رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 جمادى الأخرى 1425هـ - 21 يوليو 2004
العدد 1637

نيغروبونتي ولد في لندن لأب يوناني ونشأ في انكلترا وسويسرا ونيويورك ويتقن 5 لغات
رجل العراق القوي·· من هو وما سلطاته؟

               

 

·         فتح السفارة يعني انتزاع ملف العراق من أيدي المحافظين الجدد

·         مهامه الرئيسية نقل السلطات والتعاون  مع علاوي وكيسي وتحسين صورة أمريكا

·         لاحقته الاتهامات بدعم "كتائب الإعدام" والتغاضي عن حقوق الإنسان في هندوراس عندما كان سفيرا

 

بقلم: روبرت كورنويل

في النهاية، دخل جون نيغروبونتي الى بغداد خلسة كشبح من أشباح الليل وليس كمبعوث مطلق الصلاحيات للدولة العظمى الوحيدة في العالم، فبعد ساعات من مغادرة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر إثر تسليم السلطة لحكومة عراقية موقتة، وصل نيغروبونتي دون إعلان، وتسلم صلاحياته كأول سفير أمريكي في عراق ما بعد صدام·

وسيكون لنيغروبونتي في القريب العاجل، حضوره الفاعل سواء أُعلن عن ذلك أم لم يُعلن، ولن يكون ذلك بالطريقة الفجة والمتعجرفة التي اتبعها بريمر، بل بأسلوب هادئ ويبدو أقل مما هو في الحقيقة لواحد من أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين خبرة ومهارة، ويقول زملاؤه بأنه يصر بتواضع على أن مهمته في بغداد هي ببساطة نقل أكبر قدر ممكن من السلطات الى العراقيين بأسرع وقت ممكن، وفي الواقع، ربما يضطلع نيغروبونتي الآن بالمنصب الدبلوماسي الأكثر تحديا وخطورة في العالم·

فهو يترأس الطاقم الدبلوماسي الأضخم من أي طاقم آخر في أي دولة، حيث سيصل عدد طاقم السفارة الأمريكية في بغداد الى ثلاثة آلاف شخص، وهو الذي سيشرف على إنفاق المساعدات الأمريكية للعراق والتي تقدر بـ 18 مليار دولار، وعليه أن يقيم علاقة عمل جيدة مع الحكومة الانتقالية برئاسة أياد علاوي ومع قائد القوات الأمريكية الجديد في العراق الجنرال جورج كيسي، ولا شك أن عليه مساعدة البلاد لإجراء أول انتخابات وسن أول دستور للبلاد، والأهم من ذلك تحسين صورة الولايات المتحدة التي تلطخت في العراق من خلال تحويل محتل غير مرغوب فيه الى صديق موثوق فيه·

 

المهمة المستحيلة

 

فهل هي المهمة المستحيلة؟ ربما، ولكن هناك بعض المؤشرات التي تبعث على التفاؤل، أولا، أن مجرد وجود نيغروبونتي يشير الى أن السياسة الأمريكية في العراق قد انتقلت من التخبط والأجندة الأيديولوجية التي يقودها المسؤولون المدنيون في البنتاغون الى مسؤولي وزارة الخارجية الأكثر نضجا، لقد كان بول بريمر يرفع تقاريره الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز، أما رئيس نيغروبونتي فهو صديقه القديم كولين باول·

وسيكون نيغروبونتي - كما كان بريمر - الرجل الأقوى في العراق ولكن السلطة التي يتمتع بها ستكون ذات طبيعة ألطف، وإذا كان هو الذي يشد خيوط اللعبة، فإنه لن يفعل ذلك على الملأ، على العكس من بريمر الذي كان يصدر عشرات الأوامر كل يوم·

ويقول ريتشارد هولبروك الذي سبق له أن تولى - كما نيغروبونتي - منصب مندوب الولايات المتحدة الدائم في الأمم المتحدة، يقول عنه إن "جون يتمتع بالدقة واللياقة حين يتعلق الأمر بالطبقات المعقدة من الدوافع والسلوك، على العكس من بريمر الذي يرى كل شيء من منظور أبيض أو أسود·

وتعود صداقة هولبروك الذي يرجح أن يتسلم حقيبة الخارجية في حال فوز المرشح الديمقراطي جون كيري في انتخابات الرئاسة، الى خدمتهما معا في السفارة الأمريكية في سايغون في منتصف الستينات، وكان ثالثهما آنذاك انطوني ليك أول مستشار للرئيس بيل كلينتون لشؤون الأمن القومي، والصديق الوثيق لنيغروبونتي·

وقد اتضحت طريقة عمل السفير الجديد في العراق في أثناء فترة عمله في الأمم المتحدة على مدى العامين ونصف العام الماضيين، فهو لم يحد أبدا عن خط واشنطن، ولكنه كان يقرأ النص بطريقة مختلفة عن المحافظين الجدد المولعين بالحروب في واشنطن·

ولم يكن ليعطي الصحافيين الكثير من المعلومات لكنهم - مع ذلك - كانوا معجبين بطريقته في الرد على الأسئلة متنقلا بين اللغة الإنكليزية الى الإسبانية ثم الفرنسية وفقا للغة السائل·

 

ضغوط ثلاثية

 

ويعرف عن جون نيغروبونتي انضباطه الدبلوماسي الحديدي، لدرجة كان يصعب على الصحافيين انتزاع أي معلومات لا يريد الإدلاء بها منه، ولم يحدث أن خانه لسانه ذات يوم ولم يسع أبدا لتحقيق المجد لذاته، وله سمعة جيدة بالنزاهة والكياسة، وهما صفتان ليستا متوفرتين كثيرا لدى إدارة بوش، وذلك علي الرغم من أنه لم يكن راضيا تماما عن عمله في الأمم المتحدة، ليس فقط لأنه كان يواجه ضغوطا ثلاثية الأبعاد من: "البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية" لم تترك له دورا في صوغ السياسة الأمريكية تجاه العراق، بل أيضا لأنه لم يكن يتمتع بوضع وزير كما كان الوضع بالنسبة لمندوب الولايات المتحدة الدائم في الأمم المتحدة في عهد كلينتون·

وربما كان ذلك محبطا بما يكفي بالنسبة لرجل كان يتصور بعد طول خدمته الدبلوماسية التي شملت هونغ كونغ وفيتنام والاكوادور وهندوراس واليونان والمكسيك والفلبين، بأنه سيتخلص من الأعباء الدبلوماسية بعد تقاعده عام 1997، ولكن صديقه القديم كولين باول أقنعه بالعدول عن التقاعد وترك وظيفته المجزية في شركة ماكغرو هيل للإعلام وتولى منصب المندوب في المنظمة الدولية، وهو الذي أوكل له المهمة الصعبة في العراق التي وصفها باول بـ "الأصعب والأكثر أهمية "في الحكومة الأمريكية، والمصاعب التي يواجهها نيغروبونتي ستكون شخـــصــية ومهنية معا·

فهو ممنوع من قبل وزارة الخارجية "وبحكم الظروف الراهنة في العراق" من اصطحاب عائلته الى بغداد، وسوف يضطر الى الابتعاد عن زوجته البريطانية ديانا وأبنائه الخمسة بالتبني "من هندوراس" لبعض الوقت·

 

خلفية كوزموبوليتانية

 

أما في نيويورك، فقد ترك نيغروبونتي سجلا مشوشا، فله يعود الفضل في إقناع أعضاء مجلس الأمن الآخرين في عام 2002 بتبني قرار 1441 بالإجماع والذي أعطى صدام حسين فرصة أخيرة للتخلي عن أسلحته للتدمير الشامل أو مواجهة الحرب، ومما يزيد من أهمية ذلك الإنجاز أنه بذل ذلك الجهد من على سرير المرض حيث كان قد خضع لعملية استئصال ورم سرطاني من البروستاتا·

وهناك قلة من الدبلوماسين ممن لديهم خلفية كوزموبوليتانية كنيغروبونتي الذي ولد في لندن لأب يوناني ونشأ في انكلترا وسويسرا ونيويورك، وهو يجيد خمس لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية واليونانية والفيتنامية، وقد درس في أكــاديمــية أكـستر EXETER ACADEMY ثم جامعة ييل، YALE وانضم الى العمل الدبلوماسي عام 1960، وسرعان ما اخترق أوساط صنع القرار السياسي على أعلى المستويات وكان ضمن الوفد الأمريكي لمؤتمر باريس الذي وضع حدا للدور الأمريكي في فيتنام برئاسة هنري كيسنجر·

وبعد أن تزوج من ديانا البريطانية التي تمتهن المحاماة، تسلق نيغروبونتي درجات السلم الدبلوماسي وعمل سفيرا في المكسيك وبنما والفلبين وهندوراس، وإذا كانت هندوراس وفرت له ولزوجته متعة على المستوى الشخصي حيث تبنيا خمسة أبناء من هناك، فقد مثلت تجربة هندوراس جروحا مؤلمة على المستوي المهني وذلك لاتهامه بغض النظر عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقعت هناك خلال الفترة من 81-1985، حيث كان وقتها سفيرا للولايات المتحدة هناك·

وقامت الولايات المتحدة في أثناء توليه السفارة بمساعدة ثوار الكونترا لإطاحة الحكومة الساندنستية اليسارية في نيكاراغوا، واتخذت واشنطن من هندوراس الديمقراطية والصديقة، منطلقا لشن هجمات الثوار وملجأ لهم حين كانوا يضطرون للفرار من الحكومة النيكاراغوية·

 

كتائب الإعدام

 

لقد كانت مهمة نيغروبونتي الحفاظ على الجنرالات الذين كانوا في الواقع يحكمون هندوراس وتقديم المساعدة لهم ماليا وعسكريا، والتهمة التي وجهت إليه آنذاك هي أنه ضحى باحترام حقوق الإنسان من أجل تحقيق أهداف استراتيجية، وفي جلسة الكونغرس للمصادقة على تعيينه مندوبا في المنظمة الدولية عام 2001، ظهرت أدلة على أنه كان على علم تام بالانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان على يد الجنرالات ضد اليساريين في هندوراس، بما في ذلك كتائب الإعدام، لكنه رفض التدخل لوقفها، وتقول منظمات حقوق الإنسان أيضا، إنه لم يبلغ حكومته بتلك الانتهاكات خشية أن يوقف الكونغرس المساعدات لتلك الدولة الأمريكية الجنوبية·

ويقول عضو الكونغرس في هندوراس السابق أفرايم دياز أن "موقف السفارة الأمريكية آنذاك كان يتمثل بالتغاضي والصمت· فالأمريكيون كانوا بحاجة الى هندوراس لاستخدامها في الحرب على نيكاراغوا أكثر من اهتمامهم بمصير الناس الأبرياء الذين كانوا يقتلون في هندوراس·

وقد تبين لصحيفة "بالتيمور صن" التي أجرت تحقيقا حول الموضوع استنادا الى وثائق أفرج عنها أخيرا، أن وكالة المخابرات المركزية "سي· آي· إيه" والسفارة الأمريكية كانتا على علم بالكثير من الانتهاكات لكنهما واصلتا دعمهما لفرقة الإعدام المعروفة بـ "الفرقة 3-16"، وكانتا تحرصان على حذف أسوأ التفاصيل من التقارير السنوية للسفارة حول حقوق الإنسان، ومع ذلك، ما زال نيغروبونتي يرفض هذه الاتهامات وأصر على أن انتهاكات حقوق الإنسان لم تكن سياسة حكومية في هندوراس، وأنه لم تكن هناك فرق منظمة للإعدام·

 

دور قيادي

 

وفي النهاية، وبسبب الظروف التي خلقتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت بينما كانت تجري جلسات الاستماع في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس، فقد حصل نيغروبونتي على موافقة الكونغرس لتولي منصب المندوب في الأمم المتحدة بأغلبية 14 صوتا مقابل معارضة 3 أصوات·

وفي الشهر الماضي أيضا، اندفع أعضاء اللجنة للمصادقة على تعيينه سفيرا في بغداد، ولم يعاود نبش ماضيه في هندوراس، إلا أن أحد نشطاء حقوق الإنسان قاطع جلسة الاستماع وتوجه بالسؤال "وماذا عن فرقة الإعدام 3-16 يا مستر نيغروبونتي؟" ساد الصمت قليلا، لكن رجال الأمن أخرجوا ذلك الرجل من الجلسة، وقد حافظ نيغروبونتي على هدوئه المعهود، فلماذا ينزعج طالما أن أحدا من أعضاء اللجنة لم يوجه له مثل هذا السؤال؟ أما الآن، فسوف يضطلع نيغروبونتي بالدور القيادي في العراق، حيث أنظار العالم كلها مسلطة على المشهد، على العكس مما كان عليه الوضع في هندوراس·

 

" عن الإندبندنت "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com 

طباعة  

لإجبارها على الالتزام بالشرعية الدولية
لا بديل عن فرض العقوبات ضد إسرائيل

 
العرب يكررون في دارفور خطأ الصمت عن حلبجة