رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 ربيع الآخر 1425هـ - 16 يونيو 2004
العدد 1632

في ختام الموسم الثقافي للرابطة
المغربي يغادر العتبات إلى "الأرصفة" والحداد يترك البذر للريح والجوير لا يرى سواه فيها

                    

 

كتب المحرر الثقافي:

اختارت رابطة الأدباء في ختام موسمها الثقافي لهذا العام مهرجانا شبابيا امتد على أربع أمسيات متتالية لأعضاء "منتدى المبدعين الجدد"، بدأت بالشعر واختمت بحفل التكريم·

في أمسية الشعر شارك محمد هشام المغربي ومحمد قاسم الحداد وسعد الجوير مواصلين عرض تجاربهم الكتابية التي انتهت ببعضهم إلى تأكيد الموهبة بكل جدارة·

المغربي قرأ ثلاثة نصوص جديدة، وكعادته جاء مفاجئا ومغايرا في جديده، ففي نص "الأرصفة" يوزع المغربي عناوين فرعية في متن النص، يكسر فيها الشكل، ويوغل أكثر نحو الإيضاح وكشف المعنى الملتبس·

ثلاث عتبات رتبها المغربي للدخول، ولقراءة الرصيف، في الأولى يستهدي الشاعر بحلمه "فأنام ويلمسني الزغب الفضي يطيب السهو بقافلة الأصداء"، بينما هو لا يطمئن في ليله لنجمة "تضلّله"·

تتكاثر في عين المغربي "الأرصفة" التي يرميها الشارع:

رصيفا يبصق حباً

ورصيفا يتقيأ أصحاباً

ورصيفا يرقص مذبوحاً

ثم ينتهي الشاعر على هذا الرصيف بالوحدة، وبالتمني:

آهٍ/من يسحب عمري عن آخره، يبدلني بصديق واحدْ

وعلى/الرصيف الثاني، وبقراءة أخرى للوحدة، وللألم الإنساني، يخاطب الشاعر شحاذا عجوزا:

فوق رصيف آخر تجلس، تشخص في خاصرة العلياء

أتنتظر الرزق يجيء على نوق الدعوات؟

لقد أخطأك السهمُ الليلةَ

لكنك لما تفهمْ بعدُ!

وثالثاً، يكون رصيف "الأمل" كتعليق أخير من الشاعر:

مرّوا في عجلٍ،

لكنّ الشحّاذ يطأطىء للمارين الرأسَ،

يقولُ: يكونُ الخيرْ·

وفي نص جديد رائع "الرؤى الثلاث وتعويذة الشك" يسرد المغربي حكاية من رؤى، بلغة دقيقة وذكية تتعمد "التراثية" لتقترب من غرائبية الموروث، وصدق الرؤيا - في المخيلة العربية - أو استشراف الكارثة، أو دنو "الغدر":

لستُ أعرفهم·

ولكني أراهم يحملون الليل في أعبابهم، يمشون مخفورين بالنجوى ومنتحلين أسماء النجوم ويفتحون الأفْق والصلواتُ تحرسهمْ، فأنّى يغفلوا يُنضَ الصياحْ·

وبالأجواء نفسها يتنبأ المغربي أيضا في نص "متسربلاً بالتوجس·· منتعلاً سفري":

سيأتي ورائي كثيرون يمحون ظلّي بين التصاوير،

خطي بين القصاصات

يختلفون بأيّ المقابر كنت دُفنتُ،

ويختلقون لوجهي تشكيلة غير هذي،

لصوتي رنينا جديدا،

وباسم جديد يعيدونني للنخاسة،

أُدخلُ في دورةِ الخلْقِ رقماً بلا ذاكرةْ

الشاعر محمد قاسم الحداد في مشاركته بنص "اسمي" أثبت اختلافه لغة ورؤية، حيث ينشغل في هم آخر، ويختار زاويته الخاصة في الاكتشاف والمعرفة والإيمان فـ "الطين" لدى الحداد "زمن ومكان"، و"بالإيمان تكون الخطوات مجدية وفعالة"· لمحمد الحداد فلسفته، وهي الأعلى مكانة والأعمق أثراً في روحه، لذا هو يجازف بالشعرية لإعلان صرختها، ويقفز إلى سطور النثر طائعاً كي لا يبقيها عائمة بين سطرين: "في الغرف النتنة ذات الحوائط الرطبة تستعيد المساحات المفتوحة تفاصيلها وتصبح الريح صديقا نعرفه من الطفولة" وفي مقطع آخر من رسالته الشعرية يقول الحداد:

أيتها الباقية

هيروغليفيةُ طفل طاهر على صخر مقدس

لن أقول أكثر،

فلقد أسميت أولى نخلاتي باسمك

نص "اسمي" لمحمد الحداد مفعم بالحيوية، وبالفكرة الشعرية التي تخفت في مقاطع وتسطع في أخرى، تخفت ولا تختفي وتتوارى ولا تموت·· حتى ختام النص·

"أسكنني البياض في راحتيه

وأسكنت البذر الريح"

قرأ سعد الجوير من ديوانه الأخير "خطىئة الكائن" نصين من النثر "كأس الغبار" و "منازل الرؤيا" ركز فيهما على اللغة كأحد انشغالاته الشعرية ومتعه التي يحسنها:

وجدت أن أغفو على لذة الليل،

أعارك المزامير والنوايا،

وجدت أن أركب الوحدة

حتى لا أرى سواي في الريح

وفي النص الثاني "منازل الرؤيا" يطرح الجوير همومه وتساؤلاته وأحاسيسه على العالم من حوله مواجهاً هذا العالم بـ "الأنا" الواضحة والحادة، معترضا ومحتجاً:

كانت الناس في خفاء

وكنت في الفضح

تأرجحت المنازل

وصار للغريب وطن السر

وريبة العاشق· 

 

____________________________________

 

الأرصفة

 

شعر: محمد هشام المغربي

أعْدو تحت سقوف الحالك، أدخُلُ أقبية مترعة بالظلمة·

أُخْطِئُك·

الوقتَ يَجُزُّ رقاب الـ ···!

 

***

 

هل أنت هناك تكونين كما قالت لي عرافات الوادي؟

كذّبن عليَّ، حلفن بسرِّ النَّجم بأنك قادمةٌ بصباحٍ تُخْبُر عنه البَلجةُ·

قُلْن بسيفي هذا المتثلِّم أقطع دغل البؤسِ·

وقُلن··· وقُلن···

ولا ظفرٌ غير نعيبٍ وفلاة·

 

***

 

 

حين تُضلَّلني في سيري نجمة···

أعرف أن الليل عجوزٌ يهوى تفتيش العورات

 

***

 

سارت نحو الهاوية خطاها مُثقلةً بالجرح والعِشقِ،

نَسَتني·

لم تذكر ما قالت ذات بُكاء

 

***

 

الحُبُّ لا أخطاء·

يُمسكُني الشارعُ، يرمي أرصفة الشدهة فيَّ:

رصيفا يبصق حبا،

ورصيفا يتقيَّؤُ أصحابا،

ورصيفاً يرُقصُ مذبوحا·

كنتُ كَمَن أدركه النَّومُ أنقلِّ بصري - لم أُبصر شيئا -، منطرحا أُكثرُ من ترتيل الذكرى، أهمُسُ في أُذُن المستدبر، فأنام ويلمُسُني الزّغَبُ الفضِّيُّ يطيب السهو بقافلة الأصداء·

 

***

 

وهناك ألوِّح خلف الزرقة للقادم، أضرب كفي، أصوت: يا سارقَ شعلتي المجنونة، أصغ فقلبي لا يملك في وطنَ الظلمة غير توابيت الأحلام· أأنت كسرت الباب الأزلي وأوقظت نداءات السفر الطاعن في البعد؟

باغتني سهمُ الجوع وحطّم بلورات الحلم السيّارة في نفسي·

بزغت شمسٌ لا أعرفها،

لسعت ظهر الألفة،

كُسَر البأسُ،

وأَوقدت بيابس آمالي نار خشوع·

أطعمني - حين جفاني الكلُّ – الوجد

 

***

 

آه

من يسحب عمري عن آخره،

يبدلني بصديق واحد

 

قراءة أخرى

 

الدنيا دائرة

والناس مقامات تتناسل في شبق سمجٍ والـ ···

 

***

 

أنت بلا سبب تهرم وتشيخ وحيدا

يرتفع الحقد برأسك،

تغلي،

تحترق مرارا·

ليس ضروريا من أنت·

العالمُ لن يهتزَّ لأجلك·

لا تعنيه نهائيا·

 

***

 

منذ نهارين على جلستك الصماء،

يمرّون عليك، يصبّون النظرات بوجهك، ثوبك، هيئتك الرثة·

غراًّ كنت، حسبت العالم متَّكأ لقطيع الحلم الوادع·

جرِّب رأياً آخر

 

***

 

فوق رصيف آخر تجلس، تشخص في خاصرة العلياء·

أتنتظر الرزق يجيئُ على نوق الدعوات؟

لقد أخطأكَ السهم الليلة

لكنكَ لما تفهم بعدُ!

··· وبعد هنيهة فيئ تتهجد في مسرى الأوحالً وتستقرئ هاجسة الليل، ستهجع في كنف الغفلة، لا تترك للوعي صُوَىً!

 

***

 

آه

من يسحب غيّك عن آخر،

يبدله برغيفٍ واحد!

 

تعليق

 

مرّوا في عجلٍ،

لكن الشَّحّاث يطأطئ للمارين الرأس،

يقول: يكونُ الخير·

 

طباعة  

وتــد
 
أمسية قصصية
 
خبر ثقافي