رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 رجب 1425هـ - 25 أغسطس 2004
العدد 1642

هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات يسأل مواطنيه:
من نحن؟

                                                                   

 

·         المهاجرون اللاحقون ليسوا "أصلا"·· بل هوامش!

·         هنتنغتون ينقل عرقيته الى الداخل الأمريكي·· ويبحث عن شعب "مختار"!

·         ضد التعدد والتنوع·· والسلام الاجتماعي ·· ومع "أصل" وحيد متوحد!

 

واشنطن - خاص بـ "الطليعة:

الكتاب الجديد للباحث الأمريكي "صوموئيل هنتنغتون" يلتفت الى التشققات والصدوع الأمريكية الداخلية، باحثا ومنقبا عما يشبه "هوية أمريكية" أصلية أو حقيقة واحدة بدأت تضيع وتتلاشى في خضم حقائق متعددة مصدرها موجات المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية· الكتاب يحمل عنوان "من نحن؟"، ولكن هذا السؤال لا يظل معلقا، بل يحاول هنتنغتون الإجابة عنه بالقول إن أمريكا تستمد هويتها من المستوطنين الأوائل "الأنجلو-بروتستانت"، أما بقية المهاجرين فهم ليسوا "أصلا" ولا يحق لهم أن يكونوا سوى "هوامش"!

من سوابق صوموئيل هنتنغتون تقسيم العالم الى حضارات متمايزة في حرب دائمة والى الأبد· وهو ما أظهره في مقالة صغيرة في العام 1993 تحت عنوان "صدام الحضارات"، ثم أدخل عليها توسيعا، وأصدرها في كتاب له في العام 1996· وبالطبع لم تمر هذه الأطروحة من دون أن يتصدى لها مفكرون وكتاب، اتهموا صاحبها بانعدام المسؤولية الأخلاقية والامتثال لإملاءات السلطات· أشهر من وجه النقد المتشدد الى هنتنغتون هو الراحل د· إدوارد سعيد الذي رأى أنه يرتكب أخطاء قاتلة في كل نقطة يطرحها في كتابه "صدام الحضارات" لأنه لا توجد ثقافة أو حضارة في العالم تقوم مستقلة عن الأخرى، ولا تستقل واحدة دون أخرى بالنزعة الفردية والتنوير، ولا واحدة تقوم وهي خالية من السمات الإنسانية الأساسية القائمة على مفهوم الجماعة وقيمة الحياة والحب وما الى ذلك·

آخرون انتقدوا نزعته العرقية، التي تماثل التخريف القائل بأن بعض الشعوب خلقت بالطبيعة، لتكون مستعبدة، وأخرى خلقت بأدمغة متدنية، وأن الأوروبيين هم بالطبيعة عرق متفوق، وكلها أفكار تعد محاكاة لما اعتبر ذات يوم "علما نازيا" بدأ اليوم يوجه أسلحته الى العرب والمسلمين، والشعوب الآسيوية·

 

مستوطن·· ومهاجر!

 

الكتاب الجديد، يواصل كما يبدو شق قنوات عرقية ولكن في نطاق المجتمع الأمريكي، حيث التركيز على أن مَنْ أعطى أمريكا هويتها "الأصلية" هم الأنجلو- بروتستانت الذين كانوا "مستوطنين" لا مجرد مهاجرين، ويرفع هنتنغتون "حقيقته" هذه في وجه موجات الهجرة التي تدفقت على الولايات المتحدة، وخصوصا بعد سَن قانون الهجرة في العام 1965 الذي ألغى الهجرة حسب الحصص التي منحت الأوروبيين الامتياز الأول، وفتح الباب لواحدة من أكبر الهجرات في تاريخ الولايات المتحدة لشعوب غير بيضاء، لغتها الأولى ليست الإنجليزية·

هذا التغيير الدرامي، رغم أنه فتح المجال لولادة نظرة جديدة وتيارات فكرية بدأت ترى هذه "التعددية" (تعددية، اللغة والمواطنة والتنوع الديني والثقافي) خيرا عميما، وتشكل حقيقة معنى "المواطنة الأمريكية"، وتحقيقا للوعد الأمريكي بالحرية للمضطهدين، إلا أنها ظهرت في صورة تحديات أمام البعض الآخر، ومنهم هنتنغتون، وبعض المنظرين المتمسكين بنظريات الأعراق والحقائق الواحدة وليدة القرن التاسع عشر، ورأوا أن في السماح بالقدوم لكل من يرغب خطرا كبيرا يهدد بأن تفقد أمريكا مثلها المتميزة، بما في ذلك عقيدة الوعد بالحرية وتكافؤ الفرص·

 

وطنيون أم غوغاء؟

 

في سياق هذا التفكير الذي يرى في التعدد والتنوع تحديات، يرى هنتنغتون أن ثنائية اللغة يمكن أن تكون عائقا أمام نجاح المهاجرين مثلا، وأن ثنائية المواطنة، تثير إشكالية، حين تناقص عدد الأمريكيين الذين يلبون شرط وحدة المواطنة· ويضيف هنتنغتون أمرا آخر، فهو على عكس أطروحاته في الماضي، يحمل بشدة على النخب الأمريكية الليبرالية، ويتملق الأمريكيين العاديين· ويرى أن الأواخر أكثر شعورا بالوطنية من النخب الليبرالية، وأنهم أصفى بصيرة، مع أنه في كتاب سابق له اسمه "الجندي والدولة" رأى الأمريكيين العاديين مجرد غوغاء ينجرون الى حملات صليبية يائسة!

أحد منتقدي هنتنغتون (آلان وولف) كشف في "فورن أفرز" في عددها الأخير (مايو - حزيران) عن أخطاء أساسية في تنظير هنتنغتون، وأرجع إيمانه بأن هناك "لب هوية أمريكية" شكلته البروتستانتية، الى إيمان بأسطورة، فهو يزعم أن المستوطنين كانت لديهم الرغبة والإرادة في المشاركة بهذه الهوية، ولكن الذين يهاجرون الى أمريكا اليوم يرفضون هذه المشاركة· ويحذر من أنه في ضوء عالمية الشؤون الاقتصادية، وأخيولات التعدد الثقافي الذي تمتدحه النخب، فإن الولايات المتحدة سيكون مصيرها مثل مصير إسبارطة اليونانية، وروما والمجتمعات المماثلة· ويوجه "ألان وولف" ضربة عنيفة الى أسس هذا البناء، حين يرى أن هذه مجرد افتراضات مبالغ فيها، لأنه ليس صحيحا أن الهوية الأمريكية شكلتها البروتستانتية الإنجليزية المنشقة، فقد برزت كنيستان مؤسستان في فترة نشوء الولايات المتحدة هي كنيسة إنجلترا والكنيسة البروتستانتية ومقرها اسكوتلندا، وهناك الكاثوليك والبيورتان والمعمدانيون والكويكرز·· إلخ، إضافة الى أن هنتنغتون يتجاهل الخلافات الحادة في الأوساط البروتستانتية نفسها حول ماهية وهوية الثقافة· فإذا سلمنا جدلا بأن هوية الولايات المتحدة شكلتها الديانة، فمعنى ذلك أن فيها هويات متعددة بتعدد الديانات القائمة فيها· وعلى النحو نفسه يخطئ "وولف" هنتنغتون في مسألة عدوانية المهاجرين الجدد، ورفضهم للغة، وانعدام الثقافة في أوساطهم، وكلها أفكار عامية شائعة· لأن المهاجرين الجدد ومن المكسيك خصوصا التي يستمد منها أدلته، يكتسبون الإنجليزية شأنهم شأن من سبقهم، بل ويتحولون الى البروتستانتية، وأمام مخاوف من أن تكون هجرة المكسيكيين تمهيدا لاستعادة الأرض التي فقدتها المكسيك بالقوة في القرن التاسع عشر، يشير وولف الى أن مثل هذه المخاوف لا تستند الى أساس واقعي·

 

لب عرقي لا إجماع

 

الواضح من المتاريس التي يدعو هنتنغتون الى إقامتها في مواجهة التعددية، والتنوع الذي أصبح سمة المجتمعات اليوم، أنه يمثل تيارا يتجاوب مع الدعوة الى تبرير إقامة دول على أساس ديني· وهو أمر غير مستغرب في "إسرائيل" مثلا التي تحاول تجسيد هذا النموذج دفاعا عن اغتصاب أرض، وإبادة الشعب الفلسطيني، ولكنه غريب بالطبع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تقيم مفهوم المواطنة لديها على أساس قانوني - سياسي، لا على أساس ديني، فهل يمثل هنتنغتون تفرعاً فكريا للتيار الراهن في أوساط الإدارة الأمريكية؟

إن طرح السؤال "من نحن؟"، ثم اللجوء في الإجابة على مشكلة الاندماج الى الدفاع عن "لب ثقافي" ديني، ليس أمرا ضروريا كما يقول "وولف" بل الضروري إجماع وطني· لأن ثقافة وطنية واحدة هي طريقة حياة تحددها جماعة عرقية أو أثنية، وتطالب الآخرين بالتكيف معها، بينما الإجماع الوطني أو العقيدة الوطنية، هو مجموعة أفكار حول ما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة، ولهذا هي مفتوحة للجميع، بغض النظر عن الدين أو الأثنية أو العرق·

طباعة  

دراسة علمية لباحث سعودي تناقش:(2-2)
الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية

 
حالة مأساوية