رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 ربيع الآخر 1425هـ - 9 يونيو 2004
العدد 1631

جاسم عبدالعزيز القطامي منظومة متكاملة من العطاء

                                           

 

عرض يحيى الربيعان

أصدرت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان كتابا تذكاريا يحتوي على 433 صفحة من الحجم المتوسط، كما يحتوي على وثائق مصورة ألحقت بفحوى الكتاب، ويعد الكتاب من كتب السيرة الرائعة، وإن كان المعني في هذه السيرة - أمده الله بالصحة والعافية والعمر الطويل - ما زال يعطي بسخاء كبير في مختلف المجالات، ومن إيجابيات هذا الكتاب المصداقية الكبيرة التي تميز مادة هذا الكتاب نظرا لمعايشة جاسم عبدالعزيز القطامي، لعملية خلق وولادة هذا الكتاب الذي اشترك في تحريره وإعداده، السيدة الدكتورة سهام عبدالوهاب الفريح والسيد عبدالله غلوم الصالح، وكلاهما ناشطان في العمل التطوعي وحقوق الإنسان·

ينحدر جاسم عبدالعزيز القطامي، من أسرة كويتية عريقة ومعروفة تخرج منها رواد رجال ونساء، وقد تركوا بصمات واضحة في تاريخنا وتراثنا البري والبحري، وفي مجالات التعليم والعمل التطوعي الخلاق، ومنهم برز السيد جاسم عبدالعزيز القطامي، كريم الخلق وكريم اليد، وقد نذر نفسه لمناصرة حقوق الإنسان والقضايا الوطنية العامة، وبالذات في القطاع المدني حيث كان يسعى سعيا حثيثا في هذا القطاع المتنامي في الوطن والعالم، وانخرط في العمل الحزبي السياسي إيمانا منه بأن اليد الواحدة لا تصفق بعد أن تخرج من كلية الشرطة بالقاهرة عام 1952 لقد كانت فترة الخمسينيات والستينيات من الفترات الحاسمة تاريخيا، حيث كانت بواكير الثورات العربية الكبرى، وكان صوت الجماهير يهدر ويتوق الى التحرر الوطني، في هذه الظروف السياسية الطاحنة تزعم السيد جاسم عبدالعزيز القطامي قيادة الشرطة في الكويت من أجل تطويرها وتحديد أدوارها والارتقاء بها من مرحلة "الفداوية" الى مرحلة العسكرية النظامية، وكانت الثورة العربية الكبرى تشتعل في فلسطين والعدوان الثلاثي سنة 1956 يشتعل في أكبر دول العالم العربي وهي مصر، وكان السيد جاسم عبدالعزيز القطامي يخفق قلبه بحب مصر البلد الذي احتضنه شابا يافعا جاء ليطلب العلم منها وشرب من نيلها وتشكلت شخصيته السياسية في أجوائها، وفي هذه المعارك التحريرية جاء الصوت العربي ثائرا ومعربا ومعبرا عن واقع الأمة العربية وكان لسان الأمة يعبر عن لسان حالها المرير في الحشود التي تجمعت في ثانوية الشويخ تنادي بسقوط الحكام العرب الخونة، وعندما "بلغ السيل الزبى" صدرت الأوامر للسيد جاسم القطامي باعتباره قائدا للشرطة بأن يصدر أوامره لها لقمع الأمة المتجمهرة في ساحة ثانوية الشويخ قبل أن تخرج الى الشوارع، ورفض قائد الشرطة الانصياع للأمر السياسي وقال جملته المشهورة الشرطة أعدت لخدمة الشعب وليس لضربه، وعلى إثر ذلك العصيان البوليسي قدم القطامي استقالته فورا من المهمة العسكرية وهجرها الى الأبد·

وكان موقفه الوطني هذا مضربا للأمثال وتقول الدكتورة سهام عبدالوهاب الفريح، في كتاب "جاسم عبدالعزيز القطامي منظومة متكاملة من العطاء" والذي شارك بتحريره الدكتورة ذاتها والسيد عبدالله غلوم: "إن أول قصة تطالعنا لجاسم القطامي هي: قصة نهاية بحار، وهذه القصة عبارة عن نشاط إنساني" ويعبر مؤلفها جاسم القطامي عن شؤون وشجون رجال البحر الكويتيين في رحلتي الغوص والسفر على مراكب شراعية خشبية، وقد جسدت هذه القصة معاناة البحار الكويتي قبل ظهور النفط وما كان يعانيه من معاملة قاسية من نواخذة هذه السفن وشراء جهود البحارة مقدما من سلفيات يدفعها لهم النوخذة قبل قيامهم بإحدى هاتين الرحلتين، ولا تقام للبحار دورة تأهيلية بفنون الغوص قبل الشروع بالرحلة فضلا عن المعدات البسيطة التي يستخدمها البحار في الغوص على اللؤلؤ، وقد وصف أهوال رحلة الغوص كل من الشاعر محمد الفايز في مذكراته التسع التي شكل منها ملحمة إنسانية رائعة، وكذلك فعل الشاعر البحريني على عبدالله خليفة في ديوانه الرائع أنين الصواري، ومن المعروف أن أجور البحار الذي يغوص للبحث عن اللؤلؤ لا تتجاوز حفنة من الروبيات، هذا هو مجتمع البر والبحر الذي عرفه جيدا السيد جاسم عبدالعزيز القطامي وعبر عنه في قصته "نهاية بحار" وبعد أن ترك الشرطة وجد فرصة عمل في شركة السينما الوطنية بمعرفة أصدقاء له من الوطنيين، ولم يطل به المقام في الوظيفة، وكان يخشى من السلطة أن تحل مجلس إدارة الشركة إذا علمت أنه يعمل بها، وبعد ذلك استدعى الشيخ عبدالله السالم، جاسم هو وقرينه الدكتور أحمد الخطيب وعرض عليهما العمل في الديوان الأميري فاعتذر الخطيب وذكر أن عمله في العيادة يأخذ كل وقته أما جاسم القطامي فقد قبل العرض وعين في إدارة الخارجية قبل أن تتحول الى وزارة، في عهد عبدالله السالم الصباح·

وعلى الرغم من التحاقه بوظيفة رسمية، استمر في نضاله السياسي الى يومنا هذا، ولقد جسدت مواقفه في مجلس الأمة عندما فاز بعضويته وأطروحاته كلها محفوظة في أرشفة مجلس الأمة ولقد لجأ إليها مؤلف الكتاب عبدالله غلوم الصالح واستمر ببعض أدواره في مجلس الأمة كأحد المعارضين السياسيين وغلب عليه الطابع الإنساني فأصبح أحد الناشطين بل أصبح رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الإنسان ويعتبر السيد جاسم القطامي من كبار الناشطين في قضايا حقوق الإنسان وأصبح العمل التطوعي ونشاطات المجتمع المدني بصورة عامة القضايا الوطنية وحقوق الإنسان بصورة خاصة هي همه وشاغله·

والكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية كسائر كتب السيرة، وإنما هو مرجع تاريخي يتناول أحداثا مهمة في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر، ومستجدات الحركة السياسية وعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والديمقراطية وما جرى من حوادث ساخنة غدت مكتسبا شعبيا لا يمكن التراجع عنها·

والرجل العظيم صاحب السيرة له بصمات واضحة في أغلبية مسارات الحركة الوطنية في الكويت، ومحاط باحترام الأمة والسلطة فالسيد جاسم عبدالعزيز القطامي، أعطى الكثير من أجل أن تبقى راية الوحدة العربية مرفوعة·

إن الكتاب ممتع جدا بسلاسة سرده للأحداث التي عايشها صاحب السيرة، فضلا عن احتواء الكتاب على تحفة من الصور التاريخية ذات الدلالة على مصداقية المترجم له، وسيبقى الأستاذ جاسم القطامي علما كبيرا من أعلام الكويت الذين أعطوا كل شيء من غير حساب أو انتظار لمردود وهو من الرجال القلائل ذوي الوجوه البيضاء بمنظومته المعروفة بشفافيتها المطلقة·

طباعة  

وتــد
 
شعر
 
أسماء ثقافية شعرية سياسية في "أدب المعاناة" للأنصاري
 
المرصد الثقافي
 
قراءة
 
إصدارات