رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 رجب 1425هـ - 1 سبتمبر 2004
العدد 1643

التعذيب من أبو غريب الى عسقلان: تشابه في الأساليب والأهداف
إسرائيل تمارس التعذيب منذ عقود ضد السجناء الفلسطينيين من دون مساءلة

                                      

 

·         رسالة إسرائيل الى المجتمع الفلسطيني بأكمله أن هناك ثمنا باهظا للمقاومة

·         600 ألف فلسطيني دخلوا السجون الإسرائيلية منذ عام 1967

 

بقلم كاثرين كوك:ü

يتعرض السجناء السياسيون الفلسطينيون للتعذيب على يد الإسرائيليين منذ عقود، فبدءا من عام 1967، سجنت إسرائيل أكثر من 600 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وفي بعض الأحيان، كانت نسبة السجناء الى عدد السكان في الأراضي المحتلة هي الأعلى في العالم·

ومنذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر 2000، احتجزت إسرائيل أكثر من 28 ألف فلسطيني، واليوم، فإن عدد السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يتجاوز الـ 7 آلاف شخص منهم أكثر من 80 امرأة و350 قاصرا، ومنهم أكثر من 600 سجين يخضعون للحبس الإداري من دون أن توجه لهم اتهامات ودون تقديمهم للمحاكمة، وقد أفرجت السلطات الإسرائيلية عن آلاف السجناء منذ عام 2002  من دون أن توجه لهم أية اتهامات، وذلك بعد احتجازهم بشكل تعسفي لفترات متفاوتة في أثناء حملة الاعتقالات الجماعية التي نفذها الإسرائيليون في الأراضي المحتلة·

وقد تعرض كل سجين فلسطيني الى أشكال مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي التي تشمل الضرب والصفع والهز والركل والحرمان من النوم والطعام والتهديد والإهانة والتكبيل المؤلم والتقييد بوضع صعب لفترات طويلة، وغير ذلك من أشكال التعذيب·

وقد أكدت هذه التقارير منظمات محلية ودولية لحقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية، وقد سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على حالات التعذيب في مركز "غوش عتصيون" للاعتقال بالقرب من بيت لحم، وورد في تقريرها لعام 2002 أن المحتجزين - لدى الشرطة والشرطة العسكرية - أكدوا تعرضهم لحالات ضرب وركل وصفع وأنهم وضعوا في عنابر ضيقة وباردة كالأكفان (تعرف بـ "الثلاجات") وهم مقيدو اليدين بخيوط بلاستيكية ومعصوبو الأعين أحيانا"· وفي عام 2003، أوردت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل في تقرير لها أن "أعدادا كبيرة ممن يتم استجوابهم تعرضوا لوسائل تحقيق يعتبرها القانون الدولي تعذيبا"·

 

هدف مشترك

 

ويتم وضع السجناء الفلسطينيين في عنابر مزدحمة وتفتقر للمرافق الصحية ويتعرضون عادة للحرمان من الأكل والرعاية الطبية ونقص الإمدادات الأساسية وتدني مستواها· ويقوم حراس السجون بشكل روتيني، بمهاجمة ومضايقة السجناء السياسيين الفلسطينيين·

ويواجه هؤلاء المعتقلون أيضا العنف من قبل السجناء الإسرائيليين الذين يقبعون خلف القضبان بسبب ارتكاب جرائم·

ويحرم بعض السجناء من حق توكيل محام أو أن قيودا شديدة تفرض على هذا الحق، وقيدت السلطات العسكرية الإسرائيلية الزيارات العائلية للمعتقلين منذ شهر سبتمبر 2000 بسبب صعوبة الحركة والتنقل المفروضتين على الفلسطينيين· إن غياب الزيارات العائلية وزيارة المحامين الى المعتقلين يجعلهم أكثر عرضة لسوء المعاملة·

وهناك الكثير من التشابه بين ما تعرض له العراقيون في سجن أبو غريب وما يحدث في السجون الإسرائيلية· ويورد تقرير سري، تسرب فيما بعد الى الصحافة، من الصليب الأحمر الدولي الى قيادة قوات التحالف في العراق، حدوث حالات سوء معاملة شملت تغطية الرأس والتقييد المؤلم لليدين والضرب والصفع والركل واللكم والتهديد والحجز الانفرادي لفترة طويلة والاستخدام المفرط للقوة الذي يفضي الى الإصابة أو الوفاة·

إن فهم أساليب التعذيب المشتركة في الحالتين العراقية والفلسطينية يجب أن يذهب بنا الى ما هو أبعد من تشابه أشكال التعذيب، الى الهدف المشترك منها، لقد وصف الجنرال انطونيو تاغوبا - في تقريره - تعذيب السجناء العراقيين بأنه "منظم ومتعمد"·

وأشار تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الى أن أساليب التعذيب التي استخدمت ضد السجناء العراقيين كانت عبارة عن طريقة منظمة لانتزاع الاعترافات وجمع المعلومات أو إجبار المعتقلين على "التعاون" مع الاستخبارات العسكرية· وأشار أيضا الى أن الروايات حول التعذيب جمعت من أكثر من عشرة مراكز اعتقال في العراق·

 

عقاب جماعي

 

ويعكس توثيق عمليات التعذيب الإسرائيلية للمعتقلين الفلسطينيين نمطا مشابها لم يحدث ببساطة بسبب وجود عدد من الجنود الحاقدين وقليلي التدريب، بل إنها سياسة محسوبة لتحقيق أهداف محددة، إنها محاولة لكسر المقاومة للوضع الراهن، ليس فقط من خلال استهداف من يُعتقد أنهم نشطاء سياسيا، بل أيضا بإرسال رسالة الى المجتمع ككل مفادها أن هناك ثمنا باهظا للمقاومة، وتستخدم إسرائيل الاعتقال والتعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات وجمع المعلومات حول النشاطات السياسية لفلسطينيين آخرين أو لتجنيد العملاء·

وشأن أية إجراءات أخرى للعقاب الجماعي فإن سياسية الاعتقالات هي محاولة لمعاقبة الفلسطينيين وترويعهم من أجل الاستسلام للسيطرة الإسرائيلية على أرضهم ومقدراتهم· ويتم التعبير عن هذه الرسالة من خلال الاعتقالات الجماعية التعسفية حيث المعيار الوحيد لاعتقال وتعذيب الآلاف هو الجنس والجنسية والسن وليس وجود اتهام حقيقي· وتحاول إسرائيل، من خلال إساءة معاملة الأطفال، التأكيد بأنه حتى الشريحة الأضعف في المجتمع ليست محصنة من هذه الممارسة· وتستخدم إسرائيل أيضا السجناء كورقة مساومة أثناء المفاوضات السياسية، وقد برز هذا الدافع من وراء سياسة الاعتقالات الإسرائيلية بعد استئناف المفاوضات بشأن خطة "خارطة الطريق" عام 2003· ففي شهر يوليو 2003، أوردت صحيفة "هآرتس" نقلا عن مصادر أمنية إسرائيلية أن "عدد السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم سيتحدد وفقا للتقدم الذي سيحرزه الفلسطينيون في مكافحة الإرهاب"· وعلى الرغم من أن معظم الذين أطلق سراحهم على الفور كانوا يوشكون على استكمال فترة حكمهم أو أنهم كانوا تحت الاعتقال الإداري من دون توجيه أية اتهامات لهم، فقد عرضت إسرائيل إطلاقهم باعتباره "تنازلا"· وقد حدث الشيء ذاته أثناء مفاوضات أوسلو·

وتنتهك إسرائيل "بصورة روتينية"، المعايير الدولية المتعلقة بمعاملة السجناء وهي الملزمة بمراعاتها باعتبارها دولة عضو في معاهدات حقوق الإنسان الرئيسية الست وهي من الدول الموقعة على ميثاق جنيف الرابع·

 

ثغرات

 

ومن المثير للقلق على نحو خاص، انتهاك إسرائيل المنظم لمبدأ حظر التعذيب· ففي عام 1987، أصبحت إسرائيل أول دولة في العالم تشرع التعذيب من خلال السماح باستخدام "الضغط الجسدي المعتدل" في التحقيق· وفي سبتمبر 1999، حظرت المحكمة العليا في إسرائيل عددا من أساليب الاستجواب التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية· وعلى الرغم من أن البعض فهم قرار المحكمة بأنه حظر للتعذيب، أكدت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في عام 2001 أن حكم المحكمة لا يشمل منع التعذيب بشكل محدد·

وقد تضمن قرار المحكمة ثغرات أعطت النائب العام في إسرائيل ترخيصا بالموافقة على استخدام التعذيب في الظروف "الضرورية"· وأشارت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل: أن النائب العام أعطى موافقته على كل حالة استخدم فيها عناصر المخابرات الإسرائيلية التعذيب من دون استثناء·

ويأمل المرء أن تؤدي فضيحة إساءة معاملة السجناء العراقيين من قبل القوات الأمريكية والبريطانية الى وضع حد لتعذيب السجناء العراقيين، وتقديم المسؤولين عن ذلك للمحاكمة· ولكن تاريخ التعذيب يشير الى أن دولا كثيرة لجأت إليه طالما لم تجد معارضة لذلك· وقد مارست إسرائيل التعذيب ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال منذ عقود من دون مساءلة·

إن الخطوة الأولى تجاه وقف التعذيب للأسرى العراقيين والفلسطينيين هي في الاعتراف أن هذه الممارسات ليست أفعالا فردية، بل هي نتاج نظام أكبر للسيطرة ذات أهداف محددة· أما الخطوة الثانية، فهي العمل من أجل ضمان أن مثل هذه الأنظمة للقمع - سواء كانت بشكل مباشر أم غير مباشر - جديرة بالإدانة ولا يمكن لها أن تستمر·

 

ü منسقة إعلامية في مشروع المعلومات والبحوث للشرق الأوسط وشاركت مع آدم هنية في تأليف كتاب واده كاي بعنوان "الشباب المفقود: سياسة إسرائيل لاعتقال الأطفال الفلسطينيين"

 

" المصدر: The Jerusalem Fund "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

زاد خطر التطرف الأصولي وانقسم التحالف الغربي وانعزلت أمريكا··
فوضى بوش العالمية الجديدة بديلا عن النظام العالمي الجديد

 
شارون سينفذ الهجوم إذا لم يكن الثمن فادحا··
أنظار المحافظين الجدد تتركز على إيران