رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 جمادى الأول 1425هـ - 30 يونيو 2004
العدد 1634

لنترك العالم العربي يُصلح نفسه بنفسه

بقلم توماس فريدمان:

زيارتي الى الهند والآن الى الصين خلال الأشهر القليلة الماضية بينت لي مدى حاجتنا - نحن الأمريكيين - الى إتمام مهمتنا في العراق وخفض مستوى وجودنا هناك، ونحن لا نفعل ذلك من أجل غسل أيدينا من فكرة وضرورة تشجيع الإصلاح في العالم العربي، بل من أجل دفعه الى الأمام·

لا يمكننا فرض الإصلاح على العرب، فانظروا كيف استقبلت مبادرة الشرق الأوسط الكبير في العالمين العربي والإسلامي، إذ لم يعبأ بها أحد، لأنها وصلت ميتة لا لشيء، إلا لأنها صُنعت في الولايات المتحدة·

فالضغوط من أجل التغيير يجب أن تأتي من الداخل، وأظن أن ذلك ممكن إذا قلص من حضورهم، ثم سيتعين على العالم العربي أن ينظر بوضوح الى حقيقة أن الصين والهند وسريلانكا والفلبين - وهي دول تشترك في أنها وفرت العمالة المنزلية للعائلات الحاكمة في السعودية ودول عربية أخرى، والأيدي العاملة للمشاريع الإنشائية فيها - قفزت خطوات بعيدة في التنمية، لدرجة أنها خطفت الوظائف الجيدة من الأمريكيين·

بمعنى آخر، هناك سبيلان أمام الولايات المتحدة لتشجيع الإصلاح في العالم العربي حيث هناك قدر هائل من المهــــارات والعقــــول غير المستغلة ولاسيما في أوساط النساء·

الأول، يتمثل في محاولة إملاء الإصلاحات وهو الأمر الذي لا يأتي بالنجاح المطلوب، فالسياسة الأمريكية أصبحت لا تتمتع بالشعبية في العالم العربي لدرجة يمكن لأعداء الإصلاح إضفاء طابع غير شرعي عليه بسهولة ووصمه بأنه "مؤامرة أمريكية لتدمير الإسلام"، وقد تم إسكات الإصلاحيين لأنهم لا يرغبون في أن يظهروا في مظهر المؤيد لأجندة مصنوعة في الولايات المتحدة·

أما السبيل الثاني أمام الولايات المتحدة فهو أن تخرج من الصورة بحيث يمكن لشعوب الشرق الأوسط أن ترى بوضوح أن الكثير حتى أطفال خدمهم من الهند والصين وسريلانكا والفلبين يتفوقون في الرياضيات والهندسة والعلوم ويتركون أطفالهم (أي أطفال العرب)، ناهيك على كثير من الأطفال الأمريكيين في العراء (فهناك أكثر من مليون هندي يعملون في المملكة العربية السعودية)·

ولن يعود العرب الى الحديث النبوي الشريف الشهير "اطلبوا العلم ولو في الصين" إلا إذا ركزوا على أداء أبناء هذه الدول في العالم، بدلا مما يفعله الأمريكيون في المنطقة·

لم تتح لي الفرصة لزيارة الصين منذ عام 2001، ومن الأشياء التي لفتت انتباهي هناك هو كثرة أعداد النساء اللواتي يبعن بطاقات الدفع المسبق للهواتف النقالة، وفي حين يستخدم الإرهابيون الإسلاميون في العراق والمملكة العربية السعودية تكنولوجيا السيارات والهواتف النقالة لصنع القنابل، أصبحت الهند والصين مراكز جديدة لصناعة السيارات واخترعتا استخدامات جديدة مربحة للهواتف النقالة المرتبطة بخدمة الإنترنت، وليس من هذه الاستخدامات ما يتضمن تفجير الأهداف أو الناس·

لقد أبلغني أحد الأصدقاء من الصحافيين العرب المقيمين في لندن أنه لمن المحزن أن هناك شعورا واسعا في العالم العربي بأن حضارة كانت عظيمة ذات يوم أصبحت في طي النيسان، على العكس مما هي الحال بالنسبة إلى ألمانيا التي أصبحت دولة عصرية وردت على الإهانة التي لحقت بها تاريخيا بقوة عسكرية ضخمة تمثلت في "الرايخ الثالث"·

ويقول صديقي إن "العرب عاجزون عن الرد على ما يلحق بهم من إهانات ولذلك خلقوا ما يعرف بـ "البن لادنية" التي يمكنها هدم دولة ولا يمكنها بناء دولة"·

إذن، كيف نبدأ حوارا صحيا حول الإصلاح؟ يقول صاحبي إن هناك حاجة الى "الطليعة التي تتمتع بالشجاعة، ولا يمكن أن يتأتى ذلك طالما شعر الناس أنهم يخضعون للحصار، فالمؤرخون الجدد في إسرائيل لم يظهروا إلا بعد اتفاقات أوسلو، فحين تشعر أنك محاصر، فلن تبدأ حوارا مع أشقائك وشقيقاتك، فالهم الأكبر هو خوض المعركة ضد العدو في هذه الحالة، سواء كان عدوا حقيقيا أو متخيلا"·

ولهذا السبب، فإن الولايات المتحدة - العدو المتخيل - بحاجة الى تسليم السلطة الى حكومة عراقية منتخبة وسحب قواتها الى مواقع خلفية، وإذا فعلنا ذلك، فإنني أقترح توجيه الدعوة الى كل من الهند والصين الى الانضمام "لمجموعة الثماني" لتصبح "مجموعة العشر" ويعقد اجتماع القمة المقبل في مقر إحدى الشركات الهندية أو في أحد مجمعات شانغهاي الصناعية، ومن ثم دعوة الزعماء العرب الى حضورها، حيث كان ينظر الى هاتين الدولتين في الماضي على أنهما على قدم المساواة مع العرب·

التغيير الحقيقي يحدث عندما يرى الناس شيئا فيمن يقارنون أنفسهم بهم ويستخلصون العبر، وليس حين تفرض عليهم الأشياء فرضا، لقد كانت مهمة العراق تتمثل في تحطيم النظام العراقي القديم وإرساء أسس نظام جديد، والآن، فنحن الأمريكيين، بحاجة الى تقليص وجودنا حتى يتمكن الناس في العالمين العربي والإسلامي من رؤية شيء كنا نحجبه عنهم وكانوا يتجاهلونه عن عمد، ألا وهو أن العالم اليوم بحاجة الى الاستثمار أكثر في الهند والصين أكثر مما يريد الاستثمار في العالم العربي أو الإسلامي·

 

" عن نيويورك تايمز "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

صدام ساعد الإرهابيين وارتكب المجازر ضد شعبه حين كان يحظى بالدعم الأمريكي
العراق ليس اليابان وبوش ليس آيزنهاور

 
لا خوف من تناول العشاء معهم بملاعق قصيرة··
لماذا رفض الشيوعيون المشاركة في الحكومة الهندية؟