رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 ربيع الآخر 1425هـ - 16 يونيو 2004
العدد 1632

وتــد

العويط والقصيفي··

لـيـل اليـأس ونـهـاره

 

نشمي مهنا

ما الذي يدعونا لانتظار مقال أسبوعي بعينه؟

نادرة هي المقالات الصحافية التي تستحق منا الانتظار، فـ"الهذر" الكتابي هو الأعم الأشمل فيما نقرأ يوميا، حتى بتنا بلا شغف ولا لهفة ولا أمل فيما يكتب أو ما سيكتب·

لكن "الندرة" تلك عصمتنا من الكفر بالانتظار، وسربته الى نفوسنا·

عقل العويط في ملحق "النهار" الثقافي، وماري القصيفي في "ثقافتها"، هما اختيار شخصي لا يشترط - بالضرورة - الإلغاء، ولا هما هوى في النفس يرى تكسير أقلام أخرى، قد يكون غيابها لخلل في الذاكرة· لكنهما - وفي كل الأحوال - محرجان لأصحاب "الهذر"، ومدمران إذ يلحان على من يتابعهما المقارنة والتفضيل، فالاكتفاء والاستغناء، ثم الشغف والانتظار·

لبنانية عقل العويط وماري القصيفي كونية، ذات وجع إنساني، وعيّنة صادقة من "آه" لم تلتزم حدود جغرافيتها، ولم تحترم سيادة الهم المحلي، خارقة في تمردها جدار مساءاتنا المطمئنة، وصباحاتنا المتثائبة، تقترب كمقطع طولي وعرضي من حالنا: وهن سماءاتنا، انخفاضها بعدما ملّت انتظار أرواحنا، ضيق فضاءاتنا، تقطع أنفاسنا، تقوّس ظهور أحلامنا، زيفنا الشعبي وكذبنا الرسمي، خرابنا، فساد حكوماتنا، فساد ذممنا، فساد مجتمعاتنا، توهاننا، نمو طفيليات تسلقت ساق دولنا للوصول الى قلبها و···

ماري بلغتها الشعرية تلطّف الغضب أحيانا، وعقل العويط الشاعر يعري الكلمات، ينفخ فيها الهلع، ويطلقها وحوشا في مدائننا الصامتة، وهو في نهاية أمر الكتابة لا يكترث إن لم تصطد له غافلا، بل، حتى وإن عادت - هذه الغاضبة - والتهمته·

في "المقالين"·· لا تتبيّن أنثى ماري، ولا شاعر العويط، كلاهما يحسن الخلع، والتبرؤ، والانقلاب، وكل منهما مجرتان تحافظان على شروط الجاذبية، وقداسة الانشطار (شاعر x كاتب مقال) و(كاتبة x أنثى بلغة شعرية)، لكن، إن توقفنا متأملين في رابعة "النهار"، ألن نلحظ في البعيد، العميق، هناك، ماء خفيا من الشعر ينساب بين طبقات المجرتين؟!

لنحاول، في المرة المقبلة·

هي معلّمة الحرف الأبجدي، وهو أستاذه الكافر بجدواه·

عقل يكسر رأس الأمل فينا، يمزقه، يفتّته، يطحنه، ويذروه· أحيانا يحرق ما تبقى من حديقة الأمل، من السور الى السور، وهو في حالتي الكسر والحرق، أو بعدهما، يلتقط أنفاسه، يجلس، يضع رأسه بين كفيه، منتظرا طائرا أسطوريا يتشكل من رماد·

هو متفرغ بحماس للتخريب، متسلح باليأس للتحريض على التدمير، وتتفيه معلقات أفكارنا، بالونات أجدادنا الملونة، أعمدة أشعارنا وتفاعليها ونثرها، لم يُبق حتى على شطر من الشعر "اليقيني" "لبنان والأمل الذي لذويه"·

هذا الداعية الكبير، طيّب ومجرم ومجرم طيّب، نرى أثر جريمته وبصمات أصابعه على جسدنا، أو نتوهم ذلك، فلا نصدق دعواه، وقسمه بأنه جاء بعدما فارقت الروح جسدنا، وإن كل ما هناك أننا رأيناه يقلّب جثتنا الهامدة!

***

 

ثمة متعة تملأ مساماتنا، وتشع في عيوننا، تحرِّك سحابة سوداء في قلوبنا حينما نمارس قراءة بعض الكلمات "النادرة"، كلمات لا نتطلب منها سوى خدر المتعة··· هذا ما تعلمته من ماري·

وثمة يأس ناضج يحرقنا كل صباح ليخلقنا، يخلقنا منفردين، متوحدين، منكفئين على ذواتنا، فنستمد من يتمنا قوة، ومن ضعفنا إيمانا، لا كإيمان حمامات المساجد والكنائس والمعابد الطائعة المستسلمة اللائذة بأعشاش مناراتها، والهاربة فوق وحشة القرميد - حيث لا حول ولا قوة إلا بهما - إنما إيمان اليأس الخالق··· وهذا ما تعلمته من عقل العويط·

 

 nashmi@taleea.com

طباعة  

في ختام الموسم الثقافي للرابطة
المغربي يغادر العتبات إلى "الأرصفة" والحداد يترك البذر للريح والجوير لا يرى سواه فيها

 
أمسية قصصية
 
خبر ثقافي