رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 جمادى الأولى 1425هـ - 14 يوليو 2004
العدد 1636

مشروع الشرق الأوسط الكبير "الإصلاحي" يتعارض مع احتلال أمريكا للعراق!!

                                                                     

 

·  الولايات المتحدة دعمت كثيراً من أشكال الحكم الاستبدادي في المنطقة العربية لحماية مصالحها

·    سياسة استعراض القوة وإزدواجية المعايير جعلت أمريكا رمزاً دولياً للكراهية

·    كان من الواجب على الحكومات الشمولية العربية أن تدخل إصلاحات داخلية درءاً لخطر التدخل الأجنبي

·    أمريكا تقول إن مشروع الشرق الأوسط الكبير سيوفر سيادة القانون وحقوق الفرد

·    سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها أمريكا انعكست سلباً على الصراع العربي الإسرائيلي

·   أمريكا غضت الطرف عن الأنظمة الشمولية الحليفة لها في العالم العربي في أثناء الحرب الباردة

·   أمريكا لاتتبنى الإصلاحات في الشرق الأوسط لأنها تؤمن بها لكن لمحاربة الإرهاب الذي يتهدد مصالحها وأمنها

·   أمريكا المسؤول الأول عن معاناة الشعب الفلسطيني لأنها شريك في دعم  إسرائيل لمشروعاتها الاستيطانية والوحشية

 

علي ربيعة - نائب بحريني سابق

يعتبر غزو العراق الذي تم خارج الشرعية الدولية ومن ثم احتلاله إحدى الدلالات القاطعة على تجاوز الولايات المتحدة جميع الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة مثل الإمبراطورية البريطانية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية من حيث القوة والجبروت والنفاق السياسي· ويأتي فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير على الدول العربية والإسلامية ليعبر عن الاستعراض المتباهي لسياسة القوة وازدواجية المعايير التي جعلت الولايات المتحدة رمزا دوليا للكراهية· ولا شك أن سياستها الخارجية التي تتطلب من الدول الأخرى الثبات على مبادئ الأمم المتحدة  والالتزام بالنظام والقانون بينما هي بعيدة كل البعد عنهما قد سلط الغضب على الولايات المتحدة لدى معظم شعوب العالم، فالولايات المتحدة  تعتبر الدولة غير الديمقراطية في سلوكها مع الدول الأخرى وغير القادرة على التسامح مع أي دولة تختلف معها أوتنتقد أفعالها أوتقدم لها بديلا لقرارات خاطئة اتخذتها ومع كل ذلك فإنها تقدم نفسها على أنها  البائع الوحيد للديمقراطية والتعددية· وحسب قول نعومي كلاين وهي أحد كتاب الأعمدة في جريدة "الجارديان" فان غضب العالم وكراهيته للولايات المتحدة نابعان من إدراك العالم وفهمه الواضح لهذا الإعلان المزيف، إن مشكلة الولايات المتحدة ليست في ماركة البضاعة وإنما في البضاعة نفسها·

 

لماذا نكره أمريكا؟

 

في الكتاب القيم "لماذا نكره أمريكا" يقول المؤلفان إن الرسالة الوحيدة الاتجاه التي ترسلها الولايات المتحدة الى العالم هي أن ثقافتها وحقيقتها الاجتماعية هي الحقيقة الوحيدة وأنه لا شيء يهمها غير ذلك· ويتساءل المؤلفان فيما إذا كان هناك أي مستقبل   للكتابة والإنتاج السينمائي والتلفزيوني بل ووجود الثقافة واللغة الوطنية في دول العالم الثالث إذا  كان صناع السينما والكتاب في دول متقدمة مثل فرنسا واستراليا قد أخذ يساورهم القلق  حول مصيرهم نتيجة هيمنة البضاعة الأمريكية، فإن الجواب البسيط والمخيف حقا لهذا السؤال هو أن صعود ثقافة "الهمبرغر والماكدونالدز" تعني اضمحلال الثقافة الوطنية في جميع دول العالم الثالث، إنه الاستعمار الجديد وهوأكثر شرا من أي استعمار عهدته البشرية كما يقول  جون سثرلند(John  Sutherland)  في مقال له في جريدة الإندبندنت· يقول الكاتب أنه في أرض تمثال الحرية (أمريكا)  نجد أن مفهوم الحرية حسب الأخلاق السياسية المتداولة حاليا هو أن الشخص يظل حرا طالما أنه يقوم بتنفيذ الأشياء حسب الطريقة المطلوبة منه تماما كما يقول هنري فورد عن سيارته "بإمكانك أن تحصل على  السيارة بأي لون تحبه وترغب فيه طالما أن اللون أسود"·

في الخمسينات من القرن الماضي تعرضت جهود الولايات المتحدة الدعائية و الإعلامية للخطر بسبب تناقضاتها وازدواجيتها· ففي المملكة العربية السعودية لاحظ السفير الأمريكي أن الأدبيات التي في يديه تحتوي على  هدفين  مزدوجين هما ترويج وتشجيع الحكومة الديمقراطية من جهة وعرض وتقديم أخطار الشيوعية من جهة أخرى· ولأن النظام السياسي في السعودية  ملكية مطلقة فإنه لم يكن من المتوقع أن ترحب حكومتها بالشطر الأول من المقترح، وبالتالي فقد نصح السفير الإدارة الأمريكية  بعدم إزعاج القيادة السعودية بالطرح الديمقراطي حتى تضمن الولايات المتحدة  تعاون السعودية معها دوليا وفي الوقت نفسه تحافظ على  استثماراتها النفطية في المملكة، وهكذا هي الحال مع  البلدان الأخرى حيث تعارضت دعوة نشر الديمقراطية الأمريكية مع الحرص الدائم للولايات المتحدة على الاحتفاظ بالعلاقات المصلحية مع تلك الأنظمة الشمولية·

في أثناء شن الحملة الدعائية ضد الشيوعية في الشرق الأوسط ومن أجل تخويف العرب بخطر الشيوعية ارتكبت الولايات المتحدة خطأ سياسيا فادحا بمساواتها الشيوعية بالصهيونية· فهذه المساواة قادت بطبيعة الحال الى كراهية إسرائيل والولايات المتحدة معا على اعتبار أن الولايات المتحدة هي الداعم للدولة الصهيونية· وقد استثمرت الأنظمة الشمولية في الوطن العربي التهاب مشاعر الشعوب العربية ضد الصهيونية والولايات المتحدة من أجل تعزيز مواقعها في السلطة· (الرسالة الصادرة من السفارة الأمريكية في بغداد بتاريخ مارس 1954)·

إن التناقض بين الكلام والحقيقة قد بقي نهجا  لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولعقود طويلة· فالسي آي أيه CIA هي التي قامت بالتخطيط ودعم الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مصدق لأنه أراد تأميم  النفط الإيراني وتنصيب  شاه إيران بدلا منه· وفي السبعينات كان الرئيس جيمي كارتر يغض الطرف عما يجري في إيران في الوقت الذي يجدد فيه التزامه التام بالدفاع عن حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي ويدين بشدة انتهاكات حقوق الإنسان فيها· بل إنه امتدح الوضع في إيران بالقول إن إيران هي واحة من الأمان والاستقرار موجودة في أكثر المناطق تفجرا في العالم وأن الشاه قائد عظيم ويحظى باحترام ومحبة الشعب الإيراني·

في خضم الصراع الأيديولوجي بين معسكر الشرق والغرب في أثناء الحرب الباردة لم تكتف الولايات المتحدة بغض الطرف عن تلك الأنظمة الشمولية الحليفة لها في العالم العربي وما تمارسه أغلب هذه الحكومات من انتهاكات فظيعة ضد شعوب المنطقة، بل إنها عمدت الى دعم وحماية الكثير من  أشكال الحكم الفردي والاستبدادي في منطقتنا العربية، وليس هناك ما يثير الاستغراب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة المبنية على ازدواجية المعايير (Double standard policy)  أوعلى ما يطلق عليه جورج أورول الكلام المزدوج (Double speak)  وذلك بهدف حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في جميع أنحاء العالم· ويشهد تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1862 وحتى تاريخنا هذا على مسلسل طويل من أحداث  التدخل في شؤون الدول الأخرى وافتعال الأزمات السياسية من أجل حماية هذه المصالح·

في كتابه القيم "The Umbrella of  U.S. Power مظلة القوة الامريكية" يقول المفكر نعوم تشومسكيNoam Chomsky  إن وفد الولايات المتحدة في مؤتمر فينا في عام 1993 كان برئاسة سكرتير الدولة  وارن كريستوفر وأنه قال "إن الولايات المتحدة لن تنضم الى أولئك الذين سيعملون على تخريب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسوف تدافع عن عالميته ضد كل من يدعي أن حقوق الإنسان يجب أن تفسر بشكل مختلف في تلك الأقاليم  التي لا تحمل القيم الغربية"، لكن ما أثار الاستغراب حقا أن أول من اعترض على إعلان فينا هي الولايات المتحدة التي أعربت عن تحفظاتها  بمجرد اكتشافها  أن  الإعلان يتضمن النص الصريح على أن الاحتلال الأجنبي يعد انتهاكا لحقوق الإنسان الأمر الذي أزعج كثيرا الولايات المتحدة · وهذا المبدأ الذي رفضته الولايات المتحدة وإسرائيل معناه رفض حق الشعوب الواقعة تحت الاستعمار والحكومات العنصرية التي  جردت من حق تقرير المصير والحرية والاستقلال من النضال من أجل نيل هذه الحقوق ومن حرمانهم من حقهم في الحصول على الدعم اللازم لتحقيق هذه الأهداف التي  ينص  عليها دستور ومبادئ القانون الدولي، إن اعتراض الولايات المتحدة على هذا المبدأ يوضح كما يقول الكتاب وبشكل سافر الطريقة التي يتم فيها تبني حقوق الإنسان·

وطبقا لسياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع دول العالم فإن الولايات المتحدة لم تكن لتتردد في استخدام سلاح الديمقراطية وحقوق الإنسان ضد حكومات دول العالم ومنها الدول العربية من أجل تطويعها وتسييرها في فلكها من أجل خدمة ورعاية  مصالحها النفطية والإستراتيجية في المنطقة·

وقد انعكست سياسة الكيل بمكيالين  سلبا على الصراع العربي الإسرائيلي فاتخذت الولايات المتحدة المواقف المنحازة  لإسرائيل ولم تتوقف حتى تاريخه عن استخدام حق النقض الفيتو من أجل إفشال صدور أي قرار  بالإدانة ضدها كما تجاهلت عمدا  سياسات إسرائيل الاستيطانية والتوسعية وسكتت عن قتل الفلسطينيين وتصفية قياداتهم مع سبق الإصرار والترصد·

وبسبب ارتهان الأنظمة الشمولية للإدارة الأمريكية أقدم الرئيس بوش على غزوالعراق مما زاد من كراهية الشعوب العربية والإسلامية للولايات المتحدة والإعلان عن عدائها السافر للإدارة الأمريكية·

 

لماذا مشروع الشرق الأوسط الكبير؟

 

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعلان الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب بدأ حديث  الإدارة الأمريكية عن مشروع رسم خارطة الشرق الأوسط  بهدف إدخال الإصلاحات الضرورية على هذه الأنظمة وتحديثها·

يتحدث هذا المشروع عن نقل المعركة من أفغانستان الى المملكة العربية السعودية من أجل اجتثاث الإرهاب و يقول في الوقت نفسه إن الاستراتيجية الجديدة تؤكد على مصالح النفط والروابط الاستراتيجية والتاريخ وأن هذه المصالح تحتم على الولايات المتحدة استمرار التدخل في هذه المنطقة الحيوية  وأنها (الولايات المتحدة ) ستواصل دعمها لمصر وحمايتها للسعودية·

وفي محاولتها لتحديد  أهدافها الحقيقية من وراء المشروع تقول الولايات المتحدة إنها لا تريد أن تكون هناك ديمقراطية  في الشرق الأوسط على غرار ديمقراطية وستمنستر Westminster)) وإنما هي تبحث عن إيجاد ما يسمى أويطلق عليه الشروط الأولية للديمقراطية أوبعبارة أخرى بتطبيق الليبرالية الدستورية·

وحسب رأي الإدارة الأمريكية فإن هذا المشروع سيوفر حكم القانون وحقوق الفرد واحترام الملكية الخاصة وقضاء مستقل وكذلك الفصل بين الدولة ودور العبادة· وهذه العملية الإصلاحية حسب الرؤية الأمريكية ستجعل أنظمة  الشرق الأوسط أكثر شرعية في عيون شعوبها مما يؤدي الى القضاء على بؤر تفريخ الإرهاب وهوالهدف الأساسي· ومن أجل تنفيذ هذا المشروع وضعت الولايات المتحدة قائمة بالدول العربية المرشحة  للتغيير بحجة محاربة الإرهاب ولم تمر ثلاث سنوات على إعلان هذا السيناريو حتى  بدأت الولايات المتحدة بالتخطيط لغزوالعراق واحتلال أراضيه بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار والقضاء على الدكتاتورية وتطبيق الديمقراطية، وبغزو العراق واحتلال أراضيه  تم تحقيق الهدف الأول في استراتيجية التدخل من أجل النفط والهيمنة العسكرية على المنطقة العربية·

 

خطأ أمريكا في الشرق

 

في كلمته خطأ أمريكا في الشرق أمام المؤسسة الوطنية للديمقراطية اعترف الرئيس بوش بخطأ السياسة الأمريكية وفشلها في الشرق الأوسط، حيث أيدت هذه السياسة ولمدة ستين عاما تلك الحكومات التي لا تلتزم بالحرية السياسية وأنها ودول الغرب قامت خلال هذه المدة بتبرير الافتقار الى الديمقراطية، وأضاف الرئيس بوش القول إنه طالما بقي الشرق الأوسط مكانا لا تزدهر فيه الحرية سيبقى منطقة ركود واستياء وعنف جاهز للتصدير·

في الأسبوع الثاني من شهر فبراير صدر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقول إن على الدول الثماني المجتمعة في قمتها في "سي آيلند" أن تصوغ شراكه بعيدة المدى مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير وأن تطلق ردا منسقا لتشجيع الإصلاح  السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة·

وفي البند الخاص بتشجيع الديمقراطية والحكم الصالح قال المشروع أنه توجد فجوة كبيرة بين البلدان العربية والمناطق الأخرى على صعيد الحكم القائم على المشاركة وبعد ذلك تطرق المشروع الى إمكانية قيام مجموعة الدول الثماني بتقديم مساعدات لمرحلة ما قبل الانتخابات ومساعدات تقنية وزيارات وعمل ندوات توعوية والمساعدة في إنشاء أوتعزيز لجان انتخابات مستقلة ومساعدات تقنية لتسجيل الناخبين والاستجابة للشكاوى وتسلم التقارير، أما النوع الثاني من المساعدات فهو رعاية الدول الثماني لتبادل الزيارات لأعضاء البرلمانات وصوغ التشريعات وتطبيق الإصلاح التشريعي والقانوني وتمثيل الناخبين والعمل على  تدريب القيادات النسائية من أجل زيادة المشاركة النسائية · 

ومع كل هذه التفاصيل الجزئية التي حواها المشروع الا أن  المشروع يبقى مبهما في مفاصله الأساسية الخاصة بنوع المشاركة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم· فالمشروع لم يتطرق بشكل واضح للتعددية الحزبية والحكومة المنتخبة انتخابا حرا من الشعب وحق تداولها سلميا ·

لكن حديث المشروع عن قيام دول الثماني بتشجيع الحكومات العربية على  السماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية ومن دون مضايقات يعطي الدلالة أن الحكومات المقصودة بالتشجيع هي الحكومات الحالية بما يوحي أن هذه الحكومات ستبقى دون تغيير· وهذا ما يثير وجه الغرابة في المشروع الذي  يتحدث عن الديمقراطية ·

في الكتاب القيم "هل من الممكن تفعيل الديمقراطية" ( Can Democracy be designed?)  يقول الكتاب في الفصل الخاص بالمؤسسات الديمقراطية والسياسات الديمقراطية ما يلي:-

في عملية الدمقرطة التي جرت في دول الشرق والجنوب تم بنـــاء  المؤسسات الديمــقـراطية التي تلـــبي الحــاجات التالية :-

·         توفير المشاركة  مباشرة أوعن طريق الانتخاب·

·         التخلص من استبداد الحكام الأوتوقراطيين أواستبداد الأغلبية·

·         تعزيز المنافسة المفتوحة والعادلة على السلطة باستخدام  قاعدة الانتخابات الشعبية·

·         ضمان محاسبة الحكومات·

·         توفير منبر لطرح المشاكل السياسية للمناقشة العقلانية والتوصل الى الحلول بشأن المصالح الاجتماعية المتضاربة

ويقول الكتاب إن الاستبداد يمكن تجنبه عن طريق مراقبة أوضبط السلطة التنفيذية من خلال فصل السلطات والتأكيد على الحريات الفردية، فهل يا ترى ستسعى الولايات المتحدة لإدخال هذا المعيار من الإصلاح من أجل توفير الحد الأدنى من المشاركة السياسية وحكم القانون؟

ومع افتراضنا بحسن النوايا في تطبيق  هذا المشروع على الأنظمة العربية إلا أن مجموعة من الحقائق تدفعنا للتشكيك في مصداقية وأهداف الولايات المتحدة في طرحها الديمقراطي في هذا الظرف وهذه الحقائق  هي :-

اكتشاف الولايات المتحدة أن سبب كراهية الشعوب العربية والإسلامية لها هوانتشار الثقافة الدينية المتطرفة نتيجة غياب الديمقراطية وهذا يعني أن الولايات المتحدة لا تتبنى هذه الإصلاحات كقضية مبادئ سياسية وأخلاق وإنما كعلاج  لمشكلة آنية هي الإرهاب الذي يتهدد مصالحها وأمنها· إن ربط الإصلاحات الديمقراطية بمحاربة الإرهاب معناه أنه في حال القضاء على الإرهاب  ربما عادت الولايات المتحدة لمساندة  أشكال الحكم الاستبدادية ما دامت تخدم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية·

إن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتحدث عن الديمقراطية والحريات السياسية يتعارض جملة وتفصيلا مع احتلال الولايات المتحدة للعراق وفرض سيادتها عليه كما يتعارض مع مخططها الهادف لاستمرار  التواجد العسكري في العراق لسنين وطويلة قادمة، كما أن المشروع الديمقراطي الأمريكي يتناقض كلية وما تتبناه الولايات المتحدة من موقف سلبي تجاه بناء الدولة الفلسطينية المستقلة كما يتعارض ورفض  الولايات المتحدة للتدخل في خلق الظروف الأمنية الملائمة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في فلسطين تحت إشراف الأمم المتحدة مما يؤكد بما لا يقبل الشك أن الولايات المتحدة مازالت تتبنى سياسة ازدواجية المعايير·

والانحياز الكامل للكيان الصهيوني والدعم المطلق لسياسات إسرائيل التوسعية والاستيطانية والسكوت عن تشييد الجدار العازل وتجريف الأراضي الزراعية فضلا عن ارتكاب الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان يضع الولايات المتحدة في موقع الشريك والمسؤول عن معاناة الشعب الفلسطيني بما يتعارض وحديثها عن الحريات وحقوق الشعوب في إدارة شؤونها السياسية·

إن اعتماد تجربة البحرين الديمقراطية بالإضافة الى تجربتي الأردن والمغرب كنماذج يحتذى بها في العالم العربي فيه الكثير من المغالطات السياسية وهي تثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك في مصداقية المشروع الإصلاحي الأمريكي· فالبحرين على سبيل المثال ما زالت تعيش أزمتها السياسية والدستورية منذ حل المجلس الوطني وتعليق العمل بدستورها العقدي في عام 1975، والمشروع الإصلاحي الذي جاء به الميثاق الوطني ودستور المنحة لعام 2002 لا يعدو كونه التفافا على المشروعية الدستورية وإلغاء تاما للحقوق المكتسبة التي وفرها دستور 1973 واستبدال  السلطة التشريعية التي كانت تتمتع بما يزيد عن ثلثي الأعضاء المنتخبين من قبل الشعب بسلطة تشريعية نصفها معين من قبل السلطة التنفيذية·

طرح هذا المشروع مباشرة بعد احتلال العراق ربما هدفت الولايات المتحدة من ورائه الى استخدام الديمقراطية كسلاح من أجل ابتزاز الأنظمة العربية والإسلامية لقبول المزيد من الهيمنة والاستسلام·

 

نظرية الإصلاح من الداخل

 

الى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت المقايضة السياسية في الشرق الأوسط تعمل بصورة اعتيادية·  فالولايات المتحدة كانت تباشر دورها في رعاية أنماط الحكم العائلي والقبلي والشمولي في الشرق الأوسط مقابل قيام الأخيرة بحماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة· وكانت هذه المهادنة بمثابة الضوء الأخضر للأنظمة الشمولية لممارسة الهيمنة على المجتمع ومحاربة محاولات التغيير والإصلاح حتى لو أدى ذلك الى  استخدام الشرطة والجيش من أجل قمع المطالبين بالمشاركة الشعبية في صنع القرار·

بعد أحداث سبتمبر وتداعياتها الأمنية والاقتصادية سارعت الولايات المتحدة لاعادة النظر في سياستها في الشرق الأوسط بما يحفظ  مصالحها النفطية والاستراتيجية في المنطقة وقد تمخضت دراساتهم وتحليلاتهم السياسية عن ضرورة إصلاح أنظمة الحكمة·   

كان من المفترض أن تتنبه الحكومات العربية الشمولية الى أبعاد هذا المشروع منذ ولادته الأولى فتبادر ذاتيا بإدخال الإصلاحات الضرورية في حينها درءا لخطر التدخل الأجنبي وفرض الإصلاح من الخارج ولكن الأنظمة العربية  بطبيعتها الاستبدادية الرافضة لاي تغيير لم تكن لتعطي تلك المؤشرات القوية ما تستحقه من اهتمام·

ولذا فقد تجاهلت الأنظمة العربية هذا المشروع في بداياته الأولى واعتقدت خطأ أن الاستراتيجية الأمريكية لا تعدو كونها تستهدف العراق وحده أو ما تسميه الولايات المتحدة الدول المارقة أومحور الشر وأنها بحكم علاقاتها التاريخية بالولايات المتحدة كحلفاء لها سوف لن يطالها التغيير · والحقيقة أن صدور هذا المشروع المثير للجدل قد أربك  القيادات العربية وأفقدها صوابها وجعلها تسارع الى التعبير عن رفضها القاطع له واعتبرته تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية·

وتباينت ردود أفعال القادة العرب الرافضة للتدخلات الخارجية لفرض الديمقراطية والمطالبة في الوقت نفسه بأن يكون الإصلاح من الداخل·

وفجأة تحول الشرق الأوسط الى ورشة عمل من أجل إيجاد السبل الكفيلة بإدخال الإصلاحات الديمقراطية ذاتيا بعيدا عن المشروع الأمريكي·

وفي هذا السياق كثرت المبادرات الهادفة لمواجهة المشروع الأمريكي كتلك المبادرة التي ضمت السعودية وسورية ومصر من أجل كسب ود روسيا  وفرنسا وألمانيا  مرورا  بالزيارات المكوكية التي قام بها الرئيس حسني مبارك الى كل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من أجل كسب تعاطف هذه الدول لصالح الإصلاح من الداخل وأخيرا وليس آخرا مؤتمر المثقفين في مصر الذي رعته الحكومة المصرية وصدور وثيقة الإسكندرية ·

وقد أعلنت  وثيقة الإسكندرية تأسيس منتدى الإصلاح بمباركة النظام المصري وهوأحد الأنظمة العربية التي ما زالت ترفض الإصلاح وتفرض قانون الطوارئ منذ عقود · 

ويمكن القول إجمالا إن كل المبادرات الذاتية والمشاريع العربية التي خرجت بها الأنظمة العربية علينا خلال  الأسابيع الماضية لا تحمل أي مصداقية من جانب القيادات السياسية وهي لا تخرج عن إطار المناورات السياسية التي تهدف الى الالتفاف على المشروع الأمريكي وتجنب الإصلاح من الخارج·

ومن أجل دعم هذا الاستنتاج وهواستنتاج لا تختلف عليه القوى الديمقراطية في الوطن العربي أمكن الاستشهاد بالوقائع والأحداث  التالية:-

1) التصريح الذي أدلى به الامير سلطان بن عبدالعزيز في الثالث والعشرين من مارس وهوثالث أقوى رجل في العائلة المالكة من أن المشروع الإصلاحي السياسي الذي أطلقته السعودية لا يتعدى كونه انتخابات بلدية تجري في أواخر هذا العام وأن السعودية ليست مهيأة لإجراء انتخابات برلمانية لأن الناخبين ربما أوصلوا الى البرلمان مرشحين أميين وغير مؤهلين·

2) تجاهل رد الحكومة المصرية على المطالب التي تقدمت بها منظمات حقوقية وناشطون في المجتمع المدني في التاسع من شهر أكتوبر 2003· ومن هذه المطالب  فتح ملف الإصلاح السياسي وإلغاء  قانون الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء المحاكم الاستثنائية وإطلاق حرية امتلاك الصحف وحرية التعبير وحقوق الأحزاب وحرية التظاهر وإدخال تعديلات دستورية وقانونية من أجل توسيع المشاركة السياسية·

 

الأنظمة العربية عاجزة عن الإصلاح

 

وفي هذا الخصوص جاء تعليق الناشط الحقوقي  الدكتور سعد الدين إبراهيم بأن الأنظمة العربية عاجزة عن الإصلاح وبالتالي فهو يدعوها  للإسراع في تبني التغيير من الداخل قبل أن يفرض عليها من الخارج جاء هذا التعليق ليعكس حقيقة الوضع السياسي·

3) إن الاتفاق بين الحكومات العربية  على استراتيجية للإصلاح التي أعلن عنها  الرئيس حسني مبارك  في مؤتمر الإسكندرية في الثاني عشر من مارس الجاري لم تترجم على أرض الواقع بدليل أن عدم الاتفاق على مشروع موحد للإصلاح يعد أحد الأسباب الرئيسية لفشل انعقاد مؤتمر القمة·

4) قيام  السلطات السورية باعتقال النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحقيق معهم وذلك اثر قيامهم بتحرير عريضة تطالب بإلغاء  حالة الطوارئ والأحكام العرفية التي مضى عليها 41 عاما وتنفيذ إصلاحات سياسية  واقتصادية·

5) عدم تجاوب الحكومة الكويتية مع وثيقة "الكويت وتحديات  جديدة" التي صدرت  في  الحادي عشر من أغسطس عام 2003 ووقع عليها وزراء سابقون وأطباء ومحامون وناشطون سياسيون ومثقفون كويتيون، وطالبت الوثيقة بإعادة تقييم التجربة الديمقراطية باتجاه مزيد من المشاركة السياسية وتوسيع الحريات عن طريق إدخال التعديلات الدستورية الضرورية وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وتنظيمها وخلق مؤسسات اقتصادية فاعلة·

6) إصرار الأنظمة العربية على ربط العملية الإصلاحية بالصراع العربي الإسرائيلي علما بأن المعركة الحقيقية يجب أن تبدأ بإصلاح الأنظمة العربية· إن الدفاع الحقيقي عن حقوق الشعب الفلسطيني يبدأ أولا بإعطاء الشعوب العربية كامل حقوقها السياسية وأن الديمقراطية التي ينعم بها شعب إسرائيل  هي أحد عناصر القوة وأحد أسباب انتصارها على الأنظمة الديكتاتورية·

 

الموقف من المشروع الأمريكي

 

لا شك أن الرهان على نظرية الإصلاح من الداخل رهان خاسر لان الإصلاح السياسي الذي يأتي بالمشاركة الحقيقية في صنع القرار يتعارض ومنطق الوصاية التي تتمتع بها القيادة السياسية، فالقيادة السياسية في معظم الدول العربية تتصرف وكأنها صاحبة السيادة وأنها مصدر السلطات جميعا وأنها وبحكم هذه الصلاحيات ترفض رفضا قاطعا المحاسبة من قبل الشعب والمشاركة الشعبية في صنع القرار·

إن منطق الوصاية الذي تتبناه معظم الأنظمة العربية هوالذي دفعها لتبني مبدأ التوريث في النظم الجمهورية مما مهد لها إعداد الأبناء لوراثة الحكم· واذا ما اضطرت هذه الأنظمة للانحناء أمام رياح التغيير القادمة من الولايات المتحدة والغرب  فإنها ستحاول إيهام الغرب بالتجاوب مع مطالب التغيير  وتقوم  ببعض الإصلاحات الشكلية مع الاحتفاظ بكامل السلطة لديها تماما كما هوحادث في أنظمتنا العربية الديمقراطية·

 

خدمة مصالح أم خدمة شعوب؟

 

ولا يختلف موقفنا من المشروع الأمريكي عن موقفنا من المبادرات العربية الإصلاحية فالمشروع والمبادرات إنما جاءا لخدمة أصحابهما وليس لخدمة شعوب المنطقة·

وهنا يحق لنا أن نتساءل فيما لو أن الإدارة الأمريكية  ستسمح  بالديمقراطية التعددية  و الحكومات المنتخبة في تلك المناطق التي تحتضن المصالح الاستراتيجية والنفطية للولايات المتحدة· وهذا هوأحد الأسباب الوجيهة التي تبرر رفض قطاع واسع من المثقفين العرب  للمبادرة الأمريكية·

في عام 1991 وفي اجتماع الغداء الذي ضم عددا من البحرينيين في منزل الملحق الثقافي الأمريكي قلت للسفير الأمريكي أن مثقفي شعب البحرين ينوون تحرير عريضة من أجل المطالبة بتفعيل الدستور وعودة الحياة النيابية ونحن  نتطلع الى مساندتكم لنا في هذا المشروع المطلبي· وبعد ابتسامته العريضة  رد السفير بالآتي "كيف تنشدون مساعداتنا لكم وأنتم الذين طالبتم في مجلسكم بعدم تجديد عقد التسهيلات الأمريكية في البحرين"·

ويمكن تلخيص موقف المثقفين العرب من  المبادرة الأمريكية في تعليق الأستاذ شبلي تلحمي وهوخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة مريلاند الأمريكية عندما قال "إن أكبر مشكلة يواجهها بوش بعد مرور ثلاث سنوات عليه في المنصب أن العرب لا يثقون فيه· وعندما لا تثق في البائع فانك لا تثق في السلعة التي يبيعها ولوكانت سلعة جيدة"·

لكن الشعوب العربية التي تعاني من قمع السلطة من جانب ومن تفكك القوى الوطنية نتيجة صراعاتها الفكرية والأيديولوجية من جانب آخر وجدت نفسها بين خيار المشروع الأمريكي وخيار مشاريع الأنظمة العربية وكلا الخيارين أحلاهما مر· 

ولأن الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي قد تحول خلال العقود الثلاثة الأخيرة الى مطلب جماهيري لدى الشعوب العربية وأنها قد دفعت تضحيات كبيرة من أجله فإنه ليس من الحكمة والمنطق رفض المشاريع القادمة رغم محدوديتها بدافع الريبة والشك في مصداقية المصدر·

ولكن اللعبة السياسية الذكية تقتضي منا أن نتعامل مع المشروع الأمريكي على أنه وليد الظرف الأمني وفي هذه الحالة يجب على النخب السياسية استثمار العملية الإصلاحية القادمة و تطويرها وتنميتها، وهذا الاستثمار يتطلب من القوى السياسية تجميد خلافاتها الأيديولوجية وصراعاتها الحزبية والدخول في الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة وذلك لخدمة هدفين أساسيين هما :-

·  احتضان المشروع القادم، والنضال المستمر من أجل تطوير العملية الديمقراطية، وتوسيع الحريات السياسية·

·  حماية العملية الإصلاحية والمشاركة الشعبية من الإلغاء في حال عدم توافقها مع مصالح القوى الخارجية أوتعرضها للإلغاء بقرار فوقي من قبل الأنظمة العربية الحاكمة كما حدث للتجربة البحرينية والكويتية والأردنية وغيرها من الدول العربية·

وهذا بالطبع يتوقف على مدى الوعي والنضج السياسي الذي يتمتع به الشارع السياسي العربي·

 

المراجع

أسلحة الخداع الشامل

Weapons Of Mass Deception

  لماذا يكره الناس أمريكا؟

Why  Do People  Hate America?

مظلة قوة الولايات المتحدة

The Umbrella of U.S. Power  

هل من الممكن تفعيل الديمقراطية؟

Can Democracy Be Designed?

طباعة