رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 جمادى الأخرى 1425هـ - 21 يوليو 2004
العدد 1637

"واعرباه"··· صرخة ولكن لا من مجيب
المرأة الفلسطينية تقدم أروع صور النضال في زمن الخنوع العربي

                                                                                     

 

·         تاريخ فلسطين يسجل للمرأة دوراً فاعلاً في عمليات مقاومة المحتل

·         آلة الحرب الصهيونية  تغتال 208 من نساء فلسطين

·         "وفاء إدريس" فاتحة العمل الفدائي لنساء فلسطين في الانتفاضة الحالية

·         46 حالة ولادة عند الحواجز العسكرية الإسرائيلية

·         حسب استطلاع قناة الجزيرة فإن %82.9 من العرب يؤيدون مشاركة المرأة الفلسطينية في العمليات المسلحة

·       ريم الرياشي "أم لطفلين  فدت بنفسها من أجل كرامة شعب بأكمله

 

إعداد : عبدالله عيسى الموسوي

باحث في  الصراع العربي - الإسرائيلي

يوليو - 2004

عندما تبتلى الدول بالاستعمار، تحتشد الشعوب، وتحاول إخراج كل مكنوناتها من القوة· وكلما تعاظمت فظاظة جنود الاحتلال وتزايد عدد الضحايا وتضخمت المعاناة الإنسانية، كلما كان الرد قوياً ومزلزلاً من جميع فئات الشعب·

واليوم، فإننا نستعرض في دراستنا الموجزة هذه نضال وتضحيات المرأة الفلسطينية خلال فترة الانتفاضة المباركة التي انطلقت شرارتها في أكتوبر - 2000·

وهذه التضحيات، وسام شرف على جبين الأمة العربية حيث إن هذه التضحيات قدمتها المرأة الفلسطينية في زمن الخنوع والذل العربي اللاهث وراء سراب وأوهام العملية السلمية·

وتنقسم دراستنا الموجزة هذه إلى قسمين رئيسيين:

الأول: الإرهاب الصهيوني بحق نساء فلسطين·

الثاني: الفدائيات··· أنبل نساء الأرض·

مع خلاصة أخيرة وتقييم عام·

 

- الإرهاب الصهيوني

بحق نساء فلسطين

 

أكد المركز العربي للبحوث والدراسات بقطاع غزة استشهاد 208 من نساء فلسطين أكثر من %35 منهن دون سن الثامنة عشر، وذلك منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية، وحتى نهاية شهر ابريل الماضي.

وقال المركز في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان: "المرأة الفلسطينية في دائرة الاستهداف الصهيوني" إن عدد الشهيدات في مدن الضفة الغربية 118 شهيدة و 88 في قطاع غزة وشهيدتين في القدس المحتلة.

وعرض الكتاب جوانب مرعبة من الإرهاب الصهيوني بحق النساء الفلسطينيات اللاتي قدمن الآباء والأبناء والأزواج والإخوة شهداء في سبيل عزة وكرامة الأمة الفلسطينية.

كما عمدت "إسرائيل" من خلال قواتها المسلحة إلى منع وعرقلة مرور الإمدادات الطبية وسيارات الإسعاف عبر الحواجز العسكرية التي أقامتها، ولم تكتف بذلك بل قامت بمهاجمة سيارات الإسعاف وأحدثت إصابات بالغة بنحو 275 سيارة إسعاف وإنقاذ مدني، في حين بلغ عدد مرات إعاقتها لمرور سيارات الإسعاف نحو 659 مرة حيث أدت هذه الإعاقات إلى حدوث 46 ولادة عند الحواجز العسكرية و إلى وفاة 27  جنيناً جراء حالات الولادة الإضطرارية.

ولعل من أروع صور التضحية والفداء، تلك التي سطرتها "أم نضال"، فهي أم فريدة من نوعها، باتت حديث الشارع الفلسطيني، وربما الشارع العربي، وكل من عرف قصتها، فقد ودعت ابنها الشهيد "محمد فتحي" وإلتقطت معه الصور التذكارية وقبلته، وهي تعلم أنه ذاهب إلى مصير محتوم حيث قالت بكل فخر : "لقد شرفنا الله بالعيش في هذه الأرض المباركة، أرض الرباط والمقاومة، فكيف لانرابط ولانقاوم، هكذا ربيت أبنائي".

كما قالت هذه الأم بتأثر بالغ في شريط الفيديو وهي تودع ابنها البطل : "يا بني.· يا فلذة كبدي وأغلى ما أملك في حياتي وليس من السهل على الأم أن تفرط في فلذة كبدها بسهولة إلاّ لشيء عظيم، وليس هناك أغلى من الدين والوطن لتدافع عنهما وتستشهد".

وقد لقبت "أم نضال" بالخنساء لأنها قدمت ثلاثة من أولادها مابين شهيد وأسير في سجون الإحتلال، وهي راضية ومؤمنة بقضاء الله وقدره·

وهناك قصة الحاجة كاملة التي يقشعر لها البدن لبشاعتها، فبعد أن أدت فريضة صلاة العشاء، استلقت الحاجة "كاملة سلمان - 70 عاماً" على سريرها الخشبي القديم، وشرعت تدعو كعادتها كل يوم لأحبائها وأقاربها، وخصت بالدعاء منهم الشهيد بهاء ابن زوجها، ثم استغرقت في نوم عميق لم تستيقظ منه، لأن جنود الإحتلال هدموا منزلها وهي بداخله وكتب الله لهذه العجوز أن تنضم لقوافل الشهداء.

وقد وصف أحد شهود العيان الموقف بقوله: "لقد كان المطر شديداً، وفوجئنا بالدبابات الإسرائيلية تقتحم المنطقة وحاصرت الحي سريعاً ثم رأيت جنود الإحتلال يخرجون عائلة الشهيد بهاء من المنزل ويزرعونه بالمتفجرات، وبعد أقل من نصف ساعة تم تدمير المنزل وقد سقط حائط المنزل على غرفة الشهيدة لتتوفى بالحال".

وتضيف إحدى الشهود وهي أم الشهيد "بهاء" بالقول: " كنا نائمين وسمعنا صراخ أبناء ولدي بهاء وجنازير الدبابات، فنظرت من النافذة لأجد الدبابات والجنود يحاصرون منزل ولدي ويخرجون أبناءه وزوجته، ثم وقع الإنفجار واهتز منزلنا بشكل كبير ثم ابتعدت الدبابات وعندما وصلت طرف الشارع اطلقت على الحطام قذيفة قريبة من منزل بهاء، وكانت غرفة الحاجة كاملة قريبة من منزل بهاء،  فذهبنا نرى ماحدث لها فوجدناها في سريرها، وقد سقط الجدار عليها.

أما الحاجة "نبيلة البرغوثي"، فهي تمثل حالة منتشرة بين الامهات الفلسطينيات عرفت بالصمود المعنوي أمام جنود الإحتلال، فقد اعتقلت قوات الإحتلال ابنها "راجي" بسبب نشاطه مع المقاومة. وتضيف قائلة: "كان ابني قريباً من المنزل لحظة الاجتياح ووصل الى المنزل ولكن بعد قليل جاء المحتلون وطلبوه، لم استطع منعهم، فقد دخلوا بالعشرات وكنت اخشى أن يعتقلوا باقي إخوانه، ولكنهم اكتفوا بتفتيش المنزل واكتفوا باعتقال راجي.·· لم أذرف دمعة واحدة أثناء عملية الاعتقال وحرصت أن أظل متماسكة أمامه حتى لايحزن أو يخاف منهم، ولكن ما إن خرج وحتى الآن لم تجف دموعي".

وتضيف المرأة بكل وعي: "إننا نسأل هنا، نحن نقدم ابناءنا ودماءنا ولكن أين العرب؟ متى سيتحركون لانقاذنا؟".

 

الفدائيات.·· أنبل نساء الأرض

 

عندما تشتد أوزار الحروب، وترتكب القوات الغازية، أو المحتلة شتى أصناف الإرهاب، تجد المرأة أخت الرجل  نفسها مضطرة للإنخراط في غمار العمل المسلح والخدمة في شتى المجالات في سبيل تقديم واجب الدفاع عن الأرض والحقوق.

وهناك نماذج عديدة - لا مجال لسردها - حدثت خلال القرن الماضي لتضحيات نساء عظيمات. في الجزائر إبان الإحتلال الفرنسي وخلال ثورة العشرين في العراق، وإبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.

وفي المثال الفلسطيني، قدمت المرأة الفلسطينية منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل 56 عاماً أروع صور التضحية والفداء في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية التي لاترحم.

وبالطبع، فإن "الفدائيات" يقدمن أروع صور الفداء والتضحية حيث تلاقي تضحياتهم قبولاً في الشارعين الفلسطيني والعربي. فقد اظهر استطلاع اجري في إحدى الجامعات الفلسطينية أن %96 من الطالبات يؤيدن العمليات الفدائية ويرغبن بالقيام بها ضد المحتل الإسرائيلي، بينما أثار إستطلاع للرأي نشر في موقع قناة الجزيرة على شبكة الإنترنت ان %82.9 من المصوتين من أغلب الأقطار العربية يؤيدون مشاركة المرأة في أعمال المقاومة التي تجري في فلسطين.

ولقد استطاعت الفدائيات تحريك المشاعر ليس في العالم العربي فحسب بل في كل ضمير حي في العالم، ولعل ما قالته "جيني تونج" النائبة البريطانية عن حزب الاحرار بمجلس العموم شهادة فخر. فهي قالت تحت قبة المجلس إنها لو كانت فلسطينية لسعت للإنضمام إلى قافلة الشهيدات، وكذلك ما قالته الكاتبة اليهودية "إيلانا هوفمان" في تصريح لها إن من النفاق أن يدعي عدد من قادة إسرائيل استهجان أن تقوم أم فلسطينية بتنفيذ "عملية انتحارية" رغم أنه من الطبيعي أن يهب أي انسان لقتل أولئك الذين يقتلونه ويسلبونه الحق في العيش بكرامة. ولايتغير الأمر كثيراً إن كان الفاعل شاباً أو رجلاً أو طفلاً أو عجوزاً، أو أماً ترعى أولادها.

ومنذ تفجر الانتفاضة الحالية ظلت العمليات الفدائية الثلاثين الأولى حكراً على الرجال، وذلك بسبب عدم تحمس قادة المقاومة لمسألة أن تفجر فتاة نفسها، لكن قادة حركات المقاومة تراجعوا بعد إلحاح من جانب عشرات الفتيات الراغبات في تقديم دمائهن فداءً لتراب فلسطين.

ويستدل على حجم التضحيات التي قدمتها المرأة الفلسطينية في عدد المعتقلات اللاتي دخلن السجون الإسرائيلية والذي يصل إلى عشرة آلاف امرأة وفتاة فلسطينية، مابين توقيف واحتجاز لعدة ساعات أو أحكام متفاوتة بالحبس.

وفي الأسطر التالية، نستعرض كوكبة من الإستشهاديات في الإنتفاضة الحالية.

- الفدائية وفاء إدريس: كانت فاتحة العمليات الفدائية حيث فجرت نفسها يوم 2002/1/27 وسط جمع من الصهاينة في مدينة القدس المحتلةحيث سقط 140 إسرائيلي مابين قتيل وجريح.

- الفدائية نورا شهلوب: مراهقة عمرها 15 عاماً لم تجد من يتحمس للف حزام ناسف حول خصرها فاستلت سكيناً وطعنت جندياً، والذي عاجلها بدوره بإطلاق النار عليها.

والشهيدة شهلوب كانت متفوقة في دراستها وتعيش في أجواء مادية جيد، ولعل أسباب إقدامها على هذه العملية يمكن فهمه من خلال وصيتها التي جاء فيها: "إن الأوان قد حان أن يحس الإحتلال بأنه ليس له أمان في ديارنا وأرضنا، وقد قررت أن أقتحم هؤلاء المتغطرسين على الحاجز الملعون واقتلهم".

- الفدائية دارين أبو عيشة: في 2002/3/27 نفذت الشهيدة العملية الفدائية الثالثة التي تقوم بها فتاة فلسطينية وأدت إلى إصابة ثلاثة جنود صهاينة.

والشهيدة كانت في الثانية والعشرين من عمرها وتدرس بالسنة النهائية في الجامعة وكان يغضبها دائماً المضايقات التي يمارسها الجنود بحق الأبرياء وتؤكد بأن الإنتقام منهم يجب أن يكون قاسياً.·· وقد كان.

- الفدائية آيات الأخرس: يوم 2002/3/29 كانت عشرات الدبابات وآلاف الجنود الصهاينة يحتلون مدينة رام الله ويقتحمون مقر الرئيس ياسر عرفات بينما كانت شابة فلسطينية تبلغ من العمر 18 عاماً من مخيم "الدهيشة" تتقدم نحو حي تجاري في وسط القدس المحتلة حيث الإجراءات الأمنية المشددة وتفجر نفسها فتقتل ثلاثة مستوطنين وتصيب أكثر من ثلاثة وعشرين آخرين.

- الفدائية عندليب طقاطقة: كانت الشهيدة صاحبت حظ أوفر، فعندما نفذت عمليتها يوم 12/4/2002 قتلت ستة إسرائيليين وأصابت 85 آخرين في مدينة القدس المحتلة.

وقد قالت لأمها وهي تغادر المنزل للقيام بالعملية إن خطاباً سيأتون إليها في المساء لطلب يدها وتمنت عليها أن تحسن استقبالهم. أما في وصيتها فقد أكدت فيها إنها اختارت أن تقول بجسدها الطاهر ما عجز القادة العرب عن قوله.

- الفدائية هبة دراغمة: توالى موكب الشهادة، وسارت على نفس الدرب هبة دراغمة الطالبة بجامعة القدس والتي فجرت جسدها الطاهر في شمال تل أبيب يوم 2004/5/19·

- الفدائية هنادي جرادات: كانت أوفر الفدائيات حظاً، إذ نفذت أكبر عملية من نوعها أسفرت عن مقتل 20 إسرائيلياً وجرح مائة في 2003/10/4 في أحد مطاعم حيفا.

وهنادي كانت تعمل محامية وهي متفوقة في حياتها العملية لكنها إختارت ماهو أعظم من الحياة الفانية.

- الفدائية ريم الرياشي، فقد كانت أماً لطفلين صغيرين أحدهما لم يتجاوز عمره 18 شهراً والاخر لم يتجاوز الثالثة من عمره. ريم هي أول أم فلسطينية تفضل أن يعيش أطفالها يتامى ولا يعيش وطنها ذليلاً. وقد ودعت ريم طفليها مع زوجها الصابر حين غادرت منزلها في غزة صباح يوم 2004/1/14 ومضت الى هدفها دون أن تختلس نظرة إلى الوراء لتملأ عينيها بصورة الطفلين اللذين لن تراهما بعد ذلك.

ريم التي لم تتجاوز 22 عاماً، تقدمت بكل ثقة نحو حاجز عسكري وهي تلف الحزام الناسف حول خصرها، وحين أطلق الحاجز الإلكتروني جرساً منبها إلى إنها تحمل شيئاً معدنياً، فإنها لم تهتز، وبذات الدرجة من الثبات أخبرت الجنود الإسرائيليين بأن ثمة قطعة من البلاتين مزروعة في ساقها التي إدعت إصابتها من قبل. وانخدع الجنود نظراً للأطمئنان البادي على وجهها، واحتجزوها جانباً لتفتيشها وعند حضور وحدة التفتيش فجرت نفسها فقتلت أربعة وجرحت عشرة آخرين.

وهكذا، تصنع الفتيات الفلسطينيات حالة تضحية قصوى تلطم وجوه كل الخائفين والمترددين وتجار التسوية، وتنتزع الفجر القادم من بين أنياب الغول.

فسلام عليهن يوم ولدن ويوم استشهدن ولا سلام على المتخاذلين  - خلاصة أخيرة وتقييم عام

بعد هذه الجولة السريعة، يتبين لنا كم هي عظيمة المرأة الفلسطينية التي قدمت - ولاتزال - الغالي والنفيس في سبيل استعادة الأرض والمقدسات من براثن المحتل الصهيوني الغاصب.

وهذه المرأة، التي صرخت مراراً "واعرباه"، لم تجد منادياً من أمة قبلت بالذل والخنوع والاستسلام، فماذا عساها أن تفعل؟ هل تبقى مكتوفة الأيدي لمجرد كونها امرأة؟ أو تفدي بنفسها وأهلها لكي لا تبقى أسيرة مناشدة أمة العرب؟

هذا ما فعلته نساء فلسطين··· فتحية عز وإباء لكل امرأة في هذه الأرض الطاهرة·

 

 

 

 

طباعة