رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 رجب 1425 هـ _ 8 سبتمبر 2004
العدد 1644

"الطليعة" تنشر الدراسة التي فصل على إثرها د·متروك الفالح من جامعة الملك سعود
المستقبل السياسي للسعودية في ضوء 11/9:
الإصلاح في وجه الإنهيار والتقسيم(الحلقة الثانية)

    

  

 

·    المشروع الأمريكي الصهيوني يستهدف قبول جميع الدول العربية وفي مقدمتها السعودية للتطبيع مع إسرائيل

·    في حال ممانعة السعودية للتطبيع مع إسرائيل فإن أمريكا تلوح بتفكيك المجتمع والدولة السعودية

·  الإدارة الأمريكية تتآمر مع شارون  في محاولة للإطاحة بياسر عرفات وتدمير السلطة الفلسطينية

 

أ· د· متروك الفالح

استاذ السياسة المقارنة والعلاقات الدولية (سابقاً)

قسم العلوم السياسية ـ كلية العلوم الادارية

جامعة الملك سعود ـ الرياض

العلاقات السعودية الغربية وبالذات بطرفها الأمريكي كانت تتسم بشكل عام بالتميّز طوال العقود الخمسة الماضية وحتى بداية الألفية الثالثة الميلادية· غير أن ذلك التميّزلم يكن، بالضرورة على وتيرة واحدة إذ شهدت العلاقات الغربية ـ السعودية، ومنها الأمريكية تحديدا، حالة من التوتر وعدم الاتساق خصوصا في فترة ما بعد 1995/1996 حيث تفجيرات الرياض والخبر ضد القوات الأمريكية والتي أسست وأرست لبداية قلق شعبي من الوجود الأمريكي، وكذلك عدم ارتياح رسمي من التدخل في الشؤون الداخلية خصوصا في إطار التحقيقات في تلك الأحداث· تلك الحالة العامة من العلاقات السعودية ـ الأمريكية والتي كانت على ما يبدو متميّزة، وان لم تخل من توتر كما أسلفنا، بدأت تتبدد على نحو لم يكن مسبوقا من قبل وذلك بعد الهجمات المميتة في واشنطن ونيويورك وبنسلفاينا في الحادي عشر من (سبتمبر) عام 2001·

ذلك الحدث وتوابعه في سباق ما سمي الحملة ضد الإرهاب بما في ذلك الحرب ضد أفغانستان ـ ولربما مستقبلا، ضد دول عربية أو إسلامية وكل ذلك يشير الى أن المسلمين ومنهم العرب تحديدا هم المستهدفون بدرجة واضحة من كل تلك الحملة واتجاهاتها ـ فتح ملف العلاقات الغربية العربية ومنها السعودية ـ الأمريكية تحديدا على مصراعيه باتجاه إعادة صياغتها أو تغييرها وعلى نحو بدا أنه يؤسس لأزمة ذات مخاطر على البلاد العربية عموما ومنها الدولة والمجتمع في السعودية تحديدا· تلك المخاطر تبدو هذه المرة مخاطر حقيقية وجدية وبالتالي تتطلب في المقابل معالجة حقيقية وجدية ولكن على أسس وصيغ جديدة لتتواكب وتتعامل مع مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن سابقتها·

 

النار النووية والعراق

 

إذا تمت تلك العملية ـ عملية ضرب العراق ـ (وهو ما نتمني أن تكون القمة العربية وقراراتها في بيان بيروت وفي إطارها المصالحة السعودية ـ العراقية وكذلك الكويتية، قد اسست لأرضية تحول دون حدوثه وأن مازال هناك بعض المخاطر وكذلك البدائل التي قد تستغلها أمريكا لتنفيذ العملية مستقبلا) وفي سياقه أو (معه أوقبله الصومال والذي لا يبدويثير شجون وهموم العرب علي نحوكاف) وإسقاط النظام العراقي تحت أية حجة وهي ستكون سابقة خطيرة، كما أشرنا آنفا، وقد تكون السلاح الذي يشهر بوجه الحلفاء الحاليين مستقبلا ـ فإن النقطة المقبلة والأبرز في إتمام المشروع الامريكي من الهيمنة علي المنطقة وبما يتضمن من تعويم المشروع الصهيوني ثم العودة الي استهداف الخليج والسعودية تحديدا ستكون سورية هي المستهدفة ثانيا (بعد العراق) إذ ستكون محاصرة من جميع الجهات بقوى إما معادية كما هي إسرائيل وتركيا أو أنها تقع في النفوذ الأمريكي كما هوالأردن والعراق ـ البديل إذا تم اوضعيفة وهي الحالة اللبنانية· عندها سيمكن اخضاع سورية طوعا او كرها، أما طوعا فيتم الضغط عليها بتوقيع اتفاقية تسوية مع اسرائيل كما هي اتفاقيات التسوية مع الأردن 1994ومصر 1979· وإما كرها فان الامر ليس هو الآخر مستبعدا وما لائحة الخيار النووي إلا تمهيدا لذلك الخيار واحتمالاته رغم أن الأمر سيكون أسهل من ذلك بكثير إذا ما تم تحييد المسألة العراقية أصلا (في حالة ضرب العراق وتغيير النظام وإقامة نظام موال)· إن خيار اللائحة النووية الأمريكية والذي سربته صحيفة لوس أنجلس تايمز قبل فترة ورغم أنه فيما ورد أصلا في التقرير يستهدف سبع دول هي الصين وروسيا وكوريا الشمالية والعراق وسورية وايران وليبيا إلا أنه من الواضح فإن استهداف الصين وروسيا بقنابل نووية صغيرة أمر لا يمكن القبول أو التصديق به ذلك أن اللعب بنار نووية وإن كانت صغيرة مع دولة نووية أمر لا يمكن التحكم به وبالتالي فانه خيار لا يمكن إلا أن يكون لدول غير نووية أصلا وخصوصا الدول العربية المعنية ومنها تحديدا سورية كما هي العراق ولربما ليبيا ثم لاحقا المسألة الإيرانية وحتي باكستان والتي يثير عدم إدراج اسمها في تلك القائمة علامات استفهام واستغراب في الوقت ذاته · فوق هذا وذاك فان ذلك التلويح باللائحة النووية والخيار النووي المحدود وهويستهدف دولا عربية (سورية العراق ليبيا)، قد يراد به دول عربية أخرى كما هي مصر والسعودية تحديدا للحصول علي الاسترضاء لكي يتم إخضاع تلك الدول العربية ومنها سورية ـ هنا ـ عنوة إن لم يكن طوعا·

واذا ما تم إخضاع سورية عنوة او طوعا وفي إطار الإحاطة الكونية الأمريكية والمشروع الأمريكي الصهيوني للمنطقة فان تسوية القضية الفلسطينية أو تصفية لها ستكون أمرا ممكنا وإن كان لايخلو من صعوبات ليست بالامر السهل· وفي سياق محاولة تصفية القضية الفلسطينية يلاحظ إن الادارة الأمريكية وفي ضوء عدم رضاها علي نتائج القمة العربية وبيان بيروت وخصوصا فيما يخص الإجماع العربي، بما فيه الموقف السعودي والكويتي، الرافض لضرب العراق وبدرجة أكبر المصالحة السعودية والكويتية مع العراق جعلها (الإدارة الأمريكية) تتآمر مع شارون للإطاحة بعرفات وتدمير السلطة الفلسطينية بعدوانها الهمجي منذ صباح اليوم التالي لإنتهاء مؤتمر القمة العربية في بيروت وذلك للحصول منه علي تنازلات تحت الضغط وكذلك معاقبة للعرب الآخرين وتعويضا ربما لتلك الخسارة الأمريكية في المسألة العراقية· لذلك ليس مستغربا أن توجه الإدارة الأمريكية وعلى لسان وزير خارجيتها كولن باول في تصريحاته الصحافية (29/3 /2002)، وبشكل اكثر وضوحا وفجاجة علي لسان الرئيس الأمريكي بوش نفسه، في تصريحاته (31/3/2002)، الاتهام لعرفات وتحميله مسؤولية العدوان الصهيوني الذي يجري منذ 29/3/2002، وتبدي في المقابل تعاطفها مع شارون وإسرائيل وأن من حقها الدفاع عن نفسها·

 

السعودية والتطبيع

 

غير أن النقطة الأهم أنه وفي سياق ذلك المشهد الإخضاعي ( إذا تم إخضاع سورية بعد إخضاع العراق وهي حالات واوضاع نتمني أن تكون القمة العربية الأخيرة في بيروت، آذار (مارس) 2002· وقياداتها قد وضعت قيدا قويا ومسافة بعيدة للوصول إليها وتحقيقها) أو في ثناياه ستكون المهمة الأمريكية التالية هي إعادة إدماج العناصر مع بعضها البعض وخصوصا إدماج منطقة الخليج العربي ودوله بما فيها السعودية تحديدا في ذلك التوجة وتلك الصياغة· واذا ما تمت تلك المشاهد اعتمادا علي فكرة تكسير الحلقات الأضعف أولا، فعندها ستكون مصر والأردن ولربما لبنان وكذلك العراق خارج المعادلة وبالتالي ستكون السعودية هي المستهدفة وفي وضع لا تستطيع فية أن تقاوم ذلك الإدماج· إن ذلك الاستهداف الأمريكي للسعودية وبتناغم مع الرؤية الصهيونية يعني ببساطة شديدة أن تقبل دول الخليج العربي وعلي رأسها وفي المقدمة منها السعودية مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني (والذي يبدو أن السعودية في طرحها مبادرتها الاخيرة تحاول لربما أما التمهيد له إن لم تكن تحاول التخفيف من الحملة الأمريكية استرضاء والنتيجة النهائية في الحالتين في حالة عدم التحصين الداخلي والعربي علي أية حال واحدة) وإحياء فكرة الشرق أوسطية وبالتالي تعويم المشروع الصهيوني مندمجا مع المشروع الامريكي· إننا أمام عودة إلى الأصول والاساسيات للحملة الأمريكية علي الإرهاب والسعودية باعتبار إن الأخيرة (السعودية في الرؤية الغربية والأمريكية تحديدا) هي المركز للإرهاب وهي المشكلة وهي الخطر علي الغرب عموما وعلى الولايات المتحدة خصوصا وبالتالي فإن إعادة هيكلة السعودية أو تفكيكها هي المهمة الأساس المؤجلة في بداية الحملة لضرورات إتمام المشروع الأمريكي في سياق الإحاطة الكونية وضمن تكتيك إنجاز المهام مرحليا طبقا للحلقات الأضعف ولكنها المهمة الأساس الناجزة في نهاية مطاف الحلقات الأضعف·

في حالة ممانعة السعودية لذلك التوجه في حلقاته النهائية وهوالتطبيع، فأن الأمر سيكون بالتلويح بأمر اخر اكبر واكثر خطورة مما يتوقعه الكثيرون، انه مشهد التقسيم والتفتيت للدولة والمجتمع في السعودية ولربما في منطقة الجزيرة العربية كلها واعادة رسم خرائطها علي نحو آخر ·

ان فكرة مشهد التقسيم والتي لا تبدوفي عناصرها جديدة، تقوم في توجهاتها ومرتكزاتها الجديدة، والتي حاولنا منذ عدة سنوات خلت الاشارة لها ولفت انظار المعنيين من صناع قرار ومثقفين في البلاد العربية، علي امكانية استغلال معطيين اساسيين هما: النفط والاسلام (الاماكن المقدسة)·ان النفط موجود بدرجة اساسية بالمشرق العربي من العراق شمالا ومرورا بالسعودية ومنطقة الخليج العربي جنوبا · واما الاماكن المقدسة (الاسلام) فانه في الجزء الغربي من المشرق العربي من الحجاز (المنطقة الغربية) في غرب السعودية بدرجة كبيرة وحتي فلسطين (القدس) شمالا· وبقدر ما يتعلق الامر بالخليج العربي عموما والسعودية بدرجة اكبر خصوصا، فان مشروع التقسيم سيكون في مشهده الاحتمالي علي النحوالتالي: اقامة مناطق اودويلات عازلة اولا: في المنطقة الشرقية وما يتصل بها من مناطق بترولية خاصة بامتداد الربع الخالي (ولربما تربط بالشرق العربي من جنوب شرق الجزيرة وحتي العراق شمالا في مرحلة من المراحل ) وحتي مشارف وادي الدواسر، ثانيا: في الحجاز دولة اسلامية مفتوحة للجميع لاداء المشاعر الاسلامية وهذا الخيار الأخير ربما قد تفعله امريكا لاقناع اواكراه بعض من المسلمين و/ او دولهم لربما قد يجد صدي عند بعض المسلمين من الناحية الاسلامية ولربما سيكون مرحبا به من قبل بعض الدول علي الاقل· وقد تسند تلك التوجهات بمدينة القدس مدّولة لكل الاديان بما في ذلك الاسلام و بحلول مفروضة علي العرب والفلسطينيين ان امكن ذلك · ثالثا: اما المناطق الشمالية والوسطي والجنوبية فانها تترك لقدرها تتطاير اوتتذرذر وبالشكل الذي تريده اويراد لها، اما علي شكل امارات اومحميات اوعلي شكل ملاحق لكيانات اخري· عندها سيكون الجميع خاسرا دولة ومجتمعا ومناطق بما في ذلك الوضعية العربية وتلك حالة لا احد يرغب بحدوثها ولكن الرغبة شيء والعمل علي تفعيلها بممانعة جادة شيء آخر·

ولعل السؤال الاكثر اهمية في ذلك السياق، هوهل هذا المشهد التقسيمي واحتمال حدوثه امر ممكن ام لا؟ ان الاجابة عليه باليقين امر ليس ممكنا ولكن الاقتراب منه امر قد لا يكون عسيرا· ان ذلك احتمال قد يحدث وقد لا يحدث ولكن كل المؤشرات والدلائل تشدد علي ان الولايات المتحدة الامريكية لن تترك السعودية في مرحلة ما قادمة علي ما كانت عليه وان اعادة هيكلة السعودية ستكون امرا قادما لامحالة وان كان مؤجلا للمرحلة الاتية وهي الانتهاء من الحلقات الاضعف · وبينما كان هناك من يصرح بان هناك توافقا امنيا استخباراتيا امريكيا ـ روسيا للتخلص من الحالة العراقية والايرانية اولا ثم التفرغ للمهمة الاهم في النهاية في الجزيرة العربية وتحديدا في السعودية و الارهاب السعودي حتي وان تطلب ذلك التخلص من انظمة الحكم القائمة وهو ما اشــــــير الي ضرورته في النهاية، فان هناك من طرح فكرة اقامة سياج حول المنطقة الشرقية من السعودية Fencing Eastern Province.

وفي سياق تلك الامكانية وذلك المشهد علي اية حال، ليتركز الامر علي بعض من تصورها في سياق مشروطياتها: انطلاقا من تلك التلميحات والتصريحات، ماذا لو قررت الولايات المتحدة واعلنت خطوط الطول واجزاء من العرض ـ (بدلا من خطوط العرض كما هي الحالة العراقية) ـ لشرق الدهناء وغرب الحجاز، فمن الذي سيمنع الولايات المتحدة الامريكية من تنفيذ ذلك؟ هناك من لا يصدق اولربما لا يريد ان يصدق بان ذلك قد يكون ممكنا باعتبار ان ذلك وفي سياق المسألة النفطية السعودية والاستقرار السياسي في المنطقة لن يكون في مصلحة هذا الخيار· ولكن في المقابل يمكن القول انه ورغم ان مصلحة الولايات المتحدة الامريكية هي في الاستقرار السياسي للمنطقة في اطار المسألة البترولية وهو ما تراهن عليه عناصر واطراف عربية وغربية واهمة اومتوهمة ان امريكا سوف تتركها وشأنها علي ما كانت عليه، فان هناك ايضا من يري ومن عناصر متنفذة في الغرب وفي الولايات المتحدة الامريكية تحديدا ـ (وخاصة في سياق الفكرة المهيمنة بان ترك الحالة السعودية علي ما كانت عليه امر لايمكن القبول به ويجب معالجتها معالجة جذرية والي الابد) ـ انه من الممكن وفي المصلحة الامريكية تنفيذ ذلك المشروع التقسيمي وان ذلك امر ممكن وفي اطار صياغة التقسيمات الصغيرة والضامنة للمسألة البترولية· أو ليست الولايات المتحدة الامريكية هي القوة ـ علي الارض الضامنة حاليا لتلك المسألة البترولية؟

يجب ان نقول ان المسألة ليست في تهويلها ولا في تضخيمها ولا في القول بان تلك الامكانيات لن تلقي مقاومة اوممانعة محلية اواقليمية اوحتي دولية ولكن ايضا نشدد علي القول بان ذلك اولا :احتمال ومشهد مستقبلي ويمكن اذا ما تمت لحظة الحسم باتجاه السعودية والخليج العربي وفي سياق الادماج في المشروع الامريكي والمتناغم مع المشروع الصهيوني عندها لن تكون المسألة تخيّلية وعند هذه اللحظـــــة لربما تلتقي الرؤية الصهيونية بالحملة الامريكية علي السعودية تحـــديدا كما يتصورها الرسميون السعوديون حاليا· اما لماذا الامكانية لتحقيق مشروع التقسيم فالامر يرتبط اساسا بعدة عناصر منها ما هوخارجي مرتبط بدوافع القوي الكبري وحلفائها بالسيطرة علي المنطقة وكذلك بالقوي الاقليمية وخاصة في سياق العلاقات العربية العربية وطبيعة عناصر ومكونات القوة العربية وفاعليتها وعدم متانتها اوتمتينها، ومنها ما هوداخلي يرتبط بالاوضاع الداخلية تحديدا·

ورغم اهمية العناصر الخارجية والتي قد نتعرض لبعض منها لاحقا، فان ما يهمنا هوالبعد والعناصر الداخلية في امكانية تحقيق مشروع التقسيم· ونود التأكيد بداية علي ان ذلك المشهد وعوامله العربية والداخلية تحديدا بالقدر الذي يمس ويفسر الحالة السعودية ومستقبلها فانه لربما يقترب زيادة اونقصا من ذلك القدر الذي يمس ويفسر الحالة العربية لمعظم الدول العربية ان لم يكن كلها وخاصة تلك الدول التي تتعرض لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوط خارجية·

بناء عليه فان ماهو داخلي يتصل ويمس مسا جوهريا مسألة ازمة الدولة والمجتمع اوالعلاقة بين الدولة والمجتمع علي ضوء عدم قدرة اورغبة تكيّف النظام السياسي اوالقائمين عليه وما يرتبط بذلك من مقومات لانجاح المشروع التقسيمي وخاصة في سياق ضعف اوهشاشة ما يتصل بمسألة الاندماج وغموض فكرة المواطنة وغياب الشــــعور بالمســــؤوليات لدي الافراد والجماعات في البلد وذلك لان سياسات الدولة اتسمت بعدم التوازن من حيث التنمية وتوزيع مخرجاتها وذلك لغياب أصلاً الإشراك المتوازن في المسؤوليات في انتاج تلك السياسات المتوازنة المطلوبة· وتتداخل تلك الامور مع تزايد تلك المشاكل الاقتصادية والفساد المالي والاداري في سياق استشراء المصلحة الخاصة وعلي حساب المصلحة العامة او مؤسسات لمواجهة تلك التحديات·

ان كانت تلك تحديات حقيقية، فمن الذي يمنع الولايات المتحدة اذا ما اعلنت ان شرق الدهناء من شمال الخليج الي جنوبه، علي سبيل المثال منطقة محظورة علي التجاوز؟ من الذي سوف يحارب الولايات المتحدة الامريكية ؟ هل ابناء تلك الدول لديهم الاحساس بتلك المسؤولية ويتوافرون علي القدرة والتعبئة المطلوبة؟ ان المواطنين في بلدان الخليج العربي ومنهم ابناء السعودية، لربما لايقلون عن اقرانهم الاخرين في العالم في رغبتهم في الدفاع عن بلادهم· ولكن لكي يحصل ذلك فلابد من مقومات وتلك المقومات لايبدومتوفرة اذ ان المواطن العادي لايعرف بشكل عام استخدام المسدس فكيف بمقاتلة دولة كبري وتحدي قرارها؟ الم تستطيع امريكا ان تفرض مناطق عازلة في شمال وجنوب العراق وعلي بلد هو العراق وهو يعتبر اقوي بكثير من السعودية مثلا ؟ وفوق هذا وذاك اننا امام مناطق ومجموعات لم تتولد لديها فكرة الدمج و المواطنة وبسبب من السياسات التنموية غير المتوازنة والقائمين عليها· انها مناطق ومجموعات تبدو معزولة اكثر عن بعضها البعض ولدرجة ان كثيرا من الاهالي، افرادا وجماعات لا يعرفون ولم يزوروا تلك المناطق اومدنها علي الاطلاق، بل ان هناك من لاحظ وباستغراب وتساؤل عن ان ابناء البلد يعرفون مدنا عربية واجنبية اكثر بكثير من معرفتهم لمدن ومناطق بلدهم وبالتالي فهو يري الحاجة ماسة الي التواصل الاجتماعي والثقافي· واذا ما تم تواصل بينها فان ذلك لبعض ضرورات العمل اوالمرور· وحتي المدن الرئيسية والتي تستقطب معظم سكان البلد (وهي الرياض ومكة وجدة والدمام والخبر)، فأنها ورغم انها تستقطب مجموعات من مناطق مختلفة وتبدو ظاهريا اكثر اندماجا اودمجا من الناحية الشكلية، الا ان واقعها الاجتماعي يشير الي انها مجتمعات مسكونة بتقاسمات مجموعات غير مندمجة· ورغم ان الموروثات الاجتماعية قد تكون مسؤولة الي حد ما عن تلك الوضعية الا ان السياسات التنموية غير المتوازنة بين المناطق والمجموعات وحتي في المدن واطرافها والرؤية الاستراتيجية للقائمين عليها بما هي منظومة ناظمة ضاغطة قد تكون بدرجة اكبر مسؤولة عن تواصلها وبالتالي بالتعاضد مع عوامل سالبة لبيئة وبنية نظام تتسم بالجمود، تقفان وراء تكّون البنية ـ التحتية الانقسامية ومن ثم البذرة التي قد تسهل عملية مشروع التقسيم في حالة الاصرار علي تنفيذه وفي غياب مشروع الاصلاح واستمرار مشهد الانهيار وهو ما نعالجه ونفصل فيه تاليا·

 

طباعة