رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 رجب 1425هـ - 1 سبتمبر 2004
العدد 1643

"الطليعة" تنشر الدراسة التي فصل على إثرها د.متروك الفالح من جامعة الملك سعود
المستقبل السياسي للسعودية في ضوء 11/9:
الإصلاح في وجه الإنهيار والتقسيم

                                        

  تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر زادت العداء                                        

بين الولايات المتحدة والسعودية                                                

 

·        الحملة الأمريكية المناهضة للسعودية أسست لأزمة بين البلدين

·         تردد سعودي رسمي على الرقابة المالية لحسابات وأرصدة بعض الشخصيات السعودية

·       التوجهات الشعبية  ازدادت عداء لأمريكا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر

·         جهات أمريكية اتهمت السعودية ومصر بأنهما يلعبان دورا مزدوجا للحرب على الإرهاب

·       تلميحات أمريكية عن فساد سياسي للنظام في السعودية ومطالبة بإحترام  حقوق الأنسان

·         سخط شعبي على أمريكا لأن معظم المحتجزين والمعتقلين كانوا من العرب

 

أ·د· متروك الفالح

استاذ السياسة المقارنة والعلاقات الدولية (سابقاً)

قسم العلوم السياسية ـ كلية العلوم الادارية

جامعة الملك سعود ـ الرياض

 

العلاقات السعودية الغربية وبالذات بطرفها الأمريكي كانت تتسم بشكل عام بالتميّز طوال العقود الخمسة الماضية وحتى بداية الألفية الثالثة الميلادية· غير أن ذلك التميّزلم يكن، بالضرورة على وتيرة واحدة إذ شهدت العلاقات الغربية ـ السعودية، ومنها الأمريكية تحديدا، حالة من التوتر وعدم الاتساق خصوصا في فترة ما بعد 1995/1996 حيث تفجيرات الرياض والخبر ضد القوات الأمريكية والتي أسست وأرست لبداية قلق شعبي من الوجود الأمريكي، وكذلك عدم ارتياح رسمي من التدخل في الشؤون الداخلية خصوصا في إطار التحقيقات في تلك الأحداث· تلك الحالة العامة من العلاقات السعودية ـ الأمريكية والتي كانت على ما يبدو متميّزة، وان لم تخل من توتر كما أسلفنا، بدأت تتبدد على نحو لم يكن مسبوقا من قبل وذلك بعد الهجمات المميتة في واشنطن ونيويورك وبنسلفاينا في الحادي عشر من (سبتمبر) عام 2001·

ذلك الحدث وتوابعه في سباق ما سمي الحملة ضد الإرهاب بما في ذلك الحرب ضد أفغانستان ـ ولربما مستقبلا، ضد دول عربية أو إسلامية وكل ذلك يشير الى أن المسلمين ومنهم العرب تحديدا هم المستهدفون بدرجة واضحة من كل تلك الحملة واتجاهاتها ـ فتح ملف العلاقات الغربية العربية ومنها السعودية ـ الأمريكية تحديدا على مصراعيه باتجاه إعادة صياغتها أو تغييرها وعلى نحو بدا أنه يؤسس لأزمة ذات مخاطر على البلاد العربية عموما ومنها الدولة والمجتمع في السعودية تحديدا· تلك المخاطر تبدو هذه المرة مخاطر حقيقية وجدية وبالتالي تتطلب في المقابل معالجة حقيقية وجدية ولكن على أسس وصيغ جديدة لتتواكب وتتعامل مع مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن سابقتها·

إن ما يهمنا في هذه الورقة ليس معالجة العلاقات، الأمريكية السعودية بذاتها وإنما ملاحظتها في سياق ارتباطها بأحداث الحادي عشر من (سبتمبر) لعام 2001 والحملة الأمريكية على ما سمي الإرهاب وانعكاس ذلك على أو ارتباطه بالمسألة الداخلية في السعودية ألا وهي علاقة الدولة بالمجتمع وما يرتبط بذلك بما يمكن تسميته بالمستقبل السياسي للسعودية· ولكي نصل الى هذه الغاية لابد من ملاحظة ما يمكن تسميته بالأزمة في العلاقات الأمريكية السعودية وعناصرها ومدي صلة ذلك كله بمعادلة الدولة والمجتمع في السعودية وما المعالجات لها إن وجدت ؟ وهل تلك المعالجة تمثل معالجة سليمة وشافية؟ أم أنها تحتاج الى معالجات بديلة أكثر ملائمة مع تلك التحديات والتطورات وذلك من أجل الإمكانية والاستمرارية والبقاء للدولة والمجتمع علي حد سواء· من هنا فإن المشاهد للازمة الداخلية وفي سباق الأزمة الخارجية واحتمالاتها المفتوحة تحتاج الي تحديد بمافي ذلك المشاهد التي تمثل مخاطر حقيقية وكذلك المشاهد البديلة للخروج من الأزمة على الصعيد الداخلي·

 

أولا: في الحملة الأمريكية علي السعودية

وأحداث الحادي عشر من (سبتمبر)

 

هجمات الحادي عشرمن (سبتمبر) 2001 والتي أسست لأولي حروب القرن الواحد والعشرين، ـ وما انطوت علية من مزاعم أمريكية بأن منفذيها هم في أغلبهم من السعودية حيث أشير الي خمسة عشر شخصا سعوديا من بين تسعة عشر متهما بتلك العمليات الهجومية ـ ولدت توجهات وانتقادات حادة من قوى ونخب إعلامية وفكرية وسياسية ذات صلة قوية بمراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدولة السعودية الى درجة التعريض بشخصيات سعودية رسمية كانت خلال العقد المنصرم وحتي تلك الهجمات تحظى بقبول واحترام كبيرين داخل الإدارة الأمريكية وقواها السياسية· تلك الحملة الأمريكية وبصلة بعناصر قيادية رسمية خصوصا في السلطة التشريعية، بدأت متواضعة في البداية ولكنها أخذت تكسب زخما وقوة مع مرور الوقت خصوصا قبيل الحرب الأمريكية على أفغانستان وما بعدها· أن تلك الحملة المناهضة للسعودية والتي أسست لأزمة في العلاقة مع السعودية دولة ومجتمعا وكذلك كشفت عن تراكم أزمة بين الدولة والمجتمع في السعودية ـ وتلك الأخيرة حرصت القيادة السعودية خصوصا بقيادة الأمير عبد الله على محاولة احتوائها ـ تمحورت حول عدة عناصر منها:

(أ) الزعم الأمريكي بتورط سعوديين في الهجمات آنفة الذكر مما فتح باب أسئلة أمريكية جديدة حول التفريخ السعودي للتطرف والإرهاب لعناصر مجتمعية ذات توجهات إسلامية تحديدا ولكن بالإشارة الى كونها محفوفة بسياسات حكومية رسمية·

(ب) تم لاحقا المطالبة الأمريكية بالمراقبة المالية وتجميد بعض الحسابات والأرصدة التابعة لمجموعات إسلامية بما فيها بعض الجمعيات الخيرية والمطالبة بتعديل مناهج التعليم في سياقها الإسلامي، والتي تزعم أطراف أمريكية بأنها تحض وتحرض على التطرف والكراهية والعداء للآخر وخصوصا للغرب·

(ج) مع اقتراب الحرب الأمريكية وعدوانها على أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي كانت الإدارة تطالب بمزيد من التعاون السعودي الرسمي في السياق العسكري وخصوصا استخدام قاعدة الخرج كمركز للتحكم والسيطرة والقيادة للعمليات الحربية ضد أفغانستان·

(د) ترافق ذلك كله تردد سعودي رسمي تجاه مسألة الرقابة المالية ومسألة الزج بأسماء السعوديين في الهجمات دونما تقديم دليل وكذلك الحرج من مسألة التعاون العسكري العلني خصوصا السماح باستخدام قاعدة الخرج مما ولد ردود فعل عنيفة من قبل القوى الإعلامية والسياسة الأمريكية تجاه الدولة السعودية وكذلك المصرية واتهامهما بأنهما يلعبان أدوارا مزدوجة في التعامل مع حرب أمريكا على الإرهاب·

(هـ) ترافق ذلك كله مع حالة شعبية في السعودية غير مسبوقة من المناهضة للسياسات الأمريكية تجاه مزاعمها وكذلك مطالبها الرقابية المالية وتعديل المناهج وكذلك السخط الشعبي من الحرب الأمريكية على أفغانستان باعتبار تلك الحرب كما نظر لها شعبيا ودعمت من علماء إسلاميين محليين ومن البلاد العربية الإسلامية على أنها حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين وفي القلب منهم العرب ·

(و) ومما زاد من السخط الشعبي أن معظم المعتقلين والمحتجزين داخل أمريكا من باب الشبهة وتحت ما سمي باستراتيجية البعثرة Disruptive Strategy  داخل الولايات المتحدة هم من العرب بما فيهم السعوديين وكذلك مالحق بالعرب الأفغان والمجازر التي ارتكبت ضدهم من قبل القوات الأمريكية وقوي التحالف الشمالي الأفغاني وتوابعها لاحقا بما في ذلك مسألة الأسرى العرب والمعاملة المشينة وغير الإنسانية التي تلقوها على أيدي الأمريكيين سواء في أفغانستان أو في معتقل غوانتانامو في كوبا لاحقا·

(ز) ووصل الأمر بالحملة الأمريكية على السعودية في منتصف (يناير) عام 2002 بقيام عناصر من الإدارة الأمريكية (كارل ليفن مثلا) بالتلويح تهديدا بإعادة النظر بالتواجد العسكري الأمريكي في السعودية أو بسحب قواتها استنادا الى تلميحات بأن تلك الخطوة مرتبطة بوجود رغبة سعودية غير محددة المصدر والتي لم تدم أو تصمد طويلا أمام تصريحات سعودية رسمية أو أمريكية علنية بعكس ذلك· إضافة الى ذلك كله وفي سياقه ومنذ البداية وحتى الآن كانت هناك تصريحات عن وتلميحات الى وتهديدات بمسألة الاستبداد والفساد السياسي للنظام في السعودية والدعوات الى الحاجة الى إيجاد صيغ أكثر ملائمة تأخذ بحسبانها حقوق الإنسان والمشاركة والحريات وأن بشكل تدريجي وتلك الإشارات بدأت منذ خطاب بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17/11/2001 وفي كتابات وتعليقات وانتقادات إعلاميين ومفكرين ودبلوماسيين·

 

ثانيا: الحملة الأمريكية على الإرهاب

والسعودية: جذور الأزمة الداخلية

 

الموقف الرسمي السعودي من أحداث 11/9/2001م ومابعدها، بدا أنه ـ ورغم إدانته تلك العمليات وتوظيف بعض التخريجات الدينية من بعض علماء الدولة يميل الى التردد خصوصا في مسألة قبول الزج بأسماء سعوديين وكذلك تجاه التعاون الأمني والعسكري وكذلك المالي الرقابي ورغم أن السعودية من الناحية الرسمية كانت تعلن تعاونها وموقفها ضذ الإرهاب، إلا أنها كانت تشعر بالحرج من مسألة الموافقة علنا على استخدام قاعدة الخرج وكذلك من التوجهات الشعبية الداخلية المعادية للولايات المتحدة خصوصا بعد بداية العمليات الحربية ضد أفغانستان وحكومة طالبان مما جعلها، وتحت ضغط إعلامي أمريكي متزايد، الى أن تقوم بالطلب من ائمة المساجد بوقف دعاء القنوت فجرا ومغربا ضد الولايات المتحدة والمساند لحركة طالبان بالنصر·

في المقابل كانت التوجهات الشعبية تزداد حدة وعداء للولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الأحداث (11 (سبتمبر) 2001) حيث كان الملاحظ أن هناك نوعاً من الابتهاج بما حدث في أمريكا وضدها وذلك تشفيا بما يري للعناصر والفئات الشعبية وشرائحها المتنوعة في السعودية بأن ذلك يشكل ردا علي أمريكا وسياساتها المناهضة للعرب والمسلمين خصوصا في فلسطين والعراق وأماكن أخرى· تلك المواقف الشعبية أخذت بالزيادة المطردة ضد الولايات المتحدة من أغلب الفئات الشعبية بما في ذلك الشرائح الليبرالية خصوصا مع بداية العمليات الحربية ضد أفغانستان وأحداثها المتعاقبة وكذلك في سياق الحملة الأمريكية علي السعودية وأيضا في سياق التوجهات الأمريكية ـ الداعمة لحكومة وسياسات الكيان الصهيوني في عملياتها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني ومقدراته وممتلكاته ومقدساته ـ والتي أخذت بالتزايد الي درجة إدراج حركات المقاومة الفلسطينية خصوصا حركة حماس والجهاد ضمن قائمة الإرهاب الأمريكي عندما بدا لها (أمريكا) أنها تتجة الى حسم الأمور في أفغانستان مكافأة للعدو وإذلالا للعرب على وجة الخصوص· الموقف الرسمي السعودي بدأ يستفيد من الحملة الأمريكية المتزايدة على السعودية وذلك بتوظيفها وذلك للإحاطة بالمسألة الداخلية وفي محاولة لردم الفجوة بينها وبين التوجه الشعبي، والذي بدأ لأول مرة بأنة بالفعل يتخذ مواقف متعارضة مع التوجهات الرسمية خصوصا فيما يتعلق بالموقف من أحداث (سبتمبر) والتعاون مع أمريكا في مسألة مكافحة ما سمي بالحملة على الإرهاب وكذلك في سياقها المسألة الأفغانية بما هي حرب على بلد مسلم خصوصا في سياق التوجة الإسلامي المدعوم من بعض القيادات العلمية الإسلامية المحلية والعربية المناهضة للتعاون مع الأجنبي والتحالف مع الكفار والمشركين ضد العرب والمسلمين· القيادة السعودية خصوصا توجهات الأمير/ عبدالله (ولي العهد)، بدأت تتعامل مع الحملة الأمريكية على أنها حملة ضد المسلمين وعقيدتهم، وكذلك مرتبطة بحملة صهيونية ذات صلة بالجماعات الصهيونية الضاغطة (اللوبي الصهيوني) في واشنطن والبلاد الغربية ضد مواقف المملكة من القضية الفلسطينية والإشارة الي أن السعودية قد وصلت الى طريق مسدود مع الإدارة الأمريكية في مسألة موقفها من وتحيزها مع الكيان الصهيوني في معالجة القضية الفلسطينية· وفي محاولة للإحاطة بألمسالة الداخلية عن طريق بوابة الحملة الأمريكية والبعد الصهيوني فيها، قام الأمير عبدالله بالاجتماع، وعلى مراحل، بعدد من الفئات والشرائح وبعض القوى السعودية من أساتذة الجامعات والمعلمين والتجار والمشايخ والعسكريين وذلك في محاولة لكسب تلك المجموعات من الحملة السعودية المناهضة للحملة الأمريكية وفي محاولة للتأكيد على الوحدة الوطنية وأهميتها للتعامل مع انعكاسات تلك الأزمة وتوابعها على الاوضاع الداخلية·

وبتوافق ولربما تناغم مع تلك الحملة السعودية المناهضة للحملة الأمريكية عليها بدا أن السلطات السعودية تتيح لعناصر من الشعب السعودي ذات توجهات متباينة وبعضها غير متسق مع الخط الرسمي للدولة للتحدث علنا في إطار الأزمة ورؤيتها لها خصوصا من خلال الأدوات والقنوات الإعلامية العربية وبالذات الفضائية منها وبدرجة أكبر قناة الجزيرة الفضائية (قطر)· في المقابل، بدا أن السلطات السعودية وهي تواجة التحدي الامريكي وخاصة مع حسم الأمور في أفغانستان لصالح أمريكا ـ تتجة الى محاولة التخفيف من الضغط الأمريكي عليها وذلك من خلال التناغم معها، وذلك بقبول المزاعم الأمريكية بتورط سعوديين في الهجمات السبتمبرية على أمريكا، وكذلك بالتعامل مع الساحة الأمريكية مباشرة من خلال الأقلام الأمريكية الزائرة أو المستكتبة من خلال شركتي الاتصالات والعلاقات العامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية· وكذلك من خلال العناصر القيادية السعودية في سياق الوفد السعودي الكبير لاجتماعات منتدى دافوس في أوائل كانون (فبراير) 2002 حيث رأس الوفد رئيس الاستخبارات السعودية (الأمير نواف بن عبد العزيز) ورافقة عدد من الأمراء والذين أدلى بعضهم بتصريحات وأجرى مقابلات تلفزيونية داخل أمريكا محاولين على ما يبدو التأكيد على الدور التعاوني للسعودية في الماضي وفي الحاضر المستمر وفي القادم المحتمل· ويلاحظ مع ذلك كله، أن تلك الردود السعودية على الحملة الأمريكية انتهت الى الدفاع عن علاقات السعودية مع أمريكا والتعامل مع تلك العناصر الإعلامية الأمريكية الموصوفة بالمعادية للمملكة (مثلا، نيويورك تايمز و واشنطن بوست تحديدا) والمتحيّزة للصهيونية، وصولا الى تقديم مبادرة التطبيع الكامل مقابل الإنسحاب الشامل لإسرائيل من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 رغم ما جرى عليها لاحقا من تعديلات باتجاه السلام الشامل مقابل الانسحاب الكامل نتيجة للردود العربية تجاهها، ثم إقرارها علي صيغة أكثر توازنا عربيا بالاجماع في مؤتمر القمة العربية في بيروت 27 ـ 28 (مارس) ـ 2002·

تلك المعالجة السعودية الرسمية اللازمة على الصعيد الداخلي لايبدو أنها طرقت العناصر الأساسية للأزمة وجل مافعلتة أنها لامست بعض منها ملامسة غلب عليها الشكلية والمعالجة الآنية (add-hoc) وغلبت البعد الخارجي (الأمريكي والغربي وتوابعه) على البعد الداخلي المجتمعي المتصل بمسألة العلاقة بين الدولة والمجتمع· وبينما بدا أن السلطات السعودية تشعر بالارتياح الى عدم تطور أحداث داخلية تتسم بالعنف وبالحدية ـ باستثناء أحداث بدا أنها عارضة (مثل التفجير الذي وقع في الخبر، وكذلك محاولة التعرض لبعض الاجانب في الرياض) وكذلك الأدعية (القنوت) في صلوات الفجر والمغرب ضد الكفار والمشركين وتلك أوقفتها السلطات السعودية عنوة لمن لم يتوقف طوعا، وكذلك بالارتياح الرسمي السعودي الى ما بدا أنه نهاية للمسألة الأفغانية بإنهاء حركة طالبان وتدمير القاعدة وعناصرها بدرجة كبيرة ـ وإن كانت هذه و تلك مسألتين مازلتا فيهما نظر، مما خفف من الغليان الداخلي والذي ترافق مع العمليات الحربية الأمريكية ضد أفغانستان والذي انعكس بدرجة واضحة على أحاديث ومناقشات كثير من الفئات والشرائح الشعبية وما اتصل بتقلقل الرأي العام المحلي بما في ذلك التوجه نحو الدعاء غير المحدد (الدعاء بالنصر للمجاهدين من كل مكان من دون تحديد أفغانستان) عندما أصبح الدعاء الصريح ممنوعاً·وبالقدر الذي بدا للسلطات السعودية أنها تحسم آمرها بمزيد من التعاون والاتساق مع الغرب وأمريكا تحديدا بما في ذلك ما يبدو أن له صلة بطرح المبادرة التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل ، على الرغم مما أجري عليه من تعديل أقرته قمة وبيان بيروت لاحقا، مضطرة أو مقتنعة بذلك، فقد بدا للمجتمع وفئاته إن ذلك الخيار تم علي حساب مشاعره وتوجهاته ودونما أن يكون له الصوت المسموع في تلك السياسات والتوجهات مما زاد في سعة الفجوة بين الدولة والمجتمع وعكس بدوره تراكم جذور أزمة في العلاقة كانت تتشكل منذ عقد ونيف ولكن تلك الأحداث أفصحت عن مظاهرها· وبالقدر الذي اخطأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في معالجتها لأحداث 11 ايلول (سبتمبر) باتباع استراتيجية إرهابية خارجية ودون الالتفاف (مراجعة) حول سياساتها الخارجية والداخلية التي ولدتها، فان السعودية هي الأخرى، وبمراهنتها علي الخارج وعلي الوقت لتجاوز المسألة الداخلية، جازفت في عدم التنبه إلى مسألة الأزمة الداخلية وجذورها ومعالجتها معالجة حقيقية تنطلق من رؤية صحيحة للخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع ومن ثم تصويبها بشكل صلب يؤسس لمرحلة مقبلة·

على الرغم من أن تفاعلات الدولة والمجتمع في السعودية وفي سياق الأزمة، من حيث كونها تفاعلات كانت تميل إلى أن تكون غير متسقة وغير متوازنة ومتوازية وإنما بدرجة واضحة تبدو أكثر متعارضة أو متفارقة، بدأت تخف مع مرور الوقت وما بدا أنه يتوافق مع حسم الأمور عسكريا في افغانستان، إلا أن الأزمة الداخلية والعلاقة بين الدولة والمجتمع لا يبدو انها طرقت علي الإطلاق وما تم فيها كان معالجة وقتية ظرفية ذات اتجاه واحد يركز علي التعبئة الإعلامية الرسمية ولكن بالنهاية التوافق مع الخارج· ليس هناك علي، ما يبدو، رغبة او رؤية في النظر بأن تلك الأحداث وتوابعها ذات منبع ومكّون داخلي بحيث تحلل علي مستوي العلاقة بين الدولة والمجتمع وبالبحث مع القوى الاجتماعية علي حلول لها· وكما كانت أزمة الخليج الثانية، فإن المعالجة للازمة الداخلية المتصلة بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانت المراهنة علي الوقف مرة أخرى وإن الداخل ليس هو المشكلة وإنما الخارج والخارج فقط·

وحيث الأمر كذلك من حيث إن جذور الأزمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع وكونها لم تعالج البتة، فإن المسألة مازالت مفتوحة الاحتمالات والبدائل والتي قد تحمل معها نذرا غير محمودة· ويبدو أن المشكلة في التحليل النهائي ترتبط بدرجة أكثر تحديدا بأن هناك أولا سوء تقدير أو تصور خاطئ لأهداف الحملة الأمريكية على السعودية وحصرها ببعدها الصهيوني ـ أو هكذا قيل ـ والمسألة الدينية أوالتعليمية· وثانيا أن هناك تجاوزا للمسألة الداخلية ذاتها والتركيز علي البعد الخارجي لها وذلك في سياق التصور الخطأ وعدم معالجة الشأن الداخلي معالجة تبدو فعلية وجدية وذات جرأة بما يعني ويتضمن الملائمة مع متطلبات التكيّف للنظام السياسي في إطار المحافظة علي استمراره واستقراره، ولكن بصيغ أخرى مستحدثة·

 

ثالثا: الدولة والمجتمع والغرب: في البدائل والاحتمالات

 

1 ـ في الحملة الأمريكية علي السعودية ومشروع التقسيم

بداية يمكن التساؤل هل يمكن حصر الحملة الأمريكية علي السعودية في مسألة اللوبي الصهيوني والموقف العدائي من المواقف السعودية تجاه المسألة الفلسطينية؟ للإجابة علي ذلك يمكن القول بداية ان ذلك قد يكون جزئيا صحيحا ولكنة ليس إلا هم والأبرز في الرؤية الامريكية من وراء تلك الحملة وعناصرها· ما هو مطلوب أمريكيا هو أولا، أن الدولة والسلطة السعودية علي مستوي القرار السياسي يجب ألا  تتردد بل ويجب ألا تفكر بذلك طالما أن الولايات المتحدة ترى أنها هي التي توفر الحماية والأمن للدولة والنظام وبالتالي فإن التردد أو الحرج بذاته لم يكن مقبولا علي الإطلاق خصوصا وأن ذلك قد يعني ان التحالف في الحرب ضد الإرهاب سيتعرض للتشكيك والاهتزاز وهو مالم تكن الإدارة الأمريكية ترغب فية ولا العناصر التي تقود تلك الحملة ـ ومن هنا كان التردد الظاهري للسعودية يمثل جرأة غير مقبولة من دولة ـ هي مدينة، في الرؤية الأمريكية، في وضعها الأمني تحديدا وتوابعه بما في ذلك الاقتصادي والنفطي للدولة والقوة الأمريكية· وثانيا وهذا يمثل النقطة الاهم والأبرز، أن المخطط الأمريكي أصلا في الحرب التي أعلنتها ضد افغانستان وفي سياق ما أسمته الحرب ضد الإرهاب يتجاوز أفغانستان إلى الإحاطة الكونية وبنقاط مركزية منها ذات صلة بالإبعاد الاستراتيجية للنفط والغاز في دائرة محورها يمتد من آسيا الوسطي شرقا وحتى منطقة الخليج العربي غربا· ومن هنا فإن الحاجة ستكون لاحقة باتجاه إعادة صياغة الخرائط للمنطقة العربية تحديدا وبالتالي فإن العودة لها ستكون أمرا قائما تتطلبه تلك المهمة خصوصا وأن المشروع الأمريكي هذا للمنطقة ويتوافق مع المشروع الصهيوني لها لم يتم بعد· وإضافة الي ذلك ثالثا، فإن صورة الشعب السعودي وفئاته بدأت تتهاوى في الرؤية الامريكية وخصوصا في سياق ما سمي بالتفريخ للإرهاب بشرا وعقيدة (الوهابية) وتمويلا خصوصا اذا ما قبلنا فكرة إن الذين قاموا بعمليات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 هم في غالبيتهم من السعوديين· إضافة إلى ذلك وفي صلبه فإن النظام السياسي السعودي بما هو الحاضن لتلك التوجهات أصبح هو الاخر يمثل، في الرؤية الامريكية، عبئا لا رصيدا وبالتالي فإن السعودية (دولة ومجتمعا) أصبحت مستهدفة في إطار المشروع الأمريكي للإحاطة الكونية والمتلاقي مع المشروع الصهيوني بالمنطقة والذي لم ينجز بعد وبالتالي يحتاج الي تعويم ضمن اتمام المشروع الأمريكي ذاته· هذا الاستهداف للمنطقة العربية وبما هو تلاقي بين المشروعين الأمريكي والصهيوني يؤكده وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إذ، يقول، في خطابه امام جامعة لويزفيل في  19ـ11ـ2001، إن الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط ستكون بعيدة المنال ما لم تكن إسرائيل وجيرانها في حالة سلام····

إن الوصول إلى هذه النقطة من تعويم المشروع الصهيوني في المنطقة بإقامة المشروع الشرق الأوسطي في إطاره الاقتصادي والمتداخل مع المشروع الأمريكي للسيطرة علي منطقة الغاز والنفط (السيطرة هنا قد تكون للاحتياج الذاتي اوللتحكم بالعالم من خلال التحكم بالموارد النفطية) والممتدة من شرق أفغانستان وبحر قزوين وحتي منطقة الخليج العربي يتطلب بشكل أساسي أن تتواصل الحرب الأمريكية علي الارهاب بما في ذلك إزالة المعوقات القائمة في المنطقة وهي الحالة العراقية ومن ثم السورية· ولكن قبل الوصول الي هذه الغاية لا بد من البدء من الحلقات الأضعف في المنطقة العربية (والتي قبلها أو معها قد تكون الإدراة الأمريكية مشغولة في احتواء أو تصفية ما تسميه الإرهاب و إرهاب القاعدة في حلقاته الأضعف علي المستوى العالمي من الفلبين إلى جورجيا وهكذا····) لتنفيذ المخطط الاستراتيجي للمنطقة والعالم· وبالتالي ستكون البداية الصومال واليمن بدرجة احتمالية كبيرة (والتي بوادرها بالفعل قد بدأت في الصومال حيث تضيق الخناق علي السواحل الصومالية بالأساطيل الغربية الأمريكية والألمانية تحديدا بحجة منع عناصر القاعدة وكذلك محاصرة المؤسسات الاتصالية والمصرفية لشركة البركات بحجة علاقتها بالتحويلات المالية للقاعدة، وكذلك ما يجري في اليمن منذ كانون الثاني (يناير) 2002 حيث القوات اليمنية وبدعم أمريكي تطارد ما تسميه عناصر ذات صلة بالقاعدة مع تأكيد أمريكي بلسان بوش بأن امريكا تعمل علي منع أن يتحول اليمن إلى أفغانستان أخرى للقاعدة وهو ما رحبت به القيادة اليمنية وذلك كله للإحاطة الجيوبوليتكية بالصومال و/ أو بالنفط اليمني في تلك المعادلة الأمريكية الكونية وأن تشكلا (الصومال واليمن) خلفية لمنطقة الجزيرة العربية ـ بما فيها وبدرجة أساسية منها منطقة الخليج العربي ـ وكذلك لمحورها في آسيا الوسطي بحر قزوين وأفغانستان حاليا·

ومع إخضاع تلك الحلقات الأضعف، فعندها ولربما معها أو بعدها سيكون العراق هو المستهدف لإلحاقه هو الآخر بالمنظومة الأمريكية في إطار مشروعها الكوني وذلك من خلال إقامة نظام حكم موالي لها كما هي الحالة الأفغانية وتحت ذرائع ومسوغات تتراوح بين التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وحقوق الإنسان····إلخ· أن الدائرة النفطية وعناصرالطاقة الممتدة من روسيا ومرورا ببحر قزوين وأفغانستان وإيران والخليج العربي بما في ذلك العراق تمثل الدائرة الأكبر والأهم للحياة الاقتصادية العالمية المستقبلية· والعراق، إضافة إلى كونه مع الحالة السورية والفلسطينية يمثل عائقا للمشروع الصهيوني أصلا، يمتلك بذاته احتياطيا هائلا من تلك الموارد، لذلك يبدو أن الهدف الأمريكي، هو اختطاف هذا البلد ووضع اليد علي موارده النفطية وإلحاقه تماما بالدائرة النفطية للنفوذ الأمريكي· عليه فإن الولايات الامريكية كانت منذ البداية ومع مرور الوقت تخطط للوصول إلى استهداف العراق تحت ذرائع محور الشر وأسلحة الدمار الشامل وبتنسيق متناغم بين كل من بوش و بلير وعلى الرغم مما يتعرض له الأخير من ضغوط داخلية ـ بما في ذلك عناصر متزايدة من حزبة ـ بعدم الانسياق التلقائي وراء مخطط الأول لضرب العراق·

من هنا فإن المطلوب أن تكون السعودية وقرارها السياسي في نفس الاتجاه، بداية، وكذلك فإن الخوف كل الخوف هو أن الحملة الأمريكية علي السعودية ليست فقط حملة صهيونية كما تراها السعودية وقياداتها وبعض من عناصرها الإعلامية، وإنما هي أيضا وبدرجة أكبر وأخطر الضغط علي السعودية لكي تحصل منها أمريكا علي ما يمكن تسميته الاسترضاء Appeasement السعودي تجاه العملية المقبلة بضرب العراق· تلك المسألة مسألة استرضاء السعودية نحو المسألة العراقية بدا أنها في مراحلها التحضيرية الأولي تقترب من تحقيق بعض من ثمارها حيث، أولا أن تصريحات رئيس الاستخبارات السعودي السابق (الأمير تركي الفيصل) ومقابلته مع وسائل الإعلام الأمريكي تشير إلى أن السعودية سوف تتعاون مع أمريكا تجاه إسقاط النظام العراقي وأنه شدد علي أن يكون ذلك من الداخل· وثانيا أن طرح المبادرة السعودية ـ في إطار التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل ورغم ما جري عليها من ردود فعل واتجاهات بتعديلها وهو حدث بالفعل في مؤتمر القمة العربية في بيروت (27 ـ 28 آذار/مارس) 2002، بيروت) وكذلك على رغم  من احتمال ربطها بالمسألة السياسية الداخلية من حيث محاولة التأكيد علي تراتب السلطة والنفوذ ـ في هذا الوقت وعلي ما بدأت أول مرة عليه فإنها تمثل لربما محاولة من قبل بعض القوى والتي قد تقف وراء الدفع بها الي التعامل مع البعد الخارجي في سياق الحملة الأمريكية أو الصهيونية أو أنها تمهد للتطبيع المقبل المحتمل· ومهما يكن من أمر حول مستهدفات ونوايا تلك المبادرة وظروفها ومنابعها الداخلية أو الخارجية، فإن قبول ضرب العراق ـ أو أي بلد عربي آخر ـ والمساهمة في تغيير النظام بغض النظر عن طبيعة النظام والموقف منه، سيكون بذاتة سابقة خطيرة وورقة ترفعها الدول الغربية وبالذات الأمريكية في وجهة أي نظام عربي بما في ذلك حلفاؤها في المستقبل ومنهم السعودية تحديدا· ومن هنا فإن المصالحة العربية التي تمت في اثناء مؤتمر القمة العربية في بيروت (27 ـ 28 آذار (مارس) ـ 2002م) وخصوصا بين السعودية والعراق وإلي حد ما بين العراق والكويت والإجماع العربي في القمة وقرراته علي الرفض القاطع لضرب العراق أو أي بلد عربي آخر، يشكل احد المداخل الاساسية لسد تلك الثغرة (ضرب العراق والملف العراقي والحالة العراقية الكويتية) في وجة المخطط الأمريكي المحتمل للمشرق العربي ومنه ما يتصل باحتمال التعرض للسعودية لاحقا· ولذلك فإن الخطوة التي أقدم عليها كل من الأمير عبد الله وعزت إبراهيم تستحق الإشادة، إذ أنها تمثل الخظوة الأهم والاساس في الطريق الصحيح والذي يحتاج الي مزيد من تلك الخطوات للبناء عليها للوصول إلي تطبيع العلاقات العربية ـ العربية ومنها وبدرجة اساسية السعودية ـ العراقية وكذلك الكويتية ـ العراقية·

طباعة