رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15 شعبان 1425هـ - 29 سبتمبر 2004
العدد 1647

وتد

مساء الخير أيتها الشمس المطمئنة

 

نشمي مهنا

ليقترب الزوم السماوي ببطء·

ها أنا أقف على حافة كونية·

في بلاد قطبية قصية·

في مدينة باردة·

في بناية شاهقة يلفها سكون العتمة·

في شقة معلقة في الدور التاسع·

دفءُ الأصدقاء المغموسين في ثلج الغربة الاسكندنافي أذاب ندفا بيضاء تراكمت بين الأضلع منذ ليال، وهدأ من روع العاصفة·

لم ينتصف الليل هنا بعد، لكن شوارع هذه المدينة كزهرة عبّاد الشمس، يخفت ألقها على أول حمرة للمغيب، تذبل، تخلو روحها أو تنتزع من جسد الليل، أو هي تغفو مثلما الشمس النائمة هناك وراء الأفق·

ليقترب الزوم·· قليلا

أخرج الى الشرفة الضيقة، لأدخن سيجارتي بصمت مهيب، بعدما أغلق الباب الزجاجي خلفي بإحكام، تتسرب الى سمعي أصوات الأصدقاء وأطراف أحاديثهم، والى قلبي موسيقى هادئة وحنين مباغت·

من زاوية الشرفة أرى إضاءات المدينة المتثائبة كشموع في صحن الليل الساكن، بعضها كأعواد ثقاب، لكن لا تشعل سوى المخيّلة ولا تطفئها أي ريح·

ليقترب الزوم للحظات·

أقف في الشرفة خمس دقائق، بعمر سيجارة تطيّر سحاباتها البيضاء فوق رأسي، بمقابل بناية قريبة وشاهقة أيضا، كالتي تضمني الآن إحدى شرفاتها·

جميع نوافذها الزجاجية بحجم جدار، بعضها غلبها النعاس فأعتمت، وبعضها ظلت فضيحة مضاءة· كأنما اتفق ساكنو هذه البناية القرميدية على خلع جميع ستائرهم· لا شيء في حياتهم يستدعي التعتيم والظلمة، لا شيء· حياة صريحة جدا، ممارسات بيتية ممسرحة أمام جمهور لاه: ليل بارد ثقيل الخطوات، نجوم بعيدة منشغلة بفضاءاتها، إضاءات واهية كأنما ستلفظ أنفاسها الأخيرة فوق أعمدة النور، وريح جاءت وغادرت فجأة لغرض ما، لكنه الوحيد هذا الكائن الليلي الغريب، المتلصص من الشرفة العالية، كان يبحث في مكائد الليل عن فضيحة·

لتتوقف حركة الزوم الآن، لا حاجة لي بها·

خمس دقائق، بعمر سيجارة، رأيت أمامي حيوات كثيرة كعروض تمثيلية استغنت عن مخرجها والمصور والفنيين والجمهور، فكانت النوافذ شاشات، قدم عليها "الأبطال" أداء تلقائيا غنيا ومشوقا ومحرضا على التلصص·

شقة (1): طفلان يقفزان بفرح على سرير واسع، يزداد القفز علوا كلما هم أبوهما باصطيادهما (لعبة ما قبل النوم هل كانت أفضل من حكاية؟!) أمهما يتكرر مرورها في المشهد دون أن تشارك·

شقة (2): حديث كان بين زوجين، لا يستقران أمام الكاميرا··!

شقة (3): زوجان شابان دخلا لتوهما الشقة، يخلع الزوج ملابسه الثقيلة، وتغيب الزوجة···

شقة (4): رجل وحيد يظهر في لقطة قصيرة ويختفي في المطبخ··

شقة (5): فتاة تتمسح - كقطة جائعة - برقبة حبيبها· يجلس على الكرسي، ويحاول التحدث إليها فتطوّقه بذراعيها مرة أخرى، يتبادلان قبلات طويلة ويتبخران في غيمة واحدة·

شقة (6) أصدقاء يشعلون حفلة هادئة، تختلط فيها الوجوه والألوان وحركة الأجساد، يزدحم المكان، فيفيض بهم إطار المشهد، ويكاد ينكسر، أو يحترق بشموع الحفل·

شقة (7): حركة خاطفة لمرة واحدة لخيال عار، لا تتكرر، رغم غياب الرقيب وفضول المراقب (نافذة مشرعة على فراغ···!)·

وشقة (10,9,8···) بعض النوافذ تغيب في ظلمتها فجأة، وبعض النوافذ الميتة تصحو من جديد·

نداء الأصدقاء يقطع عليّ مشاهد هذا العالم الصغير، المختصر في بناية، والمختزل لأكثر من حياة، فأعود الى دفء الداخل، والى نداء أغنية قديمة لـ "رويشد": "تعالي لي"·

هل كانت شرفة عالية أم إطلالة صريحة على ذواتنا؟!

 

nashmi@taleea.com

طباعة  

أمسية شعرية
 
إصدارات
 
المرصد الثقافي
 
صنعاء استضافت الأيام الثقافية الكويتية
ندوات وشعر ومسرح وفن كويتي