

للمخيف كل ملكية كل وسائل إنتاج الرعب، التي تستعمل الخائف كمادة خام لإنتاج "الصرخة" وإعادة إنتاجها بكلفة أقل، مما يغري المخيف بتوسيع مؤسساته الصراخية، واستنساخ مخيف آخرين لتحمل المخاطر بدل المخيف / الأصل كما استعمل مجيد من قبل وهاب، إلى حد يجعل الآخرين يتساءلون "أهو الأصل أم الشبيه؟ / 352"·· والصرخة على مدى "21" صفحة، ابتداء من (ص7) حتى (


0)، تشغل الوظائف التالية: (1) ازدواج قيمي: إذا كانت الصرخة دليلا على سلطة الرعب فإن هذا الرعب لا يشترط تحفيز الجميع / الخائفين على التكاتف، بل يبث اللامبالاة في الخائف / الآخر، ما دام المخيف بعيدا عنه "مرة دقائق أخرى من الصيت وأرعشه ثم دبت الحركات الأولى التي تبارك عودة الحياة واليقين بأن ما حدث كان بعيدا ولم يمسهم أذاه·· صـ 7" وبهذه الطريقة استطال المخيف على الآخرين واستطاع تصفية من يريد·

(2) الغموض: ويكون ذلك أثناء القراءة الأولى للرواية وتحديدا قراءة الصفحات الأولى مما جعل القارىء يتساءل ما الذي يحدث؟ ولماذا؟ هل هي رواية بوليسية؟

(3) الصرخة: هي الومضة الروائية، التي سوف يسعى الروائي / الجزائري، إلى تفكيكها لتنتقل من ومضيتها (ص 7-30) لتشمل الرواية كلها·

(4)

وثمة تنويع ضمن تراتبية الصرخة ذاتها، فإذا كانت الصرخة الأساس/ عالية النبرة / ذات مديات بعيدة، فإن هناك، صرخة بمديات محدودة / ضيقة / مقموعة (القائد الجديد رافعا سيفه علامة النصر وباليد الأخرى رأس السفاح الذي تقلصت ملامحه من ألم الضربة ومن الصرخة التي لم تخرج / 43) وهناك صرخة لا تخلو من تراجيكوميديا هي صرخة "قاسم فنجان" البويهمي / الشاعر / عاشق الحياة / الذي سوف تحتز رأسه حرب الطاغية (154ص)

وهناك صرخة في فضاء مغلق / دموي "الصفير القصير الجارح للعصا وصرخات المعذبين / 227 ص" وثمة صرخة تتجاوز المغلق / صرخة من رأي المخيف بكل شراسته "وسمعت صرخة، صرخة جوقة موحدة من النساء طويلة وحادة / 241"، وثمة صرخة تنتقل من المفتوح إلى المغلق "الصرخة التي أيقظت الجميع، وصلت عميقة مخنوقة إلى جوف النفق··/ ص 246" والنفق هو طريق الخلاص من السجن الذي كانوا من خلاله يواصلون الأمل: الشيوعيون والإسلاميون السجناء وهذه الصرخة ذات مسار عمودي وهي تنطلق من الأعلى إلى الأسفل، وهناك أيضا صرخة أفقية "على الجانب الثاني من النهر، انطفأت الأضواء قليلا، ثم انفجرت قليلا، ثم انفجرت الصرخة، قريبة كأنها تحدث في بيت مجاور·· / ص 148"·

(5)

شمولية الصرخة للمجتمع العراقي، على اختلاف تراتبيته الاجتماعية / الإيديولوجية له اتصاليته، بشمولية استبداد السلطة، التي قررت احتواء الكل من أجل تمسيخه إبادة الشيوعيين / الإسلاميين / العوائل الثرية / بيوت البغاء استعمالها للتجسس على ضباط السلطة / إبادة السلطة لـ"مجيد" حين حاول مجيد أن يكون هو لا القائد "لا تنس ولا مرة واحدة أنك أنا ولست أنت/ 330"

طباعة  

في كتابه "حديث الألوان" وفي مسيرته الفنية
بدر القطامي يحفظ البيئة الكويتية في ألبوم التشكيل

 
وتــد
 
المرصد الثقافي
 
شعر
 
إصدارات