رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 جمادى الأخرى 1425هـ - 28 يوليو 2004
العدد 1638

كيف سيطر المسيحيون الصهاينة على السياسة الخارجية الأمريكية؟
المسيحيون الصهاينة أكثر تعصبا لإسرائيل من اليهود الصهاينة

    

 

·         تأييد اليمين المسيحي لإسرائيل ليس خوفا على الشعب اليهودي بل لتسريع عودة المسيح!

·         بوش يؤمن أن الله اختاره رئيسا لأمريكا ليدافع عنها ويخلص العالم من الشر

·        أمريكا وإسرائيل تتشابهان في أنهما مستوطنون فارون من الاضهاد الديني قاموا بالمجازر ضد سكان البلاد الأصلية

·         درجة خضوع بوش لشارون أذهلت حتى أشد اليهود تطرفا

·         مسؤولية تاريخية تقع على عاتق الكنائس الليبرالية لدفع الظلم عن الفلسطينيين

 

 

 بقلم: ستيفن زوبنس

أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج دراسات العدالة والسلام في جامعة سان فرانسيسكو ويشغل الآن منصب رئيس تحرير مشروع "فورين بلويسي إن فوكس"، ومؤلف كتاب "سياسة أمريكا الشرق أوسطية وجذور الإرهاب"

 

برزت في السنوات الأخيرة حركة الأصوليين البروتوستانت اليمينية والمسيسة كعنصر رئيسي في الدعم الأمريكي لسياسات حكومة الليكود اليمينية في إسرائيل·

ولفهم هذا التأثير، من المهم إدراك أن صعود اليمين المتدين كقوة سياسية في الولايات المتحدة يعد ظاهرة جديدة نسبيا ظهرت كجزء من استراتيجية محسوبة لزعماء الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الذين أدركوا الحاجة لكسب تأييد هذه الشريحة الرئيسية في المجتمع الأمريكي من أجل امتلاك القوة السياسية، وإن كان الأصوليون المسيحيون أنفسهم لا يشاطرونهم الرأي·

تقليديا، لم يكن الأصوليون البروتوستانت في الولايات المتحدة ناشطين في السياسات القومية تحديدا، ونُظر إليهم منذ زمن طويل بأنهم دنيويون وفاسدون، ولكن تغير ذلك في أواخر السبعينات كجزء من محاولة محسوبة من قبل المحافظين الجمهوريين الذين أدركوا أنه طالما ظل الحزب الجمهوري يتخذ طابع السياسات الخارجية القائمة على القوة العسكرية والمقترحات الاقتصادية التي تصب في مصلحة الأثرياء، فإنه سيبقى حزب الأقلية، فعلى مدى العقود الخمسة الماضية، فاز الجمهوريون بأربعة انتخابات للرئاسة من أصل 12، وسيطروا على الكونغرس مرتين من أصل 24 دور انعقاد·

 

أجندة يمينية

 

وقد تمكن المخططون الاستراتيجيون للحزب الجمهوري من خلال حشد تأييد الزعماء اليمينيين المتدينين وتبني مواقف محافظة في القضايا الاجتماعية المهمة مثل حقوق المرأة والإجهاض والثقافة الجنسية والشذوذ الجنسي، تمكنوا من كسب تأييد الملايين من الأصوليين المسيحيين، الذين لم يكونوا بسبب دخولهم المتدينة، يميلون للتصويت للحزب الجمهوري·

وقام الجمهوريون من خلال منظمات "الغالبية الأخلاقية" و"التحالف المسيحي" وباستخدام الإذاعة والتلفزيون، من الترويج لأجندة سياسية يمينية، ومنذ أن كسبوا هذه الشريحة المهمة الى جانبهم، تمكن الجمهوريون من الفوز بأربعة انتخابات للرئاسة من أصل ستة انتخابات وسيطروا على الكونغرس في سبع دورات انعقاد من أصل اثنتي عشرة دورة، وسيطروا على مجلس النواب طوال العقد المنصرم·

ونتيجة لحاجة الحزبين الى خطب ودعم، أصبح اليمينيون المتدينون يشاركون في الاقتراع أكثر مما يفعل المواطنون العاديون وأصبحوا أكثر نشاطا على الساحة السياسية، ويشكل اليمين المسيحي نحو سبع الناخبين الأمريكيين وهم الذين يقررون أجندة الحزب الجمهوري في نحو نصف الولايات، خاصة في الجنوب والوسط الغربي أو الـ Midwest·

وقد أشار القس باري لين من حركة "الأمريكيون متحدون على فصل الكنيسة عن الدولة" الى أن "الأنباء الطيبة هي أن "التحالف المسيحي" في طريقه الى الانهيار، أما الأنباء السيئة أن الناس الذين يديرونه هم أركان رئيسيون في الإدارة"·

وكما أوردت صحيفة "واشنطن بوست" أخيرا، فإنه "للمرة الأولى منذ أصبح المحافظون المتدينون حركة سياسية حديثة، يصبح رئيس الولايات المتحدة، الزعيم الفعلي لهذه الحركة"، وقد عبر الزعيم السابق لحركة "التحالف المسيحي رالف ريد عن الشعور بالنصر حين قال "لم نعد نلقي بالحجارة على المبنى، بل أصبحنا داخله وإن الله يعرف قدرة الرئيس جورج بوش على قيادة هذا الطريق الواعد"·

لقد أيد الليبراليون الأمريكيون إسرائيل منذ زمن طويل على اعتبار أنها تشكل ملاذا لليهود الذين تعرضوا للاضطهاد ولأنها بنت نظاما ديمقراطيا (لمواطنيها اليهود)، وقد حض هؤلاء الليبراليون وبتأثير من اليهود الصهاينة الذين يتمتعون بنفوذ أكبر من حجمهم داخل الحزب، حضوا الحزب الديمقراطي على تبني سياسات متشددة تجاه الفلسطينيين والعرب، وعلى الرغم من أنهم أكثر تشددا في معظم قضايا السياسة الخارجية، إلا أن الجمهوريين كانوا يتخذون - تقليديا - مواقف أكثر اعتدالا، ويعود ذلك في جزء منه الى روابط الحزب بالصناعة النفطية ولأن الجمهوريين يخشون من أن التمادي في دعم إسرائيل قد يدفع القوميين العرب الى تبني سياسات مؤيدة للاتحاد السوفييتي في الماضي، أو قريبة من الإسلاميين حاليا، ولكن هذه المعادلة تغيرت بفضل نفوذ اليمين المسيحي، وبالرغم من أن دعم الأصوليين المسيحيين لإسرائيل يعود لسنوات طويلة، إلا أنه أصبح أخيرا واحدا من القضايا الرئيسية للحركة·

 

صوت مسموع

 

ونتيجة لتجدد اهتمام الأصوليين بإسرائيل وبالاعتراف بالنفوذ السياسي للحركة، أصبح اليهود الأمريكيون أقل إحجاما عن تحالف اليمين المسيحي، فمثلا، يتلقى زعيم الأصوليين غاري باور الآن، الدعوات لإلقاء الخطابات أمام مؤتمرات المنظمات اليهودية التي كانت تتردد في التعامل مع الحركة قبل إدارة بوش الحالية، وهذه ظاهرة ديموغرافية في جزء منها، فاليهود لا يشكلون سوى 3 في المئة من الشعب الأمريكي، ونصفهم تقريبا يؤيد سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية·

ويعرف الإسرائيليون كذلك قوة النفوذ السياسي لليمين المسيحي، فمنذ عام 2001، التقى باور بالكثير من أركان الحكومة الإسرائيلية وبرئيس الوزراء أرييل شارون، وأشار رئيس الوزراء السابق ووزير المالية الحالي بنيامين نتانياهو الى "أنه لا يوجد أصدقاء وحلفاء لنا أعظم من الجناح اليميني المسيحي الأمريكي"·

لقد كانت الإدارات الجمهورية قادرة على الصمود أمام مجموعات الضغط الصهيونية حين كانت تعتبر ذلك ضروريا لمصلحة الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، مارست إدارة دوايت ايزنهاور الضغط على إسرائيل في أثناء أزمة السويس عام 1956، وباعت إدارة ريغان طائرات مزودة بأنظمة أواكس للمملكة العربية السعودية، وحجزت إدارة بوش "الأب" عشرة مليارات دولار كانت ستمنح لإسرائيل على شكل ضمانات قروض الى ما بعد الانتخابات العامة في إسرائيل عام 1992·

ومع النفوذ المتنامي لليمين المسيحي، فإنه لم يعد من السهل تحقيق مثل هذه الاستقلالية في الرأي، فللمرة الأولى أصبح للحزب الجمهوري جمهور انتخابي كبير من الموالين لإسرائيل لا يمكن تجاهله، وهناك لقاءات مستمرة ومطولة بين مسؤولي البيت الأبيض بمن فيهم اليوت ابرامز مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، مع ممثلي اليمين المسيحي، وكما قال عضو بارز في الحزب الجمهوري، فإن أعضاء اليمين المسيحي "لهم صوت مسموع وتمكنوا من تغيير مركز الجاذبية باتجاه إسرائيل وفرضوا نفوذهم على صنع القرار"، وفي الواقع، فإن درجة تأييد إدارة بوش لشارون أذهلت أشد اليهود الصهاينة تطرفا·

 

صعود قوة المسيحيين الصهاينة

 

يبدو إذن أن مسيحيي الجناح اليميني الصهاينة، هم الآن أكثر أهمية في صوغ السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل من اليهود الصهاينة، كما أشارت الى ذلك ثلاثة حوادث أخيرة·

فبعد التنديد الأولي لإدارة بوش لمحاولة اغتيال القيادي في حركة حماس عبدالعزيز الرنتيسي في يونيو 2003، حشد اليميني المسيحي جمهور ناخبيه لإرسال آلاف الرسائل الالكترونية الى البيت الأبيض التي يحتجون فيها على الانتقادات الأمريكية، وكان العنصر الرئيسي في تلك الرسائل هو التهديد بعدم مشاركة اليمين المسيحي بالتصويت في الانتخابات إذا بقيت الضغوط على إسرائيل، وبعد 24 ساعة فقط، حدث تغير ملموس في لهجة الرئيس بوش، وفي الواقع، حين سقط الرنتيسي ضحية عملية اغتيال ناجحة في شهر أبريل الماضي، انبرت إدارة بوش للدفاع عن إسرائيل كما فعلت لدى اغتيال الشيخ أحمد ياسين·

وحين أصرت إدارة بوش على أن توقف إسرائيل عملية اجتياح الضفة الغربية في أبريل 2002، تلقى البيت الأبيض أكثر من 100 ألف رسالة احتجاج الكترونية  من المحافظين المسيحيين، مما دفع بوش لتأييد العملية الإسرائيلية على الفور، وعلى الرغم من معارضة وزارة الخارجية، تبني الكونغرس الخاضع لسيطرة الجمهوريين قرارا يضع فيه اللوم على الفلسطينيين وحدهم لاندلاع أعمال العنف·

وحين أعلن بوش تأييده لخطة خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، تلقى البيت الأبيض أكثر من 50 ألف رسالة الكترونية من المحافظين المسيحيين يعارضون فيها أية خطة تتضمن قيام دولة فلسطينية فتراجعت الإدارة عن موقفها، وهكذا أصبحت المبادرة في حكم الميتة الآن·

 

الخير مقابل الشر

 

تقوم الثيولوجيا اليسوعية على الإيمان بإسرائيل المهيمنة كتبشير لعودة المسيح وتشكل هذه العقيدة جزءا مهما من تأييد اليمين المسيحي لدولة إسرائيل العسكرية والتوسعية، والمسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة تتبنى عقيدة أكثر خطورة هي تقسيم العالم الى خير مطلق وشر مطلق·

لقد أعلن بوش في اليوم التالي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 "سيكون هذا صراعا مستمرا بين الخير والشر، وسوف ينتصر فيه الخير"، وأضاف أنه تم استهداف الولايات المتحدة ليس لدعمها الدكتاتوريات العربية أو التواجد العسكري في الشرق الأوسط أو الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي أو الانعكاسات الإنسانية للسياسة الأمريكية في العراق، بل ببساطة "لأنهم يكرهون حريتنا"·

والأكثر إثارة للقلق، أن يشير بوش بصورة متكررة الى أن الله "استدعاه" ليكون رئيسا للولايات المتحدة، فقد أشار الكاتب المخضرم بوب وودورد أن "بوش كان ينظر الى مهمته والدور المنوط ببلاده من خلال خطة الله الرئيسية" حيث وعد الرئيس بـ "تصدير الموت والعنف الى الجهات الأربع من الكرة الأرضية، دفاعا عن هذه البلاد العظيمة وتخليص العالم من الشر" على حد تعبير بوش نفسه، وباختصار، فإن بوش يؤمن بأنه قبل بمسؤولية قيادة العالم الحر كجزء من "خطة الله"!

بل إنه أبلغ رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمود عباس أن "الله طلب مني ضرب تنظيم القاعدة فضربته ثم طلب مني أن أضرب صدام حسين، وهو ما فعلته"·

فقد أصبح العراق بابل الجديدة وحلت "الحرب على الإرهاب" محل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي "السابق" باعتبارها صراعا بين الخير والشر·

 

صلات ثقافية

 

التضامن الذي يبديه الكثير من الأمريكيين مع إسرائيل يتجذر في المهمة التاريخية المشتركة، فكلا الدولتين تتزلفان من ضحايا فروا من الاضطهاد الديني استوطنوا البلاد الجديدة وأقاموا فيها دولة ذات مثاليات عالية ونظام سياسي يقوم على مؤسسات تقدمية نسبيا وديمقراطية، وأقام كلا الشعبين دولتيهما من خلال القمع والمجازر وطرد سكان البلاد الأصليين، ويخلط الكثير من الأمريكيين - كما الإسرائيليين - بين الدين والأيديولوجية القومية، فقد اعتبر عالم الأديان البارز في القرن السابع عشر جون وينثروب، أمريكا مثل "مدينة على تلة" وبأنها "ضوء على الأمم"، وفي الواقع، هناك شكل من أشكال الصهيونية الأمريكية التي تدعي وجود إلهام إلهي تبرر كل ما يمكن اعتباره سلوكا غير مقبول، تماما كما دافع وينثروب عن المجازر التي ارتكبها المستوطنون الجدد ضد قبائل بيغوت Pequot المنتمية للهنود الحمر في ولاية ماساتيوشتس باعتبار أن ذلك أمرا إلاهيا، ودافع عالم الأديان في القرن التاسع عشر عن التوسع الأمريكي غربا باعتباره "قدرا محتوما" وإرادة الله، ولم تتوقف مثل هذه الرؤى الدينية عند حدود المحيط الأطلسي، بل إن غزو الفلبين عام 1890 وجد تبريره عند الرئيس الأمريكي "آنذاك" وليام ماكنلي وآخرين بأنه جزء من محاولة "لإنقاذ" و"تنصير" سكان تلك البلاد متجاهلين حقيقة أن سكان الفلبين "الذين كانوا قد تخلصوا من المستعمرين الأسبان وأسسوا أول دستور ديمقراطي في آسيا" كانوا مسيحيين بنسبة 90 في المئة·

وبالمثل اليوم، يعتقد اليمين المسيحي أن مبدأ بوش والتوسع العسكري والاقتصادي الأمريكي هو جزء من خطة إلاهية·

فعلى سبيل المثال، أورد نائب الرئيس ديك تشيني وزوجته لين في بطاقة التهنئة بعيد الميلاد عام 2003 الاقتباس التالي: "إذا كان طائر الدوري لا يمكنه أن يهبط على الأرض دون أمره، فهل من المحتمل أن يعلو شأن امبراطورية دون مساعدته؟"·

ولكن هل مثل هذا التفكير طبيعي في الولايات المتحدة؟ تظهر استطلاعات الرأي أن الفجوة الأيديولوجية بين المحافظين المسيحيين والأمريكيين الآخرين حيال الغزو الأمريكي للعراق و"الحرب على الإرهاب" أكبر من الفجوة بين المحافظين المسيحيين والأمريكيين الآخرين فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين·

ربما يكون اليمين الأمريكي - في كثير من النواحي - لديه درجة القلق ذاتها على الأقل، حول كيف يمكن لإسرائيل أن تساعد الولايات المتحدة وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد إسرائيل·

وبسبب إرث معاداة السامية لدى معظم المسيحيين الصهاينة، هناك إدراك منذ زمن طويل بأن الدعم لإسرائيل من قبل الأصوليين الأمريكيين لا ينطلق من الخوف على الشعب اليهودي بحد ذاته، بل رغبة في تسريع عودة المسيح، ومثل هذا الفكر النفعي ينطبق أيضا على أولئك الذين يسعون لتوسيع الامبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط لأسباب دينية وغير ذلك، وعلى الرغم من أن هناك مبررا قويا للاعتقاد بأن دعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي يضر بالمصالح الأمريكية في نهاية الأمر، يظل هناك تصور سائد على نطاق واسع، بأن إسرائيل تشكل رصيدا مهما للأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك·

 

حسابات استراتيجية

 

تعتبر مناصرة واشنطن لإسرائيل، مثل تأييدها للكثير من الحكومات القمعية الأخرى، جزءا من حسابات استراتيجية أكثر من كونها مجرد سياسة أثنية، فحين يتم اتخاذ قرار، فإن الاعتبارات الجيوسياسية ترجح على الولاءات الأثنية، على سبيل المثال، ظلت واشنطن طوال ما يقرب من الربع قرن تؤيد الاحتلال الوحشي لتيمور الشرقية من قبل أندونيسيا، وما تزال حتى اليوم تؤيد الاحتلال المغربي للصحراء الغربية بالرغم من غياب لوبي أندونيسي - أمريكي أو مغربي - أمريكي قوي، لقد مر الدعم الأمريكي لهذين الاحتلالين مرور الكرام بسبب غياب الضجيج عن هاتين القضيتين نسبيا، ولكن الوضع مختلف بالتأكيد بالنسبة لإسرائيل وفلسطين "واللافت أن أغلبية سكان تيمور الشرقية الذين كانوا يتعرضون للقمع على يد أندونيسيا المسلمة، لكن ذلك لم يثر احتجاجات اليمين المسيحي في الولايات المتحدة·

لقد ظل اليمين المسيحي منذ زمن طويل، هدفا للحزب الديمقراطي، لا سيما الجناح الليبرالي في الحزب، لأن معظم الأمريكيين يشعرون بالقلق من تأثير أي أصوليين من أي نوع على سياسات الحكومة ذات التقليد الذي يعود لقرون من فصل الدين عن الدولة، ومع ذلك، فإن مواقف معظم الديمقراطيين الليبراليين في الكونغرس هم أقرب الى "التحالف المسيحي" الرجعي فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، من "مجلس الكنائس القومي" الذي يتصف بالاعتدال، وأقرب الى القس اليميني بات روبرتسون بكثير من القس اليساري وليام سلون كوفين وأقرب الى مجموعة "الأغلبية الأخلاقية" المحافظة بشدة من "الكنائس الليبرالية للسلام في الشرق الأوسط" وأقرب الى الكنيسة المعمدانية من أي من الكنائس البروتوستانتية الرئيسية·

وبدلا من اتهام هؤلاء الليبراليين السابقين بأنهم رهائن للوبي اليهودي، وهي التهمة التي تقود حتما الى وصم صاحبها بمعاداة السامية، فإن على أولئك الذين يؤيدون العدالة للفلسطينيين توجيه اللوم الى الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس لأنهم وقعوا أسرى لليمين المسيحي، ومن شأن ذلك أن يزيد قدرة أولئك الذين يؤيدون السلام والعدالة وحكم القانون على تسليط الضوء على عمق لا أخلاقية تأييد الكونغرس للاحتلال الإسرائيلي·

ويتوجب على الذين يدعمون العدالة للفلسطينيين - أو حتى يطالبون بفرض القانون الإنساني الدولي الأساسي - أن يذهبوا الى ما هو أبعد من التعريف بالقضية، الى المواجهة المباشرة مع الذين يؤدي خضوعهم الى الضغوط الى تسهيل حدوث عمليات القمع المراهنة في الأراضي المحتلة، ولن يكون بالإمكان مواجهة تأثير اليمين المسيحي على صوغ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط طالما ظل أعضاء الكونغرس المسيحيون الذين يتمتعون بوعي اجتماعي والمسؤولون المنتخبون من ذوي العقليات التقدمية يرضخون للضغوط الانتخابية من قبل الأصوليين، وليس من المتوقع أن يتغير هؤلاء الديمقراطيون والجمهوريون المعتدلون ما لم تحشد الكنائس الليبرالية مواردها باتجاه المطالبة بالعدالة بالقوة ذاتها التي حشد فيها الأصوليون قواهم تأييدا للقمع "الإسرائيلي"·

 

" المصدر: Znet "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com 

طباعة  

مبادرات سلمية كثيرة بحاجة الى قيادة إسرائيلية شجاعة لتنفيذها
إسقاط شارون أجدى لتحقيق السلام من إخلاء المستوطنات