رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 ربيع الآخر 1425هـ - 16 يونيو 2004
العدد 1632

القدر لم يختر بوش لإعادة تشكيل العالم

                                                                                     

 

·         الحرب على العراق ضاعفت هزيمة أمريكا بدلا من منحها نصرا حُرمت منه في فيتنام

·         أمريكا عادت انعزالية وتخشى الأجانب بعد 11 سبتمبر كما كانت خلال الفترة من 20-1941

·         الحرب على الإرهاب بنيت على مجموعة من الأوهام التي كان لانهيارها تأثيره على الداخل الأمريكي

 

بقلم ويليام بفاف:

لاتزال كل من الولايات المتحدة وبريطانيا متورطتين بالأزمة العراقية لكن ثمة أزمة أسوأ تعاني منها الولايات المتحدة ألا وهي أزمة فكر وافتراضات في التيار السائد في جموع المفكرين حيال السياسة الخارجية·

تتضمن الأزمة الثانية أكثر من مجرد انحراف السياسة الأمريكية عن مسارها في العراق فهي تتعلق بما تم عمله وقوله لإعادة تعريف مكان أمريكا في المجتمع الدولي، وضمنيا، في التاريخ المعاصر منذ 11 سبتمبر والذي قال الأمريكيون إن الأمور لن تبقى بعده كسابق عهدها أبدا·

قيل إن "أمريكا جديدة" قد نشأت، لكن من الأفضل القول إن أمريكا القديمة قد أوجدت سلطة جديدة، وقد وصفت مؤخرا من قبل السفير الأمريكي السابق في فرنسا فيلكس روهاتن بأنها "أكثر تشبثا والتزاما من أي وقت مضى بالحاجة إلى وجود هيمنة عسكرية لا تُجابَه، فهي أكثر انفرادية من أوروبا وأكثر تدينا ومحافظة ووطنية "وهذه العوامل" ستؤثر على كل ما تقوم به أمريكا من الآن فصاعدا في كل من السياسات الخارجية أو المحلية"·

وهذا بلا شك صحيح لكن هذه الأمريكا "الجديدة" تشبه إلى حد يثير الدهشة أمريكا الانعزالية التي كانت تخشى الأجانب ما بين عامي 1920و1941· الجديد هو أنها أصبحت أكثر الأمم تسلحا على وجه الأرض وتؤمن بأنها كذلك ويجب أن تبقى في المرتبة الأولى·

فهي كأمريكا ما قبل 1941، تضم تيارا شعبيا قويا معاديا لأوروبا· لكن الجديد فيها هو أن الكثير من المفكرين والقادة السياسيين معادون أيضا لأوروبا ويزعجهم طموحها لتقديم بديل قابل للحياة لما تعتبره أمريكا قدرها الجلي ويشغل تفكيرهم التهديد بأن يشكل الاتحاد الأوروبي منافسا دوليا جديا·

ورغم كل ما يقوله بعض الأمريكيين اليوم عن ارتباط مستقبلهم بآسيا الجديدة والمتغيرة، تبقى أوروبا المجتمع الذي تقارن به الولايات المتحدة نفسها، فالأمريكيون يعرّفون أوروبا على أنها المجتمع الذي تمردت عليه الولايات المتحدة وحلت محله، كما يعتقدون·

لكن المقارنة مع بريطانيا تعيد الطمأنينة لها في حين تزعجها المقارنة مع أوروبا الموحدة "على عكس ما كان الوضع عليه في أمريكا ما قبل 1941، حيث كان الازدراء تجاه البريطانيين أكثر من كونه تجاه أوروبا بأسرها"، ولقد نجح توني بلير في لعب دور المطمئن بحدسه على الرغم من الشكوك حول الفائدة التي قد تجنيها بريطانيا من ذلك·

لابد من فهم الإشارة الدائمة في وصف أوروبا بالضعف والتواضع (كما وصفت مؤخرا بأنها ككوكب الزهرة الشاحب مقارنة "بالمريخ" الأمريكي) كتعبير عن قلق عمره قرنان من الزمن وأعمق بكثير مما يتم الاعتراف به·

فعقب انهيار الاتحاد السوفييتي، كوّن الأمريكيون نظريات عدة حول موقعهم الجديد كقوة عظمى متفردة وتذهب إحدى هذه النظريات الأكثر شعبية إلى أن التاريخ قد انتهى وفقا للنظام السياسي والاقتصادي الأمريكي وأن الاحتمالات الأخرى جميعها قد استنفدت أو فقدت مصداقيتها، أي أن الولايات المتحدة هي منتهى التاريخ والنظام الذي لابد لبقية العالم أن يتبناه، وأن البقية مجرد تفاصيل·

 

ماركسية أمريكية

 

لكن هذه ماركسية أمريكية، وتفسير جدلي للتاريخ بأنه مسيرة من كهف الإنسان القديم إلى القوة العظمى الأمريكية العسكرية والأخلاقية، ومن ثم الهيمنة الحتمية·

أما الشكل "الواقعي" لهذا الجدل الاستدلالي، الذي يفضله الجمهوريون والقائل بأن على أمريكا أن تستخدم القوة إلى جانب الإقناع لتشجيع الآخرين للوصول إلى ما فيه صلاح حالهم وكان هذا الشكل أساسيا في حالة من لم تبهره فكرة القدر الأمريكي الصنع بشكل كاف كبقية الأمريكيين، وينتفع العراقيون الآن من مثل هذا التشجيع·

في عام 2001، كان سبب ذلك الشعور بالصدمة الذي ساد الولايات المتحدة نتيجة الهجمات على نيويورك وواشنطن هو تحديد الهجمات لمفهوم أمريكا الممثل للحق الأخلاقي والحتمية التاريخية وسرعان ما تم إقناع الأمريكيين على اعتبار أنفسهم ضحايا لما فسروه بكراهية وحصد أولئك الذين يرفضون بكل عناد الاعتراف بمدى "صلاحنا" (كما عبر جورج بوش في تذمر وغضب)·

تعرض الأمريكيون للهجوم من قبل أعداء ليسوا فقط متعددين ومراوغين أو حقودين ومبدعين بل إنهم نسبوا ادعاءهم الشائن إلى التفوق الأخلاقي على الأمريكيين بالإضافة إلى زعم امتلاك التفويض الإلهي· لقد كان الغرض من الحرب على الإرهاب وما تبعها من حرب على العراق، التأكيد على هذا التفوق·

لكنهما أسفرتا بالطبع عن نتائج عكسية، فقد بينتا عجز القوة العسكرية المبالغ جدا بها حتى لغرض فرض الاستقرار على الدولتين اللتين احتلتهما الولايات المتحدة في العالم النامي·

وبتعبير مهذب، فإن أفق الاستقرار والإصلاح فيما تسميه واشنطن "الشرق الأوسط الكبير" يبدو مهلهلا، فها هو الإرهاب قد تضاعف بدلا من نزع أسلحته، وحاليا كشف النقاب عن كارثة أخلاقية أمريكية تتعلق بالتعذيب والسجون السرية وعدم اتباع الشرعية الدولية، ولم يكن في واشنطن من أحد ليتوقع هذا، وبالتأكيد ليس المحافظين الجدد، فهم أكبر المتعهدين للإمبريالية "الصالحة" والذين قادوا المسيرة للحرب على العراق· فقد تواروا عن الأنظار·

 

بين الزهرة والمريخ

 

لم يتخيل معلقو التيار السائد وخبراء السياسة الخارجية أبدا، حدوث هزيمة في العراق فأحدث الكتب الصادرة في سنة الانتخابات الأمريكية حول السياسة الخارجية تتعلق بكاملها بمواجهة تحديات النجاح والسيطرة·

وجميعها تقريبا عبرت عن ثقة تبعث على الراحة لدخول أمريكا مرحلة جديدة في علاقاتها مع دول العالم أنتجت تفردا للقوة الأمريكية وتفوقا لمفاهيمها حول كيفية تنظيم العالم·

فمنذ عام مضى، وعندما لم تكن الكتب سوى مسودات، لم يعبر سوى قلة في المجتمع السياسي وبعض المعلقين، ولا أحد من حكومة بوش، عن شكوكهم في هزيمة القوة العسكرية الأمريكية وأنها مبنية على أسس أخلاقية ترقى فوق مستوى المساءلة وأن التهدئة والسيطرة والإصلاح في العراق وفي "الشرق الأوسط الكبير" من قبل الولايات المتحدة وحلفائها كلها أمور ممكنة ومحبذة، وأن الحرب على الإرهاب باتت محدودة النطاق مترابطة أخلاقيا وفكريا ويمكن تحقيق النصر فيها· حتى أنه كان من المتوقع أن تعود الحرب على العراق بالفائدة لأن العراق "يطفو على بحيرة من النفط" كما قال بول ولفوويتز·

وكان زبغنيو بريجنسكي، مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر للأمن القومي هو أكثر من حذر من الوضع الذي قد يصل إليه العالم في حال أخفقت أمريكا في قيادة الآخرين، ويجادل بأن للولايات المتحدة الحق "بأمن أكثر من بقية الدول" لأنه من دون الانتشار العسكري الأمريكي في العالم بأسره ستعم الفوضى في الشرق الأوسط وتندلع حرب في آسيا ويحدث تسلح فوضوي في أوروبا ويستعجل الأوروبيون لعمل "ترتيبات خاصة" مع روسيا وقد "تضرم المخاوف المحتملة من القوة الألمانية والأحقاد القومية المتجذرة تاريخيا من جديد"·

لم يعد مفهوم تفسخ "الزهرة الأوروبي" وخضوعه الحتمي "للمريخ الأمريكي" مقبولا، واختفت الثقة في إحلال أوروبا الأطلسي "الجديدة" محل أوروبا القديمة مع انسحاب إسبانيا غير المبرر من العراق والتصريحات البولندية التي تقول إن التزامها ليس من دون حدود، ويواجه بلير المخلص عواقب داخلية خطيرة لاندفاعه في المسار الأعمى لواشنطن·

لقد بنيت الحرب على الإرهاب على قاعدة ضخمة من الأوهام التي لم يجادل فيها أحد من المجتمع السياسي الأمريكي لكنها انهارت، وبما أن الأوهام كانت حقيقة حول الولايات المتحدة ذاتها فقد كان لانهيارها دلالات داخلية·

لقد عانت الولايات المتحدة من عواقب داخلية ممزقة ومشككة بعد الهزيمة في فيتنام لأكثر من عقد من الزمن، وكان من المتوقع من الحرب على العراق أن تمنح الولايات المتحدة ذلك النصر الذي حرمت منه في فيتنام، لكنها بدلا من ذلك ضاعفت الهزيمة، ولم يتنبأ أحد بالتبعات المترتبة عليها سواء في الخارج أو في الداخل·

 

" عن الغارديان "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

طباعة  

لا خطر من التقسيم أو الحرب الأهلية أو قيام حكم ديني في العراق
العراق الجديد ليس مفروشا بالورود ولكنه ليس ساحة حرب كما تصوره بعض الفضائيات

 
مطلوب سترة واقية لكل إسرائيلي إذا ظل شارون في السلطة