رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 جمادى الأول 1425هـ - 30 يونيو 2004
العدد 1634

صدام ساعد الإرهابيين وارتكب المجازر ضد شعبه حين كان يحظى بالدعم الأمريكي
العراق ليس اليابان وبوش ليس آيزنهاور

  

 

·         دعم واشنطن للأنظمة العربية القمعية والاحتلال الإسرائيلي خلق لها كثيرا من الأعداء

·         أنصار حرب فيتنام رفعوا أيضا شعار "إما أن نحاربهم على أرضهم أو نضطر لمواجهتهم على أرضنا"!

 

بقلم ستيفن زونس:

يتعمد الرئيس بوش وأركان إدارته في أحاديثهم وتصريحاتهم المتكررة تضليل الكونغرس والشعب لحملهم على تأييد سياسات الإدارة في العراق·

وعلى الرغم من العجز القياسي في الميزانية والتخفيضات القاسية في الدعم الحكومي للرعاية الصحية والإسكان والتعليم والبيئة والنقل العام فإن الرئيس طالب دافع الضرائب الأمريكي بإنفاق 87 مليار دولار، ثم أضاف إليها 25 مليارا أخرى لتمويل غزوه واحتلاله للعراق·

وكم هو مزعج أن يحاول الرئيس بوش الربط بين التهديد الحقيقي الذي تشكله جماعات إرهابية ضخمة مثل "القاعدة" على الأمن الأمريكي وبين التهديدات الزائفة التي كان يشكلها العراق، فهو لا يكتفي بمحاولة إيجاد صلة بين الإرهاب المتنامي وسط حالة الفوضى في مرحلة ما بعد غزو العراق وتلك الهجمات المدمرة التي شنها تنظيم "القاعدة" على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 بل يتعدى ذلك الى تصوير العنف الحالي ضد الأمريكيين وغيرهم من الأجانب في العراق كجزء من هذا التهديد الإرهابي·

وكغالبية الأمريكيين، تعتريني حالة من الحزن العميق بسبب الهجمات ضد الجنود الأمريكيين، ومع هذا فإن ميثاق جنيف الرابع الذي وقعت عليه الولايات المتحدة شديد الوضوح فيما يخص امتلاك أي شعب واقع تحت احتلال عسكري أجنبي حق خوض القتال المسلح ضد قوات الاحتلال النظامية المسلحة، وهذا يختلف عن الإرهاب الذي يتعلق بتوجيه هجمات متعمدة ضد مدنيين عزل، والمتعارف عليه دوليا باعتباره جريمة حرب ولذلك فإن محاولة إدارة بوش إقناع الرأي العام الأمريكي بأن كلا الظاهرتين متطابقتان إنما هي محاولة واضحة للتضليل·

لقد فشل الرئيس بوش أيضا في التمييز بين العناصر المتباينة التي تقف وراء الهجمات، ولربما نتج بعض هذا العنف عن عناصر ذات علاقة بتنظيم القاعدة تسللت الى العراق منذ بدء الاحتلال أو عن مؤيدي نظام صدام حسين السابق أو عن إسلاميين عراقيين متشددين أو عراقيين وطنيين معارضين للنظام السابق وكذلك للاحتلال الأمريكي، وقد يكون وراء ذلك العنف مقاتلون غير عراقيين يرون في دحر المحتلين الأمريكيين من العراق عملا يعزز الوحدة الإسلامية تماما كدحر قوات الاحتلال السوفييتي من أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي·

وعلى الرغم من ذلك يعلن الرئيس بوش أن محاولة من المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة تعتبر "نصرا جوهريا في الحرب على الإرهاب"، وتحاول إدارة بوش عن طريق ربطها النضال الدولي الشرعي ضد "القاعدة" بالاحتلال الأمريكي غير الشرعي للعراق، تبرير عزم الرئيس بوش على "إنفاق ما هو ضروري" للسيطرة على هذا البلد الغني بالنفط، ووصف من يعارضون الاحتلال سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها بالضعفاء في مواجهة الإرهاب·

 

تساؤلات جدية

 

لقد دعم نظام صدام حسين الإرهاب خلال ما يقارب الربع قرن من توليه السلطة، لكن طبقا لوكالات حكومية أمريكية وباحثين مستقلين، فإن الدعم العراقي للإرهاب وجد أساسا في الثمانينيات حين وفرت الولايات المتحدة الدعم لذلك النظام، وتدنى مستواه بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين، ولم يتم العثور على صلات عراقية قوية بتنظيم "القاعدة" أو أي جماعات إرهابية تهدد الولايات المتحدة حاليا·

واستخدم العراق أسلحة دمار شامل في الثمانينيات في الوقت الذي كان يتمتع فيه بدعم حكومة الولايات المتحدة وليس بعد ذلك·

لقد تحدى العراق مجلس الأمن علنا أو لربما فشل طوال 12 عاما في الإيفاء بالتزامه التخلص من أسلحة الدمار الشامل وعدم مصداقيته بهذا الشأن وفيما يتعلق بأنظمة إطلاق تلك الأسلحة وغيرها من المواد المحظورة·

لكن بمجرد سماح العراق لمفتشي الأمم المتحدة بدخول أراضيه للقيام بعمليات التفتيش دون قيود ورضوخه لمطالب الأمم المتحدة المتعلقة بعمليات الاستطلاع الجوية ومقابلة العلماء العراقيين نستطيع القول بأن العراق امتثل الى أغلب، إن لم يكن جميع، القرارات الدولية ذات الصلة·

ويجب ملاحظة فشل كل من المغرب وإسرائيل وتركيا في الامتثال لمطالب مجلس الأمن لفترة تزيد عن ضعف الفترة التي استغرقها العراق، وتستمر دول أخرى مثل كرواتيا وأندونيسيا والسودان وأرمينيا والهند وباكستان وغيرها بتحدي قرارات مجلس الأمن على مدى السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من هذه الانتهاكات، فإن إدارة بوش لا تبدي استعدادها لغزو تلك الدول، وفعليا فإن هذه الدول تتلقى المساعدات العسكرية والاقتصادية من حكومة الولايات المتحدة ما يثير تساؤلات جدية حول اهتمام إدارة بوش بتنفيذ القرارات التي تمرر من خلال مجلس الأمن·

ويعتبر احتلال العراق عملية عسكرية أمريكية حصريا باستثناء القيادة البريطانية في بعض المناطق الجنوبية في العراق، ولذلك فمن الصعب الإشارة بـ "التحالف" لمثل هذه العملية·

والأهم من ذلك، أن احتلال العراق لم يكن تنفيذا لتلك "المطالب الدولية"، فميثاق الأمم المتحدة ينص بوضوح على أن مجلس الأمن وحده يتمتع بحق السماح بالتدخل العسكري لتنفيذ قراراته، ومع هذا فقد رفض مجلس الأمن السماح للولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ هذه القرارات عبر الوسائل العسكرية على الرغم من الضغوط القوية من قبل المسؤولين الأمريكيين·

وأخيرا فإن هذه الحملة ليست إنسانية على الإطلاق، فلقد قتل في هذا الاعتداء الذي قادته أمريكا الآلاف من المدنيين العراقيين وهو عدد يفوق بكثير عدد المدنيين الأمريكيين القتلى في هجمات 11/9 الإرهابية·

ربما ينتج بعض العنف من أولئك الذين يعارضون الأخلاق والحرية والتقدم، لكن التاريخ أثبت أن معظم الشعوب التي حملت السلاح في مواجهة الاحتلال إنما فعلت ذلك لإيمانها بأن أولئك المحتلين هم الذين يشكلون التهديد الحقيقي على الحرية والتقدم·

 

حرب مختلفة

 

في البداية تم تبرير الغزو الأمريكي للعراق على أساس امتلاك العراق أسلحة كيماوية وبيولوجية وبرنامجا للأسلحة النووية، وها نحن الآن نجد إدارة بوش وبعد أن بدا جليا خلو العراق من مثل هذه الأسلحة أو برامج التسلح، تزعم بأن السبب وراء اجتياح الولايات المتحدة للعراق هو كون العراق "الجبهة الرئيسية للحرب على الإرهاب"·

ويخطئ الرئيس جورج بوش في المقارنة بين العراق اليوم واليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية، فهناك اختلافات جوهرية بين اليابان وألمانيا عام 1945 وعراق اليوم، فقد كان لدى ألمانيا نظام برلماني ديمقراطي قبل حكم هتلر، فيما وجد شكل من الملكية الدستورية قبل ظهور الروح العسكرية في أواخر العشرينيات، بينما لم يوجد لدى العراق أي حكومة تمثل الشعب، وتعتبر ألمانيا واليابان من المجتمعات المتجانسة ذات الإحساس القوي بالهوية الوطنية بينما العراق عبارة عن نتاج صناعي أفرزته القوى الاستعمارية عن ثلاثة أقاليم عثمانية وتمتع بالاستقلال فعليا منذ 45 عاما فقط والمعارك التي وقعت بين الجماعات الدينية والعرقية في العراق أوقعت عشرات الآلاف من القتلى في العقود الماضية بالإضافة الى أن كلا من اليابان وألمانيا أدركتا أن هزيمتهما واحتلالهما كان نتيجة مباشرة لاعتداء قيادتيهما على البلدان المجاورة، بينما يرى العراقيون سيطرة الأمريكيين على بلدهم نوعا من الإمبريالية الغربية لا دفاعا عن النفس، إذ كانت حكومتهم أضعف بكثير وأقل عدوانية خلال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة مما كانت عليه من قبل، ولذلك سيصعب على الولايات المتحدة تشكيل نظام يحظى بالقبول الواسع وبالاستقرار، وأخيرا فإن الليبراليين المثاليين في إدارة الرئيس دوايت آيزنهاور الذين ساعدوا على خلق نظام سياسي منفتح في اليابان وألمانيا ما بعد الحرب سادت لديهم روح التزام شخصية قوية بالديمقراطية على النقيض من المحافظين الجدد اليمينيين في إدارة بوش بتاريخهم الداعم للحكومات الديكتاتورية المؤيدة لمصالح أمريكا الاقتصادية والاستراتيجية·

لقد أسفرت العمليات النشطة للقوات الأمريكية ضد الإرهابيين المزعومين في العراق، عن ضحايا مدنيين وشجعت على الهجمات من قبل الإرهابيين الذين يستهدفون المدنيين وغيرهم من القوات المسلحة·

والأكثر أهمية هو عدم وجود هجمات السيارات المفخخة ضد مكاتب الأمم المتحدة والسفارات الأجنبية وأماكن العبادة في العراق قبل الاحتلال الأمريكي لكن العراق أصبح مرتعا للإرهاب منذ بدء الاحتلال، ما يثير التساؤل حول ما إذا كان احتلال الدول الأخرى يساعد على جعل العالم أكثر أمنا أم يحوله الى مكان ينمو فيه الإرهاب·

 

112 مليار دولار

 

ومن غير المرجح أن يتخذ مجلس الأمن خطوة غير مسبوقة بالسماح لقوة متعددة الجنسيات بالمشاركة في احتلال يراه معظم أعضاء الأمم المتحدة بأنه غزو غير شرعي ومخالفة صارخة لميثاق الأمم المتحدة، وعلى النقيض إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لنقل إدارة العراق الى الأمم المتحدة لتكون تحت وصايتها تماما كتلك الوصاية التي أنشأها مجلس الأمن في تيمور الشرقية في الفترة ما بين انسحاب القوات الأندونيسية عام 2000 واستقلالها العام الماضي، فسوف تشارك معظم الدول القادرة بإرسال قوات حفظ السلام أو منح الدعم الاقتصادي أو الخبرة التقنية ومع ذلك فقد رفضت الولايات المتحدة منح دور مهم للأمم المتحدة وتصر على تشكيل مستقبل العراق الاقتصادي والسياسي بنفسها وليس من قبل المجتمع الدولي، وبالتالي فليس عدلا أن تصر الولايات المتحدة على مسؤولية وواجب أعضاء الأمم المتحدة في إصلاح الفوضى التي أحدثتها دون أن تسمح للأمم المتحدة بتولي زمام القيادة·

صحيح أن العراق وأفغانستان حكما من قبل أنظمة اضطهدت وأساءت إدارة الاقتصاد، لكن يشير مسؤولو التطوير في هذين البلدين الى أن معظم جهود إعادة الإعمار مرتبطة بالدمار الذي نتج عن سنوات من القصف المكثف والعقوبات الاقتصادية التي كانت نتيجة لسياسات الولايات المتحدة خصوصا فيما يتعلق بالعراق، ولذلك فمن غير الواضح كم من مبلغ الـ 112 مليار دولار سيخصص فعليا للمساعدة في إعادة إعمار هذين البلدين وكم منها سيذهب لدعم قوات الاحتلال الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات المرتبطة بقوة بالولايات المتحدة والمشاركة في إعادة الإعمار والإدارة·

 

نمط فيتنام

 

وليس هناك أدنى شك لدى المتطرفين في الشرق الأوسط حول القوة العسكرية الأمريكية، ولكنهم يشعرون بضعف القوة الأخلاقية الأمريكية، فملايين الناس في الشرق الأوسط يؤمنون بعدم أخلاقية الدعم الأمريكي للدكتاتوريات العربية والاحتلال الإسرائيلي وكون الدعم العسكري الأمريكي للشرق الأوسط يشكل ستة أضعاف دعمها الاقتصادي وأن السلعة الأمريكية التي تحتل المرتبة الأولى فيما يتم تصديره الى الشرق الأوسط ليست البضائع الاستهلاكية أو المعدات التقنية المتقدمة أو المنتجات الزراعية إنما هي الأسلحة وإن دولة قوية من الجانب الآخر من العالم تغزو دولة عربية ذات سيادة مبررة ذلك بادعاء كاذب بامتلاك حكومة هذه الدولة أسلحة دمار شامل وأنها تدعم "القاعدة" وأن القصف الأمريكي والعقوبات الاقتصادية المطبقة على الدول الإسلامية قتلت من المدنيين ما يفوق بكثير ما قتله الإرهابيون أنفسهم، والحقيقة المؤلمة تتمثل في تزعزع الأمن في الشرق الأوسط كلما عملت الولايات المتحدة على زيادة تسليحه·

إن مزاعم إدارة بوش تمثل تجديدا للنمط الذي استخدمه مؤيدو حرب فيتنام بأنه "إن لم نحاربهم على أرضهم فسوف نضطر لقتالهم على أرضنا"، وعلى الرغم من مضي 28 عاما على انتصار الشيوعيين في فيتنام، فلا يزال من الواجب علينا أن نحاربهم في شوارعنا والآن، يقاتل العراقيون والأفغانيون تماما كالفيتناميين لأن الأمريكيين يحتلون بلادهم ولن يتوقفوا عن ذلك إلا بعد خروج القوات الأمريكية من بلادهم·

 

المصدر فورين بوليسي إن فوكس

Foreign Policy In Focus

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

لنترك العالم العربي يُصلح نفسه بنفسه
 
لا خوف من تناول العشاء معهم بملاعق قصيرة··
لماذا رفض الشيوعيون المشاركة في الحكومة الهندية؟