رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15 شعبان 1425هـ - 29 سبتمبر 2004
العدد 1647

أمسية شعرية

بالشعر افتتحت رابطة الأدباء موسمها الثقافي

دبشة والخالدي وعلام ودخيل·· أعادوا مشهد جيل غائب

 

   

 

كتب المحرر الثقافي:

افتتحت رابطة الأدباء موسمها الثقافي بأمسية شعرية لأربعة شباب من جيل شعري واحد، لهم تجارب واضحة في المشهد الشعري الكويتي، استطاعوا من خلال تواصل كتاباتهم وضع ملامح عامة لهذه التجارب رغم تفاوتها والاختلافات الفردية بين أصحابها، إلا أن إطلالتهم الشعرية في هذه الأمسية كانت عودة لهذه الأسماء بعد غياب عن المشاركات الجماهيرية، والشعراء هم: صلاح دبشة وإبراهيم الخالدي ومدحت علام ودخيل الخليفة، وقدمتهم في الأمسية الكاتبة أنوار السعد·

حرص صلاح دبشة في اختياراته المشاركة على تقارب أجواء النصوص، وعدم التنويع في مواضيعها، وبدأ الأمسية بفتح دفاتر الطفولة واستحضار صور تراثية بعيدة مليئة بالشقاوة والعبث البريء، فيقول في "القرقيعان":

أطفال حفاة

بيوت عارية بنتها الأيادي الطيبة

وسلمتها لأيدي الزمان

من العجائب ألا تتورد أبوابها البالية

من إيقاعات الأيدي الصغيرة

والفراشات التي رسمتها قلوبهم

في الهواء الطلق

في هذا النص يفتح دبشة هوة في الذاكرة الشعبية، ويطل منها كمتأمل، يضيء أماكن معتمة، أو بسيطة، أو مهملة ومنسية، ويجعل منها موضوعا شعريا غنيا، فالبيوت القديمة والأبواب الخشبية وهبات "القرقيعان" والفراشات والفرح الطفولي جميعها أدوات وظفها دبشة في نصه بإتقان، كأول شاعر محلي ينتبه الى مناسبات شعبية، ويلمِّع أدواتها المهملة شعريا، يقول في نصه:

القرقيعان

شهوة باب آخر

نتصادم من الفرحة

لأن أعماقنا تدل الطريق

للبنات أن يتركن ضحكاتهن نوافذ في الهواء

للصبيان أن يطلوا منها على أحلامهم،

كنا نتحدث بأصابعنا

والبنات بتلاصق وجوههن

كلماتنا دراجات للهواء

آثارنا قلائد للتراب

يصير الصدى رشة عطر·· على شيلة الأفق

ونمضي

كوطء عصافير على الأغصان

ويستمر دبشة في استرجاع شريط طفولته السينمائي، في لقطات تفور بالحركة واللون والرائحة، فتكتمل الصورة:

ومن باب الى باب

حين نرى الغيم

نقول إن السماء نائمة

وإذا خرج القمر كدلو من بئر الليل

يصب على ثيابنا الضوء

واعدناه بقبل كثيرة

وخبأنا له تحت أجفاننا·· سهرة

في الوطن

واختار إبراهيم الخالدي نصوصا تقترب من الواقعية المباشرة بخلاف ماينشر عادة من كتابات شعرية، إذ يختار في الأمسية "تحب الكويت؟" كسؤال يحمل إجابة الحب للوطن في كل حالاته:

تحب الكويت؟

أحب الكويت بصفارات إنذارها

وجار يهدد

وغزو يشرّد

أحب الكويت بدمع اليتامى

وعوز الأيامى

وأهواء تجارها

كما يقرأ الخالدي نصا آخر في "سقوط الصنم" كرمز لسقوط الطاغية، والذي اتخذ بالفعل رمزا معنويا وشعريا لانهيار النظام الاستبدادي في بغداد:

أحد·· أحد

في ساحة الفردوس كان المشهد الخلفي يظهر مسجدا

كانت منارته تطل بهيبة

فيما بدا هبل الذي··

يهتز·· يهتز الـ··

قفوا··

هبل تصدع خاويا، ومجوفا

هبل هوى

هبل على الطرقات يسحل

يالثارات تعد·· ولا تعد

وشارك الخالدي بنص "درس":

الروشة

أول عنوان أعرفه في بيروت

قالت لي عرافة بخت غجرية

وهي تسير مسبحة الخرز

الزرقاء

على راحة كفي··

لا تكتب شعرا في حب امرأة ضاعت··

اكتبه لأحباب سيضيعون غدا

·· ثم انطلقت في الموج

ليل القرية

مدحت علام كانت له أجواء خاصة، نقلته الى القرية وأهلها ودراويشها وليلها الهادئ البسيط كبساطة قلوب أهاليها البعيدة عن تلوث المدن والعواصم:

لما رأى النارالكظيمة

ترتمي خلف التخوم

ونساء يسبقن المسافة

يسترحن على سماحته

المليئة بالغيوم

ورأى دراويش القرى

في السر

كان الليل يأخذهم

الى بلد

تحلق في شوارعها الهموم

لما تأكد من مقابلتي

توقف ساعة

ثم استوى فوق الجبال

وصار يصرخ كلما

حطت على شباك مهجته النجوم

أو حام حول غيابه سر

يطارحه الهجوم

ويهدي علام نصا آخر الى ابنه أحمد "أحمد حين يسألني" بشيء من الحزن والخوف من المجهول المقبل، كأنما شكوى حزينة يربت بها على طفولة تجهل معانيها:

لي رعشة الكف

اللصيقة بالجدار

ورهبة الدمع المغامر

في البكاء

وسحنة الدرويش

حين الموت

يغمس خده

في حرقة الرمل الرهيج

وفي نص آخر، يقرأ علام "هل كان حلمك غاضبا؟ ويتساءل هل كان الغضب من أمنيات مؤجلة أم البوح المسرف؟ لكنه ينتهي بالقول:

أقول بأن حلمك طيّع

وبأن تاريخي

الملبد بالحكايا

سوف يمنحك القصائد

إنه ما زال ينكر صمته

ويدس في وجهي حكاياه

تفاوتت نصوص دخيل الخليفة بين المباشرة التي يفرضها إيصال المعنى السياسي وبين الشعرية المتحققة بمقاربة المعنى والتحليق بعيدا عن شموسه الحارقة، مثلما فعل حينما راقص "خصر قصيدة جفلت من الأشباه"، ففي سماء هذا النص غيوم شعرية مركزة ومكثفة وشفافة لم تغمر النص إلا برذاذ:

كرزٌ تبعثر في ارتباك الصبح

واندثرت فصولُ البوح عن عنب اليقين

الآه، فارتجف الكلامُ

الوقت يغزل ليلنا المحفوف بالنارنج، يأخذنا لقافيتين، تلتهمان قلبينا من الوله المراوغ، من لغات الموج، يسرقنا الوئام·

وفي نص أهداه دخيل الخليفة للشاعر العراقي أحمد عبدالحسين "لا أحد ينظّف الهواء" تصطبغ لغة خليفة بالسواد، واليأس، والاختناق من تلوّث يلف كل الجهات والآفاق، فلا يدع هذا التلوث الذي يحيط بالنفس البشرية مفرا إلا اللجوء الى النار كاختيار أرحم:

الي متى يتلبس السواد جهة القلب

أيها الممسوس بالبياض؟

الأرض مجرد بيضة فاسدة

فوهة تبحث عن جسد غض

تتعقب حلما يطل من كوة

تتلصص الضوء

ليس ثمة جهة أرحم من النار!

وفي استنكار حاد للأوضاع يقول خليفة في نصه:

لا أحد ينظف الهواء

من صراخ بلا معنى

كلهم يلمعون حذاء والت وايتمان··!

كلهم يعزفون الكمنجات على كركرة النار

ليمضغوا الكاكو··!

أدركنا التشظي في ارتخاء الوقت··

أيقنا كيف يرتدي الجربوع ثياب الامبراطور··!

وهنا تبدو حرقة الشاعر التي دفعته الى اختيار لغة مغايرة في هذا النص، بهدف إيضاح المعني دون لبس والى إدانة أصحاب والت وايتمان، رغم أن هذا الشاعر الأمريكي كان رمزا لرفض سياسات بلاده!

طباعة  

وتد
 
إصدارات
 
المرصد الثقافي
 
صنعاء استضافت الأيام الثقافية الكويتية
ندوات وشعر ومسرح وفن كويتي