رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 رجب 1425هـ - 18 اغسطس 2004
العدد 1641

استكمال بنائه سيؤدي الى ضم 15% من أراضي الضفة الغربية
مصير الجدار الإسرائيلي لن يختلف عن سور الصين أو حائط برلين

                                                   

 

·         الانسحاب الى حدود 67·· السبيل الوحيد لضمان أمن إسرائيل

·         تعرّج الجدار في عمق الأراضي الفلسطينية زاد طوله من 360 كيلومترا الى 650

·         الجدار سيدفع الفلسطينيين الى اختراع أشكال أكثر دموية من العنف كهجمات 11 سبتمبر

 

بقلم: ستيف نيفا

أستاذ الدراسات الدولية والشرق أوسطية في كلية ايفرغرين بواشنطن وأستاذ مشارك في كلية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، ويكتب مقالات في "الأهرام ويكلي" المصرية، و"جوردان تايمز" الأردنية·

 

يقوم الدفاع عن الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية على فرضية أن مثل هذا الجدار هو السبيل الوحيد لتوفير الأمن لإسرائيل من موجة المفجرين الانتحاريين الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا الآلاف من الإسرائيليين على مدى السنوات الأربع الماضية·

وعلى ضوء التأثير المدمر للعمليات الانتحارية على المجتمع الإسرائيلي، فليس من الصعب فهم لماذا رحب الكثير من الإسرائيليين بالجدار باعتباره حلا لوقف المأساة؟، ولكن لسوء الحظ أن الدواء المقترح في هذه الحالة ربما يكون في الواقع أسوأ من الداء نفسه·

فالمنافع الأمنية التي يتغنى بها المدافعون عن الجدار ليست سوى أوهام، فأولئك الذين يشعرون بالقلق على أمن إسرائيل يرتكبون خطأ جسيما إن هم اعتقدوا أن بناء الجدران الأسمنتية وإقامة السياج المكهرب حول الفلسطينيين في الضفة الغربية سيضع حدا للعمليات الانتحارية، وسيعزز من أمن إسرائيل، فلن يفشل ذلك في المدى القصير فقط، كما علّمنا التاريخ، بل إنه سيقود - على الأرجح - الى أشكال أكثر جرأة وتدميرا من العنف·

والحجة الأمنية ضد الجدار تقوم على أساس نقطتين رئيسيتين:

الأولى: أن الجدار والحواجز التي أقيمت بغرض توفير الزمن الدائم فشلت في النهاية، في ذلك، والثانية: أن موقع الجدار الإسرائيلي ومساره الراهن الذي بُني معظمه في عمق الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لا يؤدي الوظيفة المعلنة عنها، بل إنه ينطوي على خطر كبير من وجهة النظر الإسرائيلية الأمنية·

إن الاعتقاد بأن الأمن يمكن أن يتحقق بالجدار والحواجز المادية، هو قديم قدم أقدم مدينة مسوّرة في التاريخ، وهذه المدينة هي أريحا، ويمكن لأي طالب مدرسة إسرائيلي أن يخبرك ماذا حدث للجدران الدفاعية العظمى التي كانت تحيط بالمدينة حين هاجمها الإسرائيليون القدماء الذين قدموا من تيههم الصحراوي، لقد تهاوت تلك الجدران كلها·

 

بيع الوهم

 

إن نظرة فاحصة الى تاريخ الجدران والحواجز الأمنية يكشف أنها لم تفعل أكثر من بيع وهم الأمن الى السكان الذين يتملكهم الخوف، فقد أصبح الجدار الفاصل بين هيبرنيا "ايرلندا" وبريطانيا عديم الجدوى حين سقطت روما الامبريالية أمام الغزوات البربرية، وواجه سور الصين العظيم مصيرا مماثلا أمام هجمات المغول، ويتذكر العالم "خط ماجينو" وجدار برلين باعتبارهما مثالا للفشل في تحقيق السلام والأمن الدائمين، لا نموذجا للنجاح·

والحقيقة التي لا مهرب منها هي أن الجدران والحواجز التي تهدف الى توفير الأمن الدائم لم تنجح في نهاية المطاف، فهي عادة ما تتصدع وتنهار وتخترق، ويتم الاتفاف عليها، ويكتب عليها، أو حتى يتم تجاهلها تماما، وأولئك الذين وصلوا الى درجة من اليأس دفعتهم لبناء جدار، لن يكونوا أكثر بأسا وإبداعا من أولئك الذين يكافحون من أجل عبوره·

ولم يقدم المدافعون عن الجدار إجابة على السؤال، لماذا يعتقدون أن هذا الجدار سوف يشذ عن حكم التاريخ الذي كان قاسيا على بناة الجدران، كما حدث مع المدافعين عن أريحا القديمة؟

وفي الواقع، لقد ظلت الجدران والحواجز دائما دافعا رئيسيا للاختراع والإبداع العسكريين، وفي هذا العصر من التكنولوجيا المتقدمة والسوق السوداء لتجارة السلاح، هناك مبرر لتوقع أن يواصل الأصوليون الفلسطينيون البحث عن طرق لإضعاف الجدار الفاصل أو الالتفاف عليه أو تجاهله تماما، بما يترتب على ذلك من آثار مدمرة على المدنيين الإسرائيليين·

 

مسوغ خادع

 

ومع ذلك، فإن المشكلة الأبرز من المنظور الأمني الإسرائيلي هي موقع ومسار الجدار الذي لا أساس له في الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية الحقيقية، لقد وثقت منظمة العفو الدولية للتو أن نحو 90 في المئة من الجدار الإسرائيلي يُبنى على أراض فلسطينية داخل حدود 67 المعترف بها دوليا بين إسرائيل والضفة الغربية، بل إنه يسير أحيانا في مسار متعرج داخل الضفة الغربية، وكما يمكن للمرء أن يرى في خريطة كاملة لمسار الجدار، فإنه يلتف داخل المناطق الفلسطينية الرئيسية ويعزل بعضها، الأمر الذي يناقض فرضية الجدار الأمني النظيف والفعّال·

والسبب في هذا الاختلال الوظيفي لموقع ومسار الجدار بسيط جدا، فالأمر الذي لا يود المدافعون عن الجدار، الاعتراف به أو حتى معرفته، هو أن المروّجين له هم العناصر التوسعيون في الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة ارييل شارون الذين يفرّطون في احتياجات إسرائيل الأمنية الحقيقية من خلال استغلال الجدار لضم أكبر قدر من المستوطنات اليهودية والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية الى إسرائيل·

إن تصميم مسار الجدار لضم المستوطنات أدى الى مد طوله من 360 كيلومترا في الأساس، وهو طول حدود عام 67 الى 650 كيلو مترا، الأمر الذي يؤدي الى استنفاد قدرة إسرائيل على مراقبته بشكل فاعل، وحتى لو قامت الأنظمة الأمنية بإصدار تحذير من عملية اختراق للحدود، فإن تنظيم عملية المطاردة سيحتاج بعض الوقت اللازم للإرهابيين للوصول الى أهدافهم داخل إسرائيل·

ومن منظور أمني إسرائيلي بحت، فإن مسار الجدار الحالي سوف يحشر أكثر من 200 ألف فلسطيني على الجانب الإسرائيلي من الجدار، وسيكون بمقدور هؤلاء الوصول الى تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى، فإذا كنا نريد من الجدار منع الفلسطينيين من الوصول الى إسرائيل، فكيف نمنح هذه الفرصة لأكثر من 200 ألف فلسطيني، ممن أدى هذا الجدار الى تدمير حياتهم؟

ويتضح المسوّغ الأمني الخادع وراء بناء الجدار حين يشير المسؤولون الإسرائيليون الى نجاح السياج المكهرب الذي يحيط بقطاع غزة، فهم محقون في الإشارة الى حقيقة أن عملية انتحارية واحدة انطلقت من قطاع غزة خلال السنوات الأربع الماضية، وأن كل العمليات انطلقت من الضفة الغربية·

ولكنهم يتجاهلون دائما الفارق بين الحالتين، فطول السياج في غزة لا يزيد عن 55 كيلومترا وتسهل مراقبته، وهو مبني على الحدود المعترف بها دوليا لعام 67 بين إسرائيل والقطاع، وقد كانت للسياج في غزة عواقب إنسانية كارثية على الفلسطينيين، ولكن المبرر الأمني له يقوم على أساس مختلف تماما، ويمكن الدفاع عنه مقارنة بالجدار الفاصل في الضفة الغربية·

 

عمليات خلاقة

 

وأخيرا، بالنظر الى موقع الجدار العدواني والتوسعي، فإن الجانب الأخطر في هذا الجدار المخطّط له، هو أنه سيعرّض أمن إسرائيل في المدى البعيد للخطر، من خلال تغذية مشاعر الإحباط لدى الفلسطينيين ويخلق لديهم حافزا لاختراع أشكال أكثر تدميرا من الإرهاب·

لقد خلصت دراسة للبنك الدولي عام 2002 أن حبس الفلسطينيين في جيوب صغيرة، وفصلهم عن الأراضي الخصبة والأسواق الإسرائيلية "وخصوصا سوق العمل" سيتركهم في حالة فقر دائم، ويؤدي الى تفاقم مشاعر الإحباط لديهم، وتؤكد منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية المعروفة "بيت ساليم" في تقريرها الصادر في أبريل 2003، أن الجدار ستكون له آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة على أكثر من 210 آلاف فلسطيني يعيشون في 67 بلدة وقرية، وذلك خلال المرحلة الأولى من الجدار فقط·

وحين يُستكمل بناء الجدار من جنين في شمال الضفة الى القدس، ستكون إسرائيل قد ضمت إليها 15 في المئة من الضفة الغربية، فضلا عن 39 مستوطنة يهودية غير شرعية، ويسكن فيها 270 ألف شخص، إضافة الى 290 ألف فلسطيني، منهم 70 ألفا لا يتمتعون بالمواطنة الإسرائيلية، وليس لهم الحق في التنقل أو الحصول على الخدمات من إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل تحرمهم من مصادر رزقهم في الضفة الغربية، ويتعرض هؤلاء الفلسطينيون لظروف بالغة القسوة، وقد يضطهرون الى الهجرة من هذه المناطق تدريجيا·

وكما هو شأن كل الجدران والحواجز المادية، فإن الناس الذين يدفعهم الغضب والإحباط سيعملون في النهاية، على تغيير تكتيكاتهم من خلال محاولة الالتفاف عليها باختراقها من الأعلى أو من الأسفل أو باستخدام الصواريخ أو قذائف الهاون·

ونتيجة لذلك، يعترف المحلل العسكري الإسرائيلي زئيف شيف في مقالة نشرها مؤخرا في صحيفة "هآرتس" أن الجدار لا يمكنه توفير حماية كاملة، وأن الجيش الإسرائيلي سيضطر للعمل على الجانب الفلسطيني منه، فأين الفصل - إذن - والحالة هذه؟ وبالإضافة الى ذلك، فإن الإحباط قد يدفع البعض لتجاهل الجدار، وتنفيذ عمليات خلاقة ومدمرة كتلك التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001·

 

تفكيك الجدار

 

ويواصل المدافعون عن الجدار الإصرار على جدوى الجدار متناسين دروس التاريخ والعيوب الأمنية التي ينطوي عليها المسار الحالي للجدار، فهم يرددون كثيرا أن الجدار أدى الى انخفاض الهجمات الإرهابية داخل إسرائيل بنسبة 90 في المئة خلال المرحلة الأولى التي استكملت في يوليو 2003، ولكن المشكلة في هذا الزعم لها وجهان، الأول: أنهم يقارنون - بشكل خادع - بين فترة عام واحد "من يوليو 2003 - يوليو 2004" مع فترة ثلاث سنوات "من سبتمبر 2000 - يوليو 2003"، كما أنهم يقللون عدد العمليات الانتحارية التي وقعت خلال تلك السنة من 10 عمليات الى 3  فقط!

ومن ناحية أخرى، أنه يتجاهل حقيقة أن السبب الرئيسي لتراجع الهجمات الانتحارية هو إعلان حماس خلال الفترة الماضية عن هدنتين امتدت كل منهما نحو شهرين، كما أنه لم تقع أية عمليات انتحارية منذ اغتيال القياديين البارزين في حركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، وهو ما يعود على الأرجح الى عوامل سياسية وعملياتية، ويمكن للمرء أن يجد سندا هامشيا فقط للزعم بفاعلية الجدار·

ولحسن الحظ، أن الكثير من المحللين الأمنيين الإسرائيليين ونشطاء السلام، على العكس من أنصار إسرائيل المتشددين في الولايات المتحدة، قد رأوا الكتابات على الجدار، ويدركون الخطر الذي ينطوي عليه، وقد كتب الصحافي الإسرائيلي يوئيل ايسترون في صحيفة هآرتس أخيرا يقول: "إن النتيجة ستكون المزيد من الإرهاب الذي يلتف على الجدار، وكلما طال الاحتلال، كان الإرهاب أكثر رعبا، ولن يصمد الجدار طويلا، وكل ما سيفعله أنه سيجعل الهجمات أكثر تعقيدا وأكثر ترويعا، وها هو اقتراح أضعه على أجندة الإسرائيليين من الوسط واليسار: دعونا نفكك الجدار"·

ويجب أن يحظى حكم محكمة العدل الدولية الأخير بشأن الجدار بمصادقة أولئك الذين يهمهم حقا أمن إسرائيل، فحقوق الإنسان الفلسطيني تشكل عنصرا أساسيا في الأمن الإسرائيلي، وليست مجرد موضوعات للخطابة أو الاهتمام الهامشي، إن الطريقة المثلى لإسرائيل كي تضمن احتياجاتها الأمنية، هي في الشروع فورا في تفكيك الجدار، وسحب قواتها ومستوطنيها الى ما وراء حدود عام 67، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وغزة، وتمتلك القدرة لضبط متشدديها·

إن الحدود الشرعية المعترف بها دوليا والمبنية على أساس القانون الدولي، وليست الحواجز المفروضة من طرف واحد والتي تقوم على مصادرة أراضي الغير، هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين·

 

" المصدر Electronic Intifada "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

إذا لم تنجح واشنطن في بناء الدولة ستتحول العراق الى مركز للإرهاب الدولي
لا يمكن لأمريكا هزيمة الإرهاب طالما ظلت منحازة لإسرائيل