رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 شوال 1425هـ - 1 ديسمبر 2004
العدد 1655

التدويل وتدخل الناتو في العراق
أفضل مخرج للإدارة الأمريكية

                                                                      

 

·       إذا سقط العراق في الفوضى فقد تمتد الى مختلف أنحاء العالم الإسلامي

·         التحالف الأمريكي - الأوروبي بديل عن الأمم المتحدة والإجماع الدولي

·         بوش يواجه وضعا دوليا أصعب مما واجهه أي رئيس أمريكي آخر

 

بقلم هنري كيسنجر

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق

لم يحدث أن واجه رئيس أمريكي أجندة بهذا التعقيد والاتساع كما هي الحال مع الرئيس جورج بوش، فلم يسبق أن تعين علينا أن نخوض حربا دون خطوط للجبهة أو مساحة جغرافية محددة، وفي الوقت ذاته العمل على إعادة بناء المبادئ الأساسية للنظام العالمي كي تحل محل تلك المبادئ التي طارت مع دخان مركز التجارة العالمي والبنتاغون·

وسوف يجد الرئيس بوش نفسه أمام تحد جديد لرسم خطوط نظام عالمي يعكس الظروف الثورية الجديدة، والحفاظ على هذا النظام·

ولا يمكن للولايات المتحدة المضي قدما بمثل هذه الأجندة إلا في سياق التزام كل الأطراف بالعمل على مداواة الجراح ومعالجة الانقسام الذي أحدثته الحرب على العراق· ويجب على كل من يهمه مستقبل العالم أن يساهم في إيجاد السبل للتعاون من أجل رؤية الأمريكيين مرة أخرى، يعملون من أجل مصير مشترك في الداخل والخارج·

وليست هناك قضية أكثر إلحاحا لتعاون الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكذلك تعاون المجتمع الدولي أكثر من المرحلة التالية للسياسة المتعلقة بالعراق، فإذا برزت حكومة راديكالية في العراق، بسبب هزيمة الولايات المتحدة أو شعورها بالإجهاد أو إذا غرق العراق بالفوضى الإرهابية· فإن العالم الإسلامي كله ستعمه الفوضى·

ويجب أن تجد الدول الأخرى أن مصلحتها التعاون، ولو في مجال إعادة البناء السياسي والاقتصادي للعراق على الأقل· وليس هناك حل وسط في مسألة استعادة الأمن، لاسيما في المناطق التي تحولت الى مأوى للإرهابيين·

 

نقطة البداية

 

أما الخطوة التالية فهي الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في نهاية شهر يناير المقبل والتي ينبغي عدم النظر إليها كنهاية المطاف، بل أولى وربما أقل الإنجازات تعقيدا على طريق حكم العراقيين لأنفسهم، فالانتخابات هي السبيل لتحقيق حكم الأغلبية بعد أن ظل السنة يحكمون العراق طوال أكثر من 500 سنة، ولذلك فإن التمرد في المناطق السنية ليس كفاحا وطنيا ضد الأمريكيين فقط، وإنما وسيلة لاستعادة هذه الفئة للهيمنة السياسية أيضا·

ولهذا، يجب النظر الى الانتخابات باعتبارها نقطة البداية لتنافس واسع بين مختلف المجموعات الأثنية والدينية في العراق، وهو التنافس الذي ينطوي على حظر اندلاع حرب أهلية أو كفاح وطني ضد الولايات المتحدة أو كليهما معا·

وفي ظل هذه الاحتمالات، فإن تدويل المسألة العراقية بدرجة أو بأخرى، قد يكون السبيل الواقعي الوحيد نحو تحقيق الاستقرار في العراق والتأييد الشعبي داخل الولايات المتحدة للسياسة الأمريكية هناك، وهذا يعني أيضا عدم اقتصار التركيز على الأمن ومشاركة دول أخرى وربما حلف الناتو في العملية·

وهذا ليس تخليا عن مبدأ الإجماع، فالولايات المتحدة بحكم وجودها العسكري ودورها المالي، لابد أن تحتفظ بموقع قيادي، ولكن من الأفضل تشكيل مجموعة استشارية تحت مظلة الأمم المتحدة للمساعدة في التطور السياسي للعراق، وحبذا لو ضمت دولا لها تجربة مع الإسلام الأصولي، ويهدد مصالحها قيام نظام راديكالي في العراق كالهند وتركيا وروسيا والجزائر، فضلا عن الولايات المتحدة وبريطانيا·

ففي حين أن الإسلام الأصولي هو التهديد المباشر والواضح للنظام العالمي، إلا أن انتشار الأسلحة النووية هو التهديد الأكبر لبقاء الإنسانية في المدى البعيد، وربما تكون كوريا الشمالية وإيران هما التحدي الأكبر على هذا الصعيد، لاسيما مع وجود نظام في طهران يدعم مجموعات إرهابية في الشرق الأوسط ويعلن أن الولايات المتحدة هي العدو الرئيسي لإيران·

وفي كل الأحوال، يجب ألا تترك مشكلة انتشار الأسلحة النووية للمفاوضات الثنائية بين الدول التي تشكل خطرا والولايات المتحدة، لتفادي أن تلجأ بيونغ يانغ أو طهران لاحقا، للابتزاز· ولذلك، فمن الأفضل التعامل مع هاتين المشكلتين وفق نهج جماعي لا أن تنفرد الولايات المتحدة في أي منهما·

 

صراع بقاء

 

فعلى الرغم من كل ما تحظى به الأزمات الإقليمية من أهمية، إلا أنها تضاءلت أمام التحول الجوهري للقوة ضمن النظام الدولي، ويتفق المؤرخون على أن ظهور ألمانيا الموحدة قبل قرن مضى أخل بتوازن النظام الأوروبي لأن ألمانيا (الموحدة) كانت أقوى من الدول المجاورة لها، وفي عصرنا، فإن بروز الصين كقوة عظمى محتملة، يحظى بأهمية تاريخية أكبر، حيث تعمل على إحالة مركز الجاذبية للشؤون الدولية من منطقة الأطلسي الى منطقة الهادي·

وللإنصاف فإن الصين لا تنتهج سياسات معادية (للولايات المتحدة) كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان أيضا يشكل تهديدا لكل جيرانه مجتمعين وفي وقت واحد واضطر الولايات المتحدة للدخول معه في منافسة من أجل البقاء·

ويشعر قادة الصين والولايات المتحدة بمسؤولية التعاون من أجل رفاه الأجيال المقبلة في البلدين والعالم، وبالنسبة للصين، فإن الأولوية يجب أن تكون ضمان ألا تحل القومية محل الشيوعية، في نهج يقوم على المواجهة، أما بالنسبة لأمريكا، فهي مقاومة إغراء النظر الى التاريخ من منظور أحدث التجارب بدلا من النظرة بعيدة المدى·

ويحتاج البلدان الى الدخول في حوار استراتيجي مستمر وعلى أعلى المستويات من أجل التوصل الى رؤية مشتركة للأهداف بعيدة المدى، وتقليص خطر المواجهة إذا فشل الحوار، وعليهما الحرص بألا تؤدي قضية تايوان الى تقويض العلاقات الطيبة بين البلدين·

وكل هذا يعيدنا الى العلاقات الأطلسية· فالحملة السياسية كشفت عن خلافات في هذا المعسكر بسبب الأخطاء الأمريكية التكتيكية قصيرة المدى، وهذه قراءة خاطئة للحقائق، فالمشكلة أعمق من كونها بين أشخاص· ويعود المأزق الراهن، في جزء منه، الى حقيقة أن الجيل الذي صاغ العلاقات الأطلسية قد اختفى عن مسرح الأحداث·

 

سوء تفاهم متبادل

 

إن أوروبا التي اخترعت مفهوم الدولية القومية، هي الآن في طور السعي للتخلي عن السيادة في كل دولة لصالح الاتحاد الأوروبي الذي لا يمتلك حتي الآن مقومات الدولة·

كل ذلك أدى الى سوء تفاهم متبادل (مع الأمريكيين)· فهذه الظروف لا يمكن إزالتها من خلال التشاور حول مسألة واحدة وتتطلب تغيرا جوهريا في المواقف على طرفي الأطلسي· فالدول التي تحد شمال الأطلسي بحاجة لأن تسأل نفسها السؤال الجوهري الذي طالما قضّ مضاجع الحلف، ألا وهو، ما الذي سيفعله الحلفاء لهذه العلاقة أكثر من الإجماع الدولي الذي تعكسه الأمم المتحدة؟

يشير الكثير من الجدل الأوروبي اليوم الى أن الجواب هو "القليل جدا"· إن رهن العمل العسكري المشترك لموافقة مجلس الأمن المسبقة يتناقض مع مفهوم التحالف الذي يعني مجموعة خاصة من الالتزامات، وهذا يؤدي الى تفكيك النظام الدولي في نهاية الأمر، وكذلك الشراكة الأطلسية التي تمثل حجر الزاوية فيه·

وحتى تكون العلاقة الأطلسية ذات مغزى، فإنها بحاجة الى أن تكون ذات طابع خاص، ويجب أن تكون الولايات المتحدة وأوروبا على استعداد للتعاون خارج ما تمليه المصالح القومية المباشرة ودون الإصرار على الإجماع الدولي·

ويجب تعميق الحوار بين طرفي الأطلسي والاتفاق على نهج جديد لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، فقد تعمق المأزق الدبلوماسي على مدى عقود لأن أوروبا تبنت المطالب الفلسطينية، بينما تبنت الولايات المتحدة أهداف إسرائيل، لكن الظروف الجديدة تسمح بالتقريب بين الرؤيتين، وفي خضم هذه العملية، يمكن للتحالف الأطلسي إعادة اكتشاف أهدافه المشتركة·

ويمكن تحقيق الانسجام بين نهج الأحادية والتعددية العالمية مع وضع هذا المنظور نصب أعيننا، فالأحادية من أجل الأحادية أمر يقود الى هزيمة صاحبه، ولكن التعددية المجردة تؤدي الى النتيجة ذاتها أيضا·

وربما يكون أفضل توصيف لمأزق عصرنا هو ما ورد على لسان الفيلسوف إيمانويل كنت قبل مئتي عام، حين قال إن قدر العالم هو السلام الأبدي· وهذا السلام سوف يتحقق إما ببعد النظر الإنساني أو بعد سلسلة من الكوارث التي لن تترك خيارا آخر، وهذا هو السؤال الذي على الرئيس بوش الآن مواجهته·

 

" عن انترناشيونال هيرالدتريبيون "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

ردا على المستشار القانوني لمنظمة التحرير مايكل طرزي:
الحديث عن حل الدولة الواحدة يفتح أبواب العنف في فلسطين

 
درس تعلمناه من تجربة جنوب إفريقيا
لايمكن لإسرائيل أن تظل خارج القانون الدولي