رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 5 جمادى الأول 1425هـ - 23 يونيو 2004
العدد 1633

إرث رونالد ريغان من منظور أمريكي وبريطاني وكندي

                                                     

 

الدور الحاسم لعبة غورباتشوف بإطلاق ثورته الديمقراطية

 

·         لا فضل لرونالد ريغان في سقوط الشيوعية·· ودوره كان مساندا

·         الإدارات الأمريكية المتعاقبة  تحكمت بها طبقة من السياسيين الذين عزلوا الرئيس عن الشعب وهيمنوا على القرار

 

بقلم لورنس مارتين:

كثيرا ما يختلط الواقع بالأسطورة ولاسيما حينما يكون الحديث عن شخص متوفى، وهكذا تفننت وسائل الإعلام الأمريكية في سرد الروايات حول رونالد ريغان الذي هندس هزيمة الشيوعية ونهاية الحرب الباردة·

ويقول المعجبون بالحزب الجمهوري إن سباق التسلح الذي أطلقه ريغان وخطابه المتشدد هما السبب في رضوخ الاتحاد السوفييتي وتغيير العالم الي الأبد، لقد كان رجلا ممتعا وكان الرئيس الأربعين للولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل من السهل الترويج لكل هذه الأسطورة، ولكن الحقيقة أن انهيار "الستار الحديدي" لا علاقة له برونالد ريغان·

والصحيح أن الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف وضع من خلال ثورة ديمقراطية شاملة في الداخل وسلسلة مبادرات سلمية في الخارج، رونالد ريغان في الزاوية ولم يترك له خيارا - فالممثلون لا يرغبون في ترك خشبة المسرح - سوى التسليم بأن عالما جديدا قد بزغ فجره هناك·

وكصحافي عملت في البداية في واشنطن ثم في موسكو، فقد كنت محظوظا أن أشهد تسارع أحداث الدراما في طرفيها·

لقد أدرك الزعيم السوفييتي أنه كان يتعامل مع طراز قديم من محاربي الحرب الباردة، وأن جذبه نحو "التفكير الجديد" سيتطلب مجموعة من الأعمال الخارقة، وهكذا بدأ هجوم سحر غورباتشوف، وكان عرضه الأول عام 1985 بوقف التجارب النووية من جانب واحد، والتي أعلن البيت الأبيض آنذاك أنها "مجرد دعاية"·

ثم أعلن غورباتشوف عن خطة جريئة لتخليص العالم من الأسلحة النووية مع حلول عام 2000، فسارع مساعدو ريغان للقول إنها خدعة أخرى·

 

أمير الظلام

 

ثم قدم الزعيم السوفييتي السابق تنازلا آخر يتمثل بالسماح بالتفتيش على مواقع الأسلحة على الأراضي السوفييتية، ثم جاءت قمة ريكيافيك بين ريغان وغورباتشوف التي عرض فيها الأخير اقتراحه بإجراء مجموعة من التخفيضات في التسلح، لكن ريغان انسحب من القمة ولم يعرض أي اقتراح مقابل، مما أثار موجة تنديد عالمية·

وقد أصبحت البرويستريكا والغلاسنوست شعار البلاد الجديد في الاتحاد السوفييتي، أما بالنسبة لأشخاص في البيت الأبيض من أمثال أمير الظلام ريتشارد بيرل الذي ما زال يعتقد أن كل ذلك كان زائفا وأن غورباتشوف قد بدأ الآن بسحب قواته من أفغانستان، لقد أطلق المنشق السوفييتي أندريه ساخاروف والمئات من السجناء السياسيين، وحقق خطوات كبيرة على طريق حرية الصحافة والهجرة وحرية الأديان، وأبلغ زعماء أوروبا الشرقية بأن الآلة العسكرية السوفييتية لن تتدخل بعد اليوم لدعم دكتاتورياتهم المتهالكة، وقد بدأ في اتخاذ خطوات لعملية لم يسمع بها أحد من قبل في تاريخ الاتحاد السوفييتي، وهو إجراء انتخابات ديمقراطية·

وحتى بعد كل ذلك، كانت الإدارة الأمريكية لا تزال في حالة اضطراب، وبدأت استطلاعات الرأي تظهر أشياء لم يكن أحد يتخيلها مثل أن الزعيم السوفييتي يمثل القوة الأكبر للسلم الدولي، وقد أبدى الرئيس ريغان، بعد شعوره بالحرج، بعض الردود، فمع قرب انتهاء ولايته، قام بزيارة الى موسكو ووقع على اتفاق كبير للحد من التسلح وعانق غورباتشوف بحرارة، وقد سأل أحد الصحافيين الرئيس ريغان ما إذا كان لا يزال يعتقد أن الاتحاد السوفييتي امبراطورية شر، فأجاب "لا· لقد كنت أتحدث عن زمن مختلف وحقبة مختلفة"·

 

دور مساند

 

فالرواية الأمريكية الآن تشير الى أن الإنفاق العسكري الضخم في عهد ريغان - وكأن الولايات المتحدة لم تكن تبني ترسانة عسكرية هائلة قبل ريغان - أرهبت الكرملين وأجبرته على القيام بحملة واسعة للإصلاح، أو أن قوة الاقتصاد الأمريكي - وكأن السوفييت لم يكونوا ضعفاء دائما مقارنة بالأمريكيين - أجبرت السوفييت على تقديم التنازلات·

وفي الواقع، كان بوسع غورباتشوف الإبقاء على النظام الشمولي القديم، فقد كان لا يزال يمتلك جيوشا ضخمة وقوة نووية هائلة وجهاز الـ "كي· جي· بي" المخيف·

لكنه قرر أن استمرار الصدام بين الشرق والغرب لا معنى له، وأن مجتمعه المريض والمنتهي الصلاحية يتوق لتنفس الهواء الديمقراطي، وحملته التاريخية التي أعقبت ذلك لا علاقة لها برونالد ريغان، وكانت ستحدث بوجود ريغان أو بعدم وجوده، وفي الواقع أن ما حدث للاتحاد السوفييتي مرتبط برجل اسمه ميخائيل غورباتشوف، الذي امتلك الإرادة والقوة الداخلية والروح الإنسانية، أما بالنسبة إلى ريغان، فقد كان حكيما وجريئا بما يكفي كي يسدل الستار على تصوراته القديمة ويصبح رفيق روسيا المثير للإعجاب في سياق هذه العملية·

ويعود الفضل لريغان في انهيار الشيوعية ليس لكونه محرضا بل مغويا، لقد كان أفضل ممثل لدور مساند·

 

" عن غلوب آند ميل الكندية "

 

--------------------------

 

"الثورة الريغانية" وضعت الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حافة الانهيار

 

·         حرب بوش على الإرهاب وخفض الضرائب والإنفاق العسكري الهائل·· امتداد لسياسات ريغان

 

بقلم مارك ويسبورت ü

لقد كان رونالد ريغان رجلا قاتل من أجل ما كان يؤمن به، وأسهم في تغيير العالم أكثر من أي أمريكي آخر في القرن العشرين، فلم يغير ريغان حركة المحافظين والحزب الجمهوري وبلاده والعالم فحسب، بل غير أيضا، خصومه الليبراليين ونتيجة للإنجازات التي حققها، يقف عضو الكونغرس الليبرالي اليوم الى يمين ريتشارد نيكسون في كثير من القضايا الاقتصادية ومنها السياسة الضريبية·

لقد كان ذلك المحاور العظيم كما كان يوصف، قادرا على سحر الملايين من الأمريكيين من خلال سلوكه الهادئ والأبوي، لقد أشارت استطلاعات للرأي نشرت عام 1984 أن معظم الذين صوتوا لصالح إعادة انتخاب ريغان كانوا يخالفونه الرأي بالنسبة إلى الكثير من القضايا العامة، وباختصار، فإن "الثورة الريغانية" ما كانت لتحدث لولا مهاراته القيادية التي لا تضاهى·

لقد أطلقت وفاته، سلسلة من التعليقات حول أهمية ثورته، ولذلك فمن الأهمية بمكان أن توضع الأمور في نصابها، لقد كانت سياساته الاقتصادية فاشلة في معظمها، ويعود ذلك جزئيا الى أنه وعد بتحقيق شيء يتعذر تحقيقه من الناحية الحسابية، أي زيادة الإنفاق العسكري وخفض الضرائب وتحقيق التوازن للميزانية، لقد أوفى بالتعهدين الأول والثاني وبنى ترسانة عسكرية هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة في أوقات السلم، وأجرى خفضا كبيرا في الضرائب ولاسيما بالنسبة إلى ذوي الدخول العالية·

 

تعديلات هيكلية

 

ولكن العجز في الميزانية ارتفع الى معدلات قياسية وتضاعف الدين القومي بالنسبة إلى الاقتصاد قبل أن يتمكن خلفاء ريغان من وضعه تحت السيطرة، لقد خرج الاقتصاد الأمريكي من كساد 1982 ولكن الثمانينات سجلت أبطأ معدلات النمو من أي عقد آخر طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لقد أعيد توزيع الدخل على الأثرياء كما لم يحدث من قبل، بل إن معظم الدخل القومي كان يذهب الى 1 أو 2 في المئة فقط من ذوي أعلى الدخول·

وقد ساعد ريغان أيضا في إعادة توزيع الدخل الأمريكي والثروة من خلال هجوم جريء على الفقراء، ففي عام 1981، قام بتسريح جماعي لأكثر من 12 ألف مراقب مرور كانوا قد أعلنوا الإضراب للمطالبة بتحسين أوضاعهم، وقد حدث ذلك خلال مرحلة جديدة ومظلمة من تاريخ العلاقات العمالية مع أصحاب العمل الذين أصبحوا الآن أحرارا في طرد العمال المضربين واستبدالهم بآخرين، ولم ترتفع معدلات الأجور خلال عقد الثمانينات·

لقد أحدثت ثورة ريغان أضرارا اقتصادية أكبر على النطاق العالمي من خلال تغيير سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على سبيل المثال، وهكذا بدأت حقبة "التعديلات الهيكلية"، وهي مجموعة السياسات الاقتصادية التي ساءت سمعتها على مستوى العالم لدرجة أن المؤسستين الاقتصاديتين العالميتين الأهم لم تعودا تستخدمان هذا المصطلح، لقد أصبح عقد الثمانينات بمثابة "العقد المفقود" لأمريكا اللاتينية، وهي المنطقة الأكثر تأثرا بسياسات واشنطن الاقتصادية الخارجية، وفي الواقع، تراجع الدخل الفردي طوال العقد، وهو حدث نادر تاريخيا، ولم تصل المنطقة بعد الى مستوى النمو الاقتصادي الذي كانت عليه قبل الثمانينات·

 

إبادة جماعية

 

كثيرا ما يُنسب الفضل لرونالد ريغان بأنه تسبب في انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن ذلك أمر مشكوك فيه، لقد استخدم الحرب الباردة ذريعة لتدخلات عسكرية في العالم بما في ذلك تمويل ودعم أعمال عنف رهيبة ضد المدنيين في أمريكا الوسطى، وفي عام 1999، اعتبرت الأمم المتحدة أن المجازر بحق عشرات الآلاف من سكان غواتيمالا ولاسيما سكانها الأصليين، تشكل أعمال "إبادة جماعية"، وقد وصلت هذه المجازر إلى ذروتها في ظل حكم الجنرال ريوس مونت، حليف الرئيس ريغان، وقد قتل عشرات الآلاف من المواطنين السلفادوريين أيضا في أثناء فترة رئاسة ريغان، على يد فرق الإعدام التابعة للجيش السلفادوري الذي كانت تموله الولايات المتحدة·

ولكن محاولات ريغان لإطاحة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في نيكاراغوا الفقيرة والمتخلفة عام 1984 هي التي أدت الى انهيار إدارته، فقد اتخذ الكونغرس قرارا بقطع المساعدات عن ثوار الكونترا الموالين لريغان نتيجة للضغوط التي مارسها المواطنون الأمريكيون بقيادة المجموعات الدينية التي كانت تشعر بالاشمئزاز في تكتيكات الكونترا ولاسيما قتل المعلمين العزل وعمال الرعاية الصحية·

لقد واصلت إدارة ريغان إدارة الحرب في نيكاراغوا من سرداب البيت الأبيض ومولت جزءاً منها من خلال صفقات بيع أسلحة غير مشروعة الى إيران والتي نجا فيها ريغان من المساءلة لأن مساعديه زعموا أنه لم يكن على علم بالجرائم التي ارتكبوها·

واليوم، فنحن نشهد استمرارا لثورة ريغان: حيث حلت "الحرب على الإرهاب" محل الحرب الباردة كذريعة للتدخل العسكري في الخارج، بما في ذلك الحرب الكارثية في العراق، وأجرى الرئيس بوش (الابن) تخفيضات ضريبية كبيرة عن الأثرياء وزيادة هائلة في الإنفاق العسكري وسجلت الميزانية عجزا ضخما·

 

" المصدر: تريبيون إنفورميشن سيرفسز "

Tribune Information Services

ü (مركز السياسة والاقتصاد في واشنطن)

 

--------------------------

 

ما الدرس الذي يمكن لبوش أن يستفيده من ريغان؟

 

بقلم إيفو دالدر وماك ديستلرü

كُتب الكثير حول نجاحات رونالد ريغان في الاقتصاد والسياسة والشؤون الخارجية، ولا يقل أهمية عن ذلك ما كتب حول ردود فعل ريغان على إخفاقاته، وفي الواقع، فإن ردة فعله على إخفاقه الأكبر والمتمثل بفضيحة إيران - كونترا، تقدم دروسا مهمة لسياسات جورج بوش الحالية·

فطوال السنوات الست الأولى من عمر إدارتي ريغان كانت عملية صنع القرار السياسي الخارجي تبدو كما نشهدها اليوم، لقد ضغط وزيرا الخارجية والدفاع باتجاه أجندتين سياسيتين متعارضتين وحاربت الوزارتان بعضهما أكثر مما تعاونتا·

وكان الرئيس في معظم الأحيان يسمح بتفاقم الخلافات بينهما، وأثبت مستشار الأمن القومي (وهو المنصب الذي تغير أربع مرات خلال ست سنوات) عدم قدرته على فرض توافق بينهما حول سياسة الإدارة أو أن الرئيس لم يمنحه السلطة ليفعل ذلك·

فالصراع في واشنطن تكون نتائجه كارثية في الخارج أحيانا، وكانت الكارثة الأسوأ هي فضيحة إيران - كونترا التي رتب فيها مساعد مستشار الأمن القومي اللفتنانت كولونيل أوليفرنورث مبيعات أسلحة غير قانونية لإيران من أجل أن تقوم الأخيرة بإطلاق الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران، ثم أعطى عائدات هذه الصفقات الى متمردي الكونترا الذين كانوا يعملون لإطاحة حكومة نيكاراغوا، وحين كشف النقاب عن هذه الأعمال غير القانونية في نوفمبر 1986، تعرض ريغان لأسوأ نكسة يتعرض لها أي رئيس أمريكي على الإطلاق، حيث انخفضت شعبيته من 67 في المئة الى 46 في المئة·

ولكن جاء رده سريعا، إذ عين لجنة رئاسية للتحقيق في الحادثة، وأمر مسؤولي إدارته للتعاون الكامل معها، ومثل هو أمام التحقيق مرتين وخلال ثلاثة أشهر نشرت اللجنة انتقادات حادة لإدارته وأوصت بأن يتم تفعيل منصب مستشار الأمن القومي كمنسق فاعل في السياسة الخارجية، وظهر ريغان على شاشات التلفزة ليعلن تحمله "المسؤولية الكاملة عن الفضيحة، وأمر بالتطبيق الفوري لتوصيات اللجنة·

وقد أعيد تنظيم طاقم مجلس الأمن القومي في ظل فرانك كارلوتشي ثم خليفته كولين باول وتم توضيح الدور المنوط به وأعيد العمل بالتعاون بين الوكالات المختلفة، وأرسيت الأسس التنظيمية للنجاحات السياسية في السنوات الأخيرة لحكم ريغان وترك الرئيس البيت الأبيض وقد استعاد مصداقيته وشعبيته·

وكان العامل الحاسم في عودته تلك، إصلاح آلية السياسة الخارجية التي فشلت بشكل كارثي، وتربع مستشار قوي للأمن القومي في مركز الإدارة، وأعطي الصلاحية من الرئيس ليكون وسيطا نزيها بين وزارتي الدفاع والخارجية، وقد أرسى ريغان بذلك نموذجا في كيفية إدارة صناعة القرار المتعلق بالأمن القومي، وهو ما اتبعته الإدارات اللاحقة كلها ما عدا الإدارة الحالية·

 

نموذج ريغان

 

ويبدو أن صنع القرار السياسي في إدارة جورج دبليو بوش تسير على النمط الذي ساد في إدارة ريغان قبل فضيحة إيران - كونترا وليس ما بعدها، فقد فشل بوش - مثل ريغان - في إرساء مجلس أمن قومي قوي قادر على التغلب على الخلافات العميقة داخل إدارته، لقد عين كونداليزا رايس كأوثق مستشاريه السياسيين ولكنه لم يكلفها بضبط المستشارين غير المنضبطين، وهي لم تفعل ذلك على أية حال·

ونتيجة لذلك، فقد تكررت المعارك السياسية التي اتسمت بها السنوات الأولى من إدارة ريغان، مع الرئيس بوش، وكان من أبرز إخفاقات الرئيس أنه سمح لوزارة الدفاع بأن تتجاهل تحضيرات وزارة الخارجية المكثفة لما بعد الحرب في العراق، وأصبحت نتائج ذلك معروفة·

وعلى العكس من ريغان، فإن بوش لم يعترف بأخطائه ولم يغير طريقة صنع القرار السياسي، فتخيلوا، كم ستكون السياسة الأمريكية والوضع السياسي مختلفين اليوم، لـــو أن بـــوش اتــبـع نهج ريغان بإنشاء لجنة مستقلة وقوية للتحقيق فور وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أو حينما تبين أن لا وجود لأسلحة الدمار الشامل في العراق، ربما كانت أسوأ هذه القضـايا قد أصبحت الآن خلف ظهره لو فعل ذلك، بدلا من أن تتفاقم في وقت يسعى لإعادة انتخابه·

فما الدرس هنا؟ يجب على الرجل المنتخب (أو الذي يعاد انتخابه) في نوفمبر 2004، أن يعود الى نموذج تعاطي ريغان مع فضيحة إيران - كونترا ويعيد بناء عملية فاعلة لصنع القرار السياسي، ولا بأس من وجود خلافات بين وزرائه، بل يجب الترحيب بوجودها، ولكن الرئيس بحاجة الى مجلس أمني قومي قوي ويرأسه مستشار قادر على فرض نقل الخلافات الى الرئيس كي يبت فيها أو يصر على إنهاء المعارك بين هؤلاء الوزراء بنفسه، وينبغي على الرئيس أن يقدم الدعم لمستشاره لشؤون الأمن القومي في هذه المهمة·

وحين يجري الحديث عن ذكريات إدارة ريغان، يبدو أننا لا نذكر سوى الأيام الجميلة التي تبدو بعيدة عن "الحرب على الإرهاب" وأزمة الثقة بالسياسة الخارجية على مستوى عالمي هذه الأيام، ولكن ريغان كان يرد على الصعوبات التي يتعرض لها بطريقة تجعله - وبلاده - أكثر قوة، وربما يكون في ذلك درس للرئيس بوش·

 

ü معهد بروكنغز التابع لجامعة ميريلاند

" عن فايننشال تايمز "

 

--------------------------

 

ريغان لم يكن يمتلك أكثر من سلطة الملكة في بريطانيا!

 

·         مؤهل ريغان الوحيد كان إجادته قراءة الخطابات التي يكتبها له الآخرون

 

بقلم نعوم تشومسكي

تمثل حقبة رونالد ريغان من الناحية السياسية، تقدما مهما في الديمقراطية الرأسمالية، فطوال ثماني سنوات، عملت الحكومة الأمريكية فعليا دون رئيس تنفيذي، وهذه حقيقة مهمة، أنه لمن غير الإنصاف أن ننسب الى رونالد ريغان، كشخص، الكثير من المسؤولية عن السياسات التي نفذت باسمه، فعلى الرغم من محاولات الطبقات المتعلمة إدارة الأمور بالشكل اللائق، إلا أنه ليس سرا أن ريغان كانت لديه التصورات الأكثر غموضا عن سياسات إدارته، ولو لم يكن أركان إدارته يبرمجون عمل الحكومة بشكل محكم لبدت الإدارة بشكل مختلف ومثير للإحراج ولما أخذها الكثيرون على محمل الجد، فالسؤال الذي هيمن على جلسات الاستماع حول فضيحة "إيران - كونترا" هو هل كان ريغان على علم بحقيقة سياسة إدارته أو أنه يتذكرها؟ وكان التساؤل جديا، فالتظاهر بعكس ذلك كان - ببساطة - جزءا من عملية تعمية، وعدم اهتمام الرأي العام بالكشف عن حقيقة ما إذا كان ريغان متورطا بتقديم مساعدات غير قانونية لثوار الكونترا في نيكاراغوا خلال فترة، أبلغ الكونغرس فيما بعد، أنه لم يكن خلالها يعلم شيئا عنها·

لقد كان من واجبات ريغان أن يبتسم وأن يقرأ الخطابات عن شاشة جهاز التلقين، بنبرة سعيدة وأن يطلق النكات وأن يسعد جمهورة، لقد كان مؤهل ريغان الوحيد للرئاسة أن يعرف كيف يقرأ الخطابات التي يكتبها له أثرياء الحزب، وهذا ما فعله لسنوات·

 

شخصية رمزية

 

وكان يبدو أن ريغان كان يقوم بالمهمة بشكل يرضي دافعي ثمن تلك الخطابات وأنه كان يستمتع بالتجربة، لقد أمضى سنوات جميلة في السلطة، ولم يكن له شأن إذا أسفرت سياسات إدارته عن مقتل الكثيرين من السلفادور أو أسفرت عن مئات الآلاف من المتشردين في شوارع المدن الأمريكية، إذ لا ينبغي أن يوجه اللوم الى الممثل عن الكلمات التي ترد على لسانه في أثناء تأدية أحد الأدوار السينمائية، وحين نتحدث عن سياسات إدارة ريغان، فإننا لا نشير الى شخصية الرجل الأول في هذه الإدارة التي كانت قوتها الرئيسية تكمن في العلاقات العامة، إن خلق شخصية رمزية من قبل صناعة العلاقات العامة قد أسهم في حل واحدة من المشكلات المعقدة التي يجب مواجهتها في أي مجتمع يجمع بين السلطة المركزة والآليات الرسمية التي تسمح - نظريا - لجمهور العامة بالمشاركة في إدارة شؤونهم، وبالتالي يمثلون تهديدا للامتيازات·

ودائما يكون هناك أناس غير مهمين يجب أن يتعلموا الخضوع بشكل مهين، كما أن إعطاء شخصية أكبر من حجمها الحقيقي هي وسيلة كلاسيكية لتحقيق هذا الهدف، فمنذ الأزمان السحيقة، قرأنا كيف ناضل الناس للحصول على حريتهم ثم "أصبحوا مرة أخرى رعايا حكومة سلطوية" من خلال ممارسات زعماء قادرين وطموحين ويعملون على الفصل بين القائد الأول والشعب وفي الوقت ذاته يخلقون منه أسطورة منزهة عن الأخطاء ويجب أن تبقى محاطة بقدر كبير من السرية والغموض مع ترك أسرار الحكومة التي هي ليست شأنا للعامة، ويقول المؤرخ لورانس فريدمان إن الأمريكيين جعلوا من جورج واشنطن زعيما "لا يضاهى" وأنه "فوق مستوى البشر" وغير ذلك من الأوصاف·

وأضاف أنه حتى يومنا هذا، يبقى جيل "الآباء المؤسسين" أولئك "الصفوة من العباقرة كاملي الأوصاف والذين يمتلكون القوة المطلقة، تماما كما حدث مع زعماء الاتحاد السوفييتي السابق·

 

ديمقراطية رادعة

 

وقد نال فرانكلين روزفلت ثناء ورفعة وموقعا مشابها في أوساط قطاعات واسعة من السكان بمن فيهم الكثيرون من الفقراء والطبقة العاملة الذين وضعوا ثقتهم به، ولكن الناقد الليبرالي موريه كيمبتون قال في كتاب للمؤرخ جوزيف إلسوب حول روزفلت، إن الناس أسبغوا عليه صفة القداسة والسمو ونزهوه من كل صفات البشر العاديين بشكل مبالغ فيه ولا يستحقه، ومهما حاول المداحون وهواة الخيال، فإنهم قد لا يستطيعون الوصول بالرئيس رونالد ريغان الى مستويات أعلى من القداسة والسمو·

فالتاريخ السياسي والاجتماعي للديمقراطيات الغربية يسجل كل أشكال المحاولات لضمان أن الآليات الرسمية ليست سوى عجلات تديرها، والهدف هو إبعاد الجمهور عن صوغ السياسات، وقد تحقق ذلك بنجاح كبير في الولايات المتحدة، حيث لا عقبات كبيرة تعترض سبيل المنظمات السياسية والنقابات الفاعلة والإعلام المستقل أو الهياكل الشعبية الأخرى التي قد تعرض على الناس سبلا للحصول على المعلومات، وتوضيح وبلورة أفكارهم ووضعها على الحلبة السياسية والعمل من أجل تحقيقها، وطالما أن كل فرد يتحدث بمفرده أمام شاشات التلفزيون، فإن الحرية الرسمية لا تشكل أي تهديد لامتيازات الطبقة الحاكمة·

ومن الخطوات الرئيسية باتجاه منع الجمهور المزعج من الخوض في الشؤون الخطيرة هي تقليص الانتخابات الى اختيار شخصيات رمزية كالرايات أو مثل ملكة انجلترا التي تقوم - في النهاية - بافتتاح البرلمان بقراءة برنامج عمل الحكومة السياسي، على الرغم من أن أحدا لا يتساءل ما إذا كانت تؤمن بهذا البرنامج أو حتى تفهمه أم لا، فإذا أضحت الانتخابات مسألة اختيار الملكة للسنوات الأربع المقبلة، فإننا نسير باتجاه حل التوتر المتأصل في المجتمع الحر الذي تتركز فيه السلطة بأيدي الخاصة·

ولكن من أجل نجاح الديمقراطية الرادعة، يجب أن يؤدي نظام المبادئ مهمته على أكمل وجه وأن يتمتع فيه القائد بالفخامة والسلطة، لقد كان رونالد ريغان يتمتع بالأولى ولكنه افتقد الثانية، ومع ذلك، ما انفك الإعلام يتحدث عن شعبية ريغان غير المسبوقة، ولكن ذلك لم يكن أكثر من مبالغات إعلامية، حيث لم تصل شعبيته في يوم من الأيام مستوى ما وصل إليه كنيدي أو أيزنهاور·

فمثلا، كان جورج بوش (الابن) من أقل المرشحين شعبية في تاريخ الانتخابات الأمريكية - كما أظهرت استطلاعات الرأي في أثناء الحملة الانتخابية عام 2000 - ولكن بعد ثلاثة أسابيع من توليه السلطة وصلت شعبيته إلى الـ 76 في المئة، وهو المستوى الذي لم يصل إليه ريغان في أفضل فترات رئاسته، وبعد 18 شهرا على وصوله الى البيت الأبيض، ظلت مستويات شعبيته تفوق أعلى نقطة سجلها ريغان في أثناء ولايته، وأن اختفاء ريغان السريع بعد انتهاء ولايته الثانية، يجب ألا يفاجئ أحدا بالنظر الى الدور الحقيقي الذي كان يلعبه ضمن طاقم إدارته·

ومع ذلك، فإن من المهم أن نتذكر أنه في حين تم تقليص جوهر الديمقراطية بنجاح في عهد ريغان، إلا أن الجمهور يبقى خارج نطاق السيطرة الى حد كبير، ويثير المتاعب لذوي السلطة·

 

" المصدر: Zent "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة