رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 رجب 1425هـ - 1 سبتمبر 2004
العدد 1643

زاد خطر التطرف الأصولي وانقسم التحالف الغربي وانعزلت أمريكا··
فوضى بوش العالمية الجديدة بديلا عن النظام العالمي الجديد

                                                                   

 

·         سياسات واشنطن أدت الى تفاقم الأخطار بدل نزع فتيل الصراعات

·         هزمنا أنفسنا في العراق بصرف النظر عما يحدث من تطورات

 

بقلم جيمس كارول:

"يجب اعتبار أنه لا يوجد ما هو أصعب من تنفيذ أو ادعى للشك في نجاح أو أخطر في التعاطي، من الشروع في نظام جديد"· هذا التحذير جاء على لسان نيكولو ميكافيلي، ولكن لم يحدث أن كان لمثل هذا التحذير صداه كما هو الحال الآن·

فقبل أربعة عشر عاما، وبعد الغزو الصدّامي للكويت، أطلق الرئيس جورج بوش "الأب" ما أسماه "النظام العالمي الجديد" في خطابه الشهير في الحادي عشر من سبتمبر 1990· وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أي بعد أحد عشر عاما شحذ الهجوم همّة الابن للقضاء على ما بدأه الأب· فقد شن جورج بوش "الابن" الحرب ضد صدام حسين الذي حاول اغتيال والده، مطلقا بذلك العنان لما هو عكس النظام·

ولا يحتاج الوضع مزيدا من التكرار، فقد أدت الحرب الى مقتل الآلاف ومنهم أكثر من 900 جندي أمريكي، وهناك خطر من اندلاع حرب أهلية في العراق· وفي هذه الأثناء، عاد أمراء الحرب في أفغانستان الى تجارة المخدرات، وتعززت قوى الإسلاميين الجهاديين في شتى أنحاء العالم· وقد كشف النقاب عن تسرب الأسلحة النووية الباكستانية، ولم تنجح جهود وقفها حتى الآن، وأصبح تنظيم القاعدة أكثر قدرة على التملص من المتابعة والضربات· وأصبح التحالف الغربي منقسما على نفسه، وأصبحت الولايات المتحدة معزولة أكثر من أي وقت مضى· إن نمط الخداع والتضليل أدى الى تدمير مصداقيتها في الخارج والداخل· وقد عمت الفوضى من واشنطن الى إسرائيل وهاييتي مرورا بأسبانيا·

ويبدو أن الهيمنة العسكرية الأمريكية غير المسبوقة في العالم والتي أدت كلفتها الباهظة الى خنق الاقتصاد الأمريكي، لم تضعف المقاومة لنا في الخارج ولم تجعل الأمريكيين أكثر أمنا·

 

صدمة عاطفية

 

ويعرف النظام الجديد للأشياء في الولايات المتحدة بشكل رئيسي، من الطعم الحامض الذي يشعر به الأمريكيون من الناحية المعنوية· فكيف تحولت الصدمة العاطفية للحادي عشر من سبتمبر الى الشعور بأننا حبيسو قفص من صنع أيدينا· وكما أوضحت كارثة تفجير قطارات مدريد، فإن التهديد الذي يواجهه العالم حقيقي وخطير، ولكن المبادرة الأمريكية تلو المبادرة، أدت الى تفاقم الوضع بدلا من نزع فتيل مثل هذه الأخطار· فبدلا من إحلال نظام جديد يحل محل الفوضى، جاءت ردود فعل أمتنا لتفتح جروحا جديدة وتفاقم هذه الفوضى· فنحن نوجه ضرباتنا الى أولئك الذين نظن أنهم يضمرون إلحاق الأذى بنا، دون أن ندافع عن أنفسنا في الواقع، وأخطر ما فعلناه من أجل النيل من هؤلاء الأشرار ومنعهم من تهديدنا، بدأنا نقلدهم·

إن أهم ما كشفت عنه الحرب على العراق هو احتقار إدارة بوش السافر للحقيقة· وسواء سمي ذلك كذبا أم لا، فإن التلاعب الواضح بالمعلومات الاستخباراتية قبيل الحرب أصبح معروفا للجميع·

لقد تغير مدلول مصطلح "أسلحة الدمار الشامل"، ففي حين كان ذات يوم يعيد الى الأذهان صدمة الحادي عشر من سبتمبر، فقد أصبح اليوم يثير على ما يبدو مخاوف محسوبة لدى الأمريكيين·

لقد زعمت إدارة بوش أنها تمتلك الأدلة على وجود خطر يتطلب شن حرب استباقية، وأخذ الإعلام الأمريكي ينفخ في بوق هذه الحملة من دون تردد· وبما أنه لم يكن لدى العراق أسلحة دمار شامل، وهي الحقيقة التي كان يمكن للحكومة والصحافة اكتشافها بسهولة، فقد كانت النتيجة أن شاهدنا خداعا مؤسساتيا ما يزال قائما الى يومنا هذا· وفي الأمم المتحدة قامت واشنطن بخداع العالم·

وقام الرئيس بوش في الخطاب تلو الخطاب بخداع الكونغرس والأمة الأمريكية· ولاحظ أن كلمة "خداع" لها معنيان هما التزوير والفشل في القيادة· فالخداع هو الخداع، بصرف النظر عما يسميه جورج بوش·

 

مفارقة

 

إن عمليات الخداع المتكررة المرتبطة بالحرب على الإرهاب والحرب على العراق أدت الى تآكل مصداقية الولايات المتحدة· فهناك فارق بين الصدق والكذب· لقد قامت إدارة بوش بتحريف الحقيقة قبيل الحرب حين لم يكن بمقدور الشعب الأمريكي تنفيد ما زعمته الإدارة، وتقوم هذه الإدارة بتحريف الحقيقة الآن حين لا يتذكر الشعب الأمريكي بوضوح ما قاله لنا مسؤولو الإدارة خلال الفترة التي سبقت الحرب·

إن احتفاظ إدارة بوش بثقة جزء كبير من جمهور الناخبين يعني أن الشعب الأمريكي لم يعد يعبأ بالحقيقة باعتبارها المبدأ الذي يجب أن تسير عليه الحكومة·

وهنا تكمن المفارقة· ففي الواقع كانت عائلة بوش هي التي بدأت نظاما عالميا جديدا، وأصبحت الولايات المتحدة عكس هذا النظام، فهي دولة الحرية المنتصرة التي تدعي الحق في تقييد حرية الآخرين· دولة التوازن الهيكلي للقوة التي تدمر توازن القوى في الخارج· دولة المؤسسات الخلاقة التي تصدر الى العالم أمورا تافهة حد الاختناق·

وفوق كل ذلك، إنها دولة حرية التعبير التي لا تحترم الحقيقة· ومهما يحدث في العراق بعد اليوم، فإن النتيجة الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة واضحة تماما: لقد هزمنا أنفسنا بأنفسنا·

 

" عن صحيفة بوسطن غلوب "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

شارون سينفذ الهجوم إذا لم يكن الثمن فادحا··
أنظار المحافظين الجدد تتركز على إيران

 
التعذيب من أبو غريب الى عسقلان: تشابه في الأساليب والأهداف
إسرائيل تمارس التعذيب منذ عقود ضد السجناء الفلسطينيين من دون مساءلة