رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 ربيع الآخر 1425هـ - 16 يونيو 2004
العدد 1632

لا خطر من التقسيم أو الحرب الأهلية أو قيام حكم ديني في العراق
العراق الجديد ليس مفروشا بالورود ولكنه ليس ساحة حرب كما تصوره بعض الفضائيات

                                                           

 

·         طغاة العالم العربي يخشون الأفكار "الخطيرة" التي قد تخرج من العراق الجديد

·         بعد نصف قرن من الدكتاتورية وثلاث حروب فإن حال العراق أفضل من المتوقع

 

بقلم أمير طاهري:

التقى المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم في لندن أخيرا مع فريق من أعضاء مجلس العموم البريطاني معظم أعضائه من مناوئي الحرب، في مباراة ودية، وفاز المنتخب العراقي بنتيجة 15: صفر·

ولم يكن الفريق العراقي موجودا قبل ستة أشهر فقط، ولكن بعد أن تغلب على عدد من المنتخبات في شهر أغسطس الماضي، ومنها إيران والمملكة العربية السعودية، فسوف يمثل هذا الفريق بلاده في دورة الألعاب الأولمبية في أثينا هذا الصيف·

صحيح أن عراق اليوم ليس مفروشا بالورود فقد كنت في زيارة الى ذلك البلد أخيرا، ولكني لا أعتقد أنه ساحة حرب أيضا، كما تحاول تصويره بعض وسائل الإعلام العربية والغربية·

لقد تمكنت فلول نظام صدام ومن يتحالفون معها من سرقة ما يكفي من المال والسلاح لمواصلة حملتهم الإرهابية ومحاولاتهم إعاقة بناء العراق الجديد، ولكنهم لا يتمتعون بشعبية وفشلوا في بلورة استراتيجية وطنية متسقة، وبدأت وحدات الدفاع المدني العراقية تبادر بالهجوم على هذه المجموعات بعد أن كانت في موقف دفاعي قبل أشهر عدة فقط، وبدأت تحقق النجاحات، وفي الوقت ذاته انخفضت الهجمات على قوات الشرطة العراقية بمعدل 50 في المئة خلال الشهر الماضي·

وهناك أنباء طيبة أيضا على الصعيد الاقتصادي، فقد ارتفع سعر صرف الدينار العراقي بمعدل 15 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مقابل الدولار والدينار الكويتي والريال الإيراني وهما العملتان الأكثر تداولا في أسعار صرف العملة العراقية·

وبفضل ارتفاع أسعار النفط، يدخل الخزينة العراقية يوميا ما بين 41 و44 مليون جنيه استرليني يوميا، وهي أرقام قياسية، وهذا أدى الى تفعيل النشاط الاقتصادي بما في ذلك مشاريع البناء الخاصة، وتذهب هذه الأموال الى صندوق تديره الأمم المتحدة ولكن الزعماء العراقيين يطالبون نقل السيطرة على الصندوق الى الحكومة الانتقالية الجديدة عند تسلمها السيادة في نهاية يونيو الجاري·

 

اكتفاء ذاتي

 

وعلى الرغم من استمرار الأعمال الإرهابية، فقد اجتذب العراق سبعة ملايين زائر معظمهم من حجاج العتبات المقدسة من الإيرانيين وقد شهدت مدينتا النجف وكربلاء حركة عمران مستمرة بالرغم من العنف·

وقد سجل العراق حصادا قياسيا في محصوله من الحبوب وخاصة القمح، ويمكن أن يصبح لدى العراق اكتفاء ذاتي في مجال الزراعة وذلك للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما·

ويقول السياسي العراقي حيدر العياري "لقد امتلك العراق دائما كل المقومات اللازمة لبناء اقتصاد ناجح، فلدينا الماء والأرض الخصبة والنفط واليد العاملة، وما كان ينقصنا هو الحرية، والآن وقد امتكلناها يمكننا أن ننطلق الى الأمام"·

وعلينا ألا نصدق مزاعم بعض "الخبراء" بأن العراقيين ليسوا مستعدين للحرية، فخلال الأشهر العشرة الماضية، أجريت انتخابات محلية في 37 مجلساً محلياً، وفي كل مرة كان المعتدلون والليبراليون والعلمانيون يحققون الفوز، وقد أخفق البعثيون الذين خاضوا الانتخابات تحت لافتات مختلفة من الفوز بأي مقعد في هذه المجالس، كما حصل المتشددون الإسلاميون على نسبة 1-3 في المئة فقط من الأصوات·

لقد أضحى العراق أشبه ما يكون بمدرسة لتعليم الديمقراطية، حيث ينخرط الناس على شكل أعضاء في الأندية أو المؤسسات أو المنظمات غير الحكومية أو المجالس العشائرية أو النقابات المهنية والعمالية، للحديث حول المستقبل، وهو الأمر الذي كان محظورا عليهم في ظل حكم الحزب الواحد·

وفي زيارتي الى جنوب العراق، تسنى لي حضور الكثير من اللقاءات في المساجد والأسواق والمكاتب، حيث انهمك العراقيون في استغلال أجواء حرية التعبير الجديدة لمناقشة مستقبلهم السياسي·

ومع ذلك، فهذا قطاع لم يفعل فيه التحالف سوى القليل، فعلى الرغم من وعود الرئيس جورج بوش بمساعدة العراق في أن يصبح نموذجا للحكم الدستوري في العالم الإسلامي، لم تبذل جهود كافية لتقديم التدريب والدعم اللوجستي لأكثر من 30 حزبا عراقيا ستخوض الانتخابات في شهر يناير المقبل·

 

تغير راديكالي

 

وتهيمن الأصوات المؤيدة للديمقراطية على معظم الصحف ذات الملكية الخاصة في العراق والتي تتألف من أكثر من 200 صحيفة ما بين يومية وأسبوعية ودورية، والتي تساعد العراقيين في تنفس الهواء النقي وسط عالم عربي تسيطر فيه الدولة على وسائل الإعلام·

لقد بدأ العراقيون التحضير لحكم أنفسهم بأنفسهم منذ أشهر عدة، وتخضع الإدارات الحكومية الـ 26 التي أنشئت بعد تحرير العراق كلها ما عدا أربعا، لسيطرة العراقيين الحصرية، وقد أدت حكومة إياد علاوي الانتقالية اليمين القانونية قبل تسلم السلطة فعليا في نهاية الشهر·

وقد أظهرت مختلف المجموعات السياسية العراقية درجة نادرة من النضج بموافقتها على مسودة الدستور الانتقالي الهادف الى إقامة حكومة برلمانية في البلاد، وسوف تتم المصادقة على الصيغة النهائية للدستور العراقي الجديد من خلال جمعية وطنية منتخبة واستفتاء شعبي مباشر سيجرى العام المقبل·

ويقول الباحث العراقي صالح محسن "إننا نشهد تغيرا راديكاليا من ثقافة كان فيها الاستيلاء على السلطة من خلال تحريك الدبابات والسيطرة على محطة الإذاعة وإعلان البيان رقم واحد الى ثقافة جديدة تعتمد على صندوق الاقتراع"·

لقد استوعب العراق على مدى العام المنصرم نحو مليوني لاجئ عراقي بعد عقود من الحياة في المنفى ولاسيما في تركيا وإيران، وقد أعيد بناء ما بين 400-500 قرية محاها صدام عن الأرض كجزء من سياسة التطهير العرقي التي انتهجها، وبدأت الحياة تعود الى منطقة الأهوار حيث قام صدام بتهجير عشرات الآلاف من سكان المنطقة وأحدث واحدة من أسوأ الكوارث البيئية خلال القرن الماضي من خلال تجفيف الأهوار·

ويقول العياري "إننا خرجنا من العدم ويجب على العالم مساعدتنا في ترتيب أوضاع بيتنا الداخلي"، ولكن هذا ما يحجم الكثيرون عن القيام به في الغرب والعالم العربي·

فأولئك الذين لم يؤيدوا إسقاط صدام لا يرغبون في رؤية العراق يبني مستقبلا أفضل، فالطغاة العرب ومحطات الأقمار الصناعية التلفزيونية التي يديرونها يخشون عراقا ديمقراطيا قد يزود شعوبهم المظلومة أفكارا "خطيرة"·

والتحالف الغربي المناوئ للولايات المتحدة يرتعد من فكرة أن ينجح جورج بوش في وضع العراق على سكة الديمقراطية·

 

ستالينغراد العرب

 

فالخوف العربي من الديمقراطية والمرض الغربي المتمثل بمناهضة الولايات المتحدة يعنيان أن تركز التغطيات الإعلامية على الأنباء غير السارة، ففي اليوم التالي لبدء الحرب، قيل لنا إن ميناء أم قصر سيصبح "ستالينغراد العرب" لأن بضعة مسلحين أطلقوا نيران أسلحتهم في الهواء أمام شبكة "سي· إن· إن"، وحين لم يتحقق ذلك، نشرت عناوين الصحف أن الصداميين يتجمعون في الناصرية وأنهم سيلحقون الهزيمة بالأمريكيين هناك·

وأصبح من غير الممكن أن تستمع الى برنامج "Today" على محطة الإذاعة الرابعة دون أن تسمع من يقارن بين الوضع في العراق وحرب فيتنام أو ستالينغراد، وخذ التغطية الإعلامية على سبيل المثال لمدينة الفلوجة، حيث كان يفترض للقومية العربية أن تولد من جديد في بحر من الدم الأمريكي، فالمدينة هادئة هذه الأيام وتتولى حفظ الأمن فيها، قوات الدفاع المدني·

وهدأت الأوضاع كذلك في بعقوبة وتكريت، ولكن وجد أعداء الليبرالية سبيلا جديدا، وكان هذه المرة عبارة عن أغنية حول القومية المعادية للأمريكيين يؤديها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر·

ولكن كل من له دراية بالمجتمع الشيعي في العراق يدرك أن الصدر لا يتمتع بشعبية كبيرة في العراق·

حتى أن آية الله الحائري اليازدي الزعيم الروحي للصدر لا يؤيده وكذلك، آية الله صدر الدين القبنجي الذي قال في إحدى خطبه في مدينة النجف أخيرا إن "شعب العراق يستعد لتقرير مصيره بنفسه وكل ما يطلبه هو إعطاؤه الفرصة لاختيار حكومته ويجب ألا نترك العراق لمن يسعون الي السلطة بواسطة العنف"·

 

شراكة وثيقة

 

فهل يمكن أن يصبح العراق بلدا ديمقراطيا؟ يرد وزير خارجية العراق هوشيار زيباري بالقول بأن "لا حاجة لطرح السؤال، فليس من خيار أمام العراق سوى أن يصبح ديمقراطيا، فشعبنا يدرك أنه دون الديمقراطية لن يكون هناك عراق"·

وهو محق في ذلك، فلا مجال لعودة العراق الى الدكتاتورية، فها هي الدكتاتورية التي بنيت على مدى نصف قرن تحولت الى أنقاض، وصدام يقبع في السجن بانتظار المثول أمام المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتبخر حزبه الحاكم وتبعثرت قواته المسلحة وقوات الشرطة·

ولقد انهار النظام الاقتصادي الذي كان يقوم على النمط السوفييتي وتسيطر عليه النخبة الفاسدة وحل محله بسرعة، نظام يقوم على المؤسسات والسوق·

ويبدو أن الحكومة الجديدة التي تضم في عضويتها خمس نساء، أشبه بائتلاف واسع يمثل مختلف ألوان الطيف الديني والإثني في العراق، ويتولى الرئاسة شخصية سنية وله نائبان أحدهما شيعي والآخر كردي، ولكن هذه الحكومة بحاجة الى الدعم على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، لبعض الوقت، بسبب تزايد أعمال العنف·

وصرح رئيس الوزراء إياد علاوي أنه يتوقع أن يواصل العراق "شراكته" اللصيقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بعد تسليم السلطات جزئيا، الى العراقيين، وقال إن "الدول الصديقة سوف تستمر في الدفاع عن العراق الى أن يصبح قادرا على الدفاع عن نفسه"·

وربما يكون من العوامل الرئيسة لنجاح الحكومة الموقتة هو تصورها أنها تتمتع بسلطة حقيقية، ومن المهم أن تسيطر هذه الحكومة على الأجهزة العسكرية والشرطة وأن يكون لها رأي في كيفية استخدام التحالف لقواته في العراق، ويجب أن تكون لها السيطرة على مداخيل النفط وكيفية إنفاق المساعدات الأمريكية·

فبالنسبة إلى دولة تنهض من أنقاض ما يقرب من نصف قرن من الدكتاتورية وثلاث حروب خلال جيل واحد، فإن الأمور في العراق هي الآن أفضل مما كان متوقعا، إن من شأن تحقيق نجاح متواضع في العراق أن يغير الشرق الأوسط بأكمله·

فالعراق ليس مهددا بالتقسيم، وليس على حافة اندلاع حرب أهلية، وليس على وشك تكرار خطأ إيران المتمثل بإقامة حكم ديني قمعي، وعلى الرغم من أنه أصبح مسرحا للقوى المناهضة للولايات المتحدة على مدى العام المنصرم، ما زال شعبه يقيم الغرب عاليا·

صحيح أن أمام العراق أشهرا صعبة، ولا أحد يجادل في ذلك، إلا أن أمامه فرصة لخلق مجتمع جديد وينبغي على محبي الخير لهذا البلد ألا يفقدوا الأمل في ذلك وأن يثبتوا خطأ رؤى من يتربصون به الدوائر·

 

" عن صنداي تايمز "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

 

طباعة  

القدر لم يختر بوش لإعادة تشكيل العالم
 
مطلوب سترة واقية لكل إسرائيلي إذا ظل شارون في السلطة