رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 29 شعبان 1425هـ - 13 أكتوبر 2004
العدد 1649

السيستاني هو الرجل الأقوى سياسيا ودينيا في البلاد
تأجيل الانتخابات العراقية ليس نهاية العالم

                                            

 

·       على أمريكا استخدام عصا الإخضاع  العسكري وجزرة الحوافز السياسية

·         عزل السنة عن العملية السياسية يضع العراق أمام حرب أهلية

 

بقلم: نوح فيلدمانü

يشعر الزعيم الشيعي البارز آية الله علي السيستاني بالقلق من أن الشيعة قد لا يحصلون على تمثيل كاف في أي حكومة عراقية مستقبلية، الأمر الذي غذّى المخاوف من أن الانتخابات المقرر إجراؤها في شهر يناير المقبل قد لا تجرى، وحتى إذا جرت الانتخابات في موعدها، فإن الكثير من رجال الدين السنة يحثون أنصارهم على مقاطعة هذه الانتخابات·

ومع ذلك، فإن الوضع قد لا يكون بهذا القدر من السوداوية التي يبدو عليها، أولا، فإن نظرة فاحصة للرسائل الصادرة عن معسكر السيستاني تكشف أن تدخله في هذه العملية يبدو محاولة محسوبة لتحسين فرص الشيعة بالنجاح أكثر من كونها محاولة لتعطيل الانتخابات·

وثانيا: فإن تأجيل الانتخابات لن يكون نهاية العالم، بل ربما يكون هذا هو المطلوب في الواقع، لضمان أن تنظر إليها كل المجموعات الإثنية والدينية في العراق على أنها شرعية·

في الواقع، فإن سبب ذلك له علاقة بالسنة أكثر من السيستاني، فمن دون مشاركة السنة، ستكون نتائج الانتخابات أسوأ من كونها عديمة الفائدة، ولفهم ذلك يتعين على المرء أن يضع في ذهنه أن الهدف من الانتخابات ليس فقط اختيار حكومة شرعية، بل أيضا انتخاب قادة يمكنهم التفاوض لوضع دستور دائم للعراق، وعلى الرغم من أن هذا الدستور سيضمن الحقوق الأساسية، فإنه سيعكس أولا وقبل كل شيء، تقاسم السلطة بين مختلف الفصائل العراقية كالشيعة والأكراد والسنة·

إذن، فإن استبعاد السنة لأسباب أمنية أو إذا قرروا المقاطعة، فلن يكون بمقدورهم انتخاب قادة لديهم الصلاحية للتفاوض نيابة عنه، وسوف ترفض الغالبية العظمى من السنة الاتفاق الدستوري باعتباره غير شرعي·

 

هاملت

 

لقد ظلت الأقلية السنية تهيمن على السياسات العراقية منذ زمن طويل، وأظهرت على مدى الثمانية عشر شهرا الماضية أنها قادرة على تنظيم تمرد عنيف ضد الحكومة التي لا تراعي مصالحها·

إن بحث دستور جديد في غياب المشاركة السنية سيكون أشبه بعرض مسرحية "هاملت" على خشبة المسرح من دون شخصية الأمير·

وهذا بالضبط ما سوف يحدث إلا إذا تمكنت القوات الأمريكية والعراقية من ضبط الأمن في منطقة المثلث السني وإتاحة الفرصة لإجراء الانتخابات فيها وإقناع زعماء السنة بالمشاركة·

وعلى الرغم من أن بعض رجال الدين السنة نصحوا أتباعهم بمقاطعة الانتخابات، فإن الوضع قد يتغير إذا أوضح للمتمردين أنهم في الوقت الذي لا يمكنهم فيه تحقيق النصر في هذه الحرب، فإن أمامهم إمكانية حقيقية لجني حصتهم من موارد البلاد إذا شاركوا في الحكومة الجديدة·

في المدى الطويل، فإن السبيل الوحيد لإنهاء الإرهاب هو تجفيف بحر السخط السني، وهذا يتطلب عصا الإخضاع العسكري وجزرة الحوافز السياسية، فإذا لم يتمكن أو لم يرغب السنة بالمشاركة في الاقتراع، فإن الحرب الأهلية تصبح على الأبواب·

إن خلق الظروف التي تمكن السنة من المشاركة في الانتخابات قد تستغرق بعض الوقت، لكنه وقت سيُحسن استغلاله، وإذا كان ذلك يعني ضرورة إرجاء موعد الانتخابات فليكن·

فالموعد النهائي المحدد في شهر يناير يكتسب صبغة تعسفية شأنه شأن كل المواعيد النهائية في العملية السياسية، وسوف تكون النتائج عكسية إذا ما فرضت انتخابات ينظر إليها على أنها غير شرعية·

وبالنسبة الى السيستاني، فإن مشكلة مشاركته بالتحديد هي في خطة وضعتها بعض الأحزاب الرئيسية التي يمثل معظمها أكراد وشيعة المنافي، لتشكيل قائمة موحدة أو "قائمة إجماع" فمثل هذه القائمة قد تهيمن على صناديق الاقتراع، ويساور السيستاني القلق من أن ينتهي الحال بالشيعة أن يشكلوا 55 في المئة من الحكومة الجديدة، فهو يعتقد أن هذا الرقم يستند الى إحصاءات قديمة لنسبة السكان الشيعة أقل مما هي في الواقع·

فمسألة التمثيل النسبي لمختلف الفصائل العراقية، وترتيب الأسماء على القوائم تحدد من يحصل على مقاعد في المجلس التشريعي، تكتسب أهمية لا تقل عن الانتخابات ذاتها·

فاسم المرشح الأعلى على القائمة، تزيد فرص انتخابه، ولذلك يريد السيستاني ضمان وجود أكبر عدد ممكن من الشيعة في صدارة القوائم·

 

الإسلام والديمقراطية

 

وهذه التذمرات تمثل مشكلة حقيقية، لكن يجب عدم النظر إليها باعتبارها رفضا من السيستاني للمضي قدما في العملية، فتأثيره على الشيعة كبير جدا، لدرجة أن بوسعه استبعاد فكرة قائمة الإجماع بمكالمة هاتفية واحدة للزعماء السياسيين الشيعة الذين يتفاوضون عليها·

وهكذا، فإن تصريحاته تستهدف - على ما يبدو - تحسين الوضع السياسي للشيعة في وقت يتناقشون فيه مع الأكراد العلمانيين وغيرهم على عدد الأسماء على القائمة، ويمكن للشيعة أن يقولوا إنهم إذا لم يحصلوا على عدد كاف من الأسماء في صدارة القائمة، فلن يكون أمامهم من خيار سوى الانصياع لمطالب زعيمهم، وخوض الانتخابات منفردين، وفي كلتا الحالتين، يقدر السيستاني أن الشيعة لن يحصلوا على أقل من حصتهم العادلة·

لقد لعب آية الله السيستاني دورا حيويا في العمليات السياسية والدستورية التي أوصلتنا الى ما نحن فيه، لقد أكد في كل مرحلة أن الديمقراطية تقتضي حكم الأغلبية، وهي النقطة التي لا يمكن لأي ديمقراطي أن يجادل فيها·

إن حقيقة أن الصوت الأقوى المؤيد للديمقراطية في العراق هو رجل الدين الأبرز، أمر يحظى بأهمية عميقة ودليل على الإيمان المتنامي بأن السلام والديمقراطية لا يمكن التوفيق بينهما فحسب بل يكمل بعضهما بعضا أيضا·

وبدخوله الجدل حول الانتخابات، يكون السيستاني قد فتح الباب لاتهامه بأنه يسعى لتعزيز المصالح الضيقة للشيعة الذين لم يسمح لهم أبدا بمشاركة سياسية توازي عددهم، فالديمقراطية الدستورية تتطلب حماية حقوق الأقليات وليس فقط استئثار الأغلبية بكل السلطات، وهو الأمر الذي لم ينكره السيستاني قط، ولكنه كان بطيئا في الإقرار به، وبمشاركته في الجدل الأخير حول المشاركة السياسية، فقد اقترب السيستاني أكثر من أي وقت مضى، من لعب دور السياسي بدلا من رجل الدين، ومع ذلك كان لتصريحاته حسناتها خصوصا حين قال إن من مصلحة الجميع أن يجد الشيعة والأكراد والسنة التمثيل المتناسب مع عددهم·

وعلى صعيد آخر، أصر أياد علاوي في أثناء زيارته لواشنطن مؤخرا على إجراء الانتخابات في موعدها حتى "لو لم تكن هذه العملية مثالية"، وأبلغ وزير الدفاع إحدى لجان الكونغرس أن العملية الانتخابية قد تمضي قدما حتى لو لم تشارك بعض المحافظات·

وهذا سيكون خطأ، فلا أحد يتوقع الكمال لهذه الانتخابات، ولكن محاولة الاندفاع نحو الديمقراطية ستزيد فرص عدم إجراء هذه الانتخابات أصلا، فالعراقيون لم يطلبوا منا أبدا، غزوهم، ونحن مدينون لهم في خلق الظروف التي يمكن من خلالها بروز الديمقراطية التي يدلي فيها كل ناخب بدلوه·

 

ü أستاذ القانون في جامعة نيويورك والزميل في "مؤسسة أمريكا الجديدة" ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريبا بعنوان: "بماذا ندين للعراق: الحرب وأدبيات بناء الدولة"·

 

" عن نيويورك تايمز "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

لا يمكن لأمريكا أن تحظى بالأمن وهي مكروهة في العالم الإسلامي
مناهج الدراسة الأمريكية بحاجة الى تغيير أيضا

 
يفكرون بالسعي للمواطنة المتساوية بدلا من الاستقلال··
ربع الفلسطينيين يؤيدون حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة