رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 رجب 1425هـ - 25 أغسطس 2004
العدد 1642

كان الأولى ببريطانيا أن تنصح أمريكا بدلا من الانقياد وراءها
الحرب على العراق عززت نزعات التطرف في العالم الإسلامي

                                            

 

بقلم زبغنيو بريجنسكيü

هناك ثلاثة أخبار برزت أخيرا وتظهر مدى الأضرار التي ألحقتها مغامرة جورج بوش في الشرق الأوسط، على الأمن القومي للولايات المتحدة، وإذا أخذنا هذه الأخبار معا، فإنها تعتبر مؤشرا على تنامي الخطر، ليس فقط على قيادة الولايات المتحدة في العالم، بل على الأمن الداخلي للولايات المتحدة أيضا، كما أنها تلحق ضررا بالدور الذي تضطلع به بريطانيا كأوثق حلفاء الولايات المتحدة·

الخبر الأول يتعلق بتقرير 11 سبتمبر 2001 الذي ورد فيه أن الولايات المتحدة حظيت بتعاطف دولي واسع فور وقوع هجمات سبتمبر، وأن هذا التعاطف جاء حتى من دول عربية، ولكن في العامين التاليين، تبخر هذا التعاطف وتحول الى عداء متزايد ليس من العرب فحسب بل من المسلمين عموما، تجاه الولايات المتحدة، وفي الواقع فإن نتائج إحصاءات الرأي العام التي استشهد بها التقرير، تدعو الى الدهشة وتنذر بالشؤم·

الخبر الثاني يتعلق باستطلاع للرأي ذي حرفية عالية، للمواقف السياسية للعرب الذين يعيشون في دول شرق أوسطية مختلفة، وقام به الخبير العربي الأمريكي المتميز في شؤون الشرق الأوسط شبلي تلحمي ويُظهر تحولا أساسيا في تعريف الناس بأنفسهم من التركيز على القومية الي الهوية الإسلامية التي يرتبط عادة بالمصطلحات المتشددة·

الخبر الثالث والأكثر تحديدا ولكنه مثير للقلق بالقدر ذاته· فلسنوات، ظل المسيحيون الذين يعيشون في العراق - حتى في ظل حكم صدام حسين - يعيشون في ظل التسامح الديني من قبل الغالبية العظمى من المسلمين الذين يشكلون سكان العراق· ولكن تعرضت مجموعة من الكنائس أخيرا الى هجمات منظمة وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى المسيحيين·

 

كراهية متنامية

 

فما الذي حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأدى الى تكثيف حالة الكراهية المتنامية للولايات المتحدة ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في جمع أرجاء العالم الإسلامي؟ وما الذي أحدث التحول باتجاه تفاقم المشاعر الدينية التي وضعت نحو 25 في المئة من سكان العالم ضد الولايات المتحدة؟

يشار في الشرق الأوسط الى تاريخين محددين عززا مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة وهما مارس 2002 ومارس 2003، ففي كلتا المناسبتين، تبنت إدارة بوش موقفا لم يكن أحادي الجانب فحسب، بل نُظر إليه في العالم الإسلامي باعتباره قمعي ويفتقر الى الإنصاف ويتم تبريره من خلال تشويه الحقيقة في كلتا الحالتين·

فقد تقوضت مشروعية القرار الذي قاد الى غزو العراق في مارس 2003 ليس فقط بسبب زيف ادعاءات جورج بوش وطوني بلير بامتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، بل أيضا بسبب الفوضى التي نجمت في العراق، عن عملية سيئة التخطيط، فاستمرار الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق يعيد الى أذهان العرب الوجود الاستعماري البريطاني - الفرنسي في المنطقة ويمثل امتهانا لكرامتهم السياسية ويوقظ مشاعرهم الدينية، إنه يعزز التطرف·

وقد أقنع التأييد الأمريكي اللامحدود لحملة إسرائيل ضد الفلسطينيين في مارس 2002 وتفكيك السلطة الفلسطينية وإهانة ياسر عرفات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، ثم وصف الرئيس بوش لشارون بأنه "رجل سلام" "كل ذلك أقنع معظم العرب أن الولايات المتحدة لم تعد تسعى لحل عادل للصراع المأساوي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لقد استبدلت إدارة بوش البحث عن السلام بتأييد معزول للإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب· وخذ على سبيل المثال، التأييد الأمريكي شبه المنفرد لإسرائيل في الأمم المتحدة بشأن قضية بناء الجدار (إذا استثنينا دولا مثل بالاو وميكرونيزيا ودولتين أخرتين)· وفي الواقع، بدأ ينظر الى الولايات المتحدة على أنها تستخدم الأساليب الإسرائيلية ذاتها في قمع مسلمين آخرين في المنطقة·

 

حرب صليبية

 

وما جعل الأمور أكثر سوء هو إطلاق الرئيس بوش مصطلح "حرب صليبية" على حربه على الإرهاب وبأنها حرب الخير ضد الشر، وهو ما انتقدته لجنة الحادي عشر من سبتمبر في تقريرها·

ويفضل الأصوليون المسيحيون الذين يؤيدون بوش تعريفا يتسم بالعمومية للإرهاب باعتباره شرا متأصلا في الأصولية الإسلامية، بينما يسوق المحافظون الجدد الذين يقفون وراء استراتيجية بوش أسبابهم الخاصة لإنكار وجود أية صلة بين الإرهاب ومشكلات الشرق الأوسط·

فالاستخدام الشائع لمصطلح "الحرب على الإرهاب" لم يعد مستنفدا بشكل ديماغوجي في السياسات الداخلية، بل يمنع أي تحليل جدي للتهديدات الخطيرة التي تواجهها الولايات المتحدة، وكذلك، يحرر إدارة بوش من أي التزام للتعاطي مع الخلفية السياسية للنشاط الإرهابي، الذي ينبثق - في حالة الولايات المتحدة - تحديدا من الشرق الأوسط، والنتيجة هي سياسة تقوم على حالة من المكابرة التي تشكل خطرا علينا، أنها تؤدي الى عزل الولايات المتحدة في العالم وتشعل التوتر في الشرق الأوسط وتعزز المشاعر الإسلامية المناهضة للغرب·

 

صوت شجاع

 

ربما يكون من المفهوم أن ترتكب الولايات المتحدة بقيادة رئيس مغرم بشعارات تقوم على الصراع بين الخير والشر، لاسيما بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر، ولكن يعود الأمر لنا - نحن الأمريكيين - لتصحيح هذه الأخطاء·

الأكثر استعصاء على الفهم هو لماذا لا تبادر المملكة المتحدة الوثيق الحليف للولايات المتحدة وذي المعرفة عن قرب للثقافة العربية والإسلامية، بتقديم النصح لواشنطن وحثها على نهج أكثر حكمة؟·

فلو كانت المملكة المتحدة الحليف الذي تثق به واشنطن أكثر من غيره، تحدثت بشكل صارم باعتبارها تمثل الصوت الشجاع للقارة الأوروبية، بدلا من التصرف كتابع في العلاقة الانكلو - أمريكية، لجعلت صوتها مسموعا، بل لم يكن أمام واشنطن من خيار سوى أن تصغي لها·

وما زال بوسع بريطانيا أن تفعل المزيد لتفادي وقوع الكارثة في الشرق الأوسط·

إن تبنِّي مبادرة استراتيجية أمريكية - بريطانية تجاه مشكلات المنطقة - وخصوصا المأزق الإسرائيلي - الفلسطيني والمشكلة مع إيران والحاجة لمعالجة المصادر السياسية للإرهاب في المنطقة والاستجابة لمطالب شعوب المنطقة بالحصول على الكرامة السياسية - سيكون أمرا مفيدا فعلا· فالنهج الأمريكي المتغطرس أمر لا يشرف، بل إنه يسىء ليس للولايات المتحدة وحدها، بل للغرب الديمقراطي برمته في نهاية المطاف·

 

ü مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي ومؤلف كتاب "الخيار: هيمنة أم قيادة على العالم"·

 

" عن الفايننشال تايمز "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

أين أخطأ الأمريكيون في العراق وأين أصابوا؟
 
ماذا لو هدم الفلسطينيون منزلا فوق رأس مواطن إسرائيلي معاق؟
إسرائيل الدولة الوحيدة العنصرية في العالم

 
كروثامر: يبدو أننا غزونا الدولة الخطأ!
قصف جوي للمواقع النووية بدل الغزو الأمريكي لإيران