رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15 شعبان 1425هـ - 29 سبتمبر 2004
العدد 1647

نوح كوهين يرد على نووم تشـومسكي
إنك تدافع عن نظام للفصل العنصري في فلسطين

   

 

·         ليس من حق أحد مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة لمجرد رفض إسرائيل والولايات المتحدة له

·         خوف تشومسكي على اليهود من أن يصبحوا أقلية أعطاه الحق في إنكار العدالة للفلسطينيين

·         منذ متى كان دور النشطاء المؤيدين للمضطهدين تقديم التنازلات نيابة عنهم؟

·         لا يحق لإسرائيل أن ترسم حدود العدالة التي يطالب بها الفلسطينيون وأنصارهم

·         تشومسكي يعتبر تحقيق المساواة للجميع ضربا من المثالية ويدعو الى الواقعية!

·         الفلسطينيون يطالبون بدولة علمانية ديمقراطية منذ عام 1968

·         وثيقة جنيف لا تحقق الحد الأدنى للحل العادل وهي أسوأ من "أوسلو"

·         الانتفاضة الثانية نجحت في تهديد الهوية اليهودية للدولة العبرية

 

أجرى المقابلة: ستيفن ر· شالوم وجستين بودر

أثارت المقابلة التي أجراها ستيفن شالوم وجوستين بودر مع عالم اللغويات والمفكر اليهودي الأمريكي الشهير نووم تشومسكي ونشرها موقع Znet على شبكة الإنترنت في الثلاثين من مارس الماضي، سجالا حاميا بين تشومسكي والمفكر اليهودي الأمريكي نوح كوهين·

وقد رد كوهين على تشومسكي في أواخر أغسطس الماضي على الموقع نفسه، مما اضطر الأخير للرد فـــي اليوم ذاته دفاعا عما طرحه من آراء بشأن المسألة الفلسطينية ورؤيته لحلها·

ووجه كوهين انتقادات حادة لتشومسكي لدفاعه عن حل يقوم على أساس دولتين في فلسطين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية معتبرا أن الحل العادل يقوم على أساس إقامة دولة علمانية ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية ويتمتع السكان فيها بالمساواة في الحقوق والواجبات·

ويهاجم كوهين نمطا من المفكرين الأمريكيين الذين يختارون التمسك بـ "المبادئ" حينا ويتذرعون بـ "الواقعية" أو "البراغماتية" أحيانا من أجل الترويج لحلول غير عادلة للقضية الفلسطينية بذريعة أن هذه الحلول لا تحظى بتأييد أمريكي أو دولي·

ويرفض كوهين الحل القائم على دولتين لأنه يشرع بقاء النظام الإسرائيلي الاستيطاني الذي يعتمد على سياسة الفصل العنصري كما كان عليه الوضع في جنوب أفريقيا والذي رفضه الغرب وساعد في "النهاية" في انهياره، ويتساءل عن السبب في رفض هذا النظام في جنوب أفريقيا والترويج له في فلسطين؟

لقد أجبر كوهين نووم تشومسكي - وهو المصنف ضمن المثقفين التقدميين اليساريين في الولايات المتحدة والمعروف بمواقفه المؤيدة للحقوق الفلسطينية والمعارضة للاحتلال الإسرائيلي والقمع ضد الفلسطينيين - على العودة الى الخطوط الدفاعية، مكررا القول إن أحدا في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني أو في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعامة، لا يقبل بإقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين من جهة، ولأنه يعتقد أن قيام مثل هذه الدولة قد يجعل اليهود أقلية في دولة تهيمن عليها الأغلبية الفلسطينية في ظل وضع لا ضمانة فيه لاستمرار الديمقراطية·

وقد رأت "الطليعة" نشر المقابلة مع تشومسكي ثم رد كوهين عليها ودفاع تشومسكي عن آرائه، تباعا، لأهمية هذا الجدل حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وآفاق الحل·

 

إنه لمن المثير أن نرى متى يقرر المفكرون والتقدميون الأمريكيون التحلي "بالواقعية" ومتى يكونون مبدئيين ومتى يقبلون بالإجماع الإعلامي العام "حدود الجدل المقبولة" ومتى يرفضونها حين يتعلق الأمر بفلسطين، وفي حالة فلسطين يتحول أولئك المعروفون بالدعوة الى الاستقامة والأمانة في المطالبة بالعدالة في الجدل السياسي والذين ينتقدون البراغماتية الزائفة الموجهة الى المؤسسات الإعلامية والمستشارين والأكاديميين والسياسيين الذين يثيرون التساؤلات حول تعميم البيانات حول الإجماع الشعبي ويتحولون فجأة الى مؤمنين بالبراغماتية وبحدود ما يسمح به الجدل، ففي المقابلة مع نوم تشومسكي المنشورة في موقع Znet تحت عنوان "العدالة لفلسطين" في الثلاثين من مارس 2004 يمكن للمرء أن يجد نموذجا للذرائعيين اليساريين لاسيما أن المقابلة تتضمن الكثير من الجدليات التي تقدم لإضفاء صبغة المشروعية على شكل من أشكال استمرار وجود نظام إسرائيلي من الاستعمار والفصل العنصري وتوفير الدعم له في أوساط التقدميين الأمريكيين، والتي تستحق منا مراجعة كاملة، وتعتمد هذه الجدلية بشكل عام على ركنين أساسيين:

الأول: وجوب فصل تاريخ إسرائيل الاستيطاني الاستعماري التوسعي عما سواه من التاريخ الاستعماري باعتباره حالة خاصة ومنح مراعاة خاصة للمستوطنين المستعمرين الإسرائيليين باعتبارهم جماعة مضطهدة عبر التاريخ·

والثاني: بما أن "الجماعة المضطهدة تاريخيا" تمتلك أيضا قوة عسكرية هائلة وأسلحة نووية ودعما عسكريا واقتصاديا أمريكيا فإن الدعوة لإنهاء النظام الاستعماري غير منطقية ولا تؤذي إلا المستعمرين، ولا بد من تحويل هذه الدعوة الى نشاط مفيد·

 

محاولة يائسة

 

الركن الأول محاولة يائسة لتحقيق فرضيات حول العدالة والثاني محاولة لتسويغ هذه الدعوة بالحجج حول الواقعية·

1 - هذه هي الحجج التي يقدمها تشومسكي بشكل أساسي ضد الدعوة للديمقراطية والحقوق المتساوية لكل سكان فلسطين التاريخية، وحجتهم في ذلك هي: أن الأمر سينتهي بالدولة الديمقراطية على أرض فلسطين التاريخية التي تمنح فيها الحقوق المتساوية للجميع بجعل اليهود أقلية مضطهدة "جدل افتراضي"، وأن مثل هذه الدعوات غير واقعية في كل الأحوال ولن تنفع سوى المتطرفين الصهاينة لتبرير برنامجهم للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين بشكل أكثر "جدل ذرائعي"، وعليه فإن فلسطين ليست افتراضيا كجنوب إفريقيا حيث كانت الحقيقة في النقاش حول سياسة التمييز العنصري ترتكز على حقيقة أنه مع أن البيض كانوا أقلية فلم يكن هذا يعني منحهم الحق للحفاظ على امتيازات خاصة عن طريق القوة العسكرية فقد كانوا نظاما استيطانيا استعماريا وكانت الامتيازات الخاصة هي بالتحديد ما تعارضه الحركة المناهضة للتمييز العنصري، لكن بطريقة ما فإن الحال بالنسبة "للدولة اليهودية" هي وجوب محافظة الأقلية المستوطنة المستعمرة على حالة امتياز عن طريق فرض القوة على الأرض التي تم الاستيلاء عليها عن طريق العدوان العسكري، فلسطين ليست كجنوب إفريقيا افتراضا، لأن الدعوات لإنهاء النظام الاستيطاني الاستعماري محكوم عليها بالفشل لأنها لن تحظى أبدا بالدعم الدولي الكافي لتصبح فعلية·

2 - ففي الحوار الذي دار مع تشومسكي، سأله كل من ستيفن س· شالوم وجستين بودر حول رؤيته لاحتمال "حل دولة واحدة في صورة دولة علمانية وديمقراطية" كان جوابه كالتالي:

"لم يقدم أبدا اقتراح شرعي لدولة علمانية ديمقراطية من أي جماعة فلسطينية مهمة "أو بالطبع إسرائيلية" ويمكن لأي كان مناقشة هذا نظريا حول ما إذا كان "مرغوبا" لكنه غير واقعي على الإطلاق، ولا يحظى بأي دعم دولي يذكر ويكاد كل من في إسرائيل يعارضه فمن المفهوم أن هذه الدولة سرعان ما ستتحول الى دولة فلسطينية ذات أقلية يهودية دون أن تتوافر فيها ضمانات للديمقراطية أو للعلمانية "حتى في حال قبول وجود الأقلية وهذا لن يحدث بالطبع" إن الذين ينادون بدولة ديمقراطية علمانية هم في رأيي يقدمون أسلحة للعناصر الأكثر تطرفا وعنفا في كل من إسرائيل والولايات المتحدة·

 

امتيازات خاصة

 

بقراءة هذه التعليقات يتعجب القارئ لكيفية فهم تشومسكي لمصطلحي "الشرعية" و"مهمة"، هل الفلسطينيون مؤهلون حقا؟ لقد اقترحت كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قيام دولة ديمقراطية علمانية على كل أراضي فلسطين التاريخية منذ أوائل العام 1969 وقد عبر ممثلو أهم المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية عن هذا الهدف في السنة نفسها، وقد ظلت هذه رؤية مركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية لسنوات تلت، والأهم هو أن فكرة التحرير الفلسطينية كما عبر عنها ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1968 ترفض بناء المستعمرات على أساس تقسيم عرقي وديني: فكل سكان فلسطين التاريخية بغض النظر عن الدين كانوا يعتبرون فلسطينيين وكان لهم الحق في حرية العبادة، لم ترفض منظمة التحرير اليهود لكنها رفضت المستوطنين المستعمرين والدولة التي أنشئت لتخدم مصالحهم الخاصة، فالدولة العلمانية الديمقراطية التي ناصرتها شريحة مهمة من الحركة الفلسطينية خلال السبعينيات كانت بمثابة أمر مسلم به ضمنيا بالنسبة الى مجتمع المستوطنين، ومحاولة كريمة لاحتواء المستوطنين وأبنائهم في فلسطين المحررة على شرط استعدادهم التخلي عن الامتيازات الخاصة، لكن هذا الكرم لم يلق أي صدى عند أي من الحركات البارزة في إسرائيل، فهل يحدد هذا الرفض الإسرائيلي حدود العدالة التي يقاتل من أجلها الفلسطينيون ومؤيدوهم؟

لكن ما يلفت النظر هو التهديد الأخير، فعندما زرت فلسطين في صيف العام 2003 كان الإسرائيليون منغمسين في تطويق الفلسطينيين في نظام من السجون المفتوحة باسم "الأمن" وكانوا منهمكين في ضم أراضيهم الى المستوطنات حتى عندما كان ممثلو السلطة الفلسطينية يجتمعون مع شارون وبوش لمناقشة خطة "خريطة الطريق للسلام" لم يدفع هذا أيا كان للمطالبة بدولة علمانية وديمقراطية إذ إن هذا كما يرى تشومسكي لم يكن مطروحا حتى على طاولة المفاوضات·

3 - إنه لمن المزعج حقا أن نرى تشومسكي يضع حدود الفعالية عند حدود الخطاب السائد "أي ما قد يؤخذ على محمل الجد" من قبل "الجمهور الإسرائيلي" أو "الرأي العام الأمريكي" أو "الدولي"·

وإليكم ما قاله تشومسكي حول حق العودة:

"لا يحظى هذا الأمر بتأييد دولي يذكر وبافتراض وجود هذا التأييد ستلجأ إسرائيل الى أقوى أسلحتها حتى لو أدى هذا الى مواجهة الولايات المتحدة لمنع ممارسة هذا الحق···· وفي رأيي فمن غير المناسب تعليق آمال لا يمكن تحقيقها أمام أعين أناس يعانون من بؤس واضطهاد بل يجب بذل الجهود البناءة لإنهاء معاناتهم والتعامل مع مشاكلهم في العالم الواقعي·

وبذلك يلغي تشومسكي حق العودة الذي يعتبر حقا إنسانيا رئيسيا يمتلكه اللاجئون الفلسطينيون أفرادا وجماعات والذي لا يمكن التخلي عنه بالنيابة عنهم من قبل أي كان بعبارات قليلة بحجة الإشارة الى "الدعم الدولي" السائد، لا بد من ملاحظة الطريقة الأبوية التي يستخدمها تشومسكي لرفض "تعليق آمال لا يمكن تحقيقها أمام أعين" الشعب الفلسطيني كما لو أن حق العودة كان أمرا يستطيع هو أو "نحن" منحه أو منعه عن مجتمع مضطهد ومعتمد على التبرعات، وليس حقا نظم من أجله مجتمع اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم لخوض صراع دولي، إن حق العودة ليس "أملا" يستطيع تشومسكي أن "يعلقه أمام أعين" الفلسطينيين إنه حق يمتلكونه ويحاربون في سبيل تحقيقه بكل قوة، ولا يستطيع هو سوى أن يؤيد نضالهم أو يعارضه·

 

إبادة جماعية

 

والحقيقة الملفتة للانتباه في سائر المقابلة أن الفلسطينيين لا يظهرون كشعب له تمثيل تاريخي، فعندما يقول تشومسكي إن أغلبية المواطنين الإسرائيليين والأمريكيين يؤيدون الحل القائم على أساس دولتين فإنه يخفق في ذكر أن بداية الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني في وجه نصف قرن من المحاولات الإسرائيلية للإبادة الجماعية لمحو مجتمعهم وتاريخهم وثقافتهم إنما جاء نتيجة مباشرة للمقاومة الفلسطينية ضد الفارق العسكري والاقتصادي والسياسي الشاسع، ويبدو أن تقييم تشومسكي "للدعم الدولي" بعيد كل البعد عن الرأي العام الدولي على أرض الواقع، فحينما تظهر جماهير شعب ما معارضتها للولايات المتحدة أو الأنظمة الامبراطورية الأوروبية سواء كانت ضد الحروب الاستعمارية أو الغزو الاقتصادي أو أدوات الإخضاع الاقتصادي تجد أن المقاومة الفلسطينية قد استحوذت على خيال وتعاطف المجتمع الدولي، فحاليا ينتشر نداء "عولمة الانتفاضة" من أوروبا وصولا الى أمريكا الجنوبية·

4 - وفي مواجهة الدعوة للعدالة والحقوق المتساوية للجميع التي يقال لنا عنها إنها دعوة غير عادلة ومثالية جدا يعرض تشومسكي تسويته الواقعية لتحقيق العدالة أي الحل القائم على دولتين على أساس اتفاقية جنيف (إذا ما حظيت بدعم الولايات المتحدة والتي قد تفعل ذلك إذا ما ضللنا النشطاء المؤيدين لفلسطين فعندها يكون بالإمكان تكريس الطاقات لهذا الحل الواقعي) وها هي حسابات تشومسكي للتسوية: "ليس هناك صيغة عامة لقبول التسويات فكل اتفاقية أو معاهدة عبارة عن تسوية وسط ولا تكون عادلة وبعضها يستحق القبول والبعض الآخر لا· مثلا جنوب إفريقيا العنصرية فكلنا كنا مع نهاية نظام الفصل العنصري مع أن التسوية لم تكن عادلة تماما، يحب أن تقبل التسويات إذا ما كانت أفضل ما يمكن التوصل إليه ويمكن أن تفضي الى نتائج أفضل هذا هو المعيار الواجب علينا اتباعه وعليه يجب رفض تسوية الدولتين التي اقترحها شارون والتي تترك الفلسطينيين حبيسي "بانتونات" في قطاع غزة وحوالي نصف الضفة الغربية لأنها لا تطابق هذا المعيار بشكل جذري، لكن اتفاقية جنيف تقترب من هذا المعيار وعليه يجب قبولها في رأيي"·

 

تمييز عنصري

 

من الجدير بالملاحظة اعتراف تشومسكي في حالة جنوب إفريقيا بفشل التسوية في تحقيق العدالة فحتى النهاية الرسمية لسياسة التمييز العنصري لم تلغ حالة عدم المساواة الشاسعة في تركيز الثروات والسلطة فيما بين البيض من جنوب إفريقيا أما فيما يتعلق بالفلسطينيين فالواقعية تتطلب ألا يناضل الفلسطينيون حتى لمثل هذا القدر إذ إن حل تشومسكي يقضي بفرض نسخة معينة عما رفضته الحركة المناهضة لسياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا منذ أربعين عاما ألا وهو دولة "معسكرة" لليهود فقط بجانب نظام منزوع السلاح لبانتونات فلسطينية ودون الوقوع في أي خطأ فعلى الرغم من كل مزاعم تشومسكي فهذا هو فعليا الحل الذي تقدمه اتفاقية جنيف·

5 - إنه لمن الجيد أن نعرف على الأقل في هذه الحالة ما هي المتطلبات الواقعية للحل القائم على دولتين في المتغيرات المعتادة لهذا الجدل من وجهة النظر الذرائعية هناك امتعاض لأن المتحدث لا يؤمن إلا بالحل المثالي الطوباوي القائم على دولتين لكنه لا يستطيع تحديده بأي تفاصيل، وتلك الحالة المثالية عادة ما تتمثل في الحل القائم على دولتين مختلف كليا عن كل الاقتراحات المقدمة حتى الآن، وهو حل "يعطي كلا الجانبين حقوقا متساوية" يعيشون بعده في سعادة دائمة جنبا الى جنب وفي سلام وهنا يعطينا تشومسكي على الأقل شيئا محددا وتاريخيا ألا وهو الحل المبني على أساس اتفاقية جنيف·

ما تعنيه اتفاقية جنيف حقيقة وما يقصد فعلا من تحقيقه لإسرائيل يعبر عنه بأفضل ما يمكن عمرام متسناع في مقالة بعنوان "إنهم خائفون من السلام" والتي نشرها في 16 أكتوبر 2003 حيث يقول "لثلاث سنوات غسل رئيس الوزراء عقول الشعب على أساس أن القوة ستحقق النصر"، هو ورفاقه جعلوا الشعب يصدق أنه يوجد شريك للتفاوض معه وأنه بإمكان الجيش الإسرائيلي تحقيق النصر وأن الفلسطينيين سيهزمون إذا ما استخدمنا المزيد من القوة·

"لقد قالوا للمواطنين إنه إذا كنا أقوياء فإن الإرهاب سينتهي، لكن الوضع ازداد سوءا فقد أصبحت الاغتيالات هي السياسة الوحيدة للحكومة وعوضا عن اجتثاث الإرهاب بدؤوا يهددون بمحو كل ما تبقى من البلاد وأضاف يقول: "إن العنف يتزايد والاقتصاد مستمر في الانهيار والمجتمع يتفكك وتهدد حقيقة التركيبة السكنية وجود إسرائيل كدولة يهودية، لكن أيا من هذا لم يجعل الحكومة تغير اتجاهها أو تحاول سلوك طريق آخر"·

"لقد قدنا معارك من أجل القدس، وجبل الهيكل والمستوطنات وحاربنا من أجل الحدود الدائمة لإسرائيل ولوجود إسرائيل بحد ذاته وهويتها وحققنا إنجازات كثيرة"·

"للمرة الأولى في التاريخ يعترف الفلسطينيون علنيا ورسميا بدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي وللأبد وتخلوا عن حق العودة لصالح دولة إسرائيل وبذلك تم ضمان أغلبية يهودية ثابتة وصلبة، وسيظل الحائط الغربي والحي اليهودي وبرج داود في أيدينا"·

 

سيناريو واقعي

 

يتضح أمران من نقاش ميتسناع: الأول أن الانتفاضة الثانية نجحت بشكل لم يتخيله أحد من الصحافة هنا في الولايات المتحدة أو من نقاش تشومسكي في تهديد وجود إسرائيل كدولة يهودية، والثاني أنه كان من المفترض أن تحقق اتفاقية جنيف عن طريق المفاوضات ما عجز عن تحقيقه نظام شارون عن طريق القوة ألا وهو كسر المقاومة الفلسطينية وإعطاء شرعية كاملة ودولية للمناطق المحتلة عام 48 وتوسيع حدود الدولة على حساب الأراضي المحتلة عام 67 والتي سيتم ضمها الى إسرائيل الشرعية وكما قال ميتسناع فهي عبارة عن تجربة "لمسار آخر"·

في الوقت نفسه ستكون اتفاقية جنيف بمثابة معاهدة دولية تعطي الشرعية القانونية لمجموعة من الظروف على أرض الواقع تمهد الأرض لنشاط إسرائيل الحتمي الاستعماري والتوسعي، وتضمن الاتفاقية أن "الدولة الفلسطينية" لا تملك أي وسيلة للدفاع عن نفسها ضد أي عدوان إسرائيلي وأن تبقى إسرائيل القوة المسيطرة للغزو في أي وقت، وسوف يتم ضم المستوطنات المكتظة حول القدس والتي تحتوي على أعلى تركيز للمستوطنين في الضفة الغربية والتي ستقطع فعليا الضفة الغربية الى نصفين، الى إسرائيل للأبد والضمان الوحيد لعدم استمرار إسرائيل في توسعة تلك المستوطنات وبناء مستوطنات جديدةوالقيام بالاكتساح العسكري كلما حاول الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم ضد هذه التجاوزات هو وعد مبهم بأن معظم الإسرائيليين يريدون السلام حقا ومجددا لا نتوقع من تاريخ إسرائيل أو تاريخ المشاريع الاستعمارية عموما الواقعية لهذا السيناريو الواقعي·

 

حقائق تاريخية

 

6- هناك عنصرية متعمدة في الطريقة التي يقيم فيها تشومسكي الواقعية بالنسبة للسيناريوهات المختلفة: فهو يقول إنه من غير الواقعي على الإطلاق تخيل أن يعيش الشعب اليهودي بأمان كأقلية في الدولة الفلسطينية المبنية على أساس الديمقراطية والحقوق المتساوية، والأكثر إزعاجا قلقه حول مصير الأقلية اليهودية في الدولة الفلسطينية البارز جدا في عقله لدرجة تبرير المعارضة لإنهاء الموقف الحالي والذي يعيش بمقتضاه الشعب اليهودي كمستعمرين ذوي امتيازات على أرض فلسطين، وهنا من المفترض بنا أن نطبق مفهوم المؤلف عن الواقعية، ومن ناحية أخرى من المفترض أن يكون واقعيا على الرغم من أنه وعلى مدى التاريخ فقد ثبت النقيض دوما فكيف يتوقع الفلسطينيون أن تقوم إسرائيل المجاورة في ظل حل قيام الدولتين أن تحترم أراضيهم على الرغم من عدم امتلاكهم الأسلحة للدفاع عن أنفسهم؟ والمدهش أكثر هو أن يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بحمايتهم تحت ضغط الشعب الأمريكي، ويبني آماله في هذا على ما يبدو على النوايا الحسنة للإسرائيليين والأمريكيين (حتى بعد آثار عقود من سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها أمريكا في دول أخرى وحركات الاحتجاج التي لم تصل أبدا الى مستوى يمنع الغزو الأمريكي"، ومن المفترض أن تنطبق المثالية على هذه الحالة·

وفي تحديد ما هو واقعي يفترض بنا البعض أن نتجاهل أوضح الحقائق التاريخية ألا وهي أن الفلسطينيين عاشوا قرونا من التعايش الديني قبل الصهيونية وهو تعايش التزمت به كل الأطراف المعنية بالنضال الفلسطيني من أجل التحرير رسميا لدرجة أن الولايات المتحدة وأوروبا والآن إسرائيل لديهم تاريخ ثابت في خرق المعاهدات والاتفاقيات الدولية "بما فيها أعلى مواثيق القانون الدولي" التي تحترم سلامة المناطق خصوصا سلامة مناطق السكان الأصليين وأن هذه العملية غالبا ما تنتهي في ما يشبه الإبادة الجماعية الكاملة في أي منطقة يضع فيها مثل هؤلاء السكان أسلحتهم ويتوقفون عن الدفاع عن أنفسهم·

 

قدر لا مفر منه

 

7- يشبه مفهوم تشومسكي عن الواقعية النقاش الاستعماري حول "القدر الذي لا مفر منه" الى حد كبير حيث تذهب الجدلية الى أنه سواء كان ذلك خيرا أم شرا صحيحا أم خاطئا فهذه هي الحقائق على أرض الواقع وهكذا يعمل التاريخ، تحت اسم هذه "الواقعية" أجمع الناشطون والمفكرون في المجتمع الدولي على اعتبار أنفسهم مؤيدين للفلسطينيين في وقت واحد ومع هذا يتنازلون عن كل حق يطالب به الشعب الفلسطيني، بالإشارة الى اتفاقية جنيف كتسوية شرعية بحرية التخلي عن الحقوق التالية بالنيابة عنهم:

- الحق بالمطالبة بالسيادة على كامل الأرض المسلوبة منذ العام 1948·

- حق اللاجئين في العودة حتى الى هذه الأراضي·

- الحق في المطالبة بأكثر المناطق كثافة استيطانية في الضفة الغربية·

- الحق بحرية الحركة داخل "الدولة" الفلسطينية الجديدة "حيث إن مستوطنات الضفة الغربية من المفترض أن تعلن جزءا دائما من إسرائيل قاطعة بذلك المنطقة الى كانتونات مفصولة تكون بدورها مفصولة عن غزة"·

- الحق في السيادة الكاملة على الحدود والمجال الجوي·

- الحق في امتلاك قوة عسكرية مستقلة قادرة على الدفاع عن النفس·

- الحق في السيطرة الكاملة على الموارد·

 

مبادئ راسخة

 

وبشكل عام يعني هذا أن "أفضل تسوية ممكنة" التي تعد "بأن تؤدي الى شيء أفضل" تتطلب أن يتنازل المسؤولون الفلسطينيون أولا عن كل الشروط الأساسية التي يعتمد عليها حق تقرير المصير، ومن الصعب أن ندرك كيف يمكن أن تؤدي هذه التنازلات الى "نتائج أفضل"·

الأهم بالنسبة إلينا هو كيفما يقيم أحدنا الاحتمالات الواقعية المتوافرة للشعب الفلسطيني في نضالهم من أجل التحرير، فمن المستحيل أن ندرك يكف يمكن لأي كان في المجتمع الدولي مساعدة نضالهم عن طريق التنازل عن أمور ذات مبادئ راسخة وتكون المصداقية في مثل هذه الأمور هي من أبسط مسؤولياتنا·

فإذا آمنا بأن الاستعمار والتمييز العنصري والإبادة الجماعية غير عادلة فمن الواجب أن نعارضها بشكل منظم مبدئيا وأن نحاربها بكل الوسائل المتاحة لدينا·

لقد وصف صديق لي من الناشطين لفترة طويلة ضد سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والآن من الناشطين من أجل تحقيق العدالة للفلسطينيين الأمر بإيجاز بليغ في مواجهة لأصحاب البرغماتية الذرائعية قائلا "منذ متى كان دور الناشطين المتضامنين من المجتمع المضطهد أن يقدموا تنازلات بالنيابة عن المضطهدين؟"

 

·         يعمل نوح كوهين كناشط مع "لجنة نيو انجلند" New England Committee للدفاع عن فلسطين في بوسطن بولاية ماساتيوشتس سافر كثيرا الى الشرق الأوسط بما في ذلك فلسطين وناضل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني خلال النضال الفلسطيني من أجل حق العودة وحل الدولة الواحدة في فلسطين·

 

المصدر: Znet

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

طباعة