رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 5 جمادى الأول 1425هـ - 23 يونيو 2004
العدد 1633

نــص

اســــمــي

 

محمد قاسم الحداد

أكتب لك وأنا أرى أن الرسائل ما عادت تختصر المسافات لكني رددت أن تعلمي أني أفكر بك·

الفتيات الصغيرات ما يلبثن إلا أن يكبرن ويمضين إلى أعبائهن، يصبح كل شيء أقل مأساوية وشىئا فشىئا أكثر بياضا وأقل وضوحا·

بمزيج من الفرح والندم أقول لك من خلف ستار الورق هذا أنني اليوم قادر على حبس ارتجافات الغضب·· أو بالأصح·· حبستُ طيني من أن يغضب ثانيةً·

من هنا وأنا متخفٍ عن نارك·· حافظ قسماتِ في خزنةٍ حديديةٍ، أكتب لك بأن الأمل الوحيد هو النصر والخلاص، لا اختلاف في التكتيك أو الاستراتيجيات منذ آخر لقاءٍ لنا·· كثير من الصدق وكثير من العمل هو القليلُ الذي نملك·

الزمن·· هذا الماء الدائم، به يعرف التغير في الأشياء·· الأمل الذي لا يختصر، بصيف من الوضوح عما ستؤول إليه الوجوه الحجرية واضحة الملامح حين يعانقها الطوفان، وربما من هنا تأخذ صفة المغامرة عندنا جدارتها حين يسود القادم من ضباب الغد التخوم·· وتتحد غيوم اللغة ذاتُ السطوةِ والحضور وتمطر كثيرا، فتنصهر الجسور إيمانا قبل المسافات والتي بدورها ما تلبث أن تختفي·

 

***

 

ما الطين إلا زمن ومكان؟

 

***

 

فتنتك، سحرك، وحرصك على الكتاب الأصغرِ الأوراقِ الكثيرِ التجاعيد، وعطرك، بعض من الأشياء التي أحملها معي ففي موقف كهذا ليس من السهل على الإنسان أن يجد شيئا يتشبثُ به أو أن يجد بُنية أبجديته· إنه وسط يفتت براعم الشخصية ويلوكها·

يُسكن التاريخ الطويل بين دفتي باب الريح·

أكتب لك لأني أشتاق لك·

 

***

 

أعلم أني بعيد·· لكني أفعل شيئا أراه الحياة، الفطرة والحدس وقودي·· وأسمع في حروفي لحنا أشبه ما يكون بصوتي في المقام الأول، وجب علي وأنا مريد الإنسان والتابع المخلص العمل على الإعمار ورصف الشوارع بأسناني وطين قلبي مكاني الحياة التي لا تفصل عن الذات عن طريق الاجتهاد والبحث المستمر وعنك·

فعل يتطلب وعيا بالعناصر والأبعاد فنحن نقرأ، نستكشف، نتفاعل ونحلل ونتبع الوقائع والحدس والغريزة في سبيل اقتحام البواطن دونما اكتفاء بمعطيات ومسلمات الغير، بالإيمان تكون الخطوات مجدية وفعالة ففي الغرف النتنة ذات الحوائط الرطبة تستعيد المساحات المفتوحة تفاصيلها وتصبح الريح صديقا نعرفه من الطفولة·

لن أسرد لك ماذا كنت أفعل طيلة هذا الوقت إلا أني ما زلت أقدس النخيل·· وأرى الشمس تُرضع كل ما هو أخضر في المكان، كل ما هو أخضر في التراب·

 

***

 

ثورية جدا عادلة وجميلة حد إزهاق الروح، كم الإنسان فيك جميل وحلو، جميل وضاح، كم من روابط بيننا أنشأناها بتكبدنا عناء الاتفاق والبحث والبكاء معا·· كم حادة أنت·· حادة حد الثمل الدائم· إن تلمس ملامح المكان عملية تقتضي الكثير من الجهد كما قلت لي دائما "متعة ذاتية علينا فيها أن لا ننسى أن طريقتنا ليست الوحيدة· هدفنا هو الحقيقة وإن كانت فيما يقول الغير" هذا ما كنت تقولين "عندما نقمع آراء الغير فنحن لا نقمع إلا أنفسنا ونجهض أسئلة قد تثير المستقبل" كم الإنسان فيك جميل·

أيتها الباقية

هيروغليفية طفل طاهر على صخر مقدس

لن أقول أكثر

فلقد أسميت أولى نخلاتي باسمك

 

***

 

أراقب الوجوه وهي تعبر شاحبة من حولي·· أمضي في تداخل المنابت والوجهات المختلفة الباحثة بسذاجة عن أفق في موطىء قدم·

الباحثة عن النور في غابة الإلغاء، كم السماء الله جميلة الليلة·· ولو أني أرى الأشجار تحب وابن آدم يأكل·

 

***

 

الوهم·· قوة ليست بموجودة·· شلل·· فعل·· حجب الذات عن حقيقة الاتصال والتكامل·· قرارات تكلفنا كثيرا وتجرنا لشرور لا يمكن إصلاحها·· عبء باهظ تدفع تكاليفه من علاقة مهمة كالمكان وسائلة كالزمن لا شيء أعمق أو أنبل في رأس المتوهم من الثبات·

يا من جعلت الثبات قربانا للحياة

أسميت أولى نخلاتي باسمك

 

***

 

بعد أن رأيت السماء والأرض ورأيت كيف يتفجر الماء والمحاجر يوم في قلبي نشأت الغيوم وأمطرت كثيرا عدت أفاوض أين أمضي ليلتي·· فوجدت النجوم والناس والقمر كلها تدعوني لاقتسام رغيف·

 

***

 

"استسلم للريح

وازرع حيث تمطر السماوات"

كان الجواب واضحا لا ليس فيه·

 

***

 

استصرخوني إن أردتم

فسيملأ المكان صراخي

أشعر

استنطقوني إن أردتم

فسأنطق حين يأتي الكلام

من الكل إني أزرع بذر أشجار

بذر أطفال

بذر حديد

وخيول

بعد أن رأيت السماء والأرض

بعد أن اخضر فيّ بساط الروح

يوم في قلبي نشأت الغيوم

وأمطرت كثيرا

صرت الممحاة لما فيّ من نبض

أسكنني البياض في راحتيه

وأسكنت البذر الريح

 

***

 

طفلا رأيت

بالحديد على الحديد

الثأر أقرب ما يكون إلى الغريزة

بالحديد على الحديد

الثأر سمة للمكان

وكأنهم على بوابات التاريخ الأولى

قبر القتيل يمنحهم شرف الوجود كل ليلة

لا يصمت قاتل حتى تبتلّ عروقه من دماء

والحديد على الحديد

لا أدري أن الأناة والتبصر وانتظار الغد

قد خلقت لغير القتل

لا أدري

كنت طفلا

أحرقت جواز السفر

وبدأت أسبح

 

***

 

أتراني حين حرفت اسمي

أفشيت سرا

ولذا لا ظِل لي اليوم؟

طباعة  

فنون تشكيلية كويتية في قاعة "الهناجر" في دار الأوبرا بالقاهرة
 
وتــد
 
قصة قصيرة
 
وجه الرماد!!
 
المرصد الثقافي