رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 جمادى الأول 1425هـ - 30 يونيو 2004
العدد 1634

بطالة الشباب في العالم العربي·· خمسة متطلبات لتوليد فرص العمل

                                                       

 

·         أربعة مؤشرات رئيسة يمكن من خلالها قياس بطالة الشباب

·         تجارب الدول العربية في حل مشكلة البطالة تدفع الى التفاؤل

·         ضعف نظم المعلومات عن سوق العمل العربي تؤثر سلبا على برامج التشغيل

·         علاقة النمو الاقتصادي بتوليد فرص العمل يجب أن تكشف نوعية الوظائف المستحدثة

 

محمد إبراهيم ديتوü

تهدف هذه الورقة الى استعراض أهم القضايا المتعلقة ببطالة الشباب في العالم العربي، وهي تنطلق من أن المنظور الجديد المنشود، لا بد من أن يشمل منهجا جديدا في التفكير في كيفية تعاملنا مع المشاكل بصفة عامة، ومع البطالة بصفة خاصة، ومع الشباب بصورة محددة·

إن حجم ونوعيات المخاطر التي تواجهنا، لا يمكن مواجهتها، ما لم نغير من طرق تعاطينا التقليدية لها، ونقطة البداية هي في تغيير مفاهيمنا ومنهج تفكيرنا تجاهها، فمشكلة بطالة الشباب في العالم العربي، وإذا ما وصل الاستمرار في معدلاتها الحالية، وضمن بيئة التحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها منطقتنا، قد تتحول من مشكلة مزمنة ملازمة لأسواق العمل في منطقتنا، الى شرارة ستعرض المنطقة لهزات اجتماعية واقتصادية غير محمودة العواقب، فلا يمكننا التعامل مع هذا الوضع بأساليب الحلول الطارئة والسريعة وغير المدروسة فقط، لأن من شأن ذلك أن يفاقم المشكلة ويعقد من حلها·

 

حجم وخصائص بطالة الشباب

في العالم العربي

حجم المشكلة:

 

تمثل بطالة الشباب في العالم العربي أعلى معدلات البطالة في العالم، وقد أشار الى هذه الحقيقة، التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية مطلع هذا العام بعنوان "اتجاهات التشغيل في العالم"، حيث مثلت معدلات البطالة ومعدل بطالة الشباب في منطقة الشرق الأوسط، أعلى نسبة في العالم بأسره·

ومن الضروري الإشارة إلى أن صورة البطالة في عالمنا العربي قد تكون أكثر سوداوية، إذا ما تم أخذ مؤشرات نقص التشغيل بعين الاعتبار، الأمر الذي لم يلق حتى الآن الاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية بحصر بيانات البطالة· بالإضافة الى ذلك فإن عالمنا العربي لا يزال يعاني من معضلة مزمنة، تكمن في ضعف نظم وقواعد بيانات سوق العمل·

وإن من أبرز الدروس التي يمكن استخلاصها من برامج التشغيل المختلفة في العالم العربي، هو أنه نتيجة لضعف نظم معلومات سوق العمل، وعدم اعتماد آلية علمية في حصر وتصنيف هذه المعلومات، فإن تقييم مدى نجاح أو فشل هذه البرامج يظل محل جدل مستمر وشبه عقيم في أوساط الرأي العام، كما أن اعتماد المسح الإحصائي للقوى العاملة بالعينة بصورة دورية منتظمة، أصبح ضرورة ملحة وعاجلة في كل البلدان التي لم تعتمده حتى الآن·

 

أهمية مؤشر معدل بطالة الشباب:

 

يشير "نايجيل أونيجيين" في دراسته المهمة عن "بطالة الشباب وسياسة التشغيل من منظور كوني" الصادرة عن منظمة العمل الدولية عام 2001، الى أن مؤشر "معدل البطالة للشباب" يعتبر من أفضل المؤشرات المتوافرة حاليا لقياس حجم ظاهرة البطالة في أوساط الشباب، على الرغم من أنه لا يحيط بكل التعقيدات المرتبطة بهذه الظاهرة، وترجع أهميته في أنه يعطينا أفضل صورة ممكنة عن مدى الاستفادة من الموارد البشرية في فئة الشباب·

ويعتبر "مسح القوى العاملة الإحصائي"، من أدق الأساليب العلمية المتبعة حتى الآن في التوصل لمعرفة معدل بطالة الشباب، ويستخدم هذا الأسلوب حتى في البلدان التي تمتلك أنظمة متطورة من التأمين ضد البطالة، كما اعتمدت منظمة العمل الدولية هذا المؤشر بالإضافة الى تطويرها الى أربعة مؤشرات رئيسة لقياس بطالة الشباب، يمكنها الإحاطة بالمشكلة من ناحية الحجم والنوع من أبعاد مختلفة وهي:

1 - معدل بطالة الشباب (نسبة الشباب العاطلين عن عمل الى إجمالي قوة العمل من الشباب)·

2 - نسبة معدل بطالة الشباب الى معدل بطالة البالغين·

3 - نسبة بطالة الشباب الى إجمالي العاطلين·

4 - نسبة بطالة الشباب الى إجمالي عدد الشباب·

ومن الضروري التأكيد على أنه في كل هذه المؤشرات، لا بد من معرفة تصنيف الجنس (ذكر - أنثى)، لما فيه من أهمية لدى إعداد السياسات والبرامج الخاصة بالتصدي لبطالة الشباب·

 

تشغيل الشباب مقابل

تشغيل البالغين: ما الفرق؟

 

من الضروري إعادة اختبار أهم الفرضيات الأساسية المتعلقة بمؤثرات تشغيل الشباب باستمرار، للتحقق من مدى عكسها للواقع الفعلي لسوق العمل، على سبيل المثال لا حصر، فرضية العلاقة بين النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل وتأثيرها على نجاح جهود تشغيل الشباب، فهذه العلاقة لا يمكن النظر إليها من زاوية كمية بحتة فقط، بل لا بد من توافر شروط نوعية تتعلق بنوعية الوظائف المستحدثة، وقدرة وملاءمة الشباب لمثل هذه الوظائف، ففرص العمل تتوافر بكثرة في قطاع المقاولات الإنشائية على سبيل المثال، ولكن إقبال الشباب عليها يكون عادة ضعيفا للغاية، كما أن هناك اعتقادا بأنه بمجرد تشجيع تشغيل الشباب، يمكن استبدال العمالة "البالغة" بعمالة "شابة"، بيد أن هناك ما يشير الى حدود النجاح الضئيلة لمثل هذا التوجه وذلك: أولا أن الشباب الداخل لسوق العمل لأول مرة لا يمكنه منافسة عمالة أكبر سنا ذات مهارات وخبرات عمل تفوقه مستوى، ثانيا إن أصحاب الأعمال لا يتعاملون مع "الشباب"، و"المتقدمين في العمر" دائما بالطريقة نفسها، فبعض أنواع العمل تتطلب صفات "شابة" مثل القدرة على التأقلم والتكيف، وبعضها الآخر يتطلب صفات مثل تحمل المسؤولية والالتزام، ونجد هذه الصفات في فئات عمرية مختلفة وبدرجات متفاوتة، كما أن هذه الصفات تختلف من بلد الى آخر ومن منطقة الى أخرى وتبدو هذه القضية أكثر وضوحا لدى دراسة جهود "التوطين" المختلفة لدى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، ومحاولاتها لإحلال العمالة المواطنة الشابة محل العمالة الأجنبية، فلا يوجد ما يشير حتى الآن الى أننا نأخذ الفارق العمري بين العمالة المواطنة الشابة والعمالة الأجنبية بعين الاعتبار في قرارات وبرامج التوطين، حيث تشير التقديرات الى أن الذين تبلغ أعمارهم منتصف الثلاثينات يمثلون نحو %60 من إجمالي العمالة الأجنبية، والكثير من سلوكيات العمالة الأجنبية ناجمة بفعل عملها ضمن نظام "الكفيل" الذي أصبح مثار نقد من جهات كثيرة في السنوات الأخيرة، وشغلهم للكثير من الوظائف والمهن في القطاع الخاص، يرتبط من ضمن عوامل كثيرة، بالهيكل العمري لهذه المهن، ونعتقد أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات والبحوث التي يمكنها تفحص العلاقة المحتملة بين الفارق العمري بين العمالة الأجنبية والعمالة المواطنة وتأثير ذلك على برامج توطين العمالة·

وهناك تجارب أخرى في العالم حاولت استبدال العمالة كبيرة السن بعمالة شابة لم تلق نجاحا كبيرا، فتجربة فرنسا في تشجيع التقاعد المبكر وتجربة المملكة المتحدة في دعم توظيف الشباب عبر دعم الأجور، "إن السياسات التي تستهدف الشباب، بما فيها التوظيف التفضيلي، قد ثبت عدم نجاحها بوجه عام لسبب بسيط، هو أنها غير قابلة للاستدامة من الناحية الاقتصادية"، ولا يجب التعامل مع قضايا تشغيل الشباب عبر مفهوم استبدالهم للعمال الأكبر سنا ولا عبر أنهم يشكلون خطرا على هؤلاء العمال، بل وفق منظور تكاملي، يرى في وظائف الشباب مكملة لتلك التي للكبار·

 

تحدي توليد فرص العمل للشباب في العالم العربي

التجارب الراهنة ومستلزمات التطوير:

 

تواجه منطقتنا العربية طائفة واسعة ومتشابكة من التحديات في مجال توليد فرص عمل مناسبة وبأعداد كافية، نمو عال للسكان - نسبة أمية عالية - معدلات عالية للبطالة ونقص التشغيل - تعاون إقليمي محدود ولا يرقى الى مستوى التحديات الراهنة، تلك أمثلة محدودة لواقعنا المعاصر في عالمنا العربي، بيد أن الطاقات الكامنة، خاصة في أوساط الشباب، وبروز بعض التجارب القطرية المهمة، قد تدفعنا الى التفاؤل بمسار الأمور فقد تفاعلت الكثير من الدول مع التوجهات العالمية، والمتطلبات المحلية في إيجاد أساليب جديدة ومبتكرة للحد من تفاقم المشكلة، وحظيت قضية الشباب برعاية مهمة من أبرز القيادات الرسمية وغير الرسمية في هذه البلدان، ووجدت ترجمتها الملموسة في الكثير من المشاريع والبرامج من أبرزها:

برنامج "إنجاز" في المملكة الأردنية الهاشمية، ومشروع "سند" في سلطنة عمان، وبرنامج "الداكوم" لربط مخرجات التعليم مع سوق العمل بدولة الكويت، ومدرسة "الحريري للتعليم التقني" في لبنان، و"البرنامج الوطني للتوظيف والتدريب" بمملكة البحرين، كما اشتملت البرامج والمشاريع في جمهورية مصر العربية على طائفة واسعة، ومهمة، لإيجاد فرص العمل للشباب، وخاصة الخريجين، وفي كل قطاعات التوظيف الحكومية والخاصة، وتم إيلاء أهمية خاصة، لإنشاء المشاريع الصغيرة للشباب ودعمها·

وتتسم هذه البرامج بجوانب تجدر الإشارة إليها: فبرنامج "إنجاز" في المملكة الأردنية الهاشمية، يعتبر نموذجا لإشراك القطاع الخاص في توجيه وإرشاد النشء الجديد خاصة في سياق تسهيل عملية الانتقال من عالم المدرسة الى عالم العمل، ولعب ممثلو القطاع الخاص دورا نشطا، عبر التطوع بتعليم التلاميذ بمتطلبات قطاع الأعمال، والتفكير بطرق ابتكارية، وبالتالي مساعدتهم في تحديد خياراتهم المهنية المستقبلية·

وفي سلطنة عمان، فإن برنامج "سند"، يمثل نموذجا تجدر دراسته بتمعن، في كيفية تصميم برامج تلائم الواقع المحلي ومتطلباته، كما أن مسيرة إعداد وصياغة البرنامج بحد ذاتها تمثل برهانا ساطعا على فوائد الحوار الاجتماعي، وفعاليته العملية خاصة في مجال تشجيع الشباب في استحداث المشاريع الصغيرة، وعبر دعم متكامل الأوجه من تمويل وتدريب ومتابعة وحماية، كما أن أسلوب التدريج المدروس المتبع في التنفيذ، وفق إشراك كل الأطراف المعنية، أثبت نجاحا كبيرا للغاية·

وفي دولة الكويت، فإن برنامج "الداكوم" يمثل طريقة مبتكرة ومبدعة في كيفية ربط مخرجات التعليم والتدريب باحتياجات سوق العمل الفعلية، ويشكل استفادة خلاقة من تجارب "الداكوم" التي تم تطبيقها بنجاح في بلدان أخرى في العالم·

وهناك مجموعة من المشاريع التي يتم إنجازها، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة، مثل مشروع "المايكروستارت"، التي حققت نتائج إيجابية في سبيل توفير فرص عمل واستحداث مشاريع جديدة للشباب·

بيد أن المراقب لمجمل التجارب، يلاحظ وجود تشتت للجهود على مستوى الجهات المنفذة في بعض الدول، مما يضعف من تأثيرها الإجمالي على صعيد تحسين أوضاع تشغيل الشباب، وتزداد الحاجة الى تنسيق هذه الجهود ضمن رؤية سياسية اقتصادية كلية متكاملة في المجالات الاجتماعية والسياسية·

ونعتقد أن هناك خمسة متطلبات أساسية لتحسين عملية توليد فرص العمل للشباب في العالم العربي، ويمكن إيجازها في التالي:

أولا: لا بد من التأكيد على مبدأ تطوير مكونات العرض والطلب على العمل بصورة متوازية، وضمن أفق استراتيجي للتنمية المنشودة، فليس المطلوب وظائف بأعداد كافية فقط بل وبنوعية تضمن "العمل اللائق" لمن سيشغلها، ويتطلب ذلك توجيه الاستثمارات نحو قطاعات المستقبل، وخاصة قطاع تقنيات المعلومات والاتصالات، ونقصد بهذا القطاع: "أنه القطاع الذي يضم أنشطة تسهل عبر استخدام وسائط إلكترونية، حصر وتخزين ومعالجة ونقل وعرض المعلومات، وقد أكد تقرير الشباب لعام 2003 للأمم المتحدة على ضرورة الاستثمار في هذا المجال، مع التحذير في عدم المبالغة باعتباره "البلسم الشافي" لمشاكل البطالة، ما هو مهم هنا هو إدراك الخيارات المتاحة أما توجيه الاستثمارات الهادفة لتوليد فرص العمل، وعدم النظر في اتجاه واحد فقط، إن السعي المطلوب سيكون في بحث التكامل والتوازن الممكنين بين الاستثمارات الكثيفة العمالة والاستثمارات في قطاع التقنيات المتطورة·

وتواجه بلدان العربية هذا التحدي وفق تمايزات مبنية على اختلاف البنية الاقتصادية وتركيبة أسواق العمل لديها·

ثانيا: من أبرز العوائق تلك المتعلقة بتجزئة أسواق العمل، بين قطاع عام وآخر خاص، ولعل دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من أبرز الحالات في هذا المجال، وتقف تجزئة أسواق العمل في هذه المنطقة بوصفها عائقا أما جهود التوطين للعمالة الشابة، ومن الضروري التنبيه الى أن القضاء على التمايزات والتفاوت بين القطاعين العام والخاص، لا يجب أن يكون ذريعة لتقليص مستوى الحماية الاجتماعية التي تتوافر للعاملين في القطاع العام، بل إن تكون فرصة لتحسين أوضاع وشروط العمل في القطاع الخاص، بحيث يكون قادرا على تأدية دوره الاجتماعي وجاذبا للعمالة المواطنة في الوقت نفسه·

ثالثا: كما يتطلب تحسين بيئة توليد فرص العمل، الشروع، والاستمرار في إصلاح مؤسسي، وهي قضية تخص كلا من القطاعين العام والخاص على حد سواء (مع اختلاف وتنوع مهام الإصلاح في كل منهما)، إن قضايا مثل المحاسبة والشفافية والإدارة وفق مفهوم الحكم الصالح، تمثل محركات قوية لدفع بيئة توليد فرص العمل والاستثمار في منطقتنا الى الأمام، وهي تتطلب منظورا جديدا في التعامل مع تحديات العصر، كما سبق أن تم ذكره في البداية·

رابعا: تشجيع استحداث المشاريع أصبح من أساسيات توفير فرص العمل، وخاصة أن إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، قد برهن أنه أحد الأساليب الفعالة للغاية في خلق فرص عمل ذات استقرار أفضل·

خامسا: إن تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي الإقليمي، المبني على الاحترام والمصلحة المشتركة، أصبح ضرورة ملحة، لا غنى عنها في أي محاولة للإصلاح، ولمواجهة تحديات العولمة المختلفة·

 

ü ورقة مقدمة  للندوة الإقليمية الثلاثية للخبراء حول تشغيل الشباب والاستخدام في المنطقة العربية، المكتب الإقليمي للدول العربية - منظمة العمل الدولية - عمان - المملكة الأردنية الهاشمية 6-8 أبريل 2004·

 

طباعة